من سوء حظ الثقافة العراقية منذ القدم كثرة إنجابها لأعداد الشعراء، بل وصل الامر من الخطورة الى درجة إجتياح الشعر لصدارة المشهد الثقافي وطغيانه على حقول الثقافة الرئيسية الاخرى كعلوم النفس والاجتماع والفلسفة والسياسة والاقتصاد والتاريخ، والعلوم الطبيعية والتكنلوجية.


وتعاني الثقافة العراقية اليوم من نقص مريع في توفر نخب تنويرية وطنية لديها إمكانية التأثير على الجماهير وخلق نهضة ثقافية علمية ديمراطية شاملة، فلا يعقل أن يكون في العراق رغم كل زخمه الحضاري لايوجد فيه سوى مفكر واحد فقط هو المرحوم الدكتور علي الوردي، ومن المخجل أن يكون الشخص الوحيد الذي كتب كتاباً مرموقاً في تاريخ العراق السياسي الحديث باحث عربي من اصل فلسطيني هو الراحل حنا بطاطو !!


لقد كانت من نتائج فقر الثقافة العراقية من المفكرين التنويريين.. حدوث الكوارث التي نشاهدها في العراق الان حيث هيمنة قوى الأسلام السياسي الظلامية والعشائرية والاحزاب الطائفية والقومية العنصرية، وضياع المجتمع العراقي في وحل هذه الايديولوجيات المتخلفة المدمرة للبلد.


المشكلة ان معظم الشعراء قدوات ونماذج سيئة للاجيال من الناحية السلوكية الاخلاقية، فالشاعر الجواهري كتب العديد من قصائد المديح للحكام الطغاة كحافظ الاسد والقذافي مقابل الحصول على المال، وعبد الوهاب البياتي كان موظفا في السفارة العراقية في إسبانيا في زمن نظام صدام الذي إشتراه بهذه الوظيفة الرخيصة، وسعدي يوسف تاجر بدماء العراقيين وصور نفسه شاعرا مضطهدا سياسيا وحصد الشهرة والجوائز بفضل هذه القضية ثم ظهور حالة الجنون على سعدي بعد سقوط نظام صدام نظراً لشعوره بفقدان الدكان السياسي الذي كان يتاجر من خلاله وهو مأساة العراق لذا رأينا ه يكتب المقالات التي تشجع على الارهاب والقتل في محاولة بائسة منه لارتداء قناع الشاعر المناضل من أجل وطنه!!


أما حال الشعراء الشباب فهو أكثر كارثية، فمعظمهم كان يطبل ويمدح نظام صدام، وحينما دنى أجل النظام غادروا بالعشرات الى الخارج وتسكعوا أمام أبواب مكاتب الامم المتحدة طلباً للجوء السياسي، علما أكثرهم لم يكن مضطهداً في العراق فعلى سبيل المثال رئيس تحرير مجلة أسفار التي كانت أحد الابواق الاعلامية لنظام صدام الشاعر عدنان الصائغ تم طبع أعماله الشعرية الكاملة على نفقة المقبور نجل الطاغية عدي صدام حسين، وبمجرد خروج الصائغ من العراق أخذ يصرخ أمام أبواب مكاتب الامم المتحدة أنه كان شاعراً مضطهداً، ووصلت به الوقاحة الاشتراك في مسابقة الشاعر المضطهد في احدى الدول الاوربية وخداع اللجنة وحصد الجائزة.

ان الحضارات والدول والمجتمعات بناها المفكرون والعلماء وليس الشعراء، لذا أتمنى ان تتخلص الثقافة العراقية من هذا التضخم بأعداد الشعراء وتنحصر عملية دعم مؤسسات الدولة الثقافية فقط للنتاج العلمي والفكري وتترك مسألة طبع الاعمال الادبية واللغوية والدينية لجهد المؤلف الخاص.

[email protected]