أنا وليد لغة تستضيفني إن لم أقل أنا لاجئ فيها& إلى أي حد ينبغي لنا أن نكتب كما لو أننا نجمع الطوابع البريدية والفراشات المحنطة؟& ما هي القيمة الأدبية لروايتي "قصة حب" لإريك سيغال و"الضلال" للطاهر بنجلون؟ إذا لم يمسك الأدب الحقيقة كلها فإنه يساهم في البحث عنها . |
محمد شكري كما هو معروف، بالنسبة للذين قرأوا سيرتي الذاتية "الخبز الحافي"، أنا ابن هجرة المجاعة الريفية التي حدثت في بداية الأربعينات، الذين هاجروا، هربا من الجفاف القاتل، اتجه بعضهم إلى مدن الجزائر، خاصة وهران، وبعضهم اتجه إلى مدن الشمال المغربية، خاصة طنجة.
لم يكن أحد من أسرتي يتكلم الدارجة المغربية عندما غادرنا قريتنا في بني شيكر. لغتنا الوحيدة كانت هي الريفية داخل كوخنا وخارجه. عندما بلغنا طنجة ـ الفردوس، آنذاك، كان عمري سبع سنوات، كلما حاولت أن أسرق لحظة اللعب من أطفال الحي الذي خيمنا فيه كانوا يطاردونني صارخين: "امش يا الريفي، امش يا ولد الجوع.."، وفي الحي نفسه كان يسكن أيضا الغجر والأندلسيون، هم ايضا كانوا مهمشين، لكن كانوا أقل محنة من الفئة التي تنتمي إليها أسرتي، لأنهم كانوا قد استقروا، ويعرفون كيف يكسبون حياتهم بالعمل الوضيع أو أحيانا يسرقون. لم أجد صعوبة كبيرة لكي يقبلوني في جماعتهم، كثيرا ما كنا نغير على الأطفال المغاربة الشرسين، هكذا علمني أطفال الغجر والأندلسيين كيف أرفع يدي كي أدافع عن نفسي، إذ ليس للأطفال إلا لغةُ الجسد.
لم يكن أحد من أسرتي يتكلم الدارجة المغربية عندما غادرنا قريتنا في بني شيكر. لغتنا الوحيدة كانت هي الريفية داخل كوخنا وخارجه. عندما بلغنا طنجة ـ الفردوس، آنذاك، كان عمري سبع سنوات، كلما حاولت أن أسرق لحظة اللعب من أطفال الحي الذي خيمنا فيه كانوا يطاردونني صارخين: "امش يا الريفي، امش يا ولد الجوع.."، وفي الحي نفسه كان يسكن أيضا الغجر والأندلسيون، هم ايضا كانوا مهمشين، لكن كانوا أقل محنة من الفئة التي تنتمي إليها أسرتي، لأنهم كانوا قد استقروا، ويعرفون كيف يكسبون حياتهم بالعمل الوضيع أو أحيانا يسرقون. لم أجد صعوبة كبيرة لكي يقبلوني في جماعتهم، كثيرا ما كنا نغير على الأطفال المغاربة الشرسين، هكذا علمني أطفال الغجر والأندلسيين كيف أرفع يدي كي أدافع عن نفسي، إذ ليس للأطفال إلا لغةُ الجسد.
هذه الصدمة للغوية جعلتني أتعلم لغة مضطهدي إلى حد محاولة إخفاء لكنتي الريفية تماما من دارجتي المغربية، فعلت ذلك لإخفاء أصلي الريفي (المحتقر من المدنيين)، وأيضا كتحد لهذه اللهجة الغلابة والغريبة عني. من بين ما أذكر، عندما كبرت، أن أمي لم تكن تسمح لي بأن أتكلم معها إلا لغتي الأمازيغية لأني ولدت في الريف وينبغي علي أن أحافظ على جذوري من خلال لغتي. أخي عبد القادر، الذي يصغرني بعام، لم يخض هذا الصراع لأنه كان قد مات، واخوتي الذين ولدوا في المنفى، بين طنجة وتطوان، كانوا أحراراً في أن يتكلموا الريفية أو الدارجة المغربية أو يخلطوا بينهما في آن واحد.
معروف أيضا أني لم أتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية والإسبانية، إلا عندما بلغت العشرين من عمري. إنه تحد آخر لتعلم اللغة العربية التي ستصبح قدري، تعلمتها في حدود امكاناتي العصامية حتى علمتها للآخرين في المدارس الابتدائية والثانوية، وكتبت بها كتبي، لكن مهما تسعفني اللغة العربية في ساميتها، وأيُ لغة أخرى، في التعبير، يبقى هناك حنين دفين إلى لغتي يشدني إليها في لهفة، لا أجد تفريجا لهذا الحصار إلا حينما أتكلم لغتي الريفية الأم.
معروف أيضا أني لم أتعلم القراءة والكتابة باللغة العربية والإسبانية، إلا عندما بلغت العشرين من عمري. إنه تحد آخر لتعلم اللغة العربية التي ستصبح قدري، تعلمتها في حدود امكاناتي العصامية حتى علمتها للآخرين في المدارس الابتدائية والثانوية، وكتبت بها كتبي، لكن مهما تسعفني اللغة العربية في ساميتها، وأيُ لغة أخرى، في التعبير، يبقى هناك حنين دفين إلى لغتي يشدني إليها في لهفة، لا أجد تفريجا لهذا الحصار إلا حينما أتكلم لغتي الريفية الأم.
أحسني متبنى في أي لغة أتكلمها أو أكتبها، لا تعوض حرماني من لغتي الأم.
تبقى اللغة العربية، بالنسبة لي إذن، أداة اغتراب نسبي، وأداة تواصل مع كل من يتكلمها. بمعنى آخر، في غياب لغتي الأم، تصبح كل اللغات متساوية عندي، لكن للعربية أولويتها في المجتمع الذي أعيش فيه. أنا لست نادما على تعلمي اللغة العربية وتأليفِ كتبي بها بل أعدُّ نفسي محظوظا تجاه مواطني ذوي الحساسية اللغوية في التعبير الأدبي، لأن الكاتب العربي الذي يكتب بلغة غير لغته غالبا ما ينعت بالاستلاب مهما تبلغْ عبقريته. وطبعا هذا حكم فيه شيء من التعسف، لكن لا ينبغي لنا أن ننسى أن بعض مجتمعاتنا العربية ما زال تفكيرها معنكبا بالتزمت الزائف. إن الشاعر والروائي محمد خير الدين كتب بفرنسية معجزة ومع ذلك فقد تمنى دائما لو أنه يكتب بالعربية، لأنه بدأ يعاد لها الاعتبار من حيث انها لغة قابلة للتطور مع مستحدثات عصرنا، لم يبق في ذهن محمد خير الدين إلا ما تعلمه في الكتاب.
تبقى اللغة العربية، بالنسبة لي إذن، أداة اغتراب نسبي، وأداة تواصل مع كل من يتكلمها. بمعنى آخر، في غياب لغتي الأم، تصبح كل اللغات متساوية عندي، لكن للعربية أولويتها في المجتمع الذي أعيش فيه. أنا لست نادما على تعلمي اللغة العربية وتأليفِ كتبي بها بل أعدُّ نفسي محظوظا تجاه مواطني ذوي الحساسية اللغوية في التعبير الأدبي، لأن الكاتب العربي الذي يكتب بلغة غير لغته غالبا ما ينعت بالاستلاب مهما تبلغْ عبقريته. وطبعا هذا حكم فيه شيء من التعسف، لكن لا ينبغي لنا أن ننسى أن بعض مجتمعاتنا العربية ما زال تفكيرها معنكبا بالتزمت الزائف. إن الشاعر والروائي محمد خير الدين كتب بفرنسية معجزة ومع ذلك فقد تمنى دائما لو أنه يكتب بالعربية، لأنه بدأ يعاد لها الاعتبار من حيث انها لغة قابلة للتطور مع مستحدثات عصرنا، لم يبق في ذهن محمد خير الدين إلا ما تعلمه في الكتاب.
ما الكتابة؟ ما التعبير؟ تصوروا لغة ثابتة تريد أن تعبر عن نفسها، هذه هي حالة اللغة الأمازيغية، إذن فأنا وليد لغة تستضيفني إن لم أقل أنا لاجئ إليها. من المعلوم أن الدخيل على لغة غير لغته قد يتقنها أحسن من أهلها، مثال ذلك جبران خليل جبران، جوزيف كونراد، يوجين يونيسكو، صمويل بيكيت وآخرون.
إن الكتابة، في أي لغة، تملك أسرارها، وإذا دخلنا إلى سحرها نصبح ممسوسين بها، لغتي الآن هي التي أكتب بها، ولم تعد لغتي الريفية إلا حنينا مثل حلم يقظة جميل.
ينبغي للمؤلف له أن يكون حاضراً في كل مكان ومرئياً في غير مكان، هكذا كتب فلوييرا إلى صديقته لويزكولي.
إن الكتابة، في أي لغة، تملك أسرارها، وإذا دخلنا إلى سحرها نصبح ممسوسين بها، لغتي الآن هي التي أكتب بها، ولم تعد لغتي الريفية إلا حنينا مثل حلم يقظة جميل.
ينبغي للمؤلف له أن يكون حاضراً في كل مكان ومرئياً في غير مكان، هكذا كتب فلوييرا إلى صديقته لويزكولي.
الروائي بهذا المعنى يوزع مواهبه وقدراته على أشخاصه ـ مخلوقاته، لكن إلى أي حد ينبغي لنا أن نكتب كما لو أننا نجمع الطوابع البريدية والفراشات المحنطة؟ المفروض فينا ألا نحشر كل التفاصيل حتى ونحن نكتب سيرتنا الذاتية حرصاً من أن تفلت منا كل الأحداث. فالإلحاح في بثها وإقحامها في النص، يثقله ويجعله مملاً وإن تكن مهمة في ذاتها ما لم تسعفنا تقنية كتابتها. وتجنبا للحشو يغدو الإنتقاء ضرورياً في كل عمل إبداعي حقيقي، المطلوب من الروائي عندما يعيد الواقع ألا يغتصب الحقائق من أجل التشويق المجاني الملهي وإنما أن يكون موضوعه مصفى في ذهنه الخلاق. ان نفهم الطبيعة من خلال الفن الذي يعمق إحساساتنا وعواطفنا بها، فالسيمفونية الرعوية لبيتهوفن، وذبذبات وهسهسات بحيرة البجع لتشايكوفسكي وبعض لوحات فان كوخ هي الطبيعة الحقيقية. أن نسمو بزمن المعرفة على الزمن العادي، أن نقهر المحدود بالمطلق وننقل الخام إلى السامي من خلال المخيلة المبدعة. وكما عبر نجيب محفوظ فالحجر في الجبل لا قيمة له إلا عندما نوظفه. إنه إزميل مايكل انجلو وليس الرخام وشخص موسى، إنها تسمو على التاريخ الواقعي أو الإرضائي الذي صاغه الكسندر دوما الأب، وجورجي زيدان وأمين معلوف.
إننا، في الكتابة، لا نلتقط صورة طبق الأصل لما يحيط بنا من مشاهد، فالأصوات والمعاني، والحركات وأوضاع الأشياء التي تتلقاها حواسنا في لحظة ما، معيشة أو متخيلة، لا تصير هي نفسها عندما نستعيدها فنيا. لا تطابق يتم بين الشيء وإدراكه لأن إوالية الابداع مهمتها المجاوزة.
المبدع ليس فراغا لترجيع صدى العادي، لأن كل تجربة تخلق سموها، على أننا لا ندعو إلى فصل الفن عن الحياة: فحقائق الوحي إذا جاوزت أفهامنا استحال اخضاعها لتفكيرنا، كما يقول ديكارت، ينبغي أن تكون هناك معادلة، لأن الفن نصفه سماوي ونصفه بشري. ما نخلقه نستنزله من التجارب المتجمعة عبر ذاكرتنا الجماعية، لا بد أن يعرف الفنان كيف يعيش كيما يصير فنانا مثلما عبر بيير لامور في الطاحونة الحمراء عن حياة تولوز لوتريك.
المبدع ليس فراغا لترجيع صدى العادي، لأن كل تجربة تخلق سموها، على أننا لا ندعو إلى فصل الفن عن الحياة: فحقائق الوحي إذا جاوزت أفهامنا استحال اخضاعها لتفكيرنا، كما يقول ديكارت، ينبغي أن تكون هناك معادلة، لأن الفن نصفه سماوي ونصفه بشري. ما نخلقه نستنزله من التجارب المتجمعة عبر ذاكرتنا الجماعية، لا بد أن يعرف الفنان كيف يعيش كيما يصير فنانا مثلما عبر بيير لامور في الطاحونة الحمراء عن حياة تولوز لوتريك.
في العالم الثالث يطغى مفهوم: ما دام خبر الناس مسوساً فلا بد من أن يكون فنهم وأدبهم مسوسين، ولم ينج من تسويس الأدب حتى بعض الفلاسفة، على أن هذا لا ينبغي أن يدفعنا إلى كتابة أدب أحلام الهروب. إذ ما هي القيمة الأدبية ـ مثلا ـ الموجودة في: قصة حب "لإريك سيغال" التي أغنت صاحبها ماديا وشهرة وأفقرت قراءها أدبيا، و"ليلة الزلة" ـ أو الضلال ـ للطاهر بنجلون، إلا أن يدغدغ بمعظم أعماله مشاعر فقراء القراءة ذهنياً؟ إنها ظاهرة الكتابة بأجر حسب موضة السنة الثقافية! لم يعد الأدب خدعة وكذبة جميلة، إن معظم الأقنعة سقطت فبانت الوجوه مليئة بالتشوهات المهترئة والتجاعيد التي لم تعد أجود المساحيق الأدبية قادرة على التخفيف من دمامتها.
العالم يفلت منا والفن يحاول القبض على هذا الانفلات، نحن حينما نستعيد، بالابداع، هذا العالم المنفلت منا فليس هدفنا هو وضعه في صورة مؤطرة وحفظه كذكرى. إن مادته تتحول كأي معدن ثمين ينصهر وتعاد صياغته على الشكل الملائم لعصرنا، وقد يكون تلقيحا لما سيأتي، ضرورة ورغبة وإغراء.
من حق القاريء أن يرفض أدباً وجوده موقوف على الذين كتب لصالحهم. هناك سحر بين المبدع والمتلقي إذا انكشف كله فقد سمو سره الجذاب.
من حق القاريء أن يرفض أدباً وجوده موقوف على الذين كتب لصالحهم. هناك سحر بين المبدع والمتلقي إذا انكشف كله فقد سمو سره الجذاب.
الأديب قد يعبر عن علل اجتماعية، لكن ليست له وصفة دقيقة لعلاجها مباشرة، إنها مثل مصطلح "الفضول" عند الأطباء، حيث يخرج ما يخرج من البدن بدون معالجة. الأديب لا يقدم برهانا يقينيا عن فكرة البعث، لا يدخل البشر إلى الفردوس أو الجحيم، لا يبشر بأي ثواب، إذ ليس له غفران الإله وشفاعة الأنبياء، إنه يخلق الحوار والبحث، يكشف عن السلب والإيجاب في الإنسان من خلال التلميح لا التصريح، أن يمرد لا أن يخطط.
إذا كان "العالم هو الوهم الذي يمسك الحقيقة"، كما يقول ميهر بابا، فالأدب هو أحد أوهامنا، إذا لم يكن يمسك الحقيقة كلها فإنه يسهم في البحث عنها، هذا ما قد يعزي به المبدع الحقيقي نفسه وسط الذين فقدوا ثقتهم في قيمة الأدب ودوره في تطوير البشرية.
ليس عبثا عندما زعم طوماس وولف أن كل رواية أصيلة أساسها سيرة ذاتية، أعمال مارسيل بروست، معظم كتابات هنري ميللر، عصفور من الشرق ونائب في الأرياف لتوفيق الحكيم، موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح، لعبة النسيان، لمحمد والماضي البسيط لادريس الشرايبي استوحاها هؤلاء او كثيرا من سيرتهم الذاتية وضخوها في اعمالهم الروانية هذا ما حدث لي أنا ايضا، عندما كتبت الخبز الحافي، إنما بشكل مختلف: فقد كتبت سيرتي الذاتية بنوع من الصراحة مستوحياً أسلوبها من التقنية الروائية، لذلك سميتها سيرة ذاتية ـ روائية. أما كتابتها فكانت صدفة، ففي عام 71 جاء الناشر الإنجليزي بيتر اوين الى طنجة كعادته في كل صيف، وكان قد نشر "حياة مليئة بالثقوب" (أو العيشة المذلولة) كما سماها صاحبها ادريس احمد الشرادي واسمه الحقيقي (العربي العياشي)، و"الحب بحفنة من الشعر" لمحمد المرابط، كلاهما أملى حياته على بول بوولز الذي نقلها إلى الإنجليزية. بيتر اوين يبحث دائما عن ضحية جديدة عندما يجيء إلى طنجة وأينما ذهب، فهو معروف بأنه لا يكاد يدفع اكثر من تسبيق عن عمل ينشره من دون أي حسابات عن المبيعات، وحجته أنه يشجع المغمورين، محظوظاً كنت عندما تسلمت منه مائة جنيه استرليني عن الخبز الحافي، كان بول بولز قد حكى له شذرات عن حياتي المتشردة وقدم له قصتيّ اللتين ترجمهما لي ونشرتا في مجلة انتيوس. اقترح علي بيتر اوين في منزل بولز كتابة سيرتي الذاتية، أجبته بأنها موجودة عندي وكتبتها منذ سنوات. ووسط دهشتنا نحن الثلاثة وقعنا أنا وبولز عقدا مع اوين، وفي تلك الليلة بالذات، شرعت في كتابة الفصل الأول من الخبز الحافي محفوزا بطموح أن يكون لي كتابي الأول، ومتهافتا كنت على أن يظهر بأي لغة.. كتبته في أقل من شهرين أينما كان يتفق لي مكان للكتابة. كنت أكتب صفحات في النهار وأمليها على بولز في المساء بالإسبانية التي يتقنها لأنه لا يعرف العربية. وفي أيام عسر الكتابة كنت أتمارض، وعندما انتهينا من الترجمة أخبرته بأن مخطوطة الكتاب لم تكن موجودة من قبل.. اندهش.
ـ كيف تجعلني أوقع على شيء لم يكن موجودا؟! ـ كانت سيرة حياتي مطبوخة جيدا في ذهني يا سنيور بولز.
ـ كيف تجعلني أوقع على شيء لم يكن موجودا؟! ـ كانت سيرة حياتي مطبوخة جيدا في ذهني يا سنيور بولز.
كان مفهومي للسيرة الذاتية هو أنها لا تكتب إلا بعد مجد أدبي وأنا لم يكن لي منه غير قصص نشرت لي في مجلات عربية وصحف مغربية، إنه رهان لم أرد أن أخسره مثل تحدياتي الأخرى: هجران أسرتي اللعين المحمود، تعلمي القراءة والكتابة لأقرأ حياة الفنانين ومآسي العشاق ويوم قررت أن أصبح كاتباً بلا أجر.
لم أكن قد قرأت سوى اعترافات القديس اغوستينوس بالاسبانية واعترافات جان جاك روسو في ترجمتها العربية، حتى "الأيام" لطه حسين لم أقرأها إلا في ما بعد. وتحت تأثير قمع الطفولة، والهجرة من الريف إلى المدينة، وحياتي فيها التي انضجتها باكرا تجاربي المهمشة، وتجار الملاعي مثلي الذين لا يسمح التاريخ الرسمي المأجور أن يلوث بهم مجده الجليل الخالد، كتبت سيرتي الذاتية التي منعت في بعض الدول العربية وما زالت تمنع حتى الآن، وآخر منع صودق عليه كان في الكويت.
لم أكن قد قرأت سوى اعترافات القديس اغوستينوس بالاسبانية واعترافات جان جاك روسو في ترجمتها العربية، حتى "الأيام" لطه حسين لم أقرأها إلا في ما بعد. وتحت تأثير قمع الطفولة، والهجرة من الريف إلى المدينة، وحياتي فيها التي انضجتها باكرا تجاربي المهمشة، وتجار الملاعي مثلي الذين لا يسمح التاريخ الرسمي المأجور أن يلوث بهم مجده الجليل الخالد، كتبت سيرتي الذاتية التي منعت في بعض الدول العربية وما زالت تمنع حتى الآن، وآخر منع صودق عليه كان في الكويت.
أقول أيضا إنني لو عشت في مدينة أو مدن أخرى مغربية ولم أعش في طنجة بكثافة، لما كتبت كما كتبت، إنها موسومة بشمولية الأجناس المتوافدة عليها. وطبعا خف هذا الطابع الكوسموبوليتي، لكن الاسطورة، المنسوجة عنها ما زال سحرها يغري، وكل تفسير لأسطورة هو أسطورة أخرى كما يقول ليفي ستراوس.
&
&&&&&&&&&&&&&&&&& * نص الشهادة التي ألقيت في ذروة حوار الرواية العربية بأصيلة
&
التعليقات