&
*العديد من مرضى السرطان تعرّضوا للقراءة والرقيه وتدهورت صحتهم
*هذه هي الإثباتات العلمية في حدوث السرطان
ونسبة الشفاء تصل 90% إذا عولج طبياً

"إيلاف" من الرياض: أكد رئيس السجل الوطني للأورام في السعودية الدكتور شوقي بازار باشي أن البراهين الطبية والدلائل العلمية تؤكد على أن مرض السرطان مرض عضوي لا علاقة له بـ"جنٍ" أو "سحرٍ" وطالب من يقول بخلاف ذلك أن يأتي ببراهين مؤكدة أو أن يتوقف عن خداع الناس.
وأستغرب الدكتور شوقي بازار باشي استشاري الأمراض السرطانية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض في حوار مع "إيلاف" ماذكره الشيخ فايز الشريف قبل أيام من أن السرطان يصيب الإنسان بفعل الجن والسحر وأن الرقية الشرعية وقراءة القرآن تشفي من المرض. وأشار الدكتور شوقي بازار باشي إلى أنه شاهد العديد من المصابين بالأورام السرطانية وهم في حالة سيئة جداً بسبب تأخرهم في تلقي العلاج الطبي وترددهم على عدد من "القرّاء" الذين يوهمونهم بأن الرقية والقراءة ستقضي على السرطان وهو ما ثبت عدم صحته.
وتطرق الحوار المفصل مع رئيس السجل الوطني للأورام في السعودية لطبيعة المرض السرطاني وما يثار حوله من معلومات غير علمية، كما أورد قصصاً مختلفة لحالات تطور معها المرض نتيجة لتلك المعلومات الخاطئة التي يروجها بعض "المعالجين" بالرقيا من أجل الكسب المالي.. فإلى نص الحوار.
&
·&دكتور شوقي، ماحقيقة مرض السرطان علمياً، وكيف ترون ماطرحه الشيخ فايز الشريف في حوار "إيلاف" قبل أيام من أن المرض يحدث بسبب الجن والسحر؟
-هناك إثباتات علمية متقدمة توضح حقيقة مرض السرطان من أهمها البيولوجيا الجزيئية (Molecular Biology) والتي أصبحنا من خلالها نعرف بأن الخلية السرطانية تختلف اختلاف تام عن الخلية الطبيعية وتبين أن هناك تحول فعلي، وليس وهمي، في الخلية السرطانية يجعل منها خلية سرطانية. وبالتالي أصبحنا نرى البروتينات تختلف، والنواة مختلفة، وجدار الخلية مختلف، وأشياء كثيرة من مكونات الخلية الطبيعية في جسم الإنسان أصبحت، بفعل الحالة السرطانية، مفقودة، كما أن جزء من الخلية الذي لم يكن موجود من قبل يقوم بالتشكل لأول مرة.
وعلى مستوى النواة والحمض النووي DNA توجد الآن إثباتات علمية مخبرية، وليست وهمية، ثبت من خلالها أن الخلية السرطانية يوجد فيها تغيرات في الحمض النووي وتختلف تماماً عن الخلية العادية.
وعبر كل ذلك نعرف نحن الأطباء أن السرطان هو تغير جذري في كل شيء موجود بالخلية ابتداءً من الحمض النووي وانتهاءً بغلاف الخلية مروراً بما بينهما.
فالمهم أن هناك تغيرات فعلية تصيب الخلية العادية لتجعل منها خلية سرطانية ولا يوجد أي شيء من التغير الوهمي أو الاشتباه الخارجي.
&
*قد يتفق معكم "المعالجون" لهذه الأمراض من خارج الميدان الطبي من أن هناك خلل ما في خلايا جسم الإنسان لكنهم يرون أن هذا الخلل ناتج عن طريق السحر أو الجن.. كيف ترد على ذلك؟
-الآن أنت تريد أن تقول كيف تستطيع أن تثبت يا دكتور أن هذا الخلل الذي حدث للخلية ليس بسبب الجن أو السحر؟، وأنا أجيبك بسؤال هو كيف تثبت أنت أو الشيخ الشريف أن هذا الخلل بسبب السحر أو الجن وليس لسبب آخر؟!!.
لكن أنا لدي بعض الإثباتات العلمية التي تُجلي الحقيقة. أولاً، نسبة حدوث سرطان الرئة عند المدخنين يبلغ أربعين ضعف حدوثه عند غير مدخنين، فما علاقة الجن بذلك؟!!. نحن نعرف أن بعض المواد المكونة لدخان السجائر عند وضعها على بعض الخلايا السليمة في مختبر التجارب تؤدي إلى تحول بعض تلك الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية.
ومثال آخر في هذا السياق، في حالة وجود امرأة مصابة بسرطان الثدي وأختها مصابة بنفس المرض تصبح نسبة احتمال إصابة أبنتها بسرطان الثدي عشرة أضعاف احتمال إصابة امرأة أخرى أمها وخالتها غير مصابات. فالسؤال الذي يطرح نفسه مرة أخرى.. ما علاقة الجن بهذا؟!. هل أن الجن عندما يعرف أن امرأة وأختها مصابات بسرطان الثدي يقوم باستهداف ابنة إحداهما!!.
ثبت علمياً مؤخراً يا أخ حمود، أن بعض الناس الذين يوجد لديهم مورث (جين) سرطاني معين يصبح نسبة حدوث المرض السرطاني لديهم 100%، وسيصابون بلا شك بالمرض خلال فترة من فترات حياتهم.
وكل ذلك يعطي دلاله هامة أن هذا الخلل أمر علمي بحث. فنحن نعرف أن هناك تغير يحدث للخلية بفعل عوامل وراثية وبيئية كسببين رئيسيين من أسباب الإصابة بالأمراض السرطانية.
هذه هي بعض من إثباتاتنا العلمية للشيخ فايز الشريف وأمثاله. والسؤال الآن هو، كيف يثبت (الشريف) أن الجن بالفعل هو السبب في حدوث الأمراض السرطانية؟!. وأنا أطالبه بالإثباتات العلمية الدقيقة.
&
*دكتور شوقي، هل تأتيكم في مركز الأورام بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض، كمركز مرجعي في علاج الأورام السرطانية، حالات لمرضى مصابين بالسرطان سبق أن شخّصوا عن طريق أشخاص من خارج الحقل الطبي على أن مرضهم ناتج عن إصابة جن أو بفعل السحر؟.
-يأتينا كثير جداً من المرضى الذين حاولوا في السابق أن يتعالجوا بالرقيا وقراءة القرآن، وبالطبع لم يستجيبوا. وهذه هي القاعدة وليس الاستثناء لمعظم مرضانا. فالكثير منهم عندما يعرف بأنه أصيب بالسرطان يقوم بتأدية العمرة ويذهب لفلان وعلان ليقرأ عليه القرآن ومع ذلك تتفاقم الحالة المرضية وتتعقد أكثر.
أعرف أن الشيخ الشريف أو غيره قد يقولون أن هؤلاء لم يأتوا بأناس ذوي إيمان قوي ليقرأوا عليهم. وهذا ما يتحجج به البعض عندما نطرح أمامهم تلك الحقائق. وأؤكد لك أن حالات أخرى تركوا العلاج لدينا عند علمهم بإصابتهم بورم سرطاني وذهبوا يبحثون عن من يقرأ عليهم ليعودوا بعد مدة والورم السرطاني أكبر من قبل لأنهم لم يأخذوا علاجاً طبياً صحيحاً.
&
*هل تُزودنا بقصص تعكس حقيقة ما يجري في هذا الإطار؟
-بالتأكيد. في حالات الإصابة بسرطان الثدي هناك قصص عجيبة ومؤلمة. فهناك مريضات أتين إلينا والورم السرطاني في منطقة الثدي فقط وغير منتشر في الجسم، ثم قيل لهن في العيادة أنه سيتم استئصال الثدي وسيتعرضن لعلاج إشعاعي وكيميائي وممكن أن يسبب ذلك سقوط للشعر، وبعد أن يسمعن هذا الكلام يتركن العيادة ويختفين مدة يعدن بعدها والورم قد تقرح بشكل كبير وأنتشر في أنحاء مختلفة من الجسم وتأتي المريضة وهي على كرسي نقال.
ودعني أورد لك قصة أخرى تعتبر نموذج للمآسي التي تمر أمام أنظارنا بشكل شبه يومي.
ذات يوم راجعتني في العيادة مريضة كانت تعاني من ورم في القولون وعندما كشفنا عليها لأول مرة كان السرطان منتشراً لكن كان باستطاعتنا أن نساعدها بعلاج كيميائي. صحيح أن حالتها غير قابلة للشفاء التام، لكن كان من الممكن مساعدتها، إلا أنها قررت أن تذهب للعلاج بالرقيا وقراءة القرآن لتعود إلينا بعد مدة والمرض قد تضاعف. وعندما أوضحنا لها أن بإمكاننا أن نعطيها علاجاً يُحَسن من وضعها الصحي، أصرت على الرفض وطلبت منا أن نُجري لها أشعة مقطعية للورم فقط لتعرف هل الورم أزداد أو تناقص، على أمل أن ماتحصل عليه هو العلاج الصحيح. لكن الصور الإشعاعية أظهرت أن الورم تضاعف فغادرت العيادة مرة أخرى وتكرر هذا الحال عدة مرات.
&وفي محاولة لي للحديث مع زوجها، وهو للأسف متعلم، على أمل أن يساعدنا في إقناعها بالعدول عن ذهابها إلى أناس غير أطباء من أجل العلاج، وأن توافق على أن نبدأ معها العلاج الطبي، قال لي زوجها: أنهم غيّروا القاريء عدة مرات وعندما قرأ عليها الأخير منهم أحست بألم شديد ثم ارتاحت راحة تامة. وعندما أجرينا لها الأشعة المقطعية في العيادة لدينا، ظهر أن الورم قد أنتشر في مناطق مختلفة من الجسم، وماهي إلا بضعة أشهر قليلة حتى علمنا أنها توفيت بعد أن فتك بها انتشار السرطان الذي لم يمنع انتشاره القارئون.
&
*كما نعرف يادكتور شوقي، السرطان من الأمراض الصعبة والتي تصنف بالمستعصية، هل عجز الطب عن مواجهة هذا المرض الأمر الذي جعل بعض الناس يبحثون عن حلول وهمية لمواجهته؟
الطب عجز عن مواجهة أمراض كثيرة أقلها الأنفلونزا التي إلى الآن لايوجد لها دواء يقضي على الفيروس المسبب لها وهو المرض الذي نعرف جميعاً بأنه يبقي الإنسان طريحاً لأيام دون أن يتحرك.
وكذلك مرض السكري، والأعراض الخطيرة التي يسببها، حيث لا يوجد له علاج شافٍ حتى الآن. وأمراض أخرى لم يتوصل العلم إلى علاج شافٍ منها في الوقت الراهن. لكن بالمقابل أستطاع الطب أن يقضي على أمراض أخرى ويكافحها.
&
*دعني أسألك عن الشوط الذي قطعه الطب في مجال مكافحة السرطان، وهل هناك تقدم كبير في السيطرة على المرض، وهل نسبة العلاج والشفاء منه كبيرة؟
لا أستطيع أن أقول بوجود تقدم كبير، لكن هناك بدون أدنى شك تقدم ظاهر وجلّي. فقد كنا نعالج في السابق الأورام عن طريق العلاج الإشعاعي فقط، بعد ذلك أصبحنا نعالج عن طريق العلاج الكيماوي بعد ذلك العلاج الهرموني والآن نحن في طور العلاجات المناعية. ومن فترة لأخرى، طورنا وسائل الكشف المبكر على المرض، وأنواع الجراحة التي يمكن أن تجرى للمريض وطريقة استئصال الورم التي في كثير من الأحيان تؤدي إلى الشفاء تماماً.
ليس من الضروري أن يكون العلاج دائماً كيميائياً. من الممكن أن يكون العلاج جراحياً. ومؤخراً أصبحنا، نحن الأطباء المختصون في الأورام السرطانية، نعرف في بعض الأحيان المشكلة الرئيسية الموجودة في الخلية السرطانية ومن خلال ذلك نوجه العلاج لهذه المشكلة وهو مايسمى طبياً Targeted Therapy أو العلاج الموجه الذي يستهدف الجزء الخطأ في الخلية. وهذا كله تقدم في علاج الأمراض السرطانية. والأكثر تقدماً هو في الاكتشاف المبكر وفي طرق الاستئصال. وعلى الرغم من أن المشوار طويل قبل القضاء على السرطان كمرض، إلا أنّي كلي قناعة أن العلم سيتمكن يوماً من ذلك كما حدث من قبل مع مرض الجدري الذي أفنى الملايين من البشر وأصاب الآخرين بتشوهات مختلفة لكنه الآن أصبح من الأمراض الآمنة بعد أن توصل العلم إلى إيجاد أمصال واقية منه.
&
*هل هناك حالات سرطانية يتم علاجها وشفائها طبياً؟
-الآن، في بعض الحالات يتم الشفاء التام من بعض الأمراض السرطانية عن طريق العلاج الكيميائي فقط.
فأغلب السرطانات التي تصيب الأطفال نسبة الشفاء منها عند إعطاء العلاج الطبي الصحيح تتراوح مابين 80 إلى 90 في المائة. (لوكيميا) الأطفال نسبة الشفاء منها 90%، والسرطانات اللمفاوية عند الأطفال نسبة الشفاء منها مابين 80-90 في المائة، وسرطان (الهدجكن) عند الكبار والصغار، وهو نوع من الأورام اللمفاوية، نسبة الشفاء منه تتراوح مابين 50 إلى 90 في المائة. ونسبة الشفاء من السرطانات اللمفاوية بشكل عام تتراوح مابين 30 إلى 70 في المائة حسب مرحلة المرض. وسرطان الخصية ولو كان منتشراً تصل نسبة الشفاء منه 80%.
وهناك حالات فشل الطب في علاجها لكن مع التحدي العلمي سنتغلب على تلك الحالات ونتمكن من علاجها كما تم مع الحالات الأخرى.
&
*إذن، إلى ما تعزو رواج مثل طروحات الشيخ الشريف أو غيره-في مجتمعاتنا العربية- والقائلة بأن هذا المرض هو بفعل الجن والسحر وأن العلاج هو بالرقيا وقراءة القرآن.. إلى ما هنالك؟
-أعزوها إلى عدة أسباب، أولها الجهل العام. فنحن بدون أدنى شك نحتاج إلى التوعية الصحية المكثفة في مجتمعاتنا عن المرض وأسبابه ومسبباته وماهي طرق الوقاية منه، وبدل أن نهرب من سماع كلمة "السرطان" علينا أن نتخلص منه قبل أن يتخلص منّا.
والسبب الثاني هو، وبكل أسف، استغلال البعض لهذا الجهل الصحي في خداع الناس وإيهامهم بأمور ليس لها علاقة بالعلاج الصحيح من أجل الكسب المادي فقط.
هذان من وجهة نظري السببان الرئيسيان في تفشي هذه الظاهرة، في المجتمعات العربية، ويبقى بعد ذلك نسبة ضئيلة متعلقة بصعوبة المرض. فعندما يعرف المريض أن أمل شفائه ضئيل يبدأ في البحث عن أي وسيلة ولو كانت وهماً وسراباً ويجد في ذلك البحث شيء من الراحة النفسية.
&