من حق اي منا ان شعر انه مدين لاية جهة، ان يسدد الديون الواجبة عليه، لا بل نقول انه واجب اخلاقي، عدم نكران الجميل فليس من الشيمة ان نتنكر لمن اوانا او مد يد المساعدة لنا ايام الشدة، حيث سدت امامنا كل الابواب، وبقى باب ايران وسورية مفتوحا لنا.

الا ان المعروف في السياسة ان الدولتين لم تقيما بما قامت به، لسواد عيون العراقيين، او لولعهما بالحريات والديمقراطية والتعددية، فلو كانتا متولعتان بهذه الاوليات لطبقتاه في بلدهما، ولما كانت سجونهما مليئة بالمعارضين.

اذ كانت للدولتين استراتيجية اخرى، وهي انها بالتأكيد لا تستطيع التوصل مع النظام الى قاسم مشترك، فاذا الاولى بها ان تستثمر في المستقبل عسى ولعل، وكان استثمارها في احتضان بعض حركات المعارضة العراقية للنظام الصدامي، وخصوصا تلك الموالية لها ايديولوجيا.

ولكن بعد ان ضعف النظام العراقي بفعل الحصار الدولي وقدم للنظامين الايراني والسوري تنازلات مهمة وخصوصا في المجال الاقتصادي، نرى ان سورية عدو صدام الاولى، دافعت عن شرعيته، ليس حبا فيه بل لان شرعيته تماثل شرعية حكومتها، وهي شرعية الانقلابات وقوانين الطورائ والاعتقالات العشوائية والتصفيات الجسدية، فخوفا من وصول سكينة التحولات المتلاحقة الى عنقها، ارادت ايقاف عجلة التاريخ بمعارضة اسقاط النظام، وتمكنت من حشد بعض معارضي النظام من اتباعها في هذا الاطار. وهنا الامر واضح فالبلدين ايران وسورية كانا يعملان لصالح النظام القائم فيهما، لكي لا نقول لصالح بلدهما وشعبهما، فصالحهم هو في شيوع الديمقراطية والحريات و زوال المعيقات للتبادل التجاري.

على اية حال فهاتين الدولتين برغم من رفعهما شعارات المبادئ الثابتة والتي لا تتزحز منها ابدا، الا انهما اثبتا ان مصالح انظمتها هي الاهم من كل المبادئ والشعارات، والمبداء الوحيد الذي عملتا به هو كبت الشعب وارهاقه.

من هنا كان لسماعنا خبر قيام الدكتور ابراهيم الجعفري بالامر على اطلاق كل الايرانيين المسجونين في العراق، وقع سئ جدا، انه مثير للريبة القرار هذا، فما هي المصالح التي حققها العراق من وراء مثل هذا القرار، نحن لا نناقش في عدم صحة المسألة لاننا ندرك ان بعض الحكومات تقوم بمثل هذه الخطوات وذاك مقابل الحصول على امتيازات سياسية معينة، مثل المساعدة الفعالة والمعلنة لمحاربة الارهاب ووقف تسلل اي جهة عبر الحدود الايرانية اقلا العمل على ذلك، اما الادعاع ان زيارة الوزير الايراني كانت خطوة غير مسبوقة وتستحق ان تشجع بمثل هذه المبادرات، فاننا نرى ان الزيارة لم تحقق اهم هدف وهو اعلان صريح بمحاربة كل اشكال الارهاب والتدخل في الشؤون الداخلية العراقية.

ومن جهة اخرى ان بعض من اطلق سراحهم هم مهربي المخدرات، والخطوة هذه ستشجعهم على تكرار فعلتهم وبالاخص بعد التجارب التي اكتسبوها بعد سجنهم، من اكتساب معارف او طرق اكثر امينة، وبهذا نساند على انتشار هذا الوباء في العراق، علما ان العراق وبشهادة الجميع كان من البلدان التي فيها اقل عدد من مدمني ومروجي المخدرات، ان الايرانيين الذين اطلق سراحهم وخصوصا من مروجي المخدرات كانوا اداة لتسميم شبابنا ولجعلهم رهائن في ايادي لا ترحم وتستغلهم بعد ادمانهم ليس فقط لامتصاص اموالهم، بل لا يستبعد ان تكون بعض الاطراف استغل ادمان البعض للقيام باعمال الارهاب والتجسس والاجرام بمختلف انواعه.

اننا نقرا في القرار هذا علامة على ان سيل من الايرانيين وبمختلف الحجج سيدخل وبطرق غير مشروعة وان دخل بطرق مشروعة فانه سيقيم بطريقة غير مشروعة، اي خارج عن معرفة الدولة بما يقوم واين، وهذا سيفاقم الامر وسيزيد من نسبة الجرائم ولا يستبعد ان تشعل حرائق للحرب الاهلية هنا وهناك، وذلك لافشال اي استقرار في العراق، لكي لا يكون نموذجا يقتدي به ولاشغال القوات المتعددة الجنسيات عن الاهتمام بها.

وهنا نقول للسيد الجعفري، ان كنت تشعر بانك مدين لايران فالافضل ان تدفع ديونك من جيبك الخاص، وليس من جيب العراق والعراقيين.

تيري بطرس