&
تشير الدواوين الشعرية المتسربة الى خارج العراق لمن تطلق عليهم في الداخل تسمية "شعراء الاستنساخ" الى ظهور جيل جديد من المبدعين الشباب، يفرض حضوره على الوسط الثقافي في بغداد رغم غيابه عن وسائل الاعلام ودور النشر التقليدية.
وفي ظل الحصار وصعوبة ايجاد ناشر رسمي او خارجي، يعمد الادباء الشباب في العراق الى طبع مجموعاتهم الشعرية او القصصية لدى مكاتب الاستنساخ (فوتو كوبي) التي انتشرت في بغداد بشكل ملحوظ خلال السنوات الاخيرة. ولا يكلف الديوان ذو المائة صفحة اكثر من الف دينار (اقل من دولار).
ويحصل اصحاب مكاتب الاستنساخ المنتشرة في محيط جامعتي بغداد والمستنصرية، على آلات قديمة مستعملة يجري استيرادها من الخارج، ويصل اغلبها من دولة الامارات العربية عبر البحر. وبواسطة هذه الآلات يجري تصوير الصفحات المطبوعة على الآلة الكاتبة او حتى المخطوطة باليد، في عدة نسخ، على ورق رديء يأتي عبر منافذ الخليج او وفق مذكرة التفاهم مع الامم المتحدة، ويضيف صاحب المكتب غلافاً يشير الى عنوان الكتاب، ثم يقوم بتكبيس الصفحات بالدبابيس.
ويتولى الأديب الشاب توزيع كتابه بنفسه، عبر حلقة الاصدقاء او المثقفين الذين يرتادون مقاهي وسط البلد او حديقة نادي اتحاد الادباء. كما توزع الكتب المستنسخة في شارع المتنبي الذي يتحول نهار الجمعة الى سوق مفتوحة للكتب المستعملة. وتحمل بعض النسخ التي تباع على ارصفة الشارع اهداءات الى اصدقاء، مما يشير الى ان اكثر من يد قد تداولت الكتاب. كما يحمل بعضها رقماً للايداع في دار الكتب الوطنية والوثائق، رغم انه مطبوع خارج الدائرة الرسمية ولم يمر على رقيب او لجنة فحص.
وبفضل اسلوب الاستنساخ، صار في امكان المثقفين العراقيين ان يتابعوا الكثير من الكتب والمجلات الفكرية التي تصدر خارج حدود بلدهم، بل شمل الاستنساخ قواميس ومعاجم وموسوعات ضخمة من تلك التي تصدرها مطابع بيروت عادة.
ولا يستطيع نقاد الصحف الرسمية تجاهل ظاهرة شعراء الاستنساخ. وكتب احد النقاد يقول انهم "شعراء اللحظة الحرجة". ومن هؤلاء من حقق شهرة طيبة بفضل اسلوب النشر زهيد الثمن هذا، مثل عبد الامير جرس الذي غادر العراق حالياً، او عباس اليوسفي، او فرج الحطاب، او جمال علي الحلاق.
ويلاحظ ان الشعر ما زال يحتل موقع الصدارة في الابداع العراقي، وان الطابع العبثي المشحون بالحزن والاحباط يغلب على قصائد الجيل الجديد من الشعراء المولودين اواخر الستينات او في حقبة السبعينات من القرن المنصرم. ومعظم هؤلاء ترك مقاعد الدراسة الى شتى انواع الاعمال الصغيرة لإعالة نفسه وأسرته. ومنهم من يرسل بقصائده الى صحف عربية ومجلات ثقافية في عمّان وبيروت ومسقط والقاهرة والمنامة، ويسمع عبر الرسائل ان قصائده قد نشرت، لكن من النادر ان تصله مكافأة النشر.
يكتب جمال الحلاق الذي عمل حداداً قبل ان يحاول بلوغ الاردن بحثاً عن فرصة افضل، في ديوانه "تحطيم الأصنام" الصادر مستنسخاً العام الماضي: "فلننسف هذا الصدأ/ المتراكم فوق جلودنا/ الذي اغلق مسامات اتصالنا بالعالم الحقيقي/ عالم ما وراء الأسماء والمحددات/ عالم البداية الأولى/ حيث كل شيء يجري على سجيته/ يمثل ذاته ولا شيء سواها/ حيث اصابع الكل بريئة من العار".(الشرق الأوسط)
&