محاكمة صدام حسين لم تبدأ بعد، الذي بدأ هو جلسة اجرائية امام القاضي، والمحكمة ستكون جدية عندما يكون المتهم الماثل في القفص في مواجهة ضحاياه. مشكلة صدام حسين انه ليس متهما في قضية مخالفة مرورية، او جريمة تهريب، او حتى جريمة قتل.. مشكلته انه شخص في مواجهة امة من الضحايا، وكل سكرات الموت التي حاول استخدامها في افتتاح جلسته لن تخفي لحظة الحقيقة حين يواجه بملايين الوثائق وملايين الضحايا والجرائم.
صدام حسين يحاكم امام محكمة علنية، وتنقل محاكمته عبر الاقمار الصناعية على عكس ملايين الضحايا العراقيين الذين قتلوا دون محاكمة، والذين دفنوا في مقابر جماعية بصمت، والذين عذبوا، وملايين الذين ساقهم الى حروب عديمة، ومئات الآلاف من الضحايا الابرياء في قرى ايران والكويت ممن قتلوا واختفوا.
مشكلة صدام ليست في البحث عن الادلة على الجرائم، بل في كيفية ترتيب هذه الادلة، وامامه سبعة وعشرون الف صفحة اتهامات، وامامه طابور طويل لو وقف امام المحكمة فستستمر لعشرات السنين!
مذبحتان كبيرتان تمتا تحت اوامره الشخصية، مذبحة حلبجة بالاسلحة الكيماوية، ومذبحة انتفاضة الجنوب في 1991، فكم من ضحاياه يمكن ان يكونوا شهودا على المذبحة؟
عائلات كاملة ابيدت، اغلبيتها الساحقة من البسطاء الذين لا نعرفهم، وبعضهم زعامات سياسية ودينية، ولنتخيل كم شخصية يمكن ان تحضر المحكمة للشهود في جرائم القتل الجماعي ضد عائلات البرزاني والصدر والحكيم وغيرها كثير.
يستطيع صدام حسين ان يهذي في القضايا السياسية، الشرعية والاحتلال والسياسة الخارجية، الكويت، ايران، فلسطين، وهو هذيان مفيد لبعض الاستهلاك المحلي، خصوصا لأرامل صدام في بعض الاحزاب والفضائيات وطابور الكوبونات النفطية، لكن ساعة الحقيقة ستبدأ حين يضع عينه على عين ضحاياه، وهو ربما لا يهمه ذلك، فالذي يقتل بهذا الشكل الهمجي تموت لديه المشاعر الانسانية، ولكن هؤلاء سيقولون ما يفتت الصخر، ويجعل حبل المشنقة ارحم حكم يمكن ان يحصل عليه صدام حسين.
محاكمة صدام هي فرصة نادرة لأمة بكاملها اذا تحولت الى محاكمة نهج واسلوب حكم، وفصل كريه من فصول حياة هذه الامة، وهو فصل يجب ان تتضح تفاصيله من اجل حماية ارواح جديدة، ومن اجل حياة جديدة ربما تقوم فوق انقاض الكذب والقتل بلا رحمة.