د. احمد النعمان
احياء للذكرى الخامسة والسبعين لميلاد (صاحب النخلة والجيران).
غائب طعمة فرمان 1928
والذكرى الثالثة عشر لرحيله
هذا فصل من كتابي: "غائب طعمة فرمان:ادب المنفى والحنين الى الوطن"&( دار المدى 1996)، اقدم هذا الفصل النص:
المكان: موسكو (مورغ)، غرفة الموتى
الزمان: "الخريف الاخير عام 1990
الزمان: "الخريف الاخير عام 1990
&
&لا . . . ليست هذه الدراما شيئا من مسرح اللامعقول. فكل ما جرى في حواري مع صديقي الراحل غائب طعمة فرمان كان واقعيا، وان كان ايضا خارج اطار المعقول؟! والا فكيف يكون معقولا، ان من كرس كل ابداعاته الادبية لوطنه العراق لا يجد في أرض بلاده قبرا يحوي رفاته بعد الرحيل الاخير؟! فيعيش ويموت ويدفن بعيدا عن الوطن. . . بعيدا عن ابطال رواياته العراقيين البسطاء الذين احبهم واحبوه ابتداء ب (النخلة والجيران) وانتهاء ب (المركب) المركب الذي رحل عنا مرة والى الابد، المركب الذي لن يعود مهما حاصرنا الحزن الازرق العميق!
يساهم في هذا الحوار (الرسام مظهر) احد ابطال رواية: (المرتجى والمؤجل). مظهر الذي هو الصورة الادبية عن الاصل كاتب هذه السطور، في الرواية الوحيدة من روايات الكاتب التي جعلت موسكو ساحة لها مكانا وزمانا - عن العراقيين في منفاهم هناك. اما غائب الصديق والاديب فيشارك في هذا الحوار عبر مقاطع من روايته (المرتجى والمؤجل) التي تدور حوادثها في مرسم مظهر - مرسمي آنذاك.
&الحوار مركب سوريالي تكون بنيته عناصر واقعية، الا انها تتفاعل مع بعضها بعلاقات غير واقعية. كما يختلط فيها الزمان بالمكان. يدور حوار الكاتب عن لوحاتي: (جيوكندة لم تبتسم ابدا!)، (الغابة القتيلة). (الرحيل) و ( فينوس والقواقع والبيض المفقوس)،(0حدث في متحف) وغيرها من اللوحات. عن ذلك فيما بعد، اما الآن:
&في السابع عشر من اغسطس آب عام 1990 توقف قلب الكاتب العراقي الكبير عن الخفقان. لقد كان غائب طعمة فرمان اسير الغربة والمنفى طيلة حياته.. وها هو الآن ايضا اسير المنفى بعد موته، حيث دفن جثمانه في مقبرة (ترويه كوروفا) في ضواحي موسكو منفاه الاخير.
&قبل يومين من رحيله الاخير عنا قال لي:
- غدا ساودع زوجتي لتقضي اجازتها في الجنوب، وبعد ذلك ساكون حرا. . ساكون بجانبك دائما.
&كنا آنذاك وبعض الاصدقاء ( عباس الهبالة، وموفق الدليمي، وسعود الناصري، وجلال الماشطة) جالسين ندامى في حديقة كوخي (بيتي الريفي) في قرية نمجينوفكي في ضواحي موسكو. بدا غائب متعبا وحزينا.. وكنا نسمع حشرجة شهيقه وزفيره من رئته الوحيدة والتي تضخمت لتحتل مكان الرئة الثانية ايضا التي قصها الجراحون قبل سنوات.
- غدا ساودع زوجتي لتقضي اجازتها في الجنوب، وبعد ذلك ساكون حرا. . ساكون بجانبك دائما.
&كنا آنذاك وبعض الاصدقاء ( عباس الهبالة، وموفق الدليمي، وسعود الناصري، وجلال الماشطة) جالسين ندامى في حديقة كوخي (بيتي الريفي) في قرية نمجينوفكي في ضواحي موسكو. بدا غائب متعبا وحزينا.. وكنا نسمع حشرجة شهيقه وزفيره من رئته الوحيدة والتي تضخمت لتحتل مكان الرئة الثانية ايضا التي قصها الجراحون قبل سنوات.
&كانت اوراق الاشجار الصفراء تتساقط بكسل معلنة انتهاء موسم الصيف ومجيئ موسم الخريف. تذكرت صامتا ابياتا من شعر العاشق القروي سرغي يسينين:
الوراق الصفراء
تساقط حزينة كسلى
في حديقتنا القديمة المنسية!
&وتأهب غائب مع حلول المساء لمغادرة المكان غير انه سالني:
- اليس لديك. . ها. . هذي قنينة دواء صغيرة فارغة؟
&وماذا ستفعل بها (ابو سمير)؟!
- املأها لي بالفودكا لآخذها معي. . لكي لا يفتضح الامر امام زوجتي فسوف تخالها دواء.
الوراق الصفراء
تساقط حزينة كسلى
في حديقتنا القديمة المنسية!
&وتأهب غائب مع حلول المساء لمغادرة المكان غير انه سالني:
- اليس لديك. . ها. . هذي قنينة دواء صغيرة فارغة؟
&وماذا ستفعل بها (ابو سمير)؟!
- املأها لي بالفودكا لآخذها معي. . لكي لا يفتضح الامر امام زوجتي فسوف تخالها دواء.
&قال ذلك هامسا وكأن زوجته ستسمعه ان تحدث بصوت عال. قلت:
&لا يا غائب لا داع لذلك اذ يبدو عليك التعب.
- زين. . . (عابت لك هال خلفه). . مع السلامه.
&لا يا غائب لا داع لذلك اذ يبدو عليك التعب.
- زين. . . (عابت لك هال خلفه). . مع السلامه.
&ما كنت ادري بان "شتيمة" التودد هذه التي كان يرددها غائب دائما قد قالها للمرة الاخيرة. .! وما كنت ادري بان الزمن سيتوقف عند ذلك الخريف الاخير. كما اني لست ادري لحد الآن أكانت صدفة ام حاسته السادسة دفعته للقول: (سأكون حرا .. سأكون بجانبك دائما)! فقبر غائب يقع على بعد مسافة زهرة مني، كما يقول بودلير. على بعد الف وثمانمائة خطوة عن كوخي الذي اسكنه وارسم فيه بالقرب من المقبرة!!
***
***
&يقول غائب في (المرتجى والمؤجل):
(. . لنذهب الى رسامنا مظهر انت لم تره لحد الآن. صار له مرسم ومكان محترم.. ناخذ قنينة، ونذهب اليه، ونتخلص من هؤلاء الخرفان.
-&ها هل تذهب؟ سترى صوره ايضا.
-&ومن ادراك انه في البيت؟
- في البيت بالتأكيد.
(. . لنذهب الى رسامنا مظهر انت لم تره لحد الآن. صار له مرسم ومكان محترم.. ناخذ قنينة، ونذهب اليه، ونتخلص من هؤلاء الخرفان.
-&ها هل تذهب؟ سترى صوره ايضا.
-&ومن ادراك انه في البيت؟
- في البيت بالتأكيد.
وجداه في البيت فعلا. استقبلهما بترحاب، ولكنه حين رأى القنينة برقت عيناه السوداوان وقال:
&الله يلعنك ورائي شغل. . .
- لا تشرب انت.
&ضحك مظهر وقال:
& لطيف ان تكون لنا هذه المناعة. نرى الآخرين يشربون، ونحن نجلس بهدوء اعصاب!
وضحك مرة اخرى) (المرتجى والمؤجل)
&الله يلعنك ورائي شغل. . .
- لا تشرب انت.
&ضحك مظهر وقال:
& لطيف ان تكون لنا هذه المناعة. نرى الآخرين يشربون، ونحن نجلس بهدوء اعصاب!
وضحك مرة اخرى) (المرتجى والمؤجل)
***
&لا. . لا مجال للضحك هنا، فغرفة الموتى موحشة يخيم عليها صمت رهيب. الا انها بسيطة كمقابر الفقراء في العراق !
&كان "الظلال حزينا على النافذة" المطلة على فناء خال تكلل ارضه الرطبة الاشجار وتعلوها الاحراش كبيت ريفي مهجور منذ زمن بعيد.. لا حياة هنا لا في داخل الغرفة ولا خارجها حيث لا يسمع حتى حفيف الشجر.
&كان "الظلال حزينا على النافذة" المطلة على فناء خال تكلل ارضه الرطبة الاشجار وتعلوها الاحراش كبيت ريفي مهجور منذ زمن بعيد.. لا حياة هنا لا في داخل الغرفة ولا خارجها حيث لا يسمع حتى حفيف الشجر.
&كانت غرفة الموتى لا تشبه اية غرفة اخرى رأيتها في حياتي من قبل. ستائر رمادية على شبابيكها المسيجة كغرف التوقيف العراقية! وثمة عربات - سرائر خالية هنا وهناك! استقبلنا (الفشر) - خفر حراسة الموتى! بترحاب ووقار وقال:
-&من تريدون؟ فرمان؟ نعم انه موجود.
&هكذا وبكل هدوء اعصاب سأل واجاب عن سؤآله في الوقت نفسه!
&خيل الي ان غرفة الموتى حبلى باسرار كثيرة لمصائر كثيرة ومختلفة تنم عن شيء كبير احسه ولكني لا اعرفه. . . الا انه يستثير الخوف والفزع!!
وسأل خفر الموتى من جديد: فرمان؟
قلت: نعم غائب طعمة فرمان.
فتح بابا يفضي الى غرفة اخرى اوسع. وادار مفتاح الكهرباء فانير مصباح صغير في سقف الغرفة، كان معلقا عاريا كالموتى ويهتز بهدوء او هكذا تخيلت! وخلال فتحة الباب النصفية رايت اكواما مغطاة بشراشف بيضاء فهمت انها جثث موتى!! . . . ثم سمعت صرير عجلات عربة دفعها الخفر باتجاهنا وكشف الغطاء عن رأسه.
&هكذا وبكل هدوء اعصاب سأل واجاب عن سؤآله في الوقت نفسه!
&خيل الي ان غرفة الموتى حبلى باسرار كثيرة لمصائر كثيرة ومختلفة تنم عن شيء كبير احسه ولكني لا اعرفه. . . الا انه يستثير الخوف والفزع!!
وسأل خفر الموتى من جديد: فرمان؟
قلت: نعم غائب طعمة فرمان.
فتح بابا يفضي الى غرفة اخرى اوسع. وادار مفتاح الكهرباء فانير مصباح صغير في سقف الغرفة، كان معلقا عاريا كالموتى ويهتز بهدوء او هكذا تخيلت! وخلال فتحة الباب النصفية رايت اكواما مغطاة بشراشف بيضاء فهمت انها جثث موتى!! . . . ثم سمعت صرير عجلات عربة دفعها الخفر باتجاهنا وكشف الغطاء عن رأسه.
- أهذا هو؟ اليس كذلك؟
&نعم هو.. هو.
&كان غائب مغمض العينين.. شدوا اسفل فكه بلفافة بيضاء الى فكه الاعلى وبدا جسمه باردا جدا، وفاحت منه رائحة (السبيرتو) المعطل الذي يحفظ الجثث من التلف والتعفن في الغرفة - الثلاجة، فطالما ينقطع تيار الكهرباء! فالدولة السوفيتية العملاقة بدأت تنهار. ووصل الانهيار حتى الى غرف الموتى.. . ولا احد يهتم بالأحياء فما بالك بالموتى لا سيما وانهم اجانب وفقراء ولاجئون مثل غائب!!
&نعم هو.. هو.
&كان غائب مغمض العينين.. شدوا اسفل فكه بلفافة بيضاء الى فكه الاعلى وبدا جسمه باردا جدا، وفاحت منه رائحة (السبيرتو) المعطل الذي يحفظ الجثث من التلف والتعفن في الغرفة - الثلاجة، فطالما ينقطع تيار الكهرباء! فالدولة السوفيتية العملاقة بدأت تنهار. ووصل الانهيار حتى الى غرف الموتى.. . ولا احد يهتم بالأحياء فما بالك بالموتى لا سيما وانهم اجانب وفقراء ولاجئون مثل غائب!!
&وفجأة بكيت "بصوت" غير مسموع. هكذا اموه انفجار احزاني امام الآخرين، فامي كانت تقول: البكاء لنا نحن النساء وليس للرجال!
&وقلت باللغة الروسية: (بجيمو تي اُشول ات ناس؟!) - لماذا رحلت عنا؟ ما هكذا اتفقنا. باللغة العربية اكملت العتاب!
* * *
- ها؟! اراك تحدق بفزع؟!
&كان يصف الاقداح على المائدة الصغيرة المركونة على ضلع الجدار الفاصل بين ركن المرسم والباب. قال ثابت:
- مخيفة ومأساوية.
&هذه هي حياتنا، مخيفة ومأساوية. . . تشوه حتى الجمال.
&وقلت باللغة الروسية: (بجيمو تي اُشول ات ناس؟!) - لماذا رحلت عنا؟ ما هكذا اتفقنا. باللغة العربية اكملت العتاب!
* * *
- ها؟! اراك تحدق بفزع؟!
&كان يصف الاقداح على المائدة الصغيرة المركونة على ضلع الجدار الفاصل بين ركن المرسم والباب. قال ثابت:
- مخيفة ومأساوية.
&هذه هي حياتنا، مخيفة ومأساوية. . . تشوه حتى الجمال.
- ربما لان عواطفنا حبيسة لا نجد للتعبير عنها سبيلا.
&كل شيء حبيس في هذا العالم. قال الرسام انظر اليها انها وراء قضبان محروسة من آخرين لا تحبهم. وهم ايضا لا يحبوها. ولكنها، ككل شيء جميل ونادر مورد للربح. وانها لهذا تحت حراستهم. والابتسامة؟! هل ترى الابتسامة؟ "جيوكندة لم تبتسم ابدا" لانها تشعر بانها سجينة، ومستغلة تباع لقاء اجور زهيدة، كأية مومس في المبغى العام الذي يريد الآخرون ان يحولوا عالمنا اليه..) المرتجى والمؤجل
&كل شيء حبيس في هذا العالم. قال الرسام انظر اليها انها وراء قضبان محروسة من آخرين لا تحبهم. وهم ايضا لا يحبوها. ولكنها، ككل شيء جميل ونادر مورد للربح. وانها لهذا تحت حراستهم. والابتسامة؟! هل ترى الابتسامة؟ "جيوكندة لم تبتسم ابدا" لانها تشعر بانها سجينة، ومستغلة تباع لقاء اجور زهيدة، كأية مومس في المبغى العام الذي يريد الآخرون ان يحولوا عالمنا اليه..) المرتجى والمؤجل
* * *
&* ما زال غائب في سكون مطلق كما كان كأنه مات قبل الف عام كان شعر وجهه باديا وكأنه لم يحلق ذقنه لفترة طويلة تمتد الى ما قبل الموت!
&قال الخفر:
عندما يموت الانسان تبدأ كل خلاياه بالتقلص بعد ان تتوقف عن النمو. عدا شعره اذ تبقى البويصلات حية مدة اطول. ويستمر الشعر بالنمو.. حتى اسرع مما يكون عليه اثناء الحياة!
وبابتسامة لم افهم معناها مثل " ابتسامة" جيوكندة التي لا تفسر ابدا قال:
- ساحلق له ذقنه قبل ان تأخذوه غدا لمراسيم التوديع واعمل له (مكياج) يزيل اللون الازرق حول عينيه سوف يبدو حيا.. كل شيء سيكون على ما يرام.
&قال الخفر:
عندما يموت الانسان تبدأ كل خلاياه بالتقلص بعد ان تتوقف عن النمو. عدا شعره اذ تبقى البويصلات حية مدة اطول. ويستمر الشعر بالنمو.. حتى اسرع مما يكون عليه اثناء الحياة!
وبابتسامة لم افهم معناها مثل " ابتسامة" جيوكندة التي لا تفسر ابدا قال:
- ساحلق له ذقنه قبل ان تأخذوه غدا لمراسيم التوديع واعمل له (مكياج) يزيل اللون الازرق حول عينيه سوف يبدو حيا.. كل شيء سيكون على ما يرام.
&كان خفر الموتى يتعامل مع موتاه ببساطة ودون أي اكتراث. "كبضاعة" يجب تسويقها من "المورغ" الى القبر، وكلما رضي اهل الميت عن عنايته وخدماته تسلم مبلغا اكبر!
&
&نعم كان خفر الموتى يتعامل مع موتاه كما يتعامل مع الاشياء.. .! الباب..علبة السكائر، ..عربة نقل الموتى، او تلك الستائر الرمادية التي تتطلع من الاعلى الى أسفل - الى الارض!
&عدل خفر الموتى "القاسي" براحتيه وبخفة رأس غائب الذي كان يميل الى يساره وكانه يتعامل مع خشبة ما..!
&
&اوشكت ان اقول شيئا ان اعبر عن امتعاضي: لماذا هذه الخشونة؟! وهذه القسوة؟ الم تكفه قسوة الحياة؟ غائب كان رقيقا كفراشة الربيع.! ولكن سرعان ما عدلت عن ذلك. فهنا عالم آخر عالم الاموات. وعلينا أن نخضع "لقوانينه" مهما كانت غريبة وقاسية نحن الاحياء.
&
&نعم كان خفر الموتى يتعامل مع موتاه كما يتعامل مع الاشياء.. .! الباب..علبة السكائر، ..عربة نقل الموتى، او تلك الستائر الرمادية التي تتطلع من الاعلى الى أسفل - الى الارض!
&عدل خفر الموتى "القاسي" براحتيه وبخفة رأس غائب الذي كان يميل الى يساره وكانه يتعامل مع خشبة ما..!
&
&اوشكت ان اقول شيئا ان اعبر عن امتعاضي: لماذا هذه الخشونة؟! وهذه القسوة؟ الم تكفه قسوة الحياة؟ غائب كان رقيقا كفراشة الربيع.! ولكن سرعان ما عدلت عن ذلك. فهنا عالم آخر عالم الاموات. وعلينا أن نخضع "لقوانينه" مهما كانت غريبة وقاسية نحن الاحياء.
* * *
(. . . كان الرسام يتكلم بحماس وبقدرة على الفات النظر الى مغزى لوحاته. وكانت هناك لوحة كبيرة تمثل امرأة رسم جسدها البغي الفتي باللون البرونزي الكدر، مطروحة قرب شجرة مقطوعة، وقد خرجت من ثديها وبطنها اغصان رمادية كعروق من الحديد او الاسمنت.
&قال ثابت مسترسلا مع تفسيراته:
- جمال آخر حبيس.
&بل قتيل انظر الى هذا الجسد الريان المترع بالدم الحار. انه مجندل. سميت هذه اللوحة (الغابة القتيلة).
&كان هدوء اعصابه لا ينسجم مع ما يقوله من متفجرات. كان يبدو باردا، لا اباليا. يعامل رسومه كطير في اقفاص، لا تخرج للهواء الطلق.)المرتجى والمؤجل
&قال ثابت مسترسلا مع تفسيراته:
- جمال آخر حبيس.
&بل قتيل انظر الى هذا الجسد الريان المترع بالدم الحار. انه مجندل. سميت هذه اللوحة (الغابة القتيلة).
&كان هدوء اعصابه لا ينسجم مع ما يقوله من متفجرات. كان يبدو باردا، لا اباليا. يعامل رسومه كطير في اقفاص، لا تخرج للهواء الطلق.)المرتجى والمؤجل
&
* * *
&كان معي في غرفة الموتى النحات الروسي المعروف اناتولي فروبل، اصطحبته لعمل القناع عن وجه غائب. هو بروفيسور ورئيس قسم التخطيط في معهد ستروغونوفسكي للفنون التشكيلية في موسكو الذي تخرجت فيه.
سألني النحات:
-&متى مات؟
&قبل اسبوع تقريبا. لم ندفنه املا في دفنه في العراق.. و (لكن حراس الحدود قيام)!
قال وهو يتحسس وجه غائب بانامل النحات مرهفة الاحساس اكثر من أي انسان آخر:
- أخاف اذا قمت بصب الكلس على وجهه، ان ينتزع القالب نتفات من جلده فقد مرت فترة طويلة على موته ولربما كاد الجلد ان يتهرأ.
&واضاف النحات فروبل بصوت هادئ وبشيء من الخوف:
- لقد عملت اقنعة كثيرة لموتى كثيرين ولكن لم اصادف مثل هذا التاخير!
وأضاف صاحبي النحات:
- يجب ان تقرر هل ابدأ بصب القناع ام نمتنع؟؟
وأضاف بخيبة امل:
- انا لا اضمن النجاح قالها باحباط ويأس.
&كان معي في غرفة الموتى النحات الروسي المعروف اناتولي فروبل، اصطحبته لعمل القناع عن وجه غائب. هو بروفيسور ورئيس قسم التخطيط في معهد ستروغونوفسكي للفنون التشكيلية في موسكو الذي تخرجت فيه.
سألني النحات:
-&متى مات؟
&قبل اسبوع تقريبا. لم ندفنه املا في دفنه في العراق.. و (لكن حراس الحدود قيام)!
قال وهو يتحسس وجه غائب بانامل النحات مرهفة الاحساس اكثر من أي انسان آخر:
- أخاف اذا قمت بصب الكلس على وجهه، ان ينتزع القالب نتفات من جلده فقد مرت فترة طويلة على موته ولربما كاد الجلد ان يتهرأ.
&واضاف النحات فروبل بصوت هادئ وبشيء من الخوف:
- لقد عملت اقنعة كثيرة لموتى كثيرين ولكن لم اصادف مثل هذا التاخير!
وأضاف صاحبي النحات:
- يجب ان تقرر هل ابدأ بصب القناع ام نمتنع؟؟
وأضاف بخيبة امل:
- انا لا اضمن النجاح قالها باحباط ويأس.
&تقوقعت داخل ذاتي متكورا صغيرا كالحلزون، علني اجد خلاصا من الجواب، وشعرت بضيق شديد، وبدأت حبات من العرق البارد تتجمع على وجهي وهجست ان غرفة الموتى قد خلت تماما من الهواء. فتحت الزر الاعلى لقميصي وسألت تفسي بصوت غير مسموع الا مني: ما العمل؟ وزفرت الشهيق المحبوس في رئتي، وتنهدت كمن فاته القطار في رحلة العمر الى اللا اين.
* * *
( قال الرسام مظهر:
&- وتسألني عن القوقعة؟!.. انها رمز الانغلاق الذاتي.. الوجود . . العزلة بمعناها الذاتي وسط صخب الحياة الكامل حولك الاغتراب!
لكل قوقعته الخاصة، يلجأ اليها في ايام الحزن او الضيق بعيدا عن الآخرين.)
المرتجى والمؤجل.
* * *
&- وتسألني عن القوقعة؟!.. انها رمز الانغلاق الذاتي.. الوجود . . العزلة بمعناها الذاتي وسط صخب الحياة الكامل حولك الاغتراب!
لكل قوقعته الخاصة، يلجأ اليها في ايام الحزن او الضيق بعيدا عن الآخرين.)
المرتجى والمؤجل.
* * *
&كان اول قناع حي عمل في العراق، صب قالبه النحات خالد الرحال على وجه الفنان جواد سليم، اما القناع الثاني فصب على وجه العلامة مصطفى جواد اما الآن فيغزوني سؤآل هاملت بالحاح: أيكون ام لا يكون؟
أيكون القناع الثالث لغائب طعمة فرمان رغم خطورة العملية؟ . .. ام نمتنع عن ذلك؟
قال النحات. وفكرت:
&غدا ستقام مراسيم توديع غائب الى مثواه الاخير حيث نهاية المنفى الطويل!. وسوف يكون وجه غائب مكشوفا ليودعه الاهل والاقارب والاصدقاء وقراؤه بالعربية والروسية فماذا سيحدث اذا ما تشوه الوجه.! وماذا سأقول لمئآت الناس الذين سيلتمون لوداعه الاخير؟ وكيف سأبرر حماقتي امام زوجته اينا وابنه سمير صاحبي الامر والنهي في مثل هذه المواقف في مثل هذه الظروف؟!
أيكون القناع الثالث لغائب طعمة فرمان رغم خطورة العملية؟ . .. ام نمتنع عن ذلك؟
قال النحات. وفكرت:
&غدا ستقام مراسيم توديع غائب الى مثواه الاخير حيث نهاية المنفى الطويل!. وسوف يكون وجه غائب مكشوفا ليودعه الاهل والاقارب والاصدقاء وقراؤه بالعربية والروسية فماذا سيحدث اذا ما تشوه الوجه.! وماذا سأقول لمئآت الناس الذين سيلتمون لوداعه الاخير؟ وكيف سأبرر حماقتي امام زوجته اينا وابنه سمير صاحبي الامر والنهي في مثل هذه المواقف في مثل هذه الظروف؟!
&اذا ما تشوه الوجه فسوف لن يعذرني احد من هؤلاء جميعا. ساكون متهما بالجهل واللا ابالية والحماقة ونرجسية الفنان، حيث الأنا متظخمة لديه اكبر من حجمه! ستلاحقني اللعنة إذن مدى حياتي الباقية، كما لا حقتني الخطوب في حياتي الماضية، لاني قمت بمغامرة تخص الجميع ولم أسأل احدا قط.
&كان على احمد النعمان إذن ان يتخذ القرار - القرار الحاسم والخطر معا. ذلك القرار الاصعب علي اتخاذه من قراراتي السياسية التي تخص الوطن برمته وامته!
&وسألت غائبا دون ان انطق بحرف واحد: أيكون القناع ام لا يكون؟
غائب لم يجب !
&كان على احمد النعمان اذن ان يراهن على التاريخ! الامر الذي لا يفعله الفنانون في أي زمان ومكان. فالقناع الحي تاريخ حي وتبقى الصور الفوتوغرافية وافلام الفديو والسينما واللوحات والتماثيل صورا للاصل فحسب.
غائب لم يجب !
&كان على احمد النعمان اذن ان يراهن على التاريخ! الامر الذي لا يفعله الفنانون في أي زمان ومكان. فالقناع الحي تاريخ حي وتبقى الصور الفوتوغرافية وافلام الفديو والسينما واللوحات والتماثيل صورا للاصل فحسب.
&اما القناع فهو الاصل. هو تسجيل للحظة الموت تسجيل للحظة الوداع الاخير. صفحة من الوجود الى عالم آخر مجهول. القناع "الحي" هو لحظة التقاء الحياة مع الموت، التي لا تحدث الا مرة واحدة لا اكثر لكل منا نحن البشر.
* * *
* * *
( لم يفهم ثابت الكثير من تلميحاته . وبحالة بوهيمية ة كان عليه ان يذرع الشوارع بلا هدى.. جلس على الكرسي الاحمر واداره الى النافذة. وواجه بناية المصنع ذي المداخن العشر، والكنيسة والنهر، وسير السيارات كالزلاحف المرعوبة: هي الاخرى قواقع ملونة. فاغمض عينيه وطافت امام خياله قواقع وبيض مفقوس وغير مفقوس، ونساء عاريات، مصروعات، وداميات، وقطارات منطلقة الى اقصى سرعتها الى حيث تتزوبع الظلمة) المرتجى والمؤجل.
* * *
&
&شعرت وانا في غرفة الموتى بزحف الظلام وكدت اراه.. ملموسا يخيم ليغلف كل شيء شممت فيه رائحة القبور هاجسا وحشتها المخيفة..! وهنا انتابتني لحظات لم اشعر بمثيلاتها من قبل قط في أي وقت من الاوقات ولا في أي موقف كان! شعرت بفصام الشخصية! شخصيتي اصبحت شخصيتين تماما اثنتين: احمد النعمان صديق الكاتب الراحل غائب طعمة فرمان على مدى ثلاثة عقود في الغربة، والرسام مظهر بطل الكاتب في روايته (المرتجى والمؤجل) وتساءل الاثنان: انعمل القناع.! ام سنتركه مشروعا مؤجلا هو الآخر، كما كل مشاريعنا في المنفى؟!
& وبسرعة انعدام الزمن اتحدت الشخصيتان وانفصلتا عدة مرات بحثا عن جواب:
&ما العمل؟ صراع بيني وبين الانا الآخر. احمد النعمان المتمسك بافضل الاخلاق وبحسابات دقيقة تعلمها من الشيوعيين، وشخصية الفنان المتمرد على التقاليد، والمجبولة على المغامرة دون حساب العواقب التي قد تودي الى الهلاك! الابداع الميتافيزيقي لا يعرف الحدود ولا يتوقف عند التجربة، بل يسعى الى تجارب دائما وابدا، فلا يمكن ان اسبح في نهر مرتين كما علمنا الفلاسفة الاغريق!
&ولست ادري هل انا ام الرسام مظهر في داخلي ام نحن الاثنين معا: الصورة والاصل هو الذي قرر دون تردد هذه المرة:
* أجل يا اناتولي ابدأ بصب القناع. هذه قناعتي. وحين اقتنع بشيء اصبح كثور عنيد. وليكن الله في عوننا فقد اخذ غائبا منا وليبقي لنا القناع. لا اشك بعدالته! ولكني اخشى طول صبره!
* * *
( . . . ولكن هل من الممكن ان تعرف قناعات الفنان بسهولة كما تعرف ان البيض من من الدجاجة. وكان هناك بالفعل بيض مفقوس، وكانت هناك قواقع مختلفة الاشكال.. نتوآت والوان، وظلال صلبة يمكن ان تلمس باليد. وكانت هناك امرأة جالسة على الارض محتضنة ركبتيها بذراعيها، وهي تنظر الى امام. وكانت هناك قاطرة قديمة الطراز كتب عليها الرقم (13) وضعت على قماشة بيضاء تحتها سكين. سأله ثابت عنها فقال باقتضاب: انها "الرحيل، الكفن".)
المرتجى والمؤجل
المرتجى والمؤجل
***
&غائب يتحدث عن لوحاتي. اما انا فازحت الكفن! عفوا قطعة القماش الابيض تلك التي غلفت جسد غائب لأرى هل شرحوه؟!! فقد طلبنا عدم تشريحه وقدمنا رسالة رسمية بذلك من (جمعية العراقيين المقيمين في روسيا) وكنت رئيسها آنذاك، وهي الجهة القانونية المعترف بها من قبل السلطات الروسية. ووعدونا بعدم تشريحه ولكن!
لكن كذب الاطباء شاهدت جرحا عميقا غير دام، كبيرا ورهيبا يمتد من اسفل كتفه الايمن الى مسافة عشرين سنتمترا او اكثر نحو الاسفل
نحو الحوض..!
نحو الحوض..!
&هكذا إذن شرحوه.. ولكن لم يخيطوا جرحه الذي يشبه فم وحش اسطوري غريب!. ما كان الاطباء يتوقعون ان احدا سيتجرأ على الكشف على جثته بعد الكشف الطبي ذاك.. لذا لم يخيطوا جرح غائب.. ها انذا بعد خفر الموتى عرفت سر الجثة!.. ذلك 0الخفر عليه ان يحفظ سر موتاه، ليبقى في العمل! ولماذا احفظ السر انا وغائب صديق الجميع؟
&
&كان النحات فروبل يتعامل مع جثة غائب كما يتعامل الفنان مع (موديل). بهدوء اعصاب وحرفية عالية وعدم اكتراث الا بالفن، فيما توتر اعصابي يزداد مع الدقائق والساعات.
&
&كان النحات فروبل يتعامل مع جثة غائب كما يتعامل الفنان مع (موديل). بهدوء اعصاب وحرفية عالية وعدم اكتراث الا بالفن، فيما توتر اعصابي يزداد مع الدقائق والساعات.
&وضع فروبل القطن في فتحات انف غائب وأذنيه. لكي لا يتسرب الكلس السائل كالحليب الى داخل رأسه. كان يفعل ذلك بعناية فائقة وعدم استعجال وبفرشاة صينية رقيقة الصنع، دهن وجه الفقيد بزيت لكي يكون عازلا بين جلد الميت والقناع (القالب المصبوب). فيسهل خلع القالب لوحده.
&عمليات التحضير هذه لصب القالب استغرقت وقتا طويلا رغم بساطتها على ما تبدو لمن لا يعرف حرفة النحت، ل "موديل ميت"!
&بدأ النحات باعداد الكلس.. . كان يمزجه بالماء الدافئ ويخفقه لفترة غير قليلة.. . ومن ثم باشر بسكب قطرات الكلس السائل على وجه غائب مباشرة وفيما كان يتجمد الكلس بسرعة اختفى حاجبا غائب ثم عيناه تحت قشرة تتصلب مع الوقت من الكلس.. اختفت عيناه تدريجيا.. وشفتاه الرقيقتان واخيرا انفه وراء كتلة سرعان ما اصبحت صلدة من الكلس.. اصبح رأس غائب مثل مومياء، مغلفا لا يرى منه شيئا.. وكما تجمد الكلس على وجه غائب تجمدت مكاني.. بانتظار!
&قال النحات:
- علينا ان نتظر قليلا لكي يجف الكلس تماما، فننزع القالب دون ان يتفتت. ولكن ليكن الله في عوننا كما قلت.
&ما معنى قليلا.. سألته بقلق.
- عشر او خمسة عشر دقيقة لا اكثر.
- علينا ان نتظر قليلا لكي يجف الكلس تماما، فننزع القالب دون ان يتفتت. ولكن ليكن الله في عوننا كما قلت.
&ما معنى قليلا.. سألته بقلق.
- عشر او خمسة عشر دقيقة لا اكثر.
&وبدأ فروبل يغسل يديه ليزيل ما علق بهما من بقايا الكلس. كان يفعل ذلك ببطئ واناة لربما ليشغلني بالوقت المنتظر العصيب بذلك.. هنا بدأت كما شعرت اصعب لحظات عمري في غرفة الموتى.. بدأ الانتظار..! وقفنا دون حراك انا والنحات فروبل والرسام الدزاينر صديق الدراسة فلاديمير نيكيتين الذي كان يعرف الفقيد والنحات..
&
&خلت هذه الدقائق دهرا.. وكانما عقارب الساعة قد كفت عن الدوران.. طالت هذه المدة كما خلتها اكثر من الساعات الست التي قضيتها مع غائب في هذه الغرفة مع احلام اليقظة وعذاب الانتظار والوداع الاخير.
&
&خلت هذه الدقائق دهرا.. وكانما عقارب الساعة قد كفت عن الدوران.. طالت هذه المدة كما خلتها اكثر من الساعات الست التي قضيتها مع غائب في هذه الغرفة مع احلام اليقظة وعذاب الانتظار والوداع الاخير.
***
&
&في تلك الليلة.. حلم باحلام مزعجة، مليئة بالقواقع والبيض المفقوس. وفي وسط الليل قبل ان يستيقظ استيقاظه المفروض، تحولت القواقع الى سراطين تتراكض في الشارع تحته. وتحول البيض الى جماجم مطروحة على الارض، مدماة ومفلوعة، لمع من بينها جمجمة ابنه حسان، هب فزعا، واحس بالدم يفور في قفاه ويطن طنينا مقشعرا قرب اذنه، انتقل من السرير الى الكرسي، ما سكا راسه بين يديه.
&استمر الطنين يهزج في طبلة اذنه بذبذبات معدنية متسارعة. ارتعب وتراءى له الموت رهيبا في هذه الحجرة البعيدة المغلقة من الداخل، وتصور بشاعة مثل هذا الموت، وبانه على سرير المرض بانتظار مجيئه في اليوم التالي. وزوجته مثل ابنها، ومشاريعه كلها ناقصة لم يتم منها مشروع واحد. فزع وانتفض على الالم الذي يطوق رقبته من الخلف، صاح بصوت غير مسموع:
لا لن اموت. ولن اترك كل هذه الاشياء الناقصة.) المرتجى والمؤجل.
&
* * *
&لا مهما كان الصراخ عاليا، مسكوعا او غير مسموع، فغائب قد مات!.. مات تاركا وراءه مشاريع مؤجلة كثيرة لم تتحقق، ومنه مشروعه الازلي.. العودة الى الوطن! ولكن كيف؟!
&في تلك الليلة حاولت النوم مبكرا حين العودة الى البيت دون جدوى.. وعلى طريقة غائب لمحاربة الأرق افرغت كأسا من الفودكا في جوفي وثانية، وثالثة..! وضاع الحساب! شعرت بضغط الدم عاليا.. فطالما يداهمني ذلك بسبب مرض ضيق الشرايين "الاشيميا" تصلب الشرايين المؤدية الى القلب. ويحدث ذلك حتما في لحظات القلق والانتظار.. والاحباط، وما اكثرها لدى المغتربين عن الوطن. واثناء ارتفاع ضغط الدم لا ارتاح الا بالنزيف من انفي حيث ينخفض الضغط الا ان الدم يبقى يتدفق الى الخارج فهو لا يتخثر بسرعة بنتيجة الاستعمال اليومي لحبوب الاسبرين ومشتقات النيترونغ. يعرف ذلك كل مرضى القلب.
&واخيرا غلبني النعاس تحت تخدير الشراب، فغططت في نوم عميق.. وإذا بي اشعر "بالمخاض"! إذن حل وقت النزيف، شعرت بالدم الحار يتفق من انفي . . . يسيل على وسادتي. . . يجري تحت فراشي!! يا الهي..! كان الدم هذه المرة يتدفق على غير عادته.. شعرت بالخوف والفزع، وتراءت امامي غرفة الموتى.. تحول النزيف الى رعاف.. وشعرت باني اكاد اغرق في بركة دمي! حاولت ان اعمل شيئا.. ان اتحرك ولكن لم اقو على شيء.
&فصرخت بصوت عال ومسموع مختلط بالنشيج المفزع:
&فصرخت بصوت عال ومسموع مختلط بالنشيج المفزع:
&لا .. لن اموت.. . ولن اترك كل هذه الاشياء النافصة. وقفزت من فراشي لا هثا من شدة الفزع.. ونظرت في المرآة المعلقة بجانب لوحة فينوس ذات القواقع والبيض المفقوس وغير المفقوس، وتحولت عيناي من اللوحة الى المرآة مرة ثانية كان انفي جافا تماما.! ونظرت الى المخدة والفراش! فلم اجد قطرة دم واحدة!!
&إذن كان ذلك كابوسا. حلما مخيفا بعد نهار طويل من القلق والحزن والاكتئآب في غرفة الموتى.
&كان كلبي ذلك الحي الوحيد والامين (جاري) واقفا الى جانب سريري. إذن انا لم امت.
&كان كلبي ذلك الحي الوحيد والامين (جاري) واقفا الى جانب سريري. إذن انا لم امت.
&ادرت رأسي نحو الحائط الذي تتعلق عليه لوحاتي كمصلوبات مثل المسيح: (الرحيل) الشجرة القتيلة، حدث هذا في المتحف، ومولد فينوس وغيرها من قواقع وقطارات قديمة واشجار مجندلة واعشاش عصافير معلقة بين الأرض والسماء.
&واخيرا كان معلقا قناع وجه غائب بين اللوحات. إذن كل شيء جرى امس على ما يرام تراخت قدماي وتهاويت نحو كرسي قديم. فشعرت بالتخلص من عبئ ثقيل وكبير.
&وتعلمت من قناع غائب بأن اوهامنا واحلامنا هي دائما اكثر رهبة من واقعنا المعيش في المنفى. وفهمت من قناع غائب ايضا بان حياتنا نحن العراقيين اسرى المنافي مهما طالت فهي مشاريع مؤجلة. وبذلك يتحول احباطنا الى قلق دائم ما دمنا بعيدين عن الوطن، وما دام الوطن مشروعا مؤجلا الى حين.!!
انتهى كل شيء
&
التعليقات