وأخيرا انجلت واتضحت معالم الصورة الحقيقية بملامحها الدقـيـقة والمخفية بحكم تعاقد الألوان الصارخة بعضها علناً في وجه التاريخ الأصيل، والباهتة منها بتعاليها على الألوان الأصيلة التي أضفت سحراً وجمالاً وبهاءً وأصالة على الشكل والمنظر العام لطبيعة عراق الحضارة. أجل انجلت وبانت بعد أن أزيح عنها نموذج السـتارة المرقعة والمطرزة بفرز التركيب اللغوي لأحرف الــ ( د ي م و ق ر ا ط ي ة ) الجديدة لبناء العراق الجديد، وذلك انطلاقاً من مفاهيم مبادئ quot;الإحتلالquot;، ومن رؤيا من ولدوا من رحم القوى النفعية المتمثلة بالدول المُحَررة، وفي ذات الوقت من التيار المعاكس المتمثل بالدول المناهضة لها المُستغلة لتواجدها بغية تسللها خفية أحياناً، وعلناً أحياناً أخرى بدوافع وحجج الوازع الديني كذريعة للتغلغل بين اسراب المرجعيات الطائفية الرجعية التي تحدد خطوات الإنسان العراقي المتطلع لغد أفضل، وحصر تطلعاته في حدود دائرة مقيدة هدفها الهيمنة الكلية وفرض التبعية المقيتة، متناسية ومتعمدة على ازاحة ولاء وانتماء المواطنة الحديثة المتميزة بنظرة التكافؤ والمساواة والعدالة ووحدة الشعب العراقي الذي عانى الأمرين، واستعاضتها بمفهوم المواطنة التقليدية الأثنية والطائفية المحصورة نظراتها ورؤاها بتركيزها على الغصن الكبير المورق والبارز بحمله المكلل الثقيل، وفي الوقت ذاته ربما من منطلق التعمد أو التجاهل للإستغناء عن الشكل العام للشجرة المثمرة والتغاضي عن جمالية الفروع الأخرى التي تشكل وحدة متكاملة للوجود الكلي لا الجزئي لحضارة بلد النهرين الخالدين لكون الجزء عنصر حتمي لِهَيبة الكل.

اذا كانت حقاً تلك الديمقراطية المُـنادى بها نابعة من منظور القوة الإساسية المتمثلة بحكم الشعب أو السلطة الشعبية العامة في انتقاء عناصر هيكل التمثيل الحكومي أو البرلماني، ينبغي والحالة هذه أن يتم صياغة المبادئ على أسس مستمدة من مفاهيم الديمقراطية الإجتماعية اي العدالة وتكافؤ الفرص بين المواطنين واستبعاد اية تفرقة أوتمييز بين مواطن وآخر طالما يتمتع كل واحد منهم بذات الحقوق وعليه ذات الواجبات التي يقرها دستور المساواة على ضوء المعنى الليبرالي للديمقراطية الذي يمنحهم فرص اختيار السلطة الحاكمة بإرادة حرة والإشراف على مسارها السياسي في كل ما يتعلق بإدارة دفة الحكم دون تحكم مشاعر التمييز العنصري والطائفي. اذن فلا محالة والحالة هذه ان تتوافر برامج تعددية الأحزاب والكيانات السياسية والمنظمات الجماهيرية من منطلق المصلحة العامة شريطة ان لا تتجاوز ما تنص عليه مبادئ حقوق الإنسان طالما جميع المواطنين متساوون أمام القانون.

وفيما اذا تمعنا قليلاً وتفحصنا المضامين الجوهرية لما اشرنا اليه آنفاً وقسناها مع الواقع التطبيقي والفعلي لتجربة الدورة الإنتخابية الثالثة لوجدناها بعيدة كل البعد عن الواقع الموضوعي وخلوها من الشفافية المعهودة في التعليمات المنصوصة عليها رسمياً. ان هذه الظاهرة بانت بوادرها منذ أن تولت اللجان الفرعية المشرفة مسؤولياتها على المراكز المخصصة للتصويت، وذلك قبل وبعد العمليات الإنتخابية وبما أكدته جملة كبيرة من الشكاوى الموجهة الى المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، وتم نشرها في العديد من الوسائل الإعلامية والتصريح بها علناً وبشكل خاص المواقع الألكترونية بلغات مختلفة والإذاعات ووسائل التلفزة، متضمنة تجاوزات القوى السياسية المهيمنة على تلك اللجان بإقدامها على تقييد الحريات الشخصية في الوصول الى المراكز الإنتخابية، إضافة لحصر نسبة المراقبين والمشرفين بشكل كبير على مسؤولي القوائم العديدة التحالف من الكيانات السياسية وإهمال القوائم المستقلة وبشكل خاص الآشورية منها رغم تحالف بعضها مع تنظيمات وجماعات أخرى، كما حصل في تركيا وبعض البلدان الأوربية والعديد من المناطق الإنتخابية في ارجاء الوطن. كما وان نقص صناديق الأقتراع واستمارات التصويت في بعض المناطق ظاهرة أخرى في العديد من المحافظات على ضوء التصريحات، وملازمة التصدي المتعمد في بعض المناطق على منع مؤيدي وأصحاب بعض القوائم من الصاق لوائحها ودعاياتها والإقدام على مصادرة منشوراتها وإتلافها بقوة اشهار السلاح بوجوه ممثليها، وكأن هذه الحالة نوع من التهديد والتنديد المباشر بإسم ديمقراطية فرض الرأي quot; ديمقراطية ان لم تكن معي فأنت ضدي quot;، ناهيك عن العديد من الخروقات والتجاوزات والإنتهاكات داخل الوطن وخارجه حصراً في يوم الإنتخابات بإطلاق العيارات النارية بمقتل بعض المرشحين واغتيال العديد منهم والأعتداء على عدد من رجال السلطة الرابعة المتمثلة بالصحافة والإعلام حيث وصل التجاوز لحد كسر وإتلاف كاميرة أحد المصورين من مجموعة الطاقم الإعلامي، اضافة للتهديدات المبطنة للناخبين من بعض عناصر الميليشيات وبشكل خاص في مناطق سهل نينوى كتلك التي تعرض لها الناخبون في مدينة كركوك وأدت لحالات القلق واعتصام الكثير في بيوتهم خوفاً من الغدر المباغت، كما وفوجئ الكثيرون عن عدم تواجد اسمائهم في الإستمارات الرسمية التي هي بعهدة الإداريين والمراقبين رغم مشاركتهم في التصويت على الإنتخابين السابقين. نكتفي هنا بهذا القدر من السلبيات التي هي بمثابة غيض من فيض.
ان هذه الدلائل لم تطلق اعتباطاً طالما يدعمها القياس العقلي وبإعتبارات ملموسة ومستندة على ما يدل المراد به، واكبر دليل على ذلك ما أكدته المفوضية من تجاوز العديد من الكيانات على خرق فترة الصمت الإعلامي ومئات الشكاوى التي وردتها وأعلن عنها.
ان المرحلة الإنتخابية الجديدة في عراق اليوم ايقظت المواطنين الصالحين المنتمين لكيانات متفاوتة أن يلتزموا استراتيجية التغيير بالتفافهم حول المحور المركزي المتمثل بإسم quot; الديمقراطية quot; وبنزاهة مطلقة لإرضاء الشعب والعيش بكرامة وراحة البال والطمأنينة. أما أن يقدم البعض من تلك التكوينات السياسية على خرق المفهوم السياسي للديمقراطية بإسم فن سياسة التجاوز والمغالطة والتعالي ولأعتبارات ذاتية فأن ذلك جناية بحق الشعب ككل، وخيانة للمبادئ الإنسانية وتهميش لقدسية الديمقراطية الحقيقية.
اذن كيف لنا ان نمنح ثقتنا المطلقة لمثل هكذا تنظيمات يتولى قادتها سلوكيات فنون التزييف والتشويه والتغييب، وأشهار التحدي والرعب والعنف وبالتالي تحريف المبدأ الديمقراطي الى هلوسة فكرية وغوغائية مقيتة رغم الوعود المغرية المدبلجة انياً على ألسنتهم وما تضمنته سطور مشاريعهم المستقبلية التي لامثيل لها.
اذا كانت كل هذه المغالطات والتجاوزات تبدر عن الكيانات الكبرى الفارضة لوجودها سلفاً والقابعة في كهف الآمان، كيف يكون الأمر لتلك الصغرى التي تسعى لدعم الوحدة الوطنية بغية الحفاظ على وجودها التي لا تقل شأناً بفكرها النير وتطلعاتها الإيجابية لبناء عراق ديمقراطي موحد.
أليس من حقنا التساؤل: اين هي مبادئ العدالة والمساواة في المجال الانتخابي على ضوء ديمقراطية المناسبات؟
أوليس من حقنا التساؤل في نهاية المطاف: حتام نظل نلوب في دائرة التطاول لنتجاوز على طلب العظم الذي في يد غيرنا رغم تواجد اللحم بين ايدينا؟!
اذن متى نصحو من غفوة التجاهل الديمقراطي؟! ومتى نحذف من قاموسنا المستحدث مصطلح ديمقراطية اللاديمقراطية؟!

ميخائيل ممو
رئيس تحرير مجلة حويودو