الأدب بكافة أشكاله وأنواعه وأغراضه يمثل ضرورة ملحة في حياتنا الإنسانية، فهو مظهر حاجة ونزعة جد أصيلة، خاصة الشعر الذي يعتبر أرقى الفنون الأدبية لأنه لغة داخل اللغة ورؤية صادقة لانفعالاتنا الداخلية ومستوى عظيم من الجمال والإبداع والانسانية، ويحملنا إلى آفاق من الرومانسية..!
فالشعر الحقيقي الذي يجد له حضوراً قوياً في وجدان الناس ويحفر نفقاً في أعماقهم ويزرع غابات الرياحين في صدورهم، لابد له من الاستقلالية والصدق والتفاعل مع المواقف الحياتية اليومية والتاريخية والمؤثرات الطبيعية ويعايش أحلامهم وآلامهم وآمالهم..!
إن الجودة والجمال والهاجس الابداعي هي المعيار الحكم في عالم الشعر وجوهره، والرؤية الصادقة تنتج شعراً راقياً بجميع المقاييس الفنية والأخلاقية..!
لا بالتقليد والانفعالات (المزيفة) وتركيب الكلمات (الفارغة) والمشاعر (المعلبة!) وهذا ما نشاهده يومياً في بعض الصحافة الأدبية والمجلات الثقافية التي تزج بالآخرين في هموم (التنظير) والدخول في معارك وهمية عن القديم والجديد، وتعج بالغث وغير ذلك من الكتابات المشوهة. فما جدوى ما ينشر من نصوص إذا كانت غيرمفهومة وما قيمة الكتابات الجوفاء والتنظيرات التي ليس لها قاعدة ولا خطوط تسير عليها..؟!
وما فائدة هذه «التخاريف» والهلوسة التي لا يكاد يقرؤها ويفهمها سوى كاتبها والمصحح، ما هي إلا عملية اقحام مزيفة تهدف الإثارة (السخيفة) والبحث عن النجومية المجانية والدعاية الرخيصة..! ناسين ان للشعر دوراً حقيقياً في مواجهة الكثير من السلبيات الإنسانية وارهاصات الحياة وأزماتها النفسية ليجسد فعلاً قسوة الملل ويظهر بشكل مؤثر ومحرض الرغبة في الخروج من تلك الحالة التعيسة.. حالة الانكسار والهزيمة..!
فهو مواجهة فعالة وحقيقية عندما تدور الدوائر وتحل النوائب وتصعب المواقف، فإن الأمة بحاجة مهمة لشعرائها أصحاب الكلمة المباشرة والمؤثرة التي تشد العزم وتنير الطريق وتدافع بشراسة عن الأهل والدار، حتى لو كان عزاء مؤقتاً من خلال الطقوس الداخلية والخلوات الذهنية والوجدانية.
فالقارئ منهمك بمشاكل الحياة اليومية وعندما لا يقدم هذا الفن عزاء أو بديلاً أو جمالاً ومعنى أو موقفاً واعياً، يكتفى بترسيخ التفاهات وتزوير الأسماء، فإن القارئ سيعرف عن هذا العمل الهابط والمخجل المفروض عليه من خلال الصور «الباهتة» بنصوصها «المسطحة» الخالية من أدنى المضامين الجمالية والانسانية والفنية..! ودون أي هدف أو معنى.. فهذا يشكل أزمة حقيقية لهذه المطبوعات المنتشرة هنا وهناك.
وبقدر ما هي أزمة ابداعية فهي أزمة أخلاقية واجتماعية وثقافية وحضارية، وبالرغم من كل المجاملات البائسة والتي تبنى كما يقول أحدهم على حساب هذا «الحميم» الذي ما أساء لأحد يوماً والمسمى «الشعر» يبقى هذا الفن الرسالة الأخيرة التي يحملها «الطيبون» في الأزمنة «المتهالكة..!».