اللقطة الثالثة: THE CAGE CASE

تفجّرت ( قضية القفص) على اثر قول الشاهد احمد حسين محمد للقاضي رزكار بانه مستعد لدخول القفص بدلا من المتهمين اذا تبين انه يكذب.
ما ان قال الشاهد ذلك حتى شهدت القاعة ثورة عارمة بدأها صدام بمقاطعة الشاهد قائلا ( هذا القفص شرف موعار هذا قفص الأحتلال وكل عراقي يتشرّف ان يدخل بيه) وتعالت هتافات سكان القفص يمجدون بالقفص وسكانه حيث قام برزان وسب الشاهد وبصق عليه ثم هتف ( يحيا القفص)، وفعل مثله عواد البندر وطه الجزراوي.حاول القاضي اسكاتهم :( ياجماعة... ياجماعة...ياجماعة.. الشاهد موقصده ايسب القفص ) فصاح برزان بالحاكم ( أذا قصدكم اعدامنه اعدمونه وخلي نتخلص) وقال ممثل قطر العظمى السيد النعيمي ( ان التعدي على سمعة القفص هو اهانة متعمدة لموكلينا ولهذا فأننا سننسحب من المحاكمة.. انها فعلا محاكمة صورية لايشرف قطر العظمى المشاركة فيها) وعاد الهرج الى القاعة وخرج عن سيطرة القاضي. وكان رمزي كلارك لايدري بما حدث فسأل المتجرم فقال له المترجم :
(سبّوا القفص)
فشغر كلارك شغرة عظيمه واخذ يردد ( آه الاهي.. او... ماي كاد ) وقام وخاطب القاضي بدون استئذان قائلا:( ان هذا لم يحدث في التأريخ وحتى محاكمة ميلوسوفيتش لم تشهد مثل هذا التجاوز.. ان شتم القفص لايوفر الفرصة لتوحيد الشعب العراقي) ثم طالب بحماية القفص من الأهانات..
هرول برزان (وخمط) المايك وزعق بوجه القاضي ( استاذ انت مايصير تسمح للجهلة بمحاكمة تأريخ الأقفاص)فقال له القاضي ( نعم). ثم تقدم صدام واخذ المايك من شقيقة وبدا خطبة( قفصية) طويلة ننقل منها عدة فقرات نظرا لأهميتها الجغرافية :
آنه طيلة حياتي اركز على اهمية الأقفاص، ورفعت شعار ( قفصك شرفك .....)، وسبق ان اقسمت بأن اجعل لكل عراقي قفص يباهي بيه شعوب الأرض وتتذكره الأجيال.. أن توفير القفصان مسأله حيوية تتعلق بمباديء حزبنا القومية وقد حاولنا اقناع اشقائنا العرب بعدم التفريط بالقفصان، وهم يدركون اهمية هلشي، بس لأنهم حكام يأتمرون بأمر الأجنبي تآمروا على قفصانّه. وانا سبق ان كلت بخطابي ب(يوم الأيام) بأن سياستهم راح تفسّد نفوس ابناء الأمة)
هتف سكان القفص :( تحيا القفصان).وكان المتهم عبد الله رويد( كالأطرش بالزفة) بسبب ثقل سمعه فطلب من ابنه المعتقل معه ان يخبره عن سبب هذه( الهوسه) فلما اخبره رفع يديه متضرعا الى الله بالدعاء قائلا: ( سيدي مولاي، بحق القيادة القومية عليك، انصر الأمة العربية وخلي كل حكام المسلمين باقفاص الأحتلال )
*** سمع شباب تكريت وبلد بالاهانة التي وجهها الشاهد ( الأخ احمد) الى القفص فهاجوا وماجوا وخرجوا بمظاهرات عارمة يرددون( نعم.. نعم للقفصان.. لاايران ولاامريكان) وكانت الشرطة تحرسهم وتوزع عليهم الهريس والقيمة والمجدّرة والدليمية والحلاوة الطحينية، وكان المتظاهرون يرفعون قفصا ذهبيا كتب عليه شعار الحزب ( قفصك شرفك فمن لاقفص له لاشرف له ) وكان مراسل( الجزيرة) السري في تكريت يقوم بنقل المظاهرة نقلا حيا، وقد استدعت (الجزيرة) عدة محللين ستراتيجيين لألقاء الضوء على قضية (القفص) منهم البروفسور(صغير دريد) والبروفسور (عويلم عويلم) وقد ركز الأول على (مكانة القفص في الموروث العربي الشعبي) واكد على ان الأمة العربية لاتستغني عن الأقفاص باعتبارها مجتمعات ابوية تقدّر اهمية (اللمّة) في وسط الأقفاص. في حين ركز المحلل الثاني على البعد السيكولوجي للاقفاص واهمية الأقفاص في تكوين ( الشعور القفصي) عند المواطن العربي مما يولد (موانع قفصية) بمواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني، وقال ( ولهذا تحاول الأدارة الأمريكية الأطاحة بالانظمة العربية والتي يشكل بقاؤها اخر السدود بوجه المخطط الصهيوني)، واشاد بأقفاص النظام السوري ودورها( في مواجهة الضغوط الصهيونية ).وفي وقت لاحق تساءل مقدم برنامج ( الأتجاه المعاكس) في مقدمته قائلا : ( يقول البعض :أن الأقفاص هي التي حفظت وحدة الأمة الأسلامية طيلة خمسة عشرقرنا وان محاربتها هو جزء من مؤامرة صهيونية لتفتيت وحدة الأمة. في حين يقول البعض الآخر ان الأقفاص هي سبب تخلف الأمة الأسلامية ولايمكن ان تتقدم الأمة مالم تعزل الأقفاص عن الأماكن العامة. ويتساءل اخرون : لماذا كل هذا الهجوم على الأقفاص المقدسة في هذا الوقت بالذات؟ الم يحتفظ الغرب بأقفاصه في اماكن محترمة... يتساءل البعض).
اما قناة( العربية) فقد تجاهلت الموضوع رغم اهميته تنكيلا منها بقناة الجزيرة المنافسة لها، غير انها في اليوم الثاني قامت بتغطية واسعة للهرج والمرج الذي ساد الشارع العراقي ونقل مراسلها في اربيل فقرات مطولة من خطاب السيد مسعود برزاني الذي خصصه لشتم (القفص) باللغة الكردية. ونقل مراسل العربية في السليمانية عن الرئيس مام جلال قوله انه تلقى عدة مكالمات تليفونية من انصار ( القفص) يبدون فيها استعدادهم للحوار من اجل التوصل الى تسمية (قفص) وطني يحضى بقبول العراقيين. غير ان ناطق باسم الرئاسة نفى ان يكون الرئيس مام جلال مستعدا للحوار حول ( القفص) واوضح الناطق ان الرئيس مستعد فقط لمحاورة من يعلنون كفرهم بالقفص حتى وان كانوا ( قفصيين) سابقين.
قناة( الشرقية) اجرت لقاء مع الشيخ الضاري، المتهم شعبيا بمناصرة (القفص )، وقد اكد في اللقاء ان الأحتلال هو الذي سبب هذه الأزمة القفصية، وان قضية القفص سيست لأسباب انتخابية، وتهرب من الأجابة عن رأيه (بالقفص) وقال علينا ان نفرق بين اقفاص الأحتلال والأقفاص الوطنية واتهم ميليشيات بدر بامتلاكها اقفاص شيعية سرية، واكد انه سيعيد النظر بالتزامه بمقررات مؤتمر القاهرة. وعلى الفور اصدرت منظمة بدر بيانا كذبت فيه امتلاكها لأية اقفاص واتهمت الضاري بصورة غير مباشرة بمناصرة ( القفص ).
فضائية (العراقية) اثبتت حياديتها في ازمة( القفص) من خلال تركيزها على نقل مسيرات اللطم المنددة بالقفص وكانت تذيع( النواعي) التي تذكّر بجرائم ( القفصيين) ولذا فان ناطقا باسم (هيئة علماء الأقفاص) ندد بسياستها الأعلامية واتهمها بالانحياز.
( السي ان ان) وبقية القنوات الأجنبية خصصت اغلب فترات بثها لتغطية الحدث وكلما ادرت ( الجنل) شاهدت شاشة التليفزيون تتصدرها عبارة:
THE CAGE CASE
ولان معرفتي باللغة الأنكليزية لاتزيد عن معرفة برزان التكريتي بالقانون لذا فاني لم استطع تحديد موقف القنوات الأجنبية من قضية (القفص) غير اني اجزم بأن القضية نالت تغطية اوسع من قضية( ايران كيت)

**
جريدة (الشرق الأسمر) دشنت ساحة اخرى في معركة( القفص) حيث نشرت لقاء مع المحامية العراقية ( ابتسام .....) كشفت فيه ان محكمة الجنايات العليا العراقية اصدرت حكما باعدام المتهم (ابي بشر بن عثمان الشهير بسيبويه تلميذ (المحامي) الخليل بن احمد الدليمي) واكدت أن موكلها تعرض لأعتداء صارخ من جميع الأطراف فقد ساهم القضاة والمحامون والمتهمون والشهود بجلد موكلها جلدا مبرحا( اكثر من مائة جلدة)، وأكدت ان الوحيد الذي لم يساهم بجلد موكلها هو السيد رمزي كلارك، وقالت ان سياط (الرئيس الموسابق) صدام حسين كانت الأكثر قسوة حيث قام بجمع كلمة (قفص) بصورة وحشية بعيدة كل البعد عن معايير حقوق الأنسان حيث قال ( قفصان ) في حين ان جمع كلمة ( قفص) هو( اقفاص) وليس ( قفصان) كما اكد موكلها سيبويه.
**
اثار خبر صدور حكم الأعدام على المتهم سيبوية نقمة ( بيت النحو الشيعي) فخرج تلاميذ النحو يتظاهرون في شوارع الكوفة، وصادف ان وقع نحوي منهم في بركة آسنة تستخدم لرمي النفايات النحوية فتقدم اليه احد افراد جيش (محمد العاكول) المكلفين بحراسة المظاهرة لأخراجه من البركة الآسنة قائلا له ( شيخنه.. انطيني ايدك خلي اطلعك من الجفرة ) فرفض الشيخ قائلا (لايخرجني الا نحوي مثلي) وظل في بركته الأسنة مدة طويلة يصارع الديدان والحشرات النحوية الى حين تم استدعاء شيخ نحوي فقال له ( مد يدك الشريفة لأخرجك من هذه الكنيفة ) فقال شيخ البركة: ( الآن اخرج). ولما خرج نفض جلبابه فسقطت منه ثلاث ورقات نقدية من فئة ( ابو الخمسة) قيل انها تومانات وقيل انها دولارات وقيل انها دنانير عراقية قديمة والله اعلم. تناول الشيخ نقوده بسرعة وهرول كي يلحق بالمظاهرة.
**
انعكست قضية ( القفص) على الحملات الأنتخابية في العراق وحاول كل طرف استغلالها لدغدغة مشاعر الناخبين حيث باشر ( الأئتلاف) بتسير مظاهرات معادية ( للقفص) ولكن لوحظ ان المتظاهرين المؤيدين للأئتلاف يحملون (هوادج) تشبه الأقفاص.اما في مناطق المثلث القفصي فكانت الأحزاب هناك لاتخجل من ابداء تأييدها للقفص.اما قائمة الدكتور علاوي فقد ركزت في دعايتها على مهاجمة (الهوادج) واعتبارها اخطر من الأقفاص، وقال الدكتو علاوي في لقاء مع ( ايلاف): ( الهوادج اخطر من الأقفاص.. على الأقل الأقفاص مشبكة، اما الهوادج فهي ظلمة هندس). وقد تعرض بسبب هذه التصريحات الى الأعتداء. وقد استخدم المعتدون الملثمون اسلحة محرمة دوليا.
اما الدكتور الجلبي فقد قال للفضائية (العراقية) انه يتخذ موقفا وسطيا بين ( الهوادج والاقفاص).
**
على اثر ازمة ( القفص) ارتفعت معنويات سكان القفص وصرح ( الرئيس الموسابق) صدام حسين في مؤتمر صحفي عقده في ( القفص) وحضره حشد كبير من الأعلاميين ومن مختلف وسائل الأعلام العالمية قائلا:( ان المحاكمة غير شرعية لأنها جايبه شهود تعبانين (يعني مايسوون شي) يتطاولون على مقامي وايسموني صدام حسين التكريتي،ولكم منو جان يكدر يكول هلشكل وما ينكص لسانه، وبعدين شنو سالفة البساتين الخابصينّه بيهه، هو العراق كله ملك الحزب والثورة ( وابّيتنه ونلعب بيه وشلهه غرض بينه الناس).. ثم اعلن انه سيقاطع المحكمة ولايحضر جلساتها الا اذا خضع القاضي لشروطة.
وعندما سأل الصحفيون القاضي رزكار قال : (نعم.. يحق للسيد صدام مقاطعة اي جلسة، وان المحكمة سترسل اليه (مشّاية)- اي وفد للمساعي الحميدة- لعله يغّير رأية، واذا رفض سيتم نقل الجلسة لسيادته نقلا مباشرا بواسطة دائرة تليفزيونية مغلقة استوردت خصيصا له، وبامكانه ان يقاطع كلام الشهود وقت يشاء وهو ممدد على فراشه من خلال مايك خاص به ).
(ها.. اشلونكم بهاي الشفافية ياسكان المقابر الجماعية؟)

ثم عندما رفض القاضي شروط صدام حول تاجيل انعقاد المحكمة لعدة ايام غضب صدام وصار يزعق ويسب ويهدد فهرب القاضي ومن معه ورفعت الجلسة.
وسنوافيكم غدا انشاء الله بتفاصيل اخرى عن وقائع محاكمة ( العصر والمغرب).

تابعها:عودة وهيب

[email protected]