عزيز التميمي
لعل ما يحدث كل يوم في أروقة الدوائر الديمووطنية العربية والثقافية خاصة& يعكس حالة الحماسة والمروءة في دخيلة المثقف العربي الثائر الذي يصرخ بأعلى صوته متحدياً أصنام العصر، والمثير في هذا أن تلك الحماسة لتأكيد صفة الوطنية والقومية تأتي في زمن ضاع فيه الوضوح، بل ضاعت فيه كل صفات المواطنة وصفات القومية، وما عاد المثقف العربي الذي يمثله (علي عرسان) يميز بين المواطنة القومية المبنية على أسس أخلاقية وإنسانية والمواطنة القومية المبنية على أسس عاطفية ومصالحية قذرة تنتمي لمفهوم التركيع وسياسة القمع والبسطال، وصار الكل يقرأ الواقع من خلال نظارات العصبية القبلية والنخوة العربية التي طالما تناخت لتكسر ظهر إبن البلد والمواطن الشريف& الذي يُزج في نفق مظلم ويساوَم على لقمة عيشه وابتسامة طفله، النخوة العربية التي تسترت بها الأنظمة العربية طيلة عقود من الزمن المر، لتجيش الشعوب العربية وتعسكر كل الطاقات من أجل تمرير مشروعها السلطوي على أساس أن البلدان العربية مهددة بمارد اسمه الصهيونية والإمبريالية العالمية.
ومثلما يحدث دائماً في حروب النخوة العربية التي تباع فيها الخيول والأصالة ويُقتل الفرسان بسكاكين ورماح المنافقين، نجد أن المثقفين العرب يتجمهرون هذه المرة لتوجيه الطعنة القاتلة لمثقفي العراق الذين لم يمض على& تحررهم من كابوس الطاغية إلا بضعة أشهر، ويحمل راية الفتنة هذه المرة المدعو (علي عرسان) الذي كان من المفترض أن ننعته بالدكتور أو الأستاذ أو الأديب، إلاّ أنه فضّل التخلي عن كل هذه الألقاب التي ترفع الرأس وتطيل القامة ليتمسّك بلقب يتيم من أيتام الطاغية العراقي الذي أثبت نبله تجاه ربهّ الوثني المخلوع، وأكّد حماسته بالفعل لا بالكلام كما كان يفعل كل مرّة وهو يصرّح بأنه يشد على أيد المجاهد (صدام حسين) الذي أثبت للعالم وللإنسانية نبل غاياته وحسن مقاصده وكفاحه في دفن أبناء الشعب العراقي أحياء في مقابر جماعية، إضافة لقتل وذبح الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ في مدينة حلبجة الكردية بمزحة بسيطة حسب إدعّائه وهي استخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دولياً حتى ضد الجيوش العدوة فكيف إذا كانت ضد الأهل والرعية، ويعود هذا البائس المدعو (علي عرسان) ليتوج كل نضالاته مع ولي نعمته بفعل أشدّ قبحاً من سلوكياته السابقة مع فرعون زمانه بالوقوف كصخرة كأداء أمام مشاركة وفد المثقفين العراقيين في إجتماعات اتحاد الكتاب والأدباء العرب، ولأنه قومي بما فيه الكفاية فضّل الوقوف بجانب شعاراته المزيفة في الوطنية والقومية ضد كل القيم الإنسانية النبيلة التي يمثلها أشخاص مثل حميد المختار الذي قضى سنيناً مدفوناً في أقبية التعذيب التابعة لنظام البائد وولي نعمة عرسان وأتباعه، ولأنه زمن فقدان الوضوح، نجد أن المدعو (عرسان) يتناسى ويدفن رأسه وقامته في الرمل ويتهم نخبة مثقفي العراق بالعمالة للأجنبي وعدم انتخابهم بشكل شرعي، أنا أعجب من زمن الفضاضة هذا كيف يسمح لموظف في الأجهزة البوليسية التابعة لمؤسسة قمعية هي الأخرى أن يتكلم عن الحرية والديمقراطية، وهو يعلم قبل غيره أن بلاده بالذات تمثل الوجه الآخر للمؤسسة القمعية التي كانت سائدة في العراق، وإنه لم يحاول حتى لمجرد المحاولة لكتابة فقرة واحدة تتكلم عن حقوق الإنسان في سوريا والوطن العربي، لا لشيء إلاّ لأنه يرى الحرية والديمقراطية من خلال المنظار الشوفيني الذي يرى فيه أسياده الحرية والديمقراطية، وأعود وأقول إنه زمن اللاّضوح الذي جعل عرسان لا يميز بين حميد المختار وفاضل ثامر وبين رعد بندر وعبد الرزاق عبد الواحد، بل كان يحتفل بلقاء تلك الأسماء التي كانت تحضر إجتماعات اتحاد الكتاب العرب ومعها قوائم تضم أسماءاً لوجودات ثقافية عربية محرّم عليها الظهور لأنها من دعاة الحرية والديمقراطية،& ويتناسى أن دور المثقف هو كشف وفضح الممارسات القمعية واللاّإنسانية التي تتبناها أجهزة القمع العربية، ويوجه أنظاره دوماً إلى عدو كلنا نؤمن بوجوده القائم على نزاهة الموظفين (الدكتاتوريات العربية) العاملين تحت مظلته، وكان الأحرى به أن ينتبه لجراحه وعاهاته ويحاول أن يغير نظارته ليرى الواقع العربي على حقيقته، ربما لو فعل ذلك لكان أكثر أمانة في التنظير في مصطلحات الحرية والديمقراطية، ولكن لابد أن يصح القول (إذا لم تستح، إفعل ما تشاء).
التعليقات