ناصر الحجاج
&
&
&
يعد اسم المربد علامة مضيئة في تاريخ الأدب العربي القديم، حيث التقاء الشعراء، والنقاد آنذاك بعيداً عن سطوة الخلافة، وسلطة الدين، ومزايدات التجار. والمربد حيث يعني الاجتماع والالتقاء، للخيل أو للتمور، كان ملتقى رفد الحركة الإبداعية في أتعس الظروف السياسية.
يقال في كتب فقه اللغة: ربد في المكان أي أقام فيه. والمربد المكان الذي تحبس فيه الإبل"الكراج وقتنا الحاضر" صار اسما لسوق الشعر في البصرة، مثلما كان سوق عكاظ في الجزيرة العربية.
وفي معجم الغني نقرأ:
مِرْبَدُ الإِبِلِ" : مَحْبَسُهَا، مَوْقِفُهَا، سُوقُهَا. ."مِرْبَدُ الدَّارِ" : مَا وَرَاءهَا مِنْ فَضَاءٍ.."مِرْبَدُ البَصْرَةِ" : سُوقُ الإِبِلِ وَفِيهِ كَانَ الشُّعَرَاءُ يَجْتَمِعُونَ لِإِنْشَادِ أَشْعَارِهِمْ.
أما ابن منظور في معجمه "لسان العرب" فيذكر:
والمِرْبد : فضاء وراء البيوت يرتفق به . والمِرْبد : كالحُجرة في الدار . ومِرْبد التمر : جَرِينه الذي يوضع فيه بعد الجداد لييبس; قال سيبويه : هو اسم كالمَطْبَخ وإِنما مثله به لأَن الطبخ تيبيس; قال أَبو عبيد : والمربد أَيضاً موضع التمر مثل الجرين ، فالمربد بلغة أَهل الحجاز والجرين لهم أَيضاً ، والأَنْدَر لأَهل الشام ، والبَيْدَر لأَهل العراق; قال الجوهري : وأَهل المدينة يسمون الموضع الذي يجفف فيه التمر لينشف مربداً ، وهو المِسْطَح والجرين في لغة أَهل نجد ، والمربد للتمر كالبيدَر للحنطة. وفي حديث النبي ، (أَن مسجده كان مِرْبَداً ليتيمين في حَجْر معاذ بن عَفْراء ، فجعله للمسلمين فبناه رسول الله مسجداً ).
ما يدفعني إلى إيراد معاني اسم المربد قراءتي مقالات أربعة من المثقفين العراقيين منهما صديقاي أحمد عبد الحسين (كندا)، وأمير الدراجي (النروج)، أما الآخران فهما الشاعران عبد القادر الجنابي (فرنسا)، وفرج الحطاب (أمريكا).
وإن كانت مؤاخذة الأخير على مربد ما بعد صدام 2004 أن الشيوعيين العراقيين حاولوا تجييره لهم، فإن الثلاثة الأول حاولوا النيل من مهرجان المربد انطلاقاً من تسميته. فلأن المربد يعني "مربط الإبل" فإن المربد يجب أن يلغى من حياتنا. وهم في ذلك كمن يريد نقد نظريات ميشيل عفلق بتعيير بأن اسمه" عفلق" يعني: الفرج القبح للمرأة العجوز.
ولأن النقود الموجهة لمهرجان المربد كانت في أغلبها تندرج في حقل النقد السلبي، مع ما بها من طروحات شخصية كانغثاث الجنابي من دعوة القائمين على المربد لعلي أحمد سعيد "أدونيس" الذي لا يطيق عبد القادر سماع اسمه، لـ "صوقيته وسرياليته" على تعبير الجنابي.
المربد الذي نيل منه كالذي نيل من العراق، والذي صار مستلباً كما حال العراق. لم يسلم حتى اسمه من تلكم الكارثة.
المربد اسم حاضر لحي من أحياء البصرة ما زال محتفظاً بشيء من تاريخه حتى صعود البعثيين إلى سلطة العراق، حيث اقتلعوا اسم المربد من جذوره في تربة البصرة مثلما اقتلعوا النخيل:( فوجئت عند عودتي إلى العراق بأن بستاناً من بساتين نخيل والدي قد اقتلعه البعثيون ونقلوه إلى أحد قصور صدام في مكان ما خارج البصرة).
غريب أمر البعثيين حيث يحتفلون بالمربد في بغداد بدلاً من البصرة! لا غرابة فالغاية سرقة المربد من أرضه، وتحويله إلى دابة من دواب السلطة، تنهق باسم "أبو الليثين عداي وقصي". سلطة البعث التي تغربل اللاعبين على "الروديو" أيهم أطول نفساً على ظهر أخوته......و اغتصب البعثيون المربد.
والآن عاد المربد من جديد إلى أرضه، منتظراً أن تتسع غرفُه لجلبة النقاد، وفضاؤه لإبداع الشعراء،& ومنتظراً أن تمتلئ بيادره بخصب إبداع الفنانين والمفكرين، كما تستوعب مجالاته الأخرى مطاياهم.
لكن الإبل، ...هل هي مجرمة وسيئة، ومربط الإبل، أهو منبوذ لهذا الحد، أم إنها الصور المريضة لنعال أبي تحسين. (ما زال الغربيون يتساءلون عن الغاية من ضرب صور صدام بالنعال!).
ترى كيف نعيد المربد إلى صورته المتخيلة!
المربد كمهرجان ثقافي أدبي لا يقل قيمة عن المهرجانات العالمية التي تقام في أوربا أو التي تقام في أمريكا الجنوبية أو في أنحاء العالم كافة.
أما طموحنا الذي نحاول إيصال المربد إليه فهو أن نرتقي بمهرجان المربد ليصبح متفرداً وممتازا على غيره:
1.&يصبح المربد مؤسسة ثقافية مستقلة عن الدولة، وعن الرعاية الحزبية.
2.&يسجل المربد لدى منظمة اليونسكو كمهرجان ثقافي سنوي يقام في العراق حيث هو الآن، وعلى شكل منظمة لا ربحية( Non-profit Organization) تقبل التبرعات.
3.&ينظم المربد تنظيما إدارياً، ابتداء من مكان انعقاده إلى الهيئات المساهمة في ديمومته. قد يكون يوم الشعر العالمي مناسباً!
4.&تحدد أبواب المساهمات المختلفة من شعرية أو فنية أو نقدية أو فكرية أو غيرها، بشكل يعتمد ترشيح منصفاً لكل للأعمال.
5.&يعتمد المربد على مجموعة من القراء الحقيقيين لما يصدر من أعمال مختلفة ومن ثم دعوة أصحاب تلك الأعمال المتفردة وإن كانوا مغمورين.
6.&يساهم المربد في نشر النتاج الإبداعي وفي تكريم المبدعين بما يتلقاه من المؤسسات العالمية التي تتبنى رعايته.
صحيح أن مجتمعنا لم يعتد العمل المدني المؤسسي، لكن طبيعة المجتمع العراقي، بطاقاته الإبداعية الفائضة والمهدورة، وبكل مخزونه الثقافي والحضاري سيكون كفيلاً بأن يجعل المربد حلماً يراود مبدعي العالم للحضور والمشاركة فيه. لا ننسى تاريخ العراق المدني في الأدب والفلسفة والعلوم الإنسانية بما يعني أهليته الأكيدة لإقامة مهرجان المربد.
يمكنكم الآن أيها المثقفون كلكم أن تتصوروا كيف سيكون مهرجان المربد ابتناء على ما ذكرت من معطيات.
إن شعب العراق الذي قيل فيه "وراء كل نخلة في العراق شاعر"، والعراق بلد الحضارة، والأدب والشعر، والفلسفة والتجديد، هؤلاء كلهم مؤهلون لأن يتسنموا ريادة مشروع الثقافات العالمية في العالم كله.
هذا ما نريده للمربد وما نسعى لأن يكونه، فالطاقة التي تستنفذ بالعنف وبالاغتصاب، ستعاد إلى مربدها الحضاري، ونحن العراقيين أهل لذلك.