&
أسامة العيسة القدس: قبل (1313) عام وتحديدا بتاريخ (13/1/691م) أنهى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بناء قبة الصخرة المشرفة بالقدس لتصبح ليس فقط درة المدينة المقدسة بل أيضا رمزا سياسيا ودينيا في العالم الإسلامي.
و"تنافس" قبة الصخرة المسجد الأقصى، بجمالها وأهميتها، وهي التي تقع بجواره وفي (حرمه) والذي وضع لبناته الأولى خليفة المسلمين الثاني عمر بن الخطاب عندما تسلم مفاتيح المدينة المقدسة من بطريركها (صفرونيوس) عام (613م) في قصة مشهورة، وإعطاء أهلها عهدا عرف في الأدبيات الإسلامية (والمسيحية) باسم (العهدة العمرية) التي يعاد إليها حتى اليوم بشان العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، وشهد على ذلك العهد أسماء صبحت رموزا في التاريخ العربي والإسلامي مثل: خالد بن الوليد، عمرو بن العاص، عبد الرحمن بن عوف، معاوية بن أبي سفيان..
وما زال النص الرسمي للعهدة محفوظا حتى اليوم في دير وادي القلط الأرثوذكسي قرب مدينة أريحا، وتعلق في الدير صورة قيل أنها للخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب وهو يستلم مفاتيح المدينة من البطريرك صفرونيوس.
وتوجد نسخ من الصورة معلقة في كثير من مكاتب وأماكن العبادة لأبناء طائفة الروم الأرثوذكس العرب في فلسطين، الذين يعانون من خلاف دائم مع رئاستهم الروحية اليونانية التي تسيطر على مقدرات كنيستهم.
ومن الأمور المهمة في تلك العهدة أنها ميزت بين مواطني القدس المسيحيين العرب والأخريين الأجانب (الروم) الذين كانوا يسمون (الاعلاج) وهو اللفظ الذي عاد (للحياة) بقوة خلال حرب الخليج الأخيرة وانتشر في العالم كله (بفضل) وزير الأعلام العراقي السابق محمد سعيد الصحاف والذي أطلق عليه البعض لقب (أبو العلوج).
وقصة عثور عمر بن الخطاب على مكان المسجد الأقصى الذي ذكر في سورة الإسراء تستحق أن تروى، فبعد أن انتهى تسليم المدينة للمسلمين عام 15 هجرية، سأل الخليفة، صفرونيوس عن مكان المسجد الأقصى الذي ورد في سورة الإسراء، فدله على مساحة من الأرض كانت مليئة بالنفايات والأوساخ تقع فيما كان يعرف بجبل موريا، فاخذ عمر بن الخطاب يزيل الأوساخ بنفسه ووضع اللبنات الأولى للمسجد الأقصى.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن اسم المسجد الأقصى الان يطلق على منطقة تقارب مساحتها 140 دونما و900 مترا مربعا تشمل سور المسجد والأبواب الخارجية والمساحات والممرات والقباب والمحاريب وقبة الصخرة أيضا.
(الجوهرة الثانية)
وبعد نحو (55) سنة من ذلك التاريخ تنبه عبد الملك بن مروان، إلى أهمية القدس، فبدا ببناء قبة الصخرة ليس بعيدا عن المسجد الأقصى ولكن على مرتفع يقابله تبعد نحو 300 مترا عنه، على مغارة صخرية عرج منها الرسول الكريم إلى السماء.
والفرق بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة يمكن تلخيصه في آية الإسراء وهي تخص المسجد الأقصى(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير).
أما قبة الصخرة فمرتبطة بقصة العروج إلى السماء ولم يذكرها القران الكريم مباشرة وحسب العلماء فانه يستدل عليها من الآيات التالية في سورة النجم (والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما |
&ينطق عن الهوى، ان هوى إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، افتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آياته الكبرى).
ومما لاشك فيه أن عبد الملك حرص على أن يكون بناء قبة الصخرة رائعا فنيا وهندسيا واستعان لذلك بأمهر المهندسين والفنيين لبنائه ومن بينهم مسيحيين استفاد من خبرتهم في الفنون البيزنطية.
ويطلق الباحثون على قبة الصخرة الجوهرة الثانية، باعتبار ان المسجد الاقصى هو الجوهرة الاولى.
وتتميز القبة بما يسميه الأثريون الرقوم الزخرفية، وتزين هذه الرقوم قبة الصخرة من الداخل والخارج.
يقول الدكتور يونس عمرو "من الداخل يزين الرقم الدائري وسط القبة، ولكها مرسومة بماء الذهب، ويتضمن هذا الرقم آية الكرسي، التي تعتبر من اعظم النصوص القرآنية مكانة عن المسلمين، إذ يتبركون بها ويحرصون على ترديدها، ثم الرقم القرآني الثاني الذي يزين عنق القبة من الداخل، في شريط يدور حول العنق، فوق الأقواس التي تعلو صف الأعمدة التي تحمل القبة الداخلية، وهو رقم كتب بالفسيفساء المذهبة بخط نسخي جميل، تضمن سورة طه، وكتبت سورة النساء بخط كوفي مذهب، فوق أقواس التثمينة الوسطى من خارج الأقواس تحت عنق القبة الداخلية، في رواق التثمينة المقابل للتثمينة الرئيسة ويلتف على هيئة شريط".
أما الرقوم القرآنية الخارجية التي تزين قبة الصخرة فيمكن تلخيصها بما يلي:
*افريز كتبت فيه سورة (يس) بخط ثلثي جميل على القاشاني الأزرق، بلون ابيض ناصع ويدور هذا الإفريز حول تثمينة المسجد الرئيسة في أقصى ارتفاعها.
*إفريز قاشاني يتضمن رقما قرآنيا آخر، كتب بخط ثلثي جميل يتضمن سورة الإسراء ويلتف هذا الإفريز حول عنق القبة الخارجي.
*رقوم قرآنية أخرى كتبت بالقاشاني تزين بدن التثمينة الخارجية.
*رقم قاشاني لآيات قرآنية فوق القوس الذي يعلو الباب القبلي.
(السياسة دائما)
اتهم عبد الملك انه فكر ببناء قبة الصخرة لسبب سياسي للفت أنظار المسلمين آنذاك لأولى القبلتين في الوقت الذي كان فيه عبد الله بن الزبير يسيطر على مكة المكرمة، ويتحكم بالحج.
وسواء صح الاتهام أم لا فان تاريخ قبة الصخرة والمسجد الأقصى ارتبطا فيما بعد بأوثق الصلات بالسياسة وشهد تاريخهما عزا أو تراجعا تبعا للظروف السياسية، وربما كان أول ضحايا تلك السياسة هو مروان نفسه، وذلك يتعلق بما يعتقد الأثريون انه اقدم نقش توثيقي وجد في قبة الصخرة والذي أورده المؤرخون على انه (بنى هذه القبة عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين في سنة اثنين وسبعين تقبل الله منه ورضي عنه).
ولكن ما يوجد على النقش الان (بنى هذه القبة عبد الله، عبد الله الأمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين، تقبل الله منه ورضى عنه آمين).
ومكتوب هذا النقش بخط كوفي باللون الذهبي على أرضية من الفسيفساء اللازوردية في الجهة القبلية الشرقية من فوق القناطر التي تحمل التثمينة الوسطى والتي تحمل القبة من الداخل، وفي حين يرى البعض بان المأمون نسب فضل بناء قبة الصخرة إلى نفسه يعتقد الدكتور يونس عمرو بأنه "يبدو أن الترميم الذي جرى في المسجد في عهد المأمون، أدى بالكاتب إلى وضع اسم الخليفة بدلا من اسم عبد الملك، ولم يلتفت إلى تغيير التاريخ الذي بقي كما هو (72 هجري) مع أن أعمال الترقيم التي جرت في زمن المأمون كانت في عام (316 هجرية) أي (316 ميلادية).
ومن الصعب القبول بهذا التفسير، ويمكن بالإشارة إلى أن الصراعات العميقة وانهار الدماء التي سالت بين الأمويين والعباسيين يمكن تفسر هذا الخطا في نسبة بناء مسجد قبة الصخرة..!
وهذا الموقف: محاولة محو (العهد القديم) تكرر كثيرا في تاريخ العرب وفي تاريخهم المعاصر، مثلا ثمة شواهد عديدة عليه..!
ومما يؤكد ما ذهبت إليه أن اسم المأمون وحسب وصف الدكتور عمرو نفسه (كتب بحروف مزدحمة شكلا ولونا عن باقي النص الأصلي، وان كتبت بالخط الكوفي، إذ أن الحروف المضافة ضيقة ولونها داكن بشكل واضح، ورغم هذا التحريف الذي جرى لهذا النقش، فانه غاية في الجمال يتخذ موضعه بين الزخارف العامة للقبة من الداخل، شاهدا على عظمة وهيبة هذا العمل العظيم).
ولم تكن الأمور مع المسجدين دائما صراعا أو تنافسا على كسب حظوتهما،
ففي الوقت الذي كان فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة قبلة الفاتحين والسياسيين والعلماء في عصور، حولت في عصور أخرى تحت الحكم الصليبي مثلا، إلى إسطبلات للخيول ووقعت فيهما مجازر اشهرها التي وقعت في 15 تموز 10099م عندما استولى الصليبيون على القدس ووفقا للمصادر الصليبية نفسها (منها مثلا ريموند داجيلس) الذي قال بان (الدماء وصلت في المسجد حتى الركب).
وكتب مكسيموس موند (لم يوفر الصليبيون أحدا من سيوفهم لا من الرجال ولا من النساء العجز ولا من الأطفال، وظن المسلمون أن مسجد عمر (التسمية التي أطلقها الصليبيون على المسجد الأقصى) سيحميهم من الموت ولكن ظنهم قد خاب إذ أن الصليبيين لحقوا بهم خيالة ومشاة ودخلوا المسجد المذكور وأبادوا كل من وجوده فيه بحد السيف).
(شرعية)
وتشاء التطورات فيما بعد أن تصبح صورة قبة الصخرة الذهبية وزخارفها اشهر من صورة المسجد الأقصى، وفي كثير من البلدان الإسلامية تطبع صورة قبة الصخرة وتسوق على أنها المسجد الأقصى، وكثيرا ما يثير ذلك اللبس بين الصورتين السكان المحليين بسبب إن المستهدف الان وبشكل أساسي من قبل غلاة المتطرفين الصهاينة هو المسجد الأقصى باعتبار انه أقيم على هيكل سليمان، وليس قبة الصخرة، مطالبين بإثارة الوعي بصورة المسجد الأقصى.
ويرفض الفلسطينيون بشدة الربط بين هيكل سليمان والمسجد الأقصى وعن ذلك يقول الشيخ عكرمة سعيد صبري مفتي القدس و(الديار الفلسطينية) "من الأمور البديهية ومن المسلمات بان الإسلام يحافظ على أماكن العبادة لأصحاب الديانات الأخرى، فلا يجوز الاعتداء على أي كنيس أو كنيسة أو صومعة،..فلو كان المسجد الأقصى مكان عبادة لليهود لما آمر الله بتحويله مسجدا للمسلمين فالله عادل ويتنزه عن الظلم، وطلب منا أن نقيم العدل بين المسلمين وغير المسلمين وهذا ما أكده عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أتى إلى منطقة المسجد الأقصى فلم يجد أي اثر لمكان عبادة لليهود وانما وجد ساحة مملوءة بالنفايات، كما أن عمر رفض الصلاة في كنيسة القيامة خوفا من أن يدعي المسلمون من بعده بهذه الكنيسة".
ويضيف صبري "يمكن أن يكون معبد سليمان في مدينة القدس ولكن وبكل تأكيد ليس في منطقة الأقصى".
وبقي الكثير من الزعماء ينظرون لقبة الصخرة والمسجد الأقصى كرمز لشرعيتهم، وكل قائد وفاتح وزعيم حرص على ربط اسمه بالقبة والمسجد الأقصى.
واشهر هؤلاء الذين وثقوا صلتهم بقبة الصخرة برقوم موجودة بها:
*صلاح الدين الأيوبي (بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا، السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة)
*الناصر قلاون (بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد وتذهيب هذه القبة مع القبة الفوقانية برصاصها مولانا ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه السلطان محمد بن الملك المنصور الشهيد قلاون تغمده الله برحمته، وذلك في سنة ثمان عشرة وسبعمائة).
*الظاهر برقوق (بسم الله الرحمن الرحيم، جددت هذه السدة المباركة بالصخرة الشريفة في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق خلد الله ملكه في نيابة المقر الأشرف العلائي الطنبغا الجوباني كافل الممالك بالشام المحروسة اعز الله أنصاره بنظر العبد الفقير إلى الله تعالى المقر المخدومي الناصري محمد ولد المقر المرحوم السيفي بهادر الفخري الظاهري نائب السلطنة الشريفة بالقدس الشريف، وناظر الحرمين الشريفين اعز الله أنصاره بتاريخ مستهل شوال سنة تسع وثمانين وسبعماية)
*قام الأمير اركاس الجلباني نائب السلطان المملوكي الأشرف برسباي بشراء ضياع أوقف بعض من ريعها لقبة الصخرة وسجل ذلك في رقم رخامي ثبت في حائط قبة الصخرة الخارجي إلى جانب الباب الشرقي، وواضح أن سطورا تخص أسماء الأماكن الموقوفة مسحت من هذا الرقم ويعزو الدكتور يونس عمرو سبب ذلك أن بعض المنتفعين من الأماكن الموقوفة ربما مسحوها، وما بقي على الرقم الرخامي ( .الحرمين الشريفين أثابه الله الجنة، وهي مشتراة مما ثمره من مال الوقف من أجور المسقفات في كل شهر الفا درهم خارجا عن تكملة حواصل المستحقين وما جدده وانشأه من الحمام الخراب بحارة .وقرية العوجا والنعيمة بالغور ومرتب الخواجات الواردين..قمامة واوقف جميع المتحصل..ذلك برسم عمارة المسجد الأقصى الشريف والصخرة الشريفة واوقافهما، وما فضل من ذلك يرصد حاصلا لصندوق الصخرة الشريفة، ارصد ذلك جميعه برسم العمارة خالصا ارصادا صحيحا شرعيا، بمقتضى المرسوم الشريف المعين تاريخه أعلاه. ورسم أن ينقش في هذه الرخامة حسنة جارية في صحائف مولانا السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه على الدوام ما تعاقبت الشهور والأعوام. فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ويضاف إلى ذلك فائض الزيت والجوالي اللهم من فعل هذا الخير وكان السبب فيه جازه بالجنة والنعيم ومن غيره أو نقصه جازه بالعذاب الأليم).
ومما لاشك فيه أن عبد الملك حرص على أن يكون بناء قبة الصخرة رائعا فنيا وهندسيا واستعان لذلك بأمهر المهندسين والفنيين لبنائه ومن بينهم مسيحيين استفاد من خبرتهم في الفنون البيزنطية.
ويطلق الباحثون على قبة الصخرة الجوهرة الثانية، باعتبار ان المسجد الاقصى هو الجوهرة الاولى.
وتتميز القبة بما يسميه الأثريون الرقوم الزخرفية، وتزين هذه الرقوم قبة الصخرة من الداخل والخارج.
يقول الدكتور يونس عمرو "من الداخل يزين الرقم الدائري وسط القبة، ولكها مرسومة بماء الذهب، ويتضمن هذا الرقم آية الكرسي، التي تعتبر من اعظم النصوص القرآنية مكانة عن المسلمين، إذ يتبركون بها ويحرصون على ترديدها، ثم الرقم القرآني الثاني الذي يزين عنق القبة من الداخل، في شريط يدور حول العنق، فوق الأقواس التي تعلو صف الأعمدة التي تحمل القبة الداخلية، وهو رقم كتب بالفسيفساء المذهبة بخط نسخي جميل، تضمن سورة طه، وكتبت سورة النساء بخط كوفي مذهب، فوق أقواس التثمينة الوسطى من خارج الأقواس تحت عنق القبة الداخلية، في رواق التثمينة المقابل للتثمينة الرئيسة ويلتف على هيئة شريط".
أما الرقوم القرآنية الخارجية التي تزين قبة الصخرة فيمكن تلخيصها بما يلي:
*افريز كتبت فيه سورة (يس) بخط ثلثي جميل على القاشاني الأزرق، بلون ابيض ناصع ويدور هذا الإفريز حول تثمينة المسجد الرئيسة في أقصى ارتفاعها.
*إفريز قاشاني يتضمن رقما قرآنيا آخر، كتب بخط ثلثي جميل يتضمن سورة الإسراء ويلتف هذا الإفريز حول عنق القبة الخارجي.
*رقوم قرآنية أخرى كتبت بالقاشاني تزين بدن التثمينة الخارجية.
*رقم قاشاني لآيات قرآنية فوق القوس الذي يعلو الباب القبلي.
(السياسة دائما)
اتهم عبد الملك انه فكر ببناء قبة الصخرة لسبب سياسي للفت أنظار المسلمين آنذاك لأولى القبلتين في الوقت الذي كان فيه عبد الله بن الزبير يسيطر على مكة المكرمة، ويتحكم بالحج.
وسواء صح الاتهام أم لا فان تاريخ قبة الصخرة والمسجد الأقصى ارتبطا فيما بعد بأوثق الصلات بالسياسة وشهد تاريخهما عزا أو تراجعا تبعا للظروف السياسية، وربما كان أول ضحايا تلك السياسة هو مروان نفسه، وذلك يتعلق بما يعتقد الأثريون انه اقدم نقش توثيقي وجد في قبة الصخرة والذي أورده المؤرخون على انه (بنى هذه القبة عبد الله عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين في سنة اثنين وسبعين تقبل الله منه ورضي عنه).
ولكن ما يوجد على النقش الان (بنى هذه القبة عبد الله، عبد الله الأمام المأمون أمير المؤمنين في سنة اثنتين وسبعين، تقبل الله منه ورضى عنه آمين).
ومكتوب هذا النقش بخط كوفي باللون الذهبي على أرضية من الفسيفساء اللازوردية في الجهة القبلية الشرقية من فوق القناطر التي تحمل التثمينة الوسطى والتي تحمل القبة من الداخل، وفي حين يرى البعض بان المأمون نسب فضل بناء قبة الصخرة إلى نفسه يعتقد الدكتور يونس عمرو بأنه "يبدو أن الترميم الذي جرى في المسجد في عهد المأمون، أدى بالكاتب إلى وضع اسم الخليفة بدلا من اسم عبد الملك، ولم يلتفت إلى تغيير التاريخ الذي بقي كما هو (72 هجري) مع أن أعمال الترقيم التي جرت في زمن المأمون كانت في عام (316 هجرية) أي (316 ميلادية).
ومن الصعب القبول بهذا التفسير، ويمكن بالإشارة إلى أن الصراعات العميقة وانهار الدماء التي سالت بين الأمويين والعباسيين يمكن تفسر هذا الخطا في نسبة بناء مسجد قبة الصخرة..!
وهذا الموقف: محاولة محو (العهد القديم) تكرر كثيرا في تاريخ العرب وفي تاريخهم المعاصر، مثلا ثمة شواهد عديدة عليه..!
ومما يؤكد ما ذهبت إليه أن اسم المأمون وحسب وصف الدكتور عمرو نفسه (كتب بحروف مزدحمة شكلا ولونا عن باقي النص الأصلي، وان كتبت بالخط الكوفي، إذ أن الحروف المضافة ضيقة ولونها داكن بشكل واضح، ورغم هذا التحريف الذي جرى لهذا النقش، فانه غاية في الجمال يتخذ موضعه بين الزخارف العامة للقبة من الداخل، شاهدا على عظمة وهيبة هذا العمل العظيم).
ولم تكن الأمور مع المسجدين دائما صراعا أو تنافسا على كسب حظوتهما،
ففي الوقت الذي كان فيه المسجد الأقصى وقبة الصخرة قبلة الفاتحين والسياسيين والعلماء في عصور، حولت في عصور أخرى تحت الحكم الصليبي مثلا، إلى إسطبلات للخيول ووقعت فيهما مجازر اشهرها التي وقعت في 15 تموز 10099م عندما استولى الصليبيون على القدس ووفقا للمصادر الصليبية نفسها (منها مثلا ريموند داجيلس) الذي قال بان (الدماء وصلت في المسجد حتى الركب).
وكتب مكسيموس موند (لم يوفر الصليبيون أحدا من سيوفهم لا من الرجال ولا من النساء العجز ولا من الأطفال، وظن المسلمون أن مسجد عمر (التسمية التي أطلقها الصليبيون على المسجد الأقصى) سيحميهم من الموت ولكن ظنهم قد خاب إذ أن الصليبيين لحقوا بهم خيالة ومشاة ودخلوا المسجد المذكور وأبادوا كل من وجوده فيه بحد السيف).
(شرعية)
وتشاء التطورات فيما بعد أن تصبح صورة قبة الصخرة الذهبية وزخارفها اشهر من صورة المسجد الأقصى، وفي كثير من البلدان الإسلامية تطبع صورة قبة الصخرة وتسوق على أنها المسجد الأقصى، وكثيرا ما يثير ذلك اللبس بين الصورتين السكان المحليين بسبب إن المستهدف الان وبشكل أساسي من قبل غلاة المتطرفين الصهاينة هو المسجد الأقصى باعتبار انه أقيم على هيكل سليمان، وليس قبة الصخرة، مطالبين بإثارة الوعي بصورة المسجد الأقصى.
ويرفض الفلسطينيون بشدة الربط بين هيكل سليمان والمسجد الأقصى وعن ذلك يقول الشيخ عكرمة سعيد صبري مفتي القدس و(الديار الفلسطينية) "من الأمور البديهية ومن المسلمات بان الإسلام يحافظ على أماكن العبادة لأصحاب الديانات الأخرى، فلا يجوز الاعتداء على أي كنيس أو كنيسة أو صومعة،..فلو كان المسجد الأقصى مكان عبادة لليهود لما آمر الله بتحويله مسجدا للمسلمين فالله عادل ويتنزه عن الظلم، وطلب منا أن نقيم العدل بين المسلمين وغير المسلمين وهذا ما أكده عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أتى إلى منطقة المسجد الأقصى فلم يجد أي اثر لمكان عبادة لليهود وانما وجد ساحة مملوءة بالنفايات، كما أن عمر رفض الصلاة في كنيسة القيامة خوفا من أن يدعي المسلمون من بعده بهذه الكنيسة".
ويضيف صبري "يمكن أن يكون معبد سليمان في مدينة القدس ولكن وبكل تأكيد ليس في منطقة الأقصى".
وبقي الكثير من الزعماء ينظرون لقبة الصخرة والمسجد الأقصى كرمز لشرعيتهم، وكل قائد وفاتح وزعيم حرص على ربط اسمه بالقبة والمسجد الأقصى.
واشهر هؤلاء الذين وثقوا صلتهم بقبة الصخرة برقوم موجودة بها:
*صلاح الدين الأيوبي (بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا، السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته وذلك في شهور سنة ست وثمانين وخمسمائة)
*الناصر قلاون (بسم الله الرحمن الرحيم، أمر بتجديد وتذهيب هذه القبة مع القبة الفوقانية برصاصها مولانا ظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه السلطان محمد بن الملك المنصور الشهيد قلاون تغمده الله برحمته، وذلك في سنة ثمان عشرة وسبعمائة).
*الظاهر برقوق (بسم الله الرحمن الرحيم، جددت هذه السدة المباركة بالصخرة الشريفة في أيام مولانا السلطان الملك الظاهر أبي سعيد برقوق خلد الله ملكه في نيابة المقر الأشرف العلائي الطنبغا الجوباني كافل الممالك بالشام المحروسة اعز الله أنصاره بنظر العبد الفقير إلى الله تعالى المقر المخدومي الناصري محمد ولد المقر المرحوم السيفي بهادر الفخري الظاهري نائب السلطنة الشريفة بالقدس الشريف، وناظر الحرمين الشريفين اعز الله أنصاره بتاريخ مستهل شوال سنة تسع وثمانين وسبعماية)
*قام الأمير اركاس الجلباني نائب السلطان المملوكي الأشرف برسباي بشراء ضياع أوقف بعض من ريعها لقبة الصخرة وسجل ذلك في رقم رخامي ثبت في حائط قبة الصخرة الخارجي إلى جانب الباب الشرقي، وواضح أن سطورا تخص أسماء الأماكن الموقوفة مسحت من هذا الرقم ويعزو الدكتور يونس عمرو سبب ذلك أن بعض المنتفعين من الأماكن الموقوفة ربما مسحوها، وما بقي على الرقم الرخامي ( .الحرمين الشريفين أثابه الله الجنة، وهي مشتراة مما ثمره من مال الوقف من أجور المسقفات في كل شهر الفا درهم خارجا عن تكملة حواصل المستحقين وما جدده وانشأه من الحمام الخراب بحارة .وقرية العوجا والنعيمة بالغور ومرتب الخواجات الواردين..قمامة واوقف جميع المتحصل..ذلك برسم عمارة المسجد الأقصى الشريف والصخرة الشريفة واوقافهما، وما فضل من ذلك يرصد حاصلا لصندوق الصخرة الشريفة، ارصد ذلك جميعه برسم العمارة خالصا ارصادا صحيحا شرعيا، بمقتضى المرسوم الشريف المعين تاريخه أعلاه. ورسم أن ينقش في هذه الرخامة حسنة جارية في صحائف مولانا السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه على الدوام ما تعاقبت الشهور والأعوام. فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ويضاف إلى ذلك فائض الزيت والجوالي اللهم من فعل هذا الخير وكان السبب فيه جازه بالجنة والنعيم ومن غيره أو نقصه جازه بالعذاب الأليم).
&
& وهناك قائمة طويلة للخلفاء والسلاطين والولاة تمتد حتى العصر الحديث، ودفن بجوارها الملك عبد الله الذي اغتيل على أعتاب المسجد الأقصى قبل نحو ستين عاما والمفارقة بان |
السبب المباشر في مقتله (..بعيدا عن الأسباب السياسية أو أية أسباب أخرى) فنوى دينية فورية من أحد الشيوخ، فالملك الذي كان قادما من مدينة نابلس سال الشيخ المرافق له حول إجازة الصلاة منتعلا حذائه فأجابه الشيخ بان (جاف على جاف يجوز)، فهبط حراس الملك ومرافقيه لخلع أحذيتهم بينما بقي هو واقفا مما مكن القاتل من إطلاق النار على الملك عبد الله وأصابته في مقتل وتم دفنه بجوار جده الحسين بن علي، ومن السياسيين الفلسطينيين الذين دفنوا في حرم المسجد موسى كاظم الحسيني الزعيم الوطني للفلسطينيين في بداية القرن العشرين وفيصل الحسيني.
وطوال عقود حرص ملوك وأمراء عرب معاصرين على علاقة ما مع المسجد الأقصى وقبة الصخرة وذلك بدعم أعمال الترميم أو بالفرش بالسجاد أو تقديم دعما لسدنة الحرم.
أما علاقة قبة الصخرة والمسجد الأقصى بالممارسات الإسرائيلية فتلك قصة أخرى، طويلة ومؤلمة، ومن غير المتوقع أن تنتهي قريبا..!
وطوال عقود حرص ملوك وأمراء عرب معاصرين على علاقة ما مع المسجد الأقصى وقبة الصخرة وذلك بدعم أعمال الترميم أو بالفرش بالسجاد أو تقديم دعما لسدنة الحرم.
أما علاقة قبة الصخرة والمسجد الأقصى بالممارسات الإسرائيلية فتلك قصة أخرى، طويلة ومؤلمة، ومن غير المتوقع أن تنتهي قريبا..!






التعليقات