ما حدث في بلدة الهويدر العراقية بمحافظة ديالى يوم السبت الثلاثين من شهر أكتوبر الماضي، لا ينطبق عليه وصفٌ إلا وصفاً واحداً : القتل بِخسِّة لا يرف لها جفن.
لقد جاء الأرهابي بشاحنةٍ كبائع للتمر، حتى إذا اجتمع حوله الناس لشراء التمر قام بتفجير السيارة وقتل ثلاثين عراقياً.
وحسب وكالة أنباء رويترز :
(... أوقف المفجر الانتحاري شاحنة محملة بالتمر في وسط بلدة الهويدر فتجمع حشد من الزبائن حول الشاحنة لشراء التمر قبل أن يفجر شحنة ناسفة قوية، وكان من بين القتلى تجار يتناولون طعام الإفطار في متاجرهم بالسوق وآخرون كانوا بالشارع يستمتعون بأجواء رمضان الاحتفالية... )
هذا النوع من القتل الخسيس وكل قتل خسيس على أي حال يطلق عليه عرب ومتأسلمون مصطلحاً كاذباً تماماً : المقاومة.. وإن سألت مقاومة من ولماذا قتل الناس في شوارع مدنهم وقراهم لن تجد إجابة، إلا أن نقول بوضوح لقد أصبح الملايين من العرب والمتأسلمين مشبَّعين حتى النخاع بغرائز القتل والدم المقيتة التي جاهدت الإنسانية طوال عشرات القرون كي تتجنبها حتى وصلت إلى العصر الحديث وقيدت بمواثيق آليات الحروب وشروطها بما في ذلك معاملة المدنيين في الحروب أو تحت الإحتلال.
لكن القتلة بقذارة أرواحهم الخسيسة لا يأبهون بكل هذا ولا حتى يأبهون بالدين الإسلامي الذي يقتلون البشر في العراق تحت رايته، حيث أن لمصطلح المقاومة هذا مرادف آخر عزيز على قلوب المتأسلمين وفقهاء الدم اسمه : الجهاد وهو يعني حسب هؤلاء لا جهاد النفس بردعها عن قتل البشر وإنما التوغل في الدم وبسطه غزيراً كي يكون الطريق إلى الجنة التي يحلم بها قتلة تم غسل أدمغتهم ثم سحبهم مثل البهائم إلى تفخيخ الأجساد والسيارات ثم تفجير كل هذا وسط عراقيين يطلبون الحياةَ والأمن في بلدهم.
غير أن للخسِّة وجهاً آخر أتقنه القتلة ومن يساعدهم وذلك بدفع صبي في الثالثة عشرة من عمره إلى تفخيخ جسده بحزام ناسف وتفجير نفسه أمام سيارة العميد خطاب عرف عبد الله القيادي في الحزب الوطني الكردستاني وقائد شرطة الطوارئ في مدينة كركوك وذلك يوم الأول من شهر نوفمبر الحالي، وقد ذهب الصبي ضحية من دفعوه لذلك النوع من القتل الخسيس فيما أصيب الضابط العراقي بجروح خطيرة.. فهل أصبح الصبية أيضاً وقوداً لعمليات التفجير الخسيسة في العراق.
لقد كانت أشكال القتل الخسيس هذه وكل قتل خسيس على أي حال مرئية في بعد كوني بهجمات الحادي عشر من سبتبمر الإرهابية عام ألفين وواحد في مدينتي نيويورك وواشنطن وكانت مرئية أيضا في جزيرة بالي الأندونيسية وفي تفجير قطارات مدريد يوم الحادي عشر من مارس عام ألفين وأربعة وفي تفجيرات الرياض والمغرب وفي تفجيرات لندن الصيف الماضي وغيرها من التفجيرات في المدن والدول المنكوبة بأصابع الإرهاب التي تعمل بجدارة في تقويض حياة البشر وفي فرض نمط خسةٍ يجد تعاطفاً في العالمين العربي والإسلامي ويجد أيضاً مؤيدين من نخبٍ دينية وثقافية وإعلامية تروج للقتل الخسيس بوصفه جهاداً ومقاومة.
حسب إحصائية للبنتاجون إنْ كانت صحيحة يلقى ثلاثة وستون عراقياً في المتوسط يومياً حتفهم هذا العام ألفان وخمسة نتيجة تفجير السيارات والأجساد المفخخة وبلغ ضحايا هذا النوع من القتل الخسيس وكل قتل خسيس على أي حال نحو ستة وعشرين ألف عراقي منذ شهر يناير من عام ألفين وأربعة، ذهبت أرواحهم الطاهرة نتيجة لفكر خسيس يغذي هذا النوع من القتل الخسيس وكل قتل خسيس على أي حال مهما كانت دوافعه.
وفي الدلالة هنا أن هذا النوع من القتل الخسيس توقف بقدرة قادر يوم الاستتفاء على الدستور العراقي ثم استأنفت آلته الجهنمة عملها عقب الاستفتاء وهذا يعني أن القتل الخسيس هذا وكل قتل خسيس على أي حال تديره عقول منظمة ولها أهدافها ليس في مقاومة الاحتلال الأمريكي أو في الجهاد وإنما في تقويض العراق وتركيعه عن أن يجد حياته في المستقبل حراً ومتطوراً ومستقلاً وحتى يجد إرهابيون بجدارة من عينة أبومصعب الزرقاوي فرصة إقامة دولة إسلامية تكون المنطلق لاستعادة دولة الخلافة الإسلامية حسبما يفكر إرهابيون بجدارة مثل المصري أيمن الظواهري الذي يحيا متاهة فراره بأفكاره المركبة من عناصر القتل الخسيس وكل قتل خسيس على أي حال.. وحتى يجد متعاطفون مع البعث فرصةً لاستعادة عرش الجماجم الذي كان يجلس عليه القائد الضرورة صدام حسين في العراق.
هل يدفع العراق ثمن صراع مع أصولية مقيتة وشمولية خطرة لا ترى إلا وجه ذاتها القبيح وتتمدد من المهد إلى اللحد مثل أخطبوط في حياتنا ؟.. وتتغذى على رفضنا للآخر مهما كانت درجة اختلافنا معه كبيرة أم صغيرة وترفض التصالح مع منطق العصر بوصفه كدحاً بشرياً لحكم الديموقراطية والقانون وحقوق الإنسان وحرمة الحياة البشرية.. ومن المسؤول عن عمليات القتل الخسيس في العراق ؟
الاحتلال الأمريكي وهو مسؤول بالتأكيد
أم أن المسؤولية الكبرى تقع في عقل مروض بمناهج تعليمية وبرامج دينية وفقهاء ودعاة وحكومات تعرف مواطن الشر ولا تقطعه من جذوره وهذا العقل المروض ينظر إلى ذاته بوصفه الأنقى مقابل عالم كله شوائب يجب إزالته امتثالاً لأمر إلهي.
أياً كانت الأسباب.. فلا يوجد ما يبرر على الإطلاق عمليات القتل الخسيس في العراق وكل قتل خسيس على أي حال.. وشريكٌ في عمليات القتل الخسيس هذه كل من يتعاطف معها أو يؤيدها أو يجد لها تبريراً أياً كان هذا التبرير.
إبراهيم المصري
التعليقات