لم يهنأ منظر السلفية الجهادية و"معلم" ابو مصعب الزرقاوي كثيرا خارج القضبان حتى سارعت السلطات الأردنية لإعادة اعتقاله مرة اخرى بعد لحظات من بث حديثه المثير مع قناة الجزيرة بحجة اتصاله بجهات ارهابية خارج الاردن.
ولا يمكن لنا إلا ان نتوقف مليا عن تصريحات الرجل الذي اظهر تحولا فكريا جذريا واختلافا في الرؤية والطرح خلافا وخروجا على النهج الذي خطه هوه بيده واتبعه مناصروه على رأسهم ابو مصعب الزرقاوي خلافا للسنوات السابقة.
المقدسي هذا الرجل الإشكالي..خرج في لقائه بالجزيرة بالكثير من المفاجآت التي شكلت صدمة لبعض مناصري واتباع التيار السلفي الجهادي بينما اثارت اعجاب اخرين وطرحت تساؤلات حول شكل وهوية ومستقبل التيار السلفي الجهادي عموما في المنطقة.
فقد كرر المقدسي للجزيرة انه "يعارض" العمليات الانتحارية التي ينفذها انصار الزرقاوي، زعيم القاعدة في بلاد الرافدين مثلما سبق ان عبر عن رايه بعيد اطلاقه مباشرة لعدة صحف اردنية.. ويرى الرجل هنا ان هذه العمليات يجب ان تقتصر على استهداف الامريكيين فقط وربما يعود سبب الاختلاف في الراي هنا الى طبيعة الخلاف بينه وبين الزرقاوي في مرحلة سابقة حول الرؤى والافكار والمعتقدات.
الواضح تماما هنا ان المقدس مثلما اسهب في انتقاد الزرقاوي حاول الموازنة نوعا فيما يبدو انه رغبة في الحفاظ على شعبيته بين انصاره وانصار الزرقاوي ايضا.
فهو لم يبرر للزرقاوي افعاله لكنه ايضا اعتبر ان لمثل هذه العمليات اسبابها وعند الضرورة فقط.
المثير في قصة المقدسي هو ما تلا ذلك من ردة فعل مباشرة ربما من طرف الزرقاوي الذي اصدر شريطا صوتيا رد فيه باعتقادي على تصريحات المقدسي بالتاكيد على نهج العمليات الانتحارية واستهداف الشيعة ورفض الحوار مع الامريكان.
واكد الزرقاوي في حديثه على مواصلة الجهاد في العراق خلافا لمواقف المقدسي الذي المح الى ان الوقت والظروف غير مواتية تماما الان للجهاد وان الاولى بناء الاجيال المسلمة قبل زجها في اتون مواجهة غير متكافئة.
والسؤال المطروح الان هو لماذا اقدمت السلطات الاردنية على اعتقال المقدسي مرة اخرى فكل الوقائع تقول ان الرجل يجب ان يكافيء على تحوله الفكري واعتداله بدل الاعتقال فلم يقل المقدسي شيئا في مقابلته الا ضمن المعقول والمتوسط والمعتدل.
كان الأحرى اذا بالسلطات الاردنية المبادرة الى تشجيع خط الاعتدال الذي تبناه المقدسي وتراجعه عن الافكار السوداية التي تبناها الرجل طوال عقود.
والحقيقة ان تحول المقدسي الفكري ليس مذموما ويجب ان يرحب به على كافة الصعد خاصة وان الرجل يعد منظر التيار السلفي الجهادي مما يعني ان تحوله الفكري هذا سيترجم الى مواقف وأفكار وأدبيات سيتبناها ويقتنع بها العديد من انصار التيار وافراده.
والحقيقة ان التحولات عند أي طرف باتجاه التعقل والتروي مهم ان تشجع وتوجه من قبل عدة اوساط ابتداء من الأوساط العلمية والإصلاحية وانتهاء بالحكومات والانظمة.
ثم إن لغة ومنطق التنكر للتيار الجهادي واستعدائه بدلا من محاولة احتوائه وتوجيهه باعتقادي لم تعد اسلوبا مجديا ونافعا في مواجهة " التطرف".
وباعتقادي ان الحالة الاسلامية الجهادية هي كاي حالة فكرية عقدية يمكن ان يطرأ عليها من الأفكار والتحولات حالها حال أي من التوجهات الفكرية والسياسية الأخرى
ما قاله المقدسي اذا للجزيرة وغيرها من وسائل الاعلام هو صلب الاعتدال لكن البعض يشير بكثير من الريبة الى مواقف الرجل المتحولة فمنهم من يعتقد ان المقدسي ربما يكون دخل في صفقة ما مع الاجهزة الامنية الاردنية لقاء اطلاقه وان اعادة اعتقاله ليست اكثر من مسرحية لتلميعه ووضعه تحت الاضواء كقيادي مهم للتيار السلفي الجهادي في مقابل القيادة الفعلية للزرقاوي.
ويطرح اخرون فرضية ان تكون ظروف الاعتقال ايضا اثرت في فكر الرجل الذي بات يمثل تيارا داخل التيار السلفي الجهادي اصبح ينتقد غلو وتشدد الزرقاوي واعماله
ولربما يمثل هذا التيار المقدسي الذي يبدو انه ينحو نحو شق صف التيار على ما هو ظاهر وتكوين تيار سلفي جديد اكثر اعتدالا واقل تطرفا وغلوا من تيار الزرقاوي.
لم يقل المقدسي الكثير..ربما لكن ما قاله على قلته اثار الكثيريين..فالمقدسي لم يتطرق في حديثه الاعلامي الى كثير من الامور الهامة كان متوقعا ان يتحدث حولها من قبيل قضية الحوار مع الامريكان والاسباب التي دفعت السلطات الاردنية الى اطلاقه الان تحديدا الى جانب قضايا تفصيلية اكثر خاصة بتياره السلفي ومستقبله.
ما نقوله ان ثمة تحولات ستحملها الايام المقبلة على صعيد مستقبل التيار السلفي الجهادي في المنطقة عموما وقد يفرز هذا التحول تيارات داخلية او نشقاقات او صراعات داخلية ربما.
التعليقات