"إيلاف" من دبي: لعل ابرز الملاحظات التي يمكن رصدها حول الاتجاه السياسي والاقتصادي لدولة الامارات العربية المتحدة خلال الفترة الاخيرة هو ظهور ملامح الاتجاه شرقا في خطواتها بشكل ملفت ويكفي للتدليل على وجود هذا التوجه عند المسؤولين الاماراتيين رصد مجموعة من المشاهد التي حفلت بها الاسابيع الاخيرة وتحديدا من بداية شهر فبراير الماضي ..
اول وابرز المشاهد التي تعكس التوجه الشرقي الاماراتي هي رحلة الشيخ حمدان بن زايد ال نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة للشؤون الخارجية الى دول شرق اسيا والتي زار خلالها كل من كوريا الجنوبية واليابان والصين ..واول ما يلفت الانتباه في هذه الجولة التغطية الاعلامية المكثفة لها سواء في الامارات او في الدول الثلاث ،وكان من بين التغطيات البارزة في وسائل الاعلام المختلفة ما قيل عن احجام التبادل التجاري بين الامارات وكل دولة من الدول الثلاث على حدة .. واذا عرفنا الدور الهام والمحوري الذي يؤديه الشيخ حمدان في رسم السياسة الاماراتية الخارجية مع الوزن النسبي للدول الثلاث سنعرف صدق التوجه الاماراتي الذي يكتسب اهمية اضافية من توقيته الذي تشهد فيه العلاقات العربية الامريكية بشكل عام ازمة ثقة متبادلة وانشغال الاتحاد الاوروبي باعادة صقل الدول التسعة الجديدة في منظومته.
ومن المشاهد الاخرى التي تؤكد التوجه الشرقي كمية الاتفاقات التجارية والاقتصادية التي تم ابرامها خلال الاشهر القليلة الماضية مع هيئات رسمية وخاصة في دول اسيا واوربا الشرقية وفي هذا السياق يمكن رصد حوالي خمسة عشر اتفاقا جرى توقيعها بين الغرف التجارية والهيئات الاقتصادية في كل من دبي والشارقة وابو ظبي ونظيراتها في دول اسيوية وشرق اوروبية بارزة وكلها تهدف فتح اسواق جديدة امام الاماراتيين النشطين في مجال اعادة التصدير وكذلك جلب استثمارات جديدة للدولة .
بالعودة الى رحلة وزير الدولة للشؤون الخارجية سنجد بين ثناياها افكارا غير تقليدية تسمح للسياسة الخارجية الاماراتية بالتنفس عبر منحها رئة جديدة غير تلك الرئة الغربية الامريكية التي عبئت بدخان الخلافات والتضارب في الرؤى ومشاكل الارهاب والاطماع الغربية في المنطقة ورائحة النفط التي سببت ولا تزال- حساسية فائقة للطرفين (العربي والامريكي) .. وفي اجواء التواجد الامريكي الملغوم في العراق والعربدة الاسرائيلية المدعومة من الغرب في فلسطين وازمة مبادرة الاصلاح الامريكية قام الشيخ حمدان برحلته كاشفا عن بعد نظر سياسي مقدر .. وجاءت التغطية الاعلامية المكثثفة للزيارة من جهة والحفاوة الملفتة بالسياسي الاماراتي البارز من جهة اخرى لتبارك التوجه الاماراتي الذي يحسب له كما ذكرت استغلال عنصر التوقيت المناسب سواء من جهة العرب الباحثين عن متنفس سياسي جديد او من جهة الاسيويين البعيدين او لنقل المبعدين عن المنطقة قصرا ويبحثون منذ سنوات عن موطئ قدم لهم داخلها وهو ما يفسر الحفاوة الزائدة بزيارة حمدان بن زايد.
كما يحسب للرحلة الاسيوية ايضا ارتكازها على اللغة الوحيدة الناجحة في هذا الزمن وهي لغة المصالح المتبادلة .. فبينما لا تزال دولا عربية اكبر حجما واوسع تاثيرا من الامارات - بحكم التاريخ والجغرافيا- تعيش في ايام انقضت وتتحدث عن الصداقة بين الدول والعطاء المتبادل والدعم السياسي نجد ان الامارات حديثة العهد تتحدث بتركيز شديد حول ما تهتم به اغلب دول العالم حاليا وهو المصالح حيث تتاسس العلاقات في عالم اليوم بناء على اجابة السؤال .. ماذا ساربح منك وكبف سافيدك ؟ وقد وجدت الدول السيوية الثلاث وغيرها من الدول التي ابرمت اتفاقات تجارية مع امارات الدولة المختلفة اجابات مقنعة ومغرية لهذا السؤال بما يشجع على المضي قدما في مهمة بناء العلاقات ويكفي في هذا السياق ان نذكر ملامح عن حجم التبادل التجاري بين الامارات والنمور الاسيوية حيث بلغ التبادل غير النفطي بين الإمارات واليابان في العام 2002 أكثر من 10 مليارات و769 مليون درهم (واردات الإمارات من اليابان 10 مليارات و146 مليون درهم وصادرات الإمارات إلى اليابان 550 مليون درهم وإعادة التصدير 100 مليون درهم). وبلغ عدد الشركات والوكالات والعلامات التجارية اليابانية المسجلة في وزارة الاقتصاد والتجارة 55 شركة تجارية و211 وكالة تجارية و2758 علامة تجارية. كذلك احتلت دولة الإمارات المرتبة الثانية بعد المملكة العربية السعودية بين دول مجلس التعاون الخليجي في إجمالي حجم التجارة الصينية في المنطقة. وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين الإمارات والصين 11 مليار و599 مليون درهم في العام 2002 من بينها 11 مليارو160 مليون درهم لواردات الإمارات من الصين و331 مليون درهم لصادراتها لها و108 ملايين درهم لتجارة إعادة التصدير إلى الصين. وبلغ عدد الشركات والوكالات والعلامات التجارية الصينية المسجلة بدولة الإمارات 11 شركة تجارية رئيسية و63 وكالة تجارية و809 علامات تجارية.
اما حجم التبادل التجاري بين الإمارات و كوريا الجنوبية فقد بلغ في العام 2002 أكثر من 6 مليارات و393 مليون درهم من بينها 5 مليارات و915 مليون درهم لواردات الإمارات من كوريا و407 ملايين درهم لصادرات الإمارات إلى كوريا و71 مليون درهم لتجارة إعادة التصدير. وبلغ عدد الشركات والوكالات التجارية الكورية المسجلة لدى وزارة الاقتصاد والتجارة بالدولة 36 شركة تجارية و90 وكالة و666 علامة تجارية كورية.
على الجانب الاخر لم تندفع السياسة الاماراتية في توجهها نحو الشرق بشكل قد يقلق اصدقائها الغربيين وهي التي تربطها بهم علاقات مميزة منذ سنوات طويلة وانما وهذا تفكير ذكي يحسب للقائمين على السياسة الاماراتية- حافظ الاماراتيون على توازنهم السياسي حيث قام الشيخ حمدان بزيارة المانيا فور عودته من رحلته الاسيوية كما قام الشيخ محمد بن زايد الرجل القوي في المؤسسة العسكرية الاماراتية ورئيس اركان الجيش بزيارة امريكا ولقاء مسؤولين بارزين هناك . والمدهش ان الامارات وهي تفعل كل هذا لم تقع في المحظور السياسي الذي وقعت فيه دول عربية اخرى حاولت البحث عن دور اقليمي وهو الانصراف عن توجهها العروبي وادارة ظهرها لالتزاماتها العربية كونها احدى الدول الملتزمة عربيا والداعمة للتلاحم العربي كما لم تتجاهل الامارات وسط انشغالها ببناء موقع جديد لنفسها على خريطة القوى السياسية العالمية مواقفها الثابتة تجاه القضايا العربية واهمها الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والامريكي للعراق.