"إيلاف"&من القدس: قبل نحو عامين وبتاريخ 22/5/2002، جهزت أيرينا سراحنة اليهودية الأوكرانية الأصل التي تركت مجتمعها الإسرائيلي وجاءت لتعيش مع زوجها إبراهيم في مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين، الأغراض اللازمة لرحلة عائلية ووضعتها داخل سيارة زوجها.
وادرك سكان الحارة البسطاء في المخيم أن أيرينا وزوجها إبراهيم وابنتهما الرضيعة غزالة، مستفيدون من بطاقات الهوية الإسرائيلية التي يحملونها سيقومون برحلة ترويحية يحتاجونها لعلها تخفف وطأة ظروف قاسية وصعبة وأيام طويلة من الحصار والقتل.
وانطلقت السيارة لتتوقف في مكان ما آمن حيث ركب فيها شخص آخر هو عيسى بدير طالب المدرسة المتفوق ، وركبت معهما أيضا الطالبة الجامعية عرين شعيبات.
ولم يكن أحد يعرف غير راكبي السيارة إلى أين سيتجه أيرينا وإبراهيم اللذان اصبح يشار إليهما في أوساط خلايا المقاومين السرية لكونهما خبيرين في الطرق وتجاوز الحواجز العسكرية للوصول إلى المدن والبلدات داخل الخط الأخضر.
كان إبراهيم يحمل بطاقة هوية إسرائيلية وعاش وعمل سنوات طويلة داخل الخط الأخضر، وكان سلوكه ابعد ما يكون عن العمل المقاوم أو المشاعر الوطنية وهناك تعرف على أيرينا: المهاجرة اليهودية القادمة من أوكرانيا نتيجة الدعاية الإسرائيلية.
وعندما عاشت وعملت في المجتمع الإسرائيلي اكتشفت، كما قالت "الأكاذيب الصهيونية المضللة وعرفت بان إسرائيل قامت على ارض مغتصبة من سكانها الأصليين، وليست دولة عدل ومساواة وواحة للديمقراطية، وأنها تمارس احتلال لشعب آخر ما زال ينبض بالحياة والمقاومة".
وجعلها فهمها هذا وصدمتها في مجتمعها الجديد أن تتقرب إلى إبراهيم الذي كان يعيش هو الآخر وعيا جديدا سببته انتفاضة الأقصى، وعرف أن عليه واجبا يتحتم القيام به تجاه وطنه وشعبه، كما قال فيما بعد.
وبعد أن تزوج إبراهيم وايرينا تركا الحياة الاقتصادية المريحة نسبيا داخل الخط الأخضر وعادا إلى مخيم الدهيشة حيث عاشت أيرينا كامرأة فلسطينية: عادات وسلوك ومشاعر وملابس..!
ومثل كثير من اليهوديات المتزوجات من فلسطينيين كان من الصعب تمييز هوية ايرينا الحقيقية.
ولم يكن إبراهيم وايرينا يدركان أهمية ما سيقدمانه للمقاومين، ولكنه كان أمر بالغ الأهمية كما أثبتت الأيام فيما بعد، استغل إبراهيم وايرينا هويتيهما وخبرتهما في الطرق والشوارع والأحياء في نقل عدد من منفذي العمليات التفجيرية في ظروف بالغة الحرج عاشتها المدن الفلسطينية خصوصا في ظل الحملات الاحتلالية المتلاحقة على تلك المدن في عام 2002 والتي بدأت في شباط وآذار من ذلك العام ووصلت ذروتها في نيسان بعملية السور الواقي واستمرت فيما بعد.
في تلك الأيام كان إبراهيم وايرينا سببا في إنجاح تلك العمليات الانتقامية المدوية التي شهدتها خصوصا احياء القدس الغربية، ولم تتمكن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من معرفة دور أيرينا وإبراهيم في إنجاح تلك العمليات.
وفي ذلك اليوم 22/5/2002 كان إبراهيم وايرينا يختبران مهاراتهما في الوصول إلى تل أبيب هذه المرة وكانت الخطة جديدة كل الجدة: إحداث تفجير، وكما هو متوقع يتجمع رجال الشرطة والمخابرات والمسؤولين، وعندها يتم إحداث تفجير آخر، وكان المقاومون يتوقعون صدى كبيرا لتفجيرين متتالين ضمن هذا المخطط.
وصل إبراهيم وايرينا إلى المكان الذي اقترحا تنفيذ عملية فيه وكان في مستوطنة ريشون ليتسيون المقامة على أنقاض قرية (عيون قارة) الفلسطينية الذين شرد أهلها عام 1948م. ونزل عيسى بدير الطالب الذكي والمجتهد من السيارة يطبق التعليمات ونفذ عمليته التفجيرية المدوية.
ولسبب ما تعذر تنفيذ العملية الثانية التي كان من المقرر أن تنفذها عرين شعيبات التي تراجعت عن التنفيذ مع اقتراب ساعة الصفر. وكانت تلك آخر عملية تساهم فيها أيرينا، إذ اعتقلت وعذبت بقسوة في معتقل المسكوبية الرهيب بالقدس الغربية. وزارها في المعتقل هي وصديقتها عرين وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن اليعازر وأعلنت عدم ندمها عما فعلته وفخرها بذلك وتنكرها للمجتمع الإسرائيلي.
وحكم على أيرينا وزوجها بالسجن سنوات طويلة، وتحتجز الان في سجن الرملة متذكرة ما تعتبره أهم تجارب حياتها مع المقاومة الفلسطينية ولكن قلبها مع طفلتها غزالة التي تعيش في كنف جديها.
ولم تكن ايرينا اليهودية الوحيدة التي تترك مجتمعها وترتبط بفلسطيني وتشارك في أعمال المقاومة، وان كانت أشهرهن.
وأصدرت سلطات الاحتلال أحكاما على بعضهن مثل صديقة زيد الكيلاني اليهودية الروسية التي عاش معها في تل أبيب وساعدته على تنفيذ عمليات انتقاما لمقتل شقيقه في قرية يعبد قرب جنين، وهي القرية التي اختارها الشيخ عز الدين القسام السوري الأصل ليقود ثورته ضد الاحتلال البريطاني في منتصف ثلاثينات القرن العشرين، ويحمل الجناح العسكري لحركة حماس اسمه.
وهناك اعتقاد باعتماد سعد الحوتري الشاب الفلسطيني الذي قدم من مدينة الرصيفة الأردنية إلى فلسطين ونفذ أحد اشهر العمليات الفدائية في نادي الدولفيناريوم الليلي استفاد من غطاء أمني وفرته صديقة يهودية، وكان نتيجة العملية مقتل 21 إسرائيليا وإسرائيلية.
واخر من تم اعتقالهن تالي نحيمة التي مددت سلطات الاحتلال اعتقالها مشيرة تلك السلطات إلى أنها صديقة زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى المثير للجدل في مخيم جنين. وينتمي الزبيدي إلى حركة فتح.
والزبيدي واحد من جيل فلسطيني اقتنع بان عليه ترك السلاح جانبا في الظروف التي أحدثتها اتفاقية أوسلو، ونشط مثل كثيرين من أفراد فتح في العلاقات مع مجموعات السلام الإسرائيلية ونظم لهذه المجموعات لقاءات في منزله في مخيم جنين.
ولكن إخفاق اتفاق أوسلو في وقف الاستيطان والتوسع الإسرائيلي واستمرار الاحتلال في ممارساته أدى إلى انتفاضة الأقصى كما يقول الفلسطينيون وكان على الزبيدي ورفاقه أن يخوضوا التجربة الجديدة ويعودوا إلى سلاحهم تحت اسم مجموعات كتائب شهداء الأقصى.
وفقد الزبيدي خلال مجزرة جنين في نيسان أبريل 2002 أمه بنيران قوات الاحتلال واحد أشقائه وفشلت قوات الاحتلال في اغتياله اكثر من مرة ولكنه أصيب في إحداها.
ويثير الزبيدي قلقا في الأوساط الفلسيطنية الرسمية بين الفترة والأخرى مثلما حدث في تموز يوليو 2003 عندما اقدم أفراد تابعون له باختطاف محافظ جنين حيدر ارشيد بعد ضربه أمام الناس في أحد الميادين العامة واتهموه بالتنسيق الأمني مع إسرائيل وبالفساد. ويعاني الزبيدي من شح الإمكانيات المادية واعلن اكثر من مرة رفضه للالتزام بوقف إطلاق النار.
ويعيش الزبيدي في مخيم جنين ولكنه يتنقل بين منازل المخيم الفقيرة والمدمرة ورغم انه يفتقد لأمور كثيرة إلا أن مهاراته في التخفي وحسه الأمني يثيران التنويه، فرغم انه يكثر من الظهور العلني ويستخدم الهواتف ويلتقي الصحافيين إلا أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عجزت عن الإيقاع به حتى الآن وأوقعت بمن تقول إنها صديقته اليهودية.