أجرى الحوار حيان نيوف
&
&
ولدت الكاتبة السعودية وجيهة الحويدر في مدينة الهفوف التابعة لمنطقة الإحساء في الجزء الشرقي من السعودية، و الإحساء هي اكبر واحة في العالم تتربع في وسط صحراء. وتتحدث الحويدر عن حياتها في هذه المنطقة وخارجها قائلة: "تربيت بين نخيلها الحبلى بالتمور الشهية وتحممت بمياهها العذبة. تلقيت |
دراستي الأولية في مدارس السعودية الى الثانوية العامة..تعيلمي الجامعي كان في الخارج..كان مشوار شاق في بداياتي الدراسية مسحت الأرض وغسلت الصحون وطبخت وعجنت في المطاعم الأمريكية من اجل ان أكمل دراستي.. وهذا أمر اعتز به واعتبره فترة نهوض وانبعاث لحياة حقيقية جديدة.. حصلت على بكالوريوس رياضيات من جامعة انديانا.. وماجستير قراءة من جامعة جورج واشنطن في واشنطن دي سي..بعد العودة حملت غربتي معي ومازالت تعج بها النفس حتى اللحظة.. عملت في القطاع الحكومي والخاص في السعودية كإحصائية قراء ورياضيات لذوي صعوبات التعلم، وحاليا اعمل في شركة زيت كمحللة ومطورة برامج تعليمية لمراكز تدريب وتطوير الموظفين في الشركة". التقت "إيلاف" الكاتبة السعودية وجيهة الحويدر وأجرينا معها الحوار التالي.
&
* في مقالة لك " أيها الفحول دماء النساء ليست رخيصة "، تتحدثين عن جرائم الشرف في إحدى الفقرات وتقولين داعية لمحاسبة هؤلاء: ".. ويكونوا عبرة لكل مشاريع القتلة المبيتين الى بعد حين في كل زاوية في هذا الشرق الذكوري السحنة. ولكي يعوا هؤلاء الفحول المجردين من الإنسانية وأمثالهم، ان دماء النساء ليست رخيصة، تُهدر بوحشية وجنون دون يكون ان هناك حسيب أو رقيب". عندما يصف قلمك الشرق الذكوري ألا يكون هنالك بعض الإجحاف بحق " ذكور " في الشرق عملوا مع المرأة ووقفوا إلى جانب حريتها؟
- ما قلته ليس إجحافا في حق الذكور العرب، والذين عنيتهم في تلك المقالة هم قاتلي النساء ومستبيحي دمائهن وأجسادهن. أكون مجحفة لو كنت قد وجّهت ذاك الخطاب للرجال العرب النقيين سواء هؤلاء الرجال عملوا مع اجل حرية المرأة أو لم يحركوا لصالحها ساكنا.. لأني أرى انه هناك فارق كبير وفجوة عميقة ومساحة شاسعة بين صفات الذكر وسمات الرجل.. فليس بالضرورة أبدا ان كل من امتلك معالم وتقاسيم ذكورية فهو رجل.. المفهوم واضح وضوح الشمس في مقالي، أنا عنيت فئة محددة وأفراد معينين وأشرت إليهم بالبنان وبينتهم بالاسم.
&
* مواليدك بالضبط؟
- أنا من مواليد الستينات. وعيت على الدنيا مع بدء العالم بتفكيك أغلاله وتفتيت أصنام القهر التي كانت متمثلة في السلطة الأبوية والموروث والدولة والاستعمار..وكل تلك القيود التي شلت أذهان كثير من البشر وتحكمت بوحشية في مصائرهم لسنين طويلة..
&
* تعليمك في الغرب يدل انك من أسرة متنورة ومنفتحة؟
- أنا انتمي لعائلة بسيطة الحال، تربيت في كنف أسرة متدينة وتقليدية جدا: والدي كان عاملا وأمّيا في اللغة العربية، لكنه متمكن من اللغة الإنجليزية، حاله حال كثير من رجال المنطقة في تلك السنين.. كسب اللغة الإنجليزية حين عمل في شركة الزيت الأمريكية.. أما والدتي فتعد بين نسوة حارتنا الفقيرة من الرائدات.. لها منزلة رفيعة بين الناس.. لأنها قارئة وفي تلك الأيام كان من النادر ان تجد امرأة تستطيع فك الخط.. كانت متفحصة في أمور الدين.. تحفظ القرآن والحديث والسنة.. وتهتم بجدية بقراءة الشعر العربي القديم.. ولديها اهتمامات و قراءات أخرى مثل نهج البلاغة وألف ليلة وليلة.. والبخلاء للجاحظ.. وكليلة ودمنة لأبن المقفع وكتب النوادر والفكاهات وغيرها.. هي من عرفّتنا أنا وأخوتي على شهرزاد وحكاياتها، قبل ان نعي على القراءة.. كانت امرأة صارمة جدا في مسائل الدين.. علمتنا أداء الفرائض و كيفية إتباع الأصول الدينية.
&
* &ما هي رسالة أمك لك؟
- رسالتها التي رسختها في داخلنا هي ان الدين أهم من كل شيء في هذه الدنيا.. دربتنا جميعا على الصلاة والصيام وقراءة القرآن ونحن صغار السن.. حتى الصلوات الأخرى كانت تعطيها نفس الأهمية..فمثلا ظاهرة الخسوف حتى لو حدثت في منتصف الليل كانت والدتي تجبرنا أنا وأخوتي على النهوض من النوم وأداء الصلاة.
&
* وتعليمك الجامعي؟
- أما عن تعليمي الجامعي خارج البلد أتى صدفة، كان قد تلازم مع قرار زواجي بعد انتهائي من المرحلة الثانوية.. والدتي لم تكن موافقة على رحيلي الى بلد "الكفار" والى الآن مازالت تعتبر ذهابي الى هناك خطيئة وإثم كان من المفترض ان لا يحدث... عموما زواجي كان مغامرة لأني ارتبطت بشاب لم يكن يمتلك شيئا، سوى الحلم ببناء الذات على ارض حرة..
&
* ما معنى قولك "حملت غربتي معي"؟
- منذ ان تركت البلد وأنا ابنة الثامنة عشرة وحتى الآن وأنا أعيش في غربة.. وجيهة التي خرجت في الثمانينات لم تعد أبدا معي مرة أخرى... ربما لأنها فقدت كل سبل العودة.. لم تحافظ على حقها في هذه الأرض... تاهت بين غياهب النفس وبيني، لكن كان برضا منها..لذلك لم اذرف الدمع ولم احزن لحظة على رحيلها..لكن من حمّـلتها معي في أمتعتي في طريق النزوح الى هذه الديار.. كانت امرأة ثانية..مازلتُ أحاول التعرف عليها.. قد تكون أكثر وعيا..واشد بأسا وأكثر نضجا لكنها أزيد غربة... لم تعتد على شيء هنا.. كل دنياها رموز وطلاسم وألغاز.. الوجوه..اللغة.. التقاسيم.. المحافل.. هياكل البيوت.. الأزقة... زرقة السماء.. رفرفة الطيور.. والأوشحة السوداء.. جميعها مبهمة..حتى لمسات أمي باتت غريبة عليها، ولا تحسن فهمها.
&
* من هم هؤلاء "الذكور" الذين تتناولهم مقالتك دائما و بالتحديد؟
- هم الفحول الذين يعدون الرجولة صوت مرتفع، ولسان سليط، ويد طولى متجنية يبطشون بها من هو اضعف منهم من الخلق، ويرون ان رجولتهم لا تكتمل سوى بالسطو والعبث بمصائر نسائهم. للأسف ان هؤلاء الذكور متوفرون بكثرة في العالم مثل الجهل والمرض.. ليس بين العرب أو المسلمين فقط.. فهم في كل أنحاء الدنيا، لكن أعدادهم تتضاعف في الشرق، وتتضخم بشكل مهول في المجتمعات المحافظة على العصبية بكل أصنافها، والتي تغذي بشكل يومي سياسة التسلط على المرأة والاستيلاء على كيانها وكينونتها. وقد خصصت مقالة كاملة بعد تلك، عن الأمراض النفسية المتفشية في المجتمعات المحافظة، حيث شخّصت فيها بدقة علات ذاك الصنف من الجنس الذكري وشرحت أعراض سقمه.
&
* مقابل هذا " الجو الذكوري " كيف يمكن للأنثى العربية، وأعني تحديدا الكاتبة المثقفة، أن تستمر في بناء عالمها الأدبي الفكري الحياتي رغم عملية "المنع" التي يمارسها "الذكر" وسلطته اللامحدودة؟
- قبل ان نتحدث عن المنع والانفتاح في بيئة ما يجب علينا ان ندرك ان هناك محور أساسي يجب ان لا نغفل عنه وهو الانسان. مرات كثيرة المرأة والرجل على السواء تحّملهما الدنيا بما لا طاقة لهما عليه. الحياة قاسية وتوفير لقمة العيش أمر شاق على الناس العاديين مثلي ومثلك.. لكن في عالمنا العربي هَم توفير كسرة الخبز في غالب الأحيان هَم ذكوري بحت، وعلى نحو خاص في المجتمعات الخليجية. ورب ضارة نافعة، لان الحجر ذاك على المرأة العربية، وفر لها مساحة كبيرة من الوقت، ومن صفاء الذهن وراحة البال الى حد ما. فلو انها أحسنت تطويع ذلك لصالحها، لتمكنت من ان ترقَ بوجدانها، وتخلخل أغلالها، وتثقب حيطان الجهل المبنية حولها.. وذلك باستبدال المنع من مزاولة العمل وخوض الحياة في العالم الخارجي، الى امتهان البحث في الذات والتفتيش عنها في منابعها، والارتقاء بها وإطلاق عنانها..وبناء عالمها الأدبي والفكري رغم انف المنع.. من خلال ما هو موجود..وان كان شحيحا وجافا في حالات كثيرة..
&
* هل هذه دعوة للخنوع؟
- أرجو ان لا يعتبر ما قلته دعوة للخنوع والرضا بالقليل، وإنما العمل من الداخل للنهوض والقيام والوقوف على أقدام راسخة لطلب الكثير..وهذا هو مربط الفرس..نحن جميعا نعلم ان لا احد بإمكانه ان يهدي أحدا الى الطريق طالما ذاك الشخص ليس لديه مقومات الهداية والإصغاء الى الذات.. فحقيقة ان الأمر كله يركبه الانسان لا المكان، فهو الذي يجعل من الظلام نورا ومن المنع انفتاحا ومن الكفر إيمانا ومن الخوف طمأنينة وسكينة ربانية..
&
* على موقع الكتروني، كتبت عنك الكاتبة نادية فارس وتحدثت عن نوال السعداوي الكاتبة المصرية الشهيرة ومناصرة تحرر المرأة. تقول نادية فارس: "تكاثرت الدكتورة نوال السعداوي، أصبحت آلافا ً من النساء ِ اللواتي اتخذن القرار بأن يواجهن تيار الذكورية -- الرعناء أحيانا ً -- الظلامية أحيانا ً -- والمجرمة المتجبرة في أحيان كثيرة". هل يمكن القول ان الكاتبة وجيهة الحويدر تحمل قلم الجيل الجديد من النساء اللواتي يناضلن من أجل الحرية "النساء السعداويات"؟
- مجتمعاتنا العربية وبوجه خاص الطبقة المثقفة منها، لديها شغف عجيب في إلباس البشر ألقابا وأسماء حتى لو كانت لا تناسبهم.. ولا تشكل أي جانب من سماتهم.. والأغرب ان كثير منا يتمسكون بتلك الألقاب وينعتون بها آخرين بعد ان ينتهي أصحابها الأصليين، وتبدد الأيام توهجهم.. غيبت الأيام عنا جمال عبد الناصر، فأفرزت نفوسنا المهزومة أشباها له.. ومات عبد الحليم حافظ فأنجبت مشاعرنا المأزومة عشرات غيره.. وضيعنا فرص سياسية عديدة فأصبغت شخصياتنا المشروخة اخفقاتنا بألوان تاريخية مندثرة.. اننا نرفض ان نقلب صفحات الزمن، ونصر ان لا نقرأ ما يحمله لنا بين طياته، نستمر في التلفت الى الوراء، ونتعاطى بنهم شديد عادة الجلوس في المقاعد الخلفية.. رقابنا ملتوية وظهورنا معوجة من الانحناء، وخوفنا كبير من خوض تجارب حياتية جديدة..لذلك نعجز أن ننظر بعيون ثاقبة الى المستقبل، أو نتطلع ونتوقع تبعاته.. الأستاذة نادية فارس ليست هي الوحيدة من كستني بصبغة الدكتورة نوال السعدواي هناك كتّاب غيرها.. لا أجد تفسيرا لذلك سوى إصرار من الأستاذة نادية على التمسك بإمرأة الستينات الصامدة، والتي ربما تبعث في داخلها إحساس الثقة والفوز لمن تناصر فكرها.
&
التعليقات