&
محمد الخامري من المحويت: يقع وادي الاهجر الخصيب في الشمال الغربي للعاصمة اليمنية صنعاء، ويبعد عنها ( 65 كيلو متر ) كما يعتبر متنفسا سياحيا بارزا لسكان العاصمة والقادمين إليها سواء من المحافظات اليمنية او القادمين من الخارج كالسوّاح بمختلف جنسياتهم..
ومما يزيد من خصوبة هذا الوادي وجماله وتألقه سياحيا انه يقع اسفل جبل مدينة كوكبان المشهورة بمناظرها الخلابة وهوائها العليل وإرثها التاريخي من فنون العمارة والكتاتيب الشرعية التي لا تزال قائمة حتى اليوم..
وتعتبر منطقة الاهجر التابعة لمحافظة المحويت ( 111 كيلو متر شمال غرب العاصمة صنعاء ) والمحفوفة بالزروع والأشجار والفواكه من أغنى المناطق والأودية اليمنية بالمياه الجوفية لوقوعها بين مجموعة منحدرات وجبال وفرت لها مزيدا من المخزون الجوفي الذي يخرج منها على شكل شلالات جميلة تنساب من أعلى الجبل لتسقي المروج الخضراء والمدرجات الزراعية على طول ساقية تمتد الى اكثر من ثلاثة كيلو متر لتصل الى اسفل الجبل ولا تنقطع طوال العام.
مشاهدات زائر
لا يستطيع الزائر لتلك المنطقة ان يلم ويحصي كل ما شاهد، إلا أن بعض الخواطر والمشاهد تثبت في الذهن بسبب حادثة عابرة او شئ استوقفك..
من هذه المشاهد التي استوقفتني كثيرا واسترعت انتباهي وانتباه الزملاء في الرحلة هو الغرام والعشق الذي يتمتع به أبناء هذا الوادي الخصيب للبناء فوق الكتل الصخرية، اذ تجد منزلا عامرا مكونا من ثلاثة إلى أربعة طوابق مبني على صخرة كبيرة دون أساس في الأرض كما هو المعتاد في البناء اليمني الحديث والقديم على حد سواء..
قد يقول قائل ان هذه المباني أثرية او قديمة وهي كذلك بالفعل لكن " المزاج الاهجري " لا يزال يتمتع بهذه الخاصية اذ تجد ان هناك العديد من المنازل الحدثية مبنية بنفس الطراز وعلى ذات الشاكلة، بل بلغ الولع بأهل الوادي ان بنو المحارس الليلية " غرفة صغيرة توضع بالقرب من مزرعة الفاكهة او البن او القات لحراستها ليلا وتسمى المحراس " على ذات الشاكلة والطريقة اذ يبحثون عن صخرة لا باس بها ويبنوا عليها محارسهم الصغيرة جدا وعلى قدر الصخرة فاهم شئ أنها على صخرة واحدة، كما ان هناك من المنازل الحديثة الجميلة من تراها وقد بني الدور الأرضي بجوار الصخرة ليكتمل الدور الثاني فوق البناء وفوق الصخرة ثم الثالث والرابع وهكذا حتى تكتمل لوحة سريالية طبيعية..
هناك قصة يتداولها السكان عن قصة المنازل القديمة المبنية على الصخور ويدللون عليها ببعض الشواهد الموجودة ولا ندري مدى حقيقتها لكننا نوردها من باب الشئ بالشئ يذكر، يقول السكان ان هذه المنازل كانت مبنية في الأرض ثم غاض الشلال وفاض بالمياه الكثيرة التي شكلت فيضانا عارما وخرجت عن مسارها الطبيعي في السواقي المعروفة لتجرف التربة من تحت المنازل ويدمر العديد منها وما بقي منها وما هو موجود حاليا هو ما صادف ان كان مبني فوق صخرة دون ان يكون هناك تدخل او علم لأهل هذه البيوت أنها مبنية على صخور، أما المنازل التي كانت مبنية على الأرض ولم يكن تحتها صخور تحميها من الفيضان الذي حصل فإنها سرعان ما جُرفت واصبح أهلها في خبر كان وبقوا أثرا بعد عين..
ولا ينسى الراصد لهذه المدينة أهلها البسطاء الخدومين حيث وضعنا سيارتنا بما فيها من أدوات الرحلة اسفل الجبل وذهبنا الى اقرب محل لنسأله عن حراسة السيارة الى ان نعود من أعلى قمة الجبل حيث الشلال المتدفق فرد علينا مستغربا وبلهجته الدارجه " أو انتو في صنعاء " حيث اشتهرت صنعاء بكثرة سرقة السيارات فيها وأعقبها بكلمات بسيطة ليؤكد صدق كلامه " خليها مفتوحة وسير الله معك ولاعليك شئ " أي لا تخاف من شئ على سيارتك ثم أرسل معنا اثنين من أبناءه ليساعدونا في نقل مؤونة الرحل " الشاقة " إلى أعلى الجبل..
&
تاريخ المنطقة
ذكرها المؤرخ الكبير ابو الحسن الهمداني في كتابه " لسان العرب " ضمن مخلاف أقيان بن زرعة بن سبأ الأصغر ووصفها بأنها عيون ومياه وغيول جارية يعتمد عليها أهالي المنطقة في ري الزراعة ومنها مياه صالحة للشرب تعرف باسم شلال الأهجر ووادي الاهجر كان فيه مطاحن تسير بقوة اندفاع الشلال ومساقطه من جبل ذخار، وتشتمل الاهجر على عدة قرى أهمها قرية المحجر حيث تحتوي على معالم أثرية إسلامية منها الجامع الكبير، و حصن حجر القصر، وتوجد مقابر صخرية منحوتة على كتل صخرية كبيرة على غرار المقابر الصخرية في شبام الغراس وغيرها، وربما استخدمت كمقابر او كمساكن كان يستخدمها اليمني القديم.
من آثارها الباقية
الجامع الكبير: وينسب بناء هذا الجامع إلى الإمام شرف الدين بن الحسين حسب نص التأسيس الموجود على جدار الجامع، وهو عبارة عن مبنى معماري مبني من الحجارة يتألف من بيت الصلاة وعدد من الملحقات، جناح القبلة على شكل مستطيل يتكون من ثلاثة أروقة يحد كل منها صفاً من الأعمدة الأسطوانية ترتكز عليها عقود نصف دائرية موازية لجدار القبلة غير انه لوحظ وجود عقدين عموديين على جدار القبلة، تقطع ساحة مستطيلة الشكل تقع في الجزء الشرقي، ويتوسط الساحة حاجز جداري بموازاة جدار القبلة في الجزء الجنوبي منه مصطبة قبر عليه شاهد من حجر البلق..
كما يتوسط المحراب بيت الصلاة، وهو مجوف يحيط به من الجانبين عمود من الجص المندمج ويعلو فجوة المحراب عقد نصف دائري.
أما مداخل الجامع فله مدخلان، المدخل الأول يقع في منتصف الضلع الغربي لبيت الصلاة وهو عبارة عن باب خشبي كبير عليه زخارف إسلامية قديمة، والمدخل الآخر في الناحية الشرقية من الضلع الجنوبي ويتكون من مصراعين تزينه دوائر هندسية بداخلها زخرفة نباتية محوّرة، ويحيط بسقف المسجد من الخارج شريط من القضاض او الجص والنورة، يزين الضلع الجنوبي والغربي كتابة محفورة غير واضحة، ويتقدم الواجهة الشرقية من الخارج ممر مكشوف منتظم الأضلاع، في الجزء الشرقي منه مدخل صغير يؤدي إلى حجرة صغيرة، وينتهي الممر في الناحية الجنوبية بعدد من الدرج الهابطة - سلم درج - عليه سقف خشبي محمول على عدد من العقود الحجرية تؤدي الى بركة الماء في الناحية الجنوبية للجامع على مستوى منخفض.
أما القبة فتقع في الجزء الجنوبي الشرقي للمسجد، وتتألف من قاعة مربعة الشكل ويغطي سقفها آنية محمولة على حنايا ركنية، ويتوسط جدارها الجنوبي مدخلا يقابله على جدار القبلة تجويف المحراب، ويجاور هذه القاعة مبنى معماري آخر مشابه للمبنى الحالي يحتمل انه مرافق الجامع، كما تحتوي على زخارف كتابية ونباتية منفذة على الجص وثمة قبور من حجر البلق، منها ما يوجد على يمين الداخل وهو عبارة عن شريط بخط النسخ مكون من البسملة ثم مجموعة من الأبيات الشعرية أهمها البيت الأخير الذي يحدد وفاة صاحب القبر بحساب الجمل ( شهد من جنة الفردوس سوح الحسين ) وكتابات أخرى على شاهد قبر من الرخام مكسور نصفين من تسعة أسطر كتابية، بعد البسملة عدد من الألقاب الخاصة بصاحب القبر الذي نقش اسمه كاملا من الاسم الاول شرف الدين الحسين وحتى يتصل الى نسب الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، كما يتداول السكان هنا انه وجد بجانب الجدار الغربي لبيت الصلاة شاهد قبر من الرخام باسم امرأة لم يذكروا اسمها بالضبط لكن تاريخه يرجع إلى سنة ( ست وثمانين وتسعمائة هجرية )..
&
المقابر الصخرية
يعود اكتشاف المقابر الصخرية في اليمن لاول مرة في منطقة شبام الغراس حيث عثر على خمس جثث محنطة على طريق الصدفة وهي مطلية بالجلد المدبوغ، وملفوفة بالكتان واستخدم نبات ( الرا ) وهو نبات ابيض خفيف يشبه الى حد بعيد القطن لكن ثمرته صغيرة ويستخدمه اليمنيون إلى اليوم في حشو وساداتهم ومداكي الجلوس او ما يسمى بالمكارد التي يتكئ عليها اليمنيون عند المقيل وجلسات القات..
استخدم هذا النبات في التحنيط وكانوا يحشون به تجويف البطن لامتصاص نخر الجسم، وقد استخدم اليمنيون القدماء عنصر الزنك كمرسب للبروتين وتجميده ضمن عملية التحنيط، وقد دلت التحاليل المعملية التي أجريت لها انها ترجع تاريخيا الى ماقبل (1200) سنة قبل الاسلام على الاقل وهذه المقابر الصخرية تلفت النظر، وتثير الانتباه ولكنها ليست الوحيدة من نوعها بل انها ظاهرة اثرية تتكرر في معظم أنحاء سلسلة المرتفعات الجبلية في اليمن، ويمكن لعين الخبير الأثرى أن ترى أمثالها في العديد من المناطق اليمنية كوادي ظهر، وشبام وكوكبان، وذبحان، وعلمان، وظفار، والحدا، ومغرب عنس، والمعسال. ويأتي اكتشاف المقابر الصخرية في محافظة المحويت حديث العهد وذلك من قبل بعض المواطنين الذين عبثوا بمحتويات إحدى المقابر في منطقة صيح في الجنوب الشرقي من مدينة الاهجر، وعلى اثر ذلك قامت بعثة يمنية فرنسية مشتركة عام (1995م) بعمل مسوحات أثرية لهذه المقابر والقيام بدراستها، أسفرت نتائج المسح عن وجود كثير من هذه المقابر الصخرية إضافة إلى عدد من المواقع التي ترجع الى عصور تاريخية مختلفة وذلك في منطقة الطويلة، بيت منعين، بيت النصيري، وفي المسح الميداني الذي اجري عام (1999م) تم اكتشاف مجموعة أخرى من هذه المقابر الصخرية في وادي مخدرة على جبل التربة، ووادي سارع جنوبي المحويت على بعد ( 13كيلو مترا ) وبصورة عامة فان هذه المقابر تكون داخل جروف طبيعية بأشكال مغارة في واجهات الجبل بين طبقتين من الحجر الرملي الصلب، ويتم أحيانا الحفر لزيادة حجم الحفرة وفتحة المدخل تتراوح ما بين 3 4 أمتار عمقاً، أما بالنسبة للنظام الجنائزي لهذه القبور فلم تتمكن البعثة الفرنسية للآثار من معرفته حيث احدث النبش تغيرات كبيرة، لكنها لاتزال تفحص بعض العينات لتحديد فترتها التاريخية، وتقول التقارير الصادرة عن البعثة ان الدفن في مقبرة - صيح - كان جماعيا حيث وجد ان ( خمسة عشر شخصاً ) دفنوا في قبر واحد، تبين ذلك من خلال عدد من الجماجم، وهناك هياكل عظمية لم تحص..