الركن الأساسي التشريعي الذي تستند اليه حكومة اقليم كردستان في تطبيق سياستها التنفيذية، هو المجلس الوطني الكردستاني (البرلمان الكردي). وهذا المجلس أنهى جلسات دورته الأولى قبل فترة وجيزة، والمجلس المنتخب في دورته الثانية مباشرة من قبل الشعب الكردي في نهاية شهر كانون الثاني من العام الجاري، من المقرر ان يبدأ أولى جلساته في نهاية شهر أبريل الحالي لانتخاب رئيسا للبرلمان الكردي وهيئة لرئاسته. والمعلوم الى الرأي العام الكردي والعراقي حسب ما تنشره الصحافة والإعلام الكردي ان الطرفين السياسيين الرئيسين في الإقليم، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، قد اتفقا على آلية معينة لتوحيد الإدارتين في اربيل والسليمانية ودمجها بإدارة حكومية واحدة للاقليم يرأسها السيد نيجيرفان البارزاني باتفاق بين الزعيمين جلال طالباني الرئيس العراقي ومسعود البارزاني والمكتبين السياسيين للحزبين في كردستان، ومما ينظر له ان الاجتماعات المكوكية التي تجري بين مصيف صلاح الدين ومنتجع دوكان تشكل دليلا على التنسيق والتعاون السياسي والإداري بين الحزبين للوصول الى اتفاق تنفيذي لطرح الصيغة النهائية للحكومة التي تدير شؤون الاقليم في المرحلة المقبلة، التي ستستمد أرضيتها الشرعية من البرلمان المنتخب الذي فاز بأغلبية مقاعدها القائمة الديمقراطية الموحدة للأحزاب الكردستانية التي شكلت من الحزبين الرئيسيين.

وبخصوص العلاقة التي ستربط بين حكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية في بغداد فإن المؤشرات المطروحة لحد الآن، هي ان الية عمل هذه العلاقة القانونية قد أوجدتها قانون ادارة الدولة العراقية التي تنص في فقراتها على جملة من الآليات التي مهدت الأرضية الشرعية للاعتراف بالكيان الإداري السياسي للاقليم بعد سقوط نظام الحكم السابق. حيث أن المادة الرابعة من القانون تنص على أن " نظام الحكم في العراق جمهوري، اتحادي (فيدرالي)، ديمقراطي، تعددي، ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافية والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب".

وبناءا على ما جاء في هذه المادة فان اعتراف الحكومة الاتحادية في بغداد بحكومة اقليم كردستان يعود سنده الشرعي الى الفقرة (أ) من المادة الثالثة والخمسون من القانون والتي تنص " (أ) يعترف بحكومة اقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك و أربيل والسليمانية وكركوك و ديالى و نينوى، ان مصطلح حكومة إقليم كردستان الوارد في هذا القانون يعني المجلس الوطني الكردستاني، ومجلس وزراء كردستان والسلطة القضائية الإقليمية في اقليم كردستان".

وكذلك فان الاعتراف القانوني لكيان حكومة اقليم كردستان الإقليمية أيضا يعود سنده الشرعي الى المادة الرابعة والخمسون من القانون التي تنص على " (أ) تستمر حكومة اقليم كردستان في مزاولة أعمالها الحالية طوال المرحلة الانتقالية، الا ما يتعلق بالقضايا التي تقع ضمن الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية كما ينص عليه هذا القانون. ويتم تمويل هذه الوظائف من قبل الحكومة الاتحادية تماشيا مع الممارسة الجاري العمل بها ووفقا للمادة 25 (هـ) من هذا القانون. تحتفظ حكومة اقليم كردستان بالسيطرة الإقليمية على الأمن الداخلي و قوات الشرطة، ويكون لها الحق في فرض الضرائب والرسوم داخل اقليم كردستان. (ب) فيما يتعلق بتطبيق القوانين الاتحادية في اقليم كردستان، يسمح للمجلس الوطني الكردستاني بتعديل تنفيذ أي من تلك القوانين داخل منطقة كردستان، ولكن في ما يتعلق فقط بالأمور التي ليست مما هو منصوص عليه في المادة 25 وفي المادة 44 (د) من هذا القانون التي تقع ضمن الاختصاص الحصري للحكومة الاتحادية حصرا" (3).

وبناءا عليه فان السلطة التشريعية التي يمثلها في الاقليم مجلس البرلمان الكردستاني والذي سيبدأ عمله في يوم 30/4/2005، ستكون أولى مهامه وضع الإطار العام الذي سيجعل من حكومة الاقليم التحرك من خلاله في تنفيذ البرامج الحكومية وفي مجال تنسيق العلاقة الحكومية بين الحكومة الاتحادية في بغداد وبين حكومة الاقليم في اربيل. ولا شك ان السند القانوني الذي منح إطار التحرك والعمل لحكومات الأقاليم والمحافظات لإدارة كافة شؤونها هو ما جاء في الفقرة (أ) من المادة السابعة والخمسون من قانون ادارة الدولة العراقية التي تنص على " (أ) ان جميع الصلاحيات التي لا تعود حصرا للحكومة العراقية الانتقالية يجوز ممارستها من قبل حكومات الأقاليم والمحافظات، وذلك بأسرع ما يمكن، وبعد تأسيس المؤسسات الحكومية المناسبة".

ومن باب التفاؤل بالحكومة العراقية الجديدة التي اعلنت تشكيلتها يوم 28/4/2005، فان الاتفاق المبرم بين الائتلاف الموحد العراقي والتحالف الكردستاني بخصوص برنامج عمل الحكومة العراقية الفيدرالية المفوضة من قبل الجمعية الوطنية العراقية، سيجعل من هذا البرنامج أساسا للعمل وتحرك الحكومة باتجاه تنفيذ برامجها. ويذكر ان البنود الواردة في الاتفاق تساعد على خلق أرضية عملية جيدة بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد، وخاصة ما جاء في الفقرة الثالثة من الاتفاق بخصوص عمل حكومات الأقاليم والتي تنص " حقوق الأقاليم والمحافظات والمواطنين: تعزيز المكانة الخاصة لدور الأقاليم ومجال المحافظات واحترام نتائج انتخابات مجالس المحافظات وللمجلس الوطني لإقليم كردستان وتطوير التنسيق والتعاون بين الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان والمحافظات وتوفير الميزانيات اللازمة لها واحترام مبدأ عدم التدخل في شؤونها ودورها المستقل في نطاق عملها وتطوير صلاحياتها كما ورد في قانون ادارة الدولة وفي الامر رقم 71 مع إعادة الاحترام والفاعلية لعمل الدولة لممارسة صلاحياتها وتأدية مهامها وعدم التمييز بين العراقيين في كل أنحاء العراق وحقهم المشروع في الإقامة والعمل والتنقل والتملك والتمتع بالحقوق والواجبات الاتحادية والاقليمية بكل مساواة وعدم تمييز شرط ان لا يكون ذلك قد تم وفق سياسة عصرية او طائفية تفرض تغيير الواقع السكاني".

ولهذا فان تصريح السيد نيجيرفان البارزاني رئيس حكومة اقليم كردستان في يوم 28/4/2005 " ننتظر من الحكومة العراقية القادمة ان تستطيع وفي اقرب وقت وضع الية لتنظيم العلاقات بين حكومة اقليم كردستان العراق وحكومة بغداد" موقع بيامنير، 28/4، جاء في الوقت المناسب لوضع آلية العمل للعلاقة التي تربط بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، وحكومات الأقاليم الأخرى المنتظر والمتوقع تشكيلها في أقاليم أخرى من العراق الجديد، حسب ما جاء قانون ادارة الدولة العراقية وحسب الاتفاق المبرم بين الائتلاف والتحالف الفائزين بأغلبية المقاعد في الجمعية الوطنية العراقية.

ولكن برغم الالتزامات المترتبة على الحكومة الاتحادية في بغداد وفق ما جاء في قانون ادارة الدولة العراقية، فإن تطبيع الأوضاع في كركوك سيشكل ركنا أساسيا لبرنامج العمل لتسوية الأوضاع التي ترتبت على سياسة التعريب والترحيل القسري التي مارسه نظام الحكم البائد تجاه الكرد والعراقيين، وما جاء في المادة الثامنة والخمسون من القانون والتي تنص على اتخاذ خطوات عملية يشكل الدعامة الأساسية بتطبيع الوضع في محافظة كركوك، والمادة تنص " (أ) تقوم الحكومة العراقية الانتقالية ولا سيما الهيئة العليا لحل نزاعات الملكية العقارية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وعلى وجه السرعة، باتخاذ تدابير، من اجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق والمتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة من ضمنها كركوك، من خلال ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها، وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان من العمل، ومن خلال تصحيح القومية".

مما يسجل له اعترافا بالتقدير لمشرعي قانون (تال) ان المادة أعلى نصت على خطوات عملية حددتها كقانون ملزم لمعالجة الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق، فقد نصت المادة المذكورة " ولمعالجة هذا الظلم، على الحكومة الانتقالية العراقية اتخاذ الخطوات التالية: 1 ـ فيما يتعلق بالمقيمين المرحلين والمنفيين والمهجرين والمهاجرين، وانسجاما مع قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية، والإجراءات القانونية الأخرى، على الحكومة القيام خلال فترة معقولة، بإعادة المقيمين الى منازلهم وممتلكاتهم. وإذا تعذر ذلك، على الحكومة تعويضهم تعويضا عادلا. 2 ـ بشأن الأفراد الذين تم نقلهم الى مناطق وأراض معينة، على الحكومة البت في أمرهم حسب المادة 10 من قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية، لضمان إمكانية إعادة توطينهم، او لضمان إمكانية تلقي تعويضات من الدولة، او إمكانية تسلمهم لأراض جديدة من الدولة قرب مقر إقامتهم في المحافظة التي قدموا منها، او إمكانية تلقيهم تعويضا عن تكاليف انتقالهم الى تلك المناطق. 3 ـ بخصوص الأشخاص الذين حرموا من التوظيف او من وسائل معيشية اخرى لغرض إجبارهم على الهجرة من أماكن إقامتهم في الأقاليم والأراضي، على الحكومة ان تشجع توفير فرص عمل جديدة لهم في تلك المناطق والأراضي. 4 ـ أما بخصوص تصحيح القومية فعلى الحكومة إلغاء جميع القرارات ذات الصلة، والسماح للأشخاص المتضررين بالحق في تقرير هويتهم الوطنية وانتمائهم العرقي بدون إكراه او ضغط".

ولا شك ان بعض الإجراءات التي اتخذت من قبل الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور أياد علاوي لتنفيذ ما ورد في المادة 58 من قانون (تال) جاء في اتجاه صائب لتطبيق خطط المعالجة، ولكن تبقى الإطار العام لمعالجة القضية معلقا لحد الآن، لأن كما جاء في الفقرة (ب) من مادة 58 من قانون ( TAL ) " (ب) لقد تلاعب النظام السابق أيضا بالحدود الإدارية وغيرها بغية تحقيق أهداف سياسية، على الرئاسة والحكومة العراقية الانتقالية تقديم التوصيات الى الجمعية الوطنية وذلك لمعالجة تلك التغييرات غير العادلة، وفي حالة عدم تمكن الرئاسة من الموافقة بالإجماع على مجموعة من التوصيات، فعلى مجلس الرئاسة القيام بتعيين محكم محايد وبالإجماع لغرض دراسة الموضوع وتقديم التوصيات، وفي حالة عدم قدرة مجلس الرئاسة على الموافقة على محكم، فعلى مجلس الرئاسة ان يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين شخصية دولية مرموقة للقيام بالتحكيم المطلوب".

وكذلك يبقى الفقرة (ج) من المادة نفسها من قانون () التي تنص " تؤجل التسوية النهائية للأراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك، الى حين استكمال الإجراءات أعلاه، وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف، والى حين المصادقة على الدستور الدائم، يجب ان تتم هذه التسوية بشكل يتفق مع مبادئ العدالة، آخذا بنظر الاعتبار إرادة سكان تلك الأراضي "، مرهونا ببرنامج عمل الحكومة الحالية والقادمة بعد تثبيت الدستور الدائم، لأنها تشكل مطلبا أساسيا من مطالب القومية الكردية والقيادة الكردستانية العراقية لتسوية الوضع النهائي بشأن كركوك. ومما يسجل له من ارتياح ان القيادات العراقية والكردستانية متفهمة وعلى قناعة لحل هذه المسائل بغية ارساء الاسس الصائبة اللازمة للنهوض بالعراق الاتحادي لتحقيق الامن والاستقرار والحياة الكريمة للعراقيين بصورة عامة، وتحقيق التنمية والازدهار الاقتصادي في مستقبل قريب.

• كاتب عراقي كردي

ينشر في إيلاف، بالتزامن مع جريدة "الاتحاد" العراقية، وصحيفة "الصباح الجديد" البغدادية