نزار حيدر

ولادة شعب

يوما بعد آخر، تتضح ملامح العراق الجديد، لتتوج بتقدم العملية السياسية إلى الأمام، باعتماد الدستور الجديد في الخامس عشر من تشرين الأول القادم، والذي كانت الجمعية الوطنية قد اعتمدته يوم أمس، بعد أن تم الاتفاق على صيغته النهائية من قبل اللجنة المسؤولة عن تدوينه، اثر توافق الكيانات السياسية وممثلي مختلف شرائح المجتمع العراقي عليها.
فلأول مرة في تاريخ العراق الحديث، يكتب العراقيون مسودة دستورهم بأيديهم، ومن قبل ممثلين منتخبين وغير معينين، ليقول الشعب كلمته الأخيرة فيه، في استفتاء شعبي عام.
لقد واجه المشرعون العراقيون، تحديات (الاحتلال) والإرهاب وابتزاز بعض أيتام النظام الشمولي البائد، الذين تصوروا بأن الدستور لا يمكن تمريره من دون بصمتهم، فلماذا لا يبتزون إذن؟ ولذلك لم نسمع منهم طوال المدة، رأيا أو اقتراحا يضيف شيئا إلى ما هو موجود على طاولة المفاوضات، وإنما كم هائل من الشعارات والمعرقلات التي انتهت بهم إلى لا شئ، بالرغم من أنهم تطفلوا على العملية الدستورية من دون تفويض حتى من الشريحة التي يدعون تمثيلها، ساعين حتى آخر لحظة، إلى الإمساك بالعصا من الوسط، متأرجحين بين الحنين إلى الماضي والخوف من العراق الجديد، يحدوهم، في ذلك، الإصغاء إلى صوت الإرهابيين الذي ظل يدوي طوال الوقت، ولكونهم لا يتحلون بالشجاعة الكافية، لقول حقيقة ما يجول في أنفسهم، راحوا يتلفعون بشعارات (وطنية) أبدت حرصا منقطع النظير على وحدة العراق، وكأن الباقين يريدون تجزئته، أو يتربصون بها.
لقد أخذ هؤلاء على المسودة، مثلا، ذكرها تجارب الماضي المرير، ناسية أن ذلك من حق الضحايا، من أجل أن لا تتكرر من جديد{كما هو حال دساتير الشعوب التي مرت بتجارب مشابهة لما مر به العراقيون، كاليابان وألمانيا والولايات المتحدة الاميركية وغيرها} وان دل ذلك على شئ، فإنما يدل على إصرارهم على تذكير الجميع، بمناسبة ومن دون مناسبة، بانتمائهم إلى الماضي الأسود.
لقد سعى المشرعون العراقيون، إلى عدم إغفال أية شريحة من شرائح المجتمع العراقي، في إطار وحدة العراق الذي تتسع خيمته لكل العراقيين من دون استثناء أو تمييز، فأعطوا لكل ذي حق حقه، من دون غبن أو تجاوز أو إغفال.
ولا زالت الفرصة قائمة، لإدراج ما غاب عنهم من حقوق بعض من يعتقد أنه لم ينصف في المسودة، لسبب أو لآخر، ليس من بينها بالتأكيد التعمد مع سبق الإصرار.
كما لم ينس المشرعون أن يذكروا الضحايا التي لولا جودهم بالغالي والنفيس، لما نعم العراق بمثل هذا اليوم، ليشهد ولادة هذا العقد الاجتماعي الهام، وأقصد به وثيقة الدستور.
كما أعادوا إلى الأذهان، دور القوى المؤثرة في المجتمع العراقي، التي ساهمت بمواقفها الحكيمة وآرائها السديدة، في إنجاز المهمة التاريخية، وعلى رأسها المرجعية الدينية، التي حفظت العراق من الانزلاق في الكثير من المهاوي والمهالك، خاصة منذ سقوط الصنم.
انه نموذج يحتذى لكل الشعوب المقهورة والمغلوب على أمرها، تلك التي صيغت دساتيرها من قبل الزعيم الأوحد أو الحزب الواحد، من دون أن يكون لها أي رأي فيه. ففي ظل الأنظمة الشمولية الاستبدادية، لا أحد يعرف كيف؟ ومتى؟ وأين؟ ومن؟ الذي دون الدستور، بل، لم يكترث أحد بالسؤال عنه، لأن وجوده وعدمه سيان، فالحاكم هو الدستور وهو القانون الأعلى وهو القرار، وما الشعب، إلا قطيع يساق بحسب رغبة الحاكم الضرورة الذي لم تنجب نساء العالم مثله.
ولا نقول أن الدستور العراقي الجديد، كامل متكامل، فهو ليس نص سماوي لا يجوز الطعن فيه، كما انه ليس نصا توراتيا لا يحق لأحد أن يعيد النظر فيه كلما ارتأت أغلبية الشعب ضرورة ذلك، ولهذا السبب نصت إحدى فقرات أحكامه الختامية، على مبدأ التعديل ضمن الأطر القانونية، ولكن يكفي المشرعين العراقيين، أنهم بذلوا كل طاقاتهم ولم يوفروا مشورة، أو يألوا جهدا، من أجل التوصل إلى أفضل الصيغ، ولذلك فان المسودة ولدت كأفضل جهد إنساني يمكن أن يدون في ظل الظروف الصعبة والقاهرة التي يمر بها العراق، على أمل أن يتطور النص بمرور الزمن، وكلما تحسنت الظروف الأمنية والسياسية، وبتقادم الزمن بعيدا عن آثار الماضي الأسود الذي مر به العراق والعراقيون.
لقد خيب المشرعون العراقيون ظنون كل الذين راهنوا على تناحرهم، وعلى تغليبهم الانتماءات العرقية والدينية والمذهبية والسياسية على الانتماء للوطن، كما أسقطت النصوص، رهانات كل من ناصب العداء للدين والقيم والمناقبيات {خاصة بعض فلول اليسار المهزوم، التي ظلت تتهجم وتتهم وتطعن وتشكك بكل ما يمت إلى الدين والقيم بصلة، من اتجاهات وقوائم انتخابية ومندوبين ومؤسسات} ليثبت العراقيون أنهم أكثر الشعوب احتراما للماضي من دون التغافل عن المستقبل، كما اثبتوا أنهم أوفياء للتاريخ من دون التوقف عنده، وأنهم حريصون على استحضار الماضي من دون التحجر عليه.
لقد استحضر المشرعون العراقيون، الماضي والحاضر والمستقبل في موازنة قل نظيرها في تاريخ الشعوب، فلم يفرطوا بتاريخهم وانتماءاتهم، على حساب الحاضر والمستقبل، كما انهم لم يستغرقوا في استحضار المستقبل على حساب الانتماء إلى التاريخ، ولذلك خاب من افترى عليهم التخلف والجمود والانكفاء والانطواء، ممن حاول الطعن في عقليتهم المنفتحة والمتنورة، كما خاب من سعى إلى وصمهم بالانقلاب على ماضيهم وانتماءاتهم التاريخية، وارتدادهم على ثوابتهم المبدئية، وبكل أشكالها، وبالتنكر لهويتهم وانتماءاتهم.
لقد أكدت مسودة الدستور العراقي الجديد، مجموعة القيم والمبادئ الإنسانية والحضارية التي لا تنفك عن الهوية الإسلامية الأصيلة {وليست تلك التي اغتالها الإرهابيون باسم الدين، أو اختطفها المتحجرون من الآخرين} فأكدت المسودة على؛
أولا: وحدة العراق، أرضا وشعبا، وسيادته على خيراته، ولقد ترجمت المسودة هذا الحرص باعتمادها النظام اللامركزي(الاتحادي) كأنسب أنواع الأنظمة السياسية والإدارية للعراق، بما يحقق أعلى حالات المشاركة الشعبية في الحكم، وللحؤول دون تكرار تجارب الأنظمة الشمولية، أو نمو الديكتاتوريات، التي تطغى إذا استأثرت.
ثانيا: هوية العراق الوطنية الأصيلة التي ساهم في بلورتها الإسلام، بقيمه الإنسانية ومبادئه الخالدة وأسسه وثوابته الراقية وأئمته وعلمائه وفقهائه، والتنوع بكل أشكاله، وتراث الحضارات التي تعاقبت في هذا البلد.
ثالثا: تقاسم الخيرات والثروات التي وهبها رب العزة لهذا الشعب الأبي، من دون استئثار منطقة على أخرى، أو شريحة على ثانية، فضمن بذلك حق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية التي عدها الدستور، ملكا لكل العراقيين من دون استثناء.
لقد تجاوزت المسودة كل الألغام التي كان قد زرعها قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية، فألغى كل ما يمت بصلة إلى الثالوث المشؤوم (الفيتو والتوافق والمحاصصة) وبذلك يكون الدستور قد أعاد الاعتبار الفعلي والقانوني، وليس الصوري، لصندوق الاقتراع، ليعتمد، بالتالي، صوت المواطن العراقي، كميزان وحيد لتحديد اتجاهات الرأي العام في العراق الجديد، ولبناء مؤسساته الجديدة، على أساس المساواة وتكافؤ الفرص واعتماد قيم الكفاءة والخبرة والنزاهة، والتداول السلمي للسلطة.
كما أعادت المسودة، المرأة العراقية إلى موقعها الطبيعي في المجتمع وعملية البناء والمشاركة في الشأن العام، والذي كانت قد أزيحت عنه في ظل النظام الاستبدادي الشمولي البائد.
وبالرغم من إيماني بأن المسودة هي أفضل ما يمكن أن يدون في الوقت الحالي، إلا أنني أرى أن من المناسب أن أدلي برأيي فيها، بنظرة عامة شاملة.
شخصيا كنت أتمنى أن لا يستغرق الدستور بكل هذه التفاصيل، لأن الدستور{أي دستور} فلسفة وليس نصوص، انه روح وليس جمل تصف تباعا.
كما أن الدستور يلزم أن يحتوي، عادة، على المبادئ العامة من دون الاستغراق في التفاصيل التي يجب أن تناط بممثلي الشعب (البرلمان) الذين سيأخذون على عاتقهم تطبيق تلك المبادئ العامة على الواقع المتجدد لكل جيل من الأجيال، اخذين بنظر الاعتبار الظروف المتجددة التي يمر بها كل جيل، والتي تختلف عادة من جيل إلى آخر.
حتى الإسلام، كدين سماوي منزل من قبل الخالق جل وعلا، لا يحتوي إلا على خمسة أصول فقط {أو ثلاثة على رأي البعض} أما الفروع والأحكام، فلا تعد ولا تحصى، فأصوله ثابتة، أما الفروع فان من حق الفقهاء والعلماء الاجتهاد فيها في إطار تلك الأصول التي لا يحق للمسلم أن يقلد فيها أحد، كائنا من كان، إذ يلزم الإيمان والاعتقاد بها عينيا، وعن قناعة ووعي، ولهذا السبب بقي الإسلام حيا طريا يتجدد بتجدد حاجات الإنسان، لا يضعف أثره بتقادم الزمن وتجدد الأجيال، كما أن هذه الفلسفة هي التي ظلت تثير عقل الإنسان في إطار الاجتهاد، من أجل التجديد في كل آن ومكان.
وهكذا، كنت أتمنى أن يكون الدستور العراقي الجديد، فيأتي على تدوين الأصول ويترك الفروع والتفاصيل للنواب أن يجتهدوا فيها، والا، فلو أن الدستور جاء على ذكر كل التفاصيل، فما الذي نتركه للمشرعين القادمين، إذن ؟ انه نوع من أنواع التجاوز على حقوقهم، وسلبهم القدرة على الاجتهاد والتجديد.
كما أن تجارب البشرية أثبتت، بان الدساتير التي تكتفي بتدوين الأصول العامة، دون الدخول في التفاصيل، تكون أقرب إلى التطبيق والتنفيذ والاستمرار والتطوير والحيوية، منها، عن تلك التي تستغرق في التفاصيل، ولذلك، عد الدستور الاميركي، من أطول الدساتير عمرا من الناحية التطبيقية، لأنه اكتفى بتدوين الأصول فقط، فجاءت نصوصه بست وعشرين مادة فقط، لأن العبرة ليس في النصوص، وإنما في فلسفتها، ومن ثم في الالتزام بها وتطبيقها.
إن لكل جيل من الأجيال المتعاقبة خصوصياته وحاجاته، يعبر عنها تحت قبة البرلمان من قبل النواب المنتخبين، الذين تتجلى مهمتهم ونجاحاتهم في تفسير النصوص الدستورية (الأصول العامة) وصياغتها كقوانين تلبي الحاجة الآنية لكل جيل، ولذلك فرق علماء القانون بين معنى الدستور ومعنى القانون.
أخيرا:
لقد أبدت كل الأطراف، إلا اللمم، حرصا ومرونة ليلتقي الجميع في وسط الطريق، من أجل ولادة هوية العراق الجديد.
كما أبدى ضحايا النظام البائد (الكرد والشيعة على وجه التحديد) حرصا مدهشا على وحدة العراق وشعبه فردا فردا من دون التمييز بينهم، بالرغم من ضغط الشارع الذي كان يتمنى أن يشعر أكثر بأن المشرعين قد أنصفوه إلى درجة كبيرة.
فتحية لكل من ضحى وصبر وعظ على الجراح، وتنازل من أجل المصلحة العليا، لتنتعش الآمال في نفوس العراقيين بولادة الدستور الجديد.
لقد أنجز المشرعون العراقيون{ممثلو الشعب العراقي} ما عليهم، وبقي أن ينجز الشعب العراقي ما عليه من مهمة وطنية، فيقول رأيه واضحا صريحا بالدستور بعد الإطلاع على مسودته ومناقشتها ودراستها والتشاور بشأنها، خلال الشهرين القادمين، قبل أن يقف أمام صندوق الاستفتاء العام ليقول رأيه النهائي، فالمشاركة في الاستفتاء، بغض النظر عن النتيجة، واجب عيني، شرعي ووطني، يمليه علينا حب الدين والوطن والقيم والتضحيات والجهود التي بذلت والأجيال القادمة، التي نأمل أن نورثها ما يعينها على العيش بحرية وكرامة وسلام وأمن وأخوة وسؤدد.

23 آب 2005
[email protected]

ــ

كامل السعدون
عن الدستور والقوى الفاعلة في الساحة العراقية

قرأت كل تعليقات الأخوة العراقيون في إيلاف على هذا الدستور المتشنج الهزيل الذي يوشك أن يُمرر على الناس، ومع إحترامي للجميع في آرائهم فإن لي رأيا مغايرا آمل أن ينال الفهم من الجميع :
أولا : لا أظن أن من الحكمة أن نتوقع ظهور تيار ليبرالي علماني قوي في العراق إثر ما يفوق النصف قرن من الحكم العسكري أو الشمولي الصدامي، فصدام حسين بل ومن كان قبله ما تركوا للبلد أفقا للنمو الثقافي والسياسي الطبيعي لكي ما يمكن أن نجد لدينا قوى يسار ويمين وليبرالية إسوة ببقية دول العالم الحرة المستقرة منذ عشرات السنين، وإذا كنت لا تجد في بلد مستقر مثل مصر أو لبنان أو سوريا أو الأردن، وجميعها دول مستقرة منذ عشرات السنين، فكيف تتوقع أن تجدها في العراق الذي كان في أتون حرب مع نفسه ومع العالم منذ أربعون عاما، أن تجد مثل هذه التيارات التي يمكن أن تفرض ثقلا كبيرا وحضورا بارزا في الساحة يمكن أن ينتج لنا دستورا ديموقراطيا علمانيا عادلا.
ثانيا : طبيعة النظام الفاشي الصدامي هي ذاتها طبيعة شوفينية قومية طائفية، فبالضرورة سيكون ضحاياها من القوميات الأخرى أو الطوائف الأخرى أو حتى القبائل الأخرى التي أذلتها قبيلته، سيكون هم ساسة اليوم بل وجلادوا اليوم.
لو إن صدام كان مثل تشاشيسكو أو غوربوتشوف أو حتى ماركوس، اي دكتاتور وزعيم حزب سياسي، لكان بدلائه أيضا زعماء أحزاب سياسية، وليسوا مرجعيات طوائف وشيوخ قبائل ورموز قومية – قبلية.
ذاك صدام وهذا ميراثه... !
العنف الطائفي ولد بديل طائفي، ومن التجني أن نتوقع غير هذا دون أن نعني بهذا أن هذا قدر نهائي لا سمح الله، بل على الأقل في العشر سنوات الأولى من التحرير لا نتوقع ولا ننتظر إلا مثل هذا.
نحن الذين في المنفى، عشنا تجربة ليبرالية وديموقراطية وحريات دينية ونساء متحررات بالكامل، لكن هذا لا نتوقع له أن ينسحب أوتوماتيكيا على العراق، لأنه حتى القيادات التي كنا نظنها ليبرالية، حين عادت للعراق ورأت الواقع العراقي بشكل عام، هرولت صوب المرجعية الدينية ( أو المرجعيات ) وأعلنت ولائها للطائفة وبراءتها من الليبرالية والديموقراطية الغربية.
نجوم الداخل العراقي الفاعلين منذ التحرير هم، السيد السيستاني والسيد مقتدى الصدر من الطرف الشيعي، اما السني فهو الشيخ ضاري، بينما في أقصى الجنوب نجد مخابرات إيران وأحزاب إيران التي كانت متواجدة منذ ما قبل التحرير، بينما الشمال ( كردستان ) كان يملأه حضور الزعيمين الجليلين القوميين الطالباني والبارزاني وهما الوحيدان الأقرب إلى الغرب والديموقراطية الغربية.
هذا ما وجده الأمريكان حين دخلوا، وذات هذا هو ما أستمر فاعلا حتى اليوم، أما السادة الآخرين كالجعفري والحكيم وغيرهم، فقد سارعوا مهرولين إلى الجليل السيستاني ليعلونوا الطاعة والولاء، ثم ليتواصلوا بدورهم بإيران مجددين قديم الهوى.
هذه الرموز وتلك المظلوميات القومية والطائفية، هو اللاعب الأكبر في عراق ما بعد صدام، هذا من جهة الداخل أما الخارج، فحتى أقرب الناس لأمريكا، لم تستطع تلك أن تحكم قبضتها عليهم ليدعموا عراقا ديموقراطيا علمانيا، لأنهم في كل الأحوال سيكونون مضطرين إن دعموه بمنتهى الفاعلية والقوة، إلى أن يتخلوا عن تاريخ طويل من الهيمنة على بلدانهم، وستحصل متغيرات إستراتيجية تخل بتلك المجتمعات الراقدة على بيضة الدين والتراث منذ عشرات بل مئات السنين، فكيف يفعلونها ويخربون بيوتهم بأيديهم...؟
إيران، سوريا، الأردن، مصر، الإمارات، قطر، الخ...الخ.... !
ناهيك عن أوربا العتيقة التي لا يسرها نصرا أمريكيا ناجزا، ثم لا ننسى روسيا والصين... !
وهكذا جاء الدعم غير مسبوق لأعداء العراق الجديد، وبالذات بعثيوه وطائفيوه من سكان الوسط ومن ورائهم مراجعهم الدينية وقبائلهم وإمتدادات تلك القبائل في سوريا والأردن وغيرها، مضافا إلى اللاعب الإيراني الذي لعب على كلتا الورقتين بذات الآن، مساعدات إقتصادية ورواتب في الجنوب لعملائه وأحزابه، ومساعدات عسكرية وإستخباراتية ومالية لمجموعة القاعدة والزرقاوي والبعث الساقط والقوى الطائفية والقبلية التي تضررت من سقوط صدام حسين.
في ظل الضغط الطائفي ( لا البعثي أو القومي ) على الحكومة وعلى الأمريكان وعلى الأغلبية العراقية من الكرد والشيعة، لا نتوقع بالتأكيد من هؤلاء أن يتحولوا إلى وحدويين ليبراليين، يعيدون للوسط السني مجده الذي ذهب إلى غير رجعة، مستحيل، وبالتالي لا نتوقع منهم على الأقل الآن أو في بضع سنوات أخرى قادمة أن يكونوا قادرين على نسج دستور علماني ديموقراطي عادل دائم.
أي دستور لا يؤكد حقوقهم كفئات مظلومة، كأغلبية مظلومة، لا يمكن أن نتوقع له أن يخرج من تحت أقلامهم.
سنرى بلا شك بصمات أمريكية لامعة في الدستور، لكننا لن نرى دستورا لا يؤكد على فيدرالية الكرد وإسلامية الشيعة... مستحيل، وإلا أين ذهبت حلبجة والأنفال ومقابر الشيعة الجماعية التي بلغ عديد قاطنيها قرابة الربع مليون عراقي علاوة على إذلال وتنكيل وتخريب إقتصادي وإستنزاف للثروات وحرمان مطلق من الماء النقي والكهرباء والكفاية من الرزق وحق المشاركة في إدارة الدولة.
في احدى مقالات الأخوة الكرد وردت مقترحات تصحيح للدستور وجدت فيها قرابة العشر مرات تتكرر فيها كلمة كردستان والفيدرالية وإقليم كردستان و...الخ.
رغم توازن الدستور المقترح لجهة التأكيد على فيدرالية كردستان، ولكن أخوتنا الطيبون الكورد يريدون تكرار الكلمة في كل موقف... لماذا ؟
لأنهم لا يثقون في الساسة العراقيين العرب، ولهم الحق كله في ذلك، فكيف إذن لا نتوقع من الشيعة وهم من يقتل كل يوم على الهوية من قبل عرب الجوار وعراقيوا الوسط، كيف لا نتوقع منهم أن يؤكدوا على ما يميزهم، لأن ما يميزهم هو ما يقتلون من أجله وللأسف.
لسنا نحن القلة الليبرالية العلمانية من قتل الكرد أو الشيعة، ولكنه حزب صدام حسين ومن وراءه الطائفة الأخرى التي ترفض لحد الآن أن ترعوي وتقول كفى جورا وظلما وفسادا... !
كان يمكن أن يكون العراق آمنا الآن وكان يمكن أن لا يكون هناك تدخل سوري أو إيراني منذ الأسبوع الأول للتحرير لو إن الأحبة أهل السنة آمنوا مثل بقية العراقيين بالتغيير وأعادوا قراءة تاريخ ظلم العراقي لأخيه العراقي ولبادروا بمد اليد للشقيق الشيعي والكردي والمسيحي والأيزدي... !
لو إنهم فعلوا هذا عوضا عن دعمهم لما يوهمون أنفسهم به من مقاومة شريفة، لكان حال العراق الآن أفضل بمليون مرة ولما بلغ التصعيد الطائفي هذا المبلغ، بل ولخجل السادة دعاة الفيدرالية الطائفية من أنفسهم قبل أن يدعون لها، ولكان أخوتنا الكرد أقل حساسية مما هم عليه الآن ولنالت المرأة أوتوماتيكيا حقوقها الكاملة لأن البلد ساعتها سيكون في حالة إعمار من أقصاه إلى أقصاه ولكانت المرأة في المعمل والشارع والحقل بكلتا ذراعيها وبكامل وعيها السياسي والمهني ولما جرؤ أحد على أن يهددها ببيت الطاعة الإسلامي.
لقد أرتكب أخوتنا السنة جريمة كبيرة وللأسف بحق أنفسهم أولا ثم بحق العراق حين لم يمدوا اليد باكرا ليسهموا في صنع القدر العراقي الجديد.
الأمريكان لا يمكن أن يغيروا خارطة الظلم العراقي عبر دباباتهم ومدفعيتهم، ولو أرادوا ذلك لمكثوا يقاتلون في العراق إلى عشرة أعوام أخرى.
دمائهم ليست رخيصة كدماء العراقيين على بعضهم البعض، وليس أمامهم إلا أن يسجلوا لأنفسهم بضع إنتصارات هزيلة من قبيل هذا الدستور، ليقولوا لشعبهم ها هم العراقيين شكلوا حكومة وسنوا دستور وسيقمعون بسوط الدستور بقايا الإرهابيين وبالتالي فإننا عائدون إلى الوطن.
هذا هو الطبيعي الذي يجب أن يفعلوه، وإلا فهل نريدهم أن يمدونا بقيادات ليبرالية من عندهم أو أن يفرضوا على الشيعة والكرد أن يغسلوا الذاكرة من رائحة الدم والسيانيد وصور المشانق وأدوات التعذيب، ثم يقولوا حياهم الله جنرالات الوسط ورجال المخابرات التي عذبتنا وهجرتنا، تعالوا وخذوا الحكم هنيئا مريئا، وإنّا إلى المنفى الثلجي لعائدون...؟
لست سعيدا وربي بهذا الدستور، ولست فرحا بشعبي إذ أراه هكذا، ولا يسرني أن تكون قياداتنا السياسية والدينية هي هذه التي أرى... لكنه الواقع الذي هو أكبر منّا جميعا، ولا يصح أن نسقط أحلامنا وثقافتنا وهذا الذي عشناه ورأيناه في الغرب على عراق صدام وما بعد صدام.
كنت أتمنى لو إن الدستور اؤجل لعام أو إثنين أو عشرة... لكن... هذا ما يريده الإرهابيون والبعثيون ومن ورائهم قبائلهم في الوسط ومن وراء الجميع إيران وسوريا وبقية الدول العربية بلا إستثناء.
أن يظل الأمريكان في العراق، ويستمر الإرهاب وقتل العراقيين والأمريكان تحت ذريعة الإحتلال، وبالنتيجة قد ييأس الأمريكان فيطلقوا لنا صدام أو يعيدوا تلميع جنرالات الوسط المقيمين في الأردن وسوريا وقطر والإمارات، وساعتها ستكون الطامة أكبر وأشد رعبا من دستور فيه بعض الظلم وفيه تأكيدات قوية على التعددية والديموقراطية والفيدرالية للكرد، وهذا أفضل ما يمكن أن ينتج، وإن كنت أشك في أنه سيمر بثوبه هذا... !

أوسلو في الرابع والعشرون من آب 2005

ــ

حمزة الشمخي
مسودة الدستور العراقي.. والولادة الناقصة

أن الكثير من السياسيين العراقيين يصرحون هذه الأيام، وعبر وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، بأن ليس هناك خلافات كبيرة ومعقدة تحول دون إنجاز مسودة الدستور العراقي الدائم في موعدها المحدد، وأن الجميع متفق على ذلك

ولكن للإسف الشديد، نجد أن هذه التصريحات الإعلامية، لا تتلائم ولا تنسجم، مع ما يحدث على الأرض، حيث أن هناك الكثير والكثير من الإختلافات والتباينات بين المكونات المختلفة للشعب العراقي، وهذا أمر طبيعي جدا، بالنسبة لما يتكون منه العراق، من أديان ومذاهب وقوميات وطوائف وأحزاب وقوى سياسية.. إلخ.

بحيث تم تأجل تقديم مسودة الدستور العراقي الى الجمعية الوطنية العراقية الى إسبوع آخر من الموعد المحدد سابقا، وبعد هذا الإسبوع من الإجتماعات المتواصلة، لجميع الكتل السياسية والبرلمانية لم يتوصلوا الى إنجاز مسودة الدستور العراقي، والتي طال إنتظارها.

وبعد إنتهاء مدة التأجيل في الثاني والعشرين من آب الجاري، قدمت مسودة الدستور الى الجمعية الوطنية العراقية، ولكنها غير منجزة بشكل نهائي، بسبب بعض النقاط الخلافية بين المجتمعين، الذين لم يستطيعوا حلها خلال هذه الأشهر والأيام الماضية، فتم الإتفاق على تمديد فترة التأجيل الى ثلاثة أيام إخرى.

أن فترة التأجيل وعملية التمديد، لا يمكن أن تنفع شيئا، مادامت الإختلافات على حالها، دون التوصل الى حلول مشتركة تساهم وتشارك في إنجاز دستورا عراقيا، يرضي الجميع ويحفظ حقوق الجميع أيضا.

فعلى الجميع أن يضعوا أمامهم، وحدة العراق وشعبه، ليس من خلال التصريحات الصحفية والإعلامية، بل من خلال ما يقدمه كل طرف من الأطراف العراقية لوطنه وشعبه، لأن عملية تذويب النقاط الخلافية، لا يمكن أن تتم إلا من خلال، التوافق بين المكونات والأطياف والإتجاهات السياسية والفكرية المتنوعة، والتي بدونها لا يمكن أن ترى مسودة الدستور العراقي النور، وبالتالي تقديمها للإستفتاء الشعبي العام في الخامس عشر من إكتوبر القادم.

ويبقى من حقنا أن نسأل جميع المعنيين... فهل ستتحق المعجزة بهذه الأيام الثلاثة، وتكتمل مسودة الدستور بشكل نهائي ؟؟، أم إننا سنشهد جولة إخرى.
من الصراعات والإختلافات ؟؟، والتي سوف تؤدي بنا للعودة الى المربع الأول دون نتيجة قريبة لإنجاز مسودة الدستور.

كل العيون والقلوب بإتجاه، فترة إنتهاء الثلاثة أيام، فهل تولد مسودة الدستورالعراقي بإتفاق الجميع أم لا ؟؟

[email protected]

--

بلقيس حميد حسن

دستورنا الجديد.. عتيق

حينما رأيت بعض الشباب في شوارع النجف والديوانية يهتفون مهللين للدستور الجديد، بكيت فرحا بفرحهم وحزنا لما مر بنا كعراقيين، وأحسست أن هذا الشعب المسكين والمقهور لابد وأن يفرح، هو اكثر توقا للفرح من أي اختلاف، وهو أرقّ وأجمل من تحّمل انتكاسة أخرى، ونكسات فقدان الأحبة تتوالى عليه يوميا من جرائم البعثيين المخربين والحاقدين والإرهابيين المرضى.
فرحت لأن الشعب العراقي- كما صرحوا بذلك على شاشات الفضائيات- اتفق على شيء كبير كالدستور، ونحن الذين لم نتفق على شيء إلا تحت كرابيج الباشوات، أو جحافل الغزاة، أو أهوال وسجون الديكتاتوريات، وحينما جاء إنسان عراقي أصيل ووطني كعبد الكريم قاسم، أراد لنا أن نتفق وأحبنا جميعا من شمال العراق حتى جنوبه، قتله أشرارنا وابتدأ مشوارنا مع المقابر الجماعية وأحواض التيزاب والإبادة المرعبة..
لذا لابد لنا أن نبارك هذا الاتفاق مهما كان لكي لا نكون عرقلة بعجلة البناء والاستقرار بعد سنين القهر والظلم...
لكن شعورنا الوطني علمنا عدم تجاوز ما نراه خطأ والذي آلينا على أنفسنا البوح به لفائدته وخدمته للشعب والوطن.
مسودة الدستور التي نشرت في بعض الصحف، أسعدتنا المادة الأولى فيها والتي تقول:
المادة (1):العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي.
هذا هو العراق حقا، وهذا الذي يريده أهل العراق لينعموا جميعا في وطنهم الواحد، الاتحادي الذي يرتقي بالإنسان ويخلصه من الفقر أينما كان في شمال العراق أم في جنوبه وغربه، حيث ستوزع الثروات من خلال الحكومة المركزية على السكان بالتساوي وكل منطقة أو فيدرالية وعدد سكانها مهما كانت نسبة ثرواتها الطبيعية، انه العدل والإنسانية والوطنية حقا، وهنا لابد من أن أبارك هذه المادة التي هي فخر الدستور العراقي. كما أن هناك مواد رائعة منها ما يفصل السلطات الثلاث ويحقق الكثير من الضمانات للإنسان العراقي ولسعادته......
لكننا ما أن تنفرج أساريرنا ونفرح حتى تصدمنا المادة الثانية التي تعتبر اكبر مادة تتسبب في إشكاليات كبيرة، والتي تتناقض وتنفي كثيرا من مواد الدستور وتخلق مشاكل في سن القوانين وتطبيقاتها واحكامها ومؤيداتها الجزائية، مما يشكل خطرا كبيرا على مستقبل القضاء العراقي ويخلق معاناة لرجال القانون لا يمكن حلها بأي شكل من الأشكال، وتجعل الدستور قابلا لتفسيرات كثيرة، وليس موادا واضحة ومحددة لا تقبل التأويل، المادة تقول:
أولا - الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته واحكامه.
هنا، لا اعتقد أن دارسي القانون وباحثيه يرضون عن هذه الفقرة إن كانوا حقا رجال قانون يحكمون عليها بتجرد ودون انحياز لدين أو عقيدة ما، فمن البديهيات في كتابة القوانين هي أن تستمد موادها من روح العصر، فالقانون ينظم حاجات الناس السائدة في زمانهم وينظم علاقاتهم ومشاكلهم الحالية وانعكاسات الواقع بما فيه من متطلبات جديدة نابعة من روح العصر وليس مستمدة من عصر مجتمع ما قبل أربعة عشر قرن، أي أن الدين الإسلامي الذي نحترمه جميعنا ونود إبعاده عما يسيء له بتكريمه وفصله عن السياسة وعقدها، لا يمكن أن ينظم علاقات الناس واحتياجاتهم في زمن العلوم والمعارف والاتصالات والفضائيات، انه كتب كشرع لمجتمع بسيط لا يمت بمجتمعات اليوم بشيء سوى ببعض الثوابت التي حتى هي الأخرى تأثرت بالعصر الحديث وتقاليده. بدليل أننا لا نرى أية قدوة لدولة إسلامية نهتدي بها، أو هي باستخدامها الدين كدستور وقانون، نجحت بتنظيم المجتمع وبلغت حدا من التطور ننشده نحن الخارجين من قهر أربعة عقود من حكم البعث المجرم، وهنا نرى أن هذه المادة تتناقض مع ما يليها مباشرة وهي المادة :
ثانياً - لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ولا مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.

هنا التناقض واضح جدا فمبادئ الديمقراطية لا تجيز فرض قانون قديم لزمن حديث، فما يصلح لذاك الزمان لا يصلح بالضرورة لزماننا هذا، كما أن الدين يتعلق بفكر الإنسان وعقله واختياره، من هنا يفضل أن لا يكون نظاما سياسيا واسما لدولة متعددة الأديان وشعارا لها وذلك إمعانا بالعدل بين الناس ومحافظة على مشاعر الجميع لنشر المحبة وعد م استـئثار الأكثرية بفرض شروطها بما يتنافى مع حقوق الإنسان والمبادئ الطبيعية التي هي مصدر آخر من مصادر القوانين الوضعية في كل العالم.
كما أننا نخشى استخدام هذه الفقرة لتكون عائقا لما يصدر من فكر حر وآداب إنسانية وفلسفية أبدعها وعُرف بها الشعب العراقي منذ القدم، وها نحن نرى اليوم كيف يُستخدم اسم الدين عند البعض للتكفير والقتل والإرهاب، فكيف إن استغل كمادة ملتبسة بالدستور؟ كما لا يحبذ أن يكون الدستور مطاطا بل الوضوح والسلاسة هو المطلوب، فلماذا نضع الإشكاليات لنا ولأجيالنا المقبلة ؟
ثم أن هذه المادة تعطل كثيرا من المواد وتتناقض معها وتخلق صعوبات في التطبيق مستقبلا ومن هذه المواد :
أولا: الحقوق المدنية والسياسية
المادة (1):
العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي
المادة (17):
تكفل الدولة التوفيق بين دور المرأة في الأسرة وعملها في المجتمع، ومساواتها بالرجل بما يتيح لها المساهمة الفاعلة والكاملة في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بما لا يتعارض مع هذا الدستور.
المادة (31):
لجميع الأفراد الحق في التمتع بكل الحقوق الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي صادق عليها العراق، ”والتي لا تتناقض مع مبادئ واحكام هذا الدستور
.
ثانياً: لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني آخر يتعارض مع هذا الدستور.

هنا سوف نشرح التناقض الحاصل مع هذه المواد، لنقل أن نضالات المرأة العراقية وهي الأكثرية اليوم توصلت إلى الحصول على قانون يساويها مع الرجل في جميع الحقوق وهذا ما تنص عليه المادة (1) من الحقوق المدنية، والمادة (17 )التي تقر بشكل واضح مساواتها بالرجل، إذن فهل تسمح أحكام الشريعة الإسلامية - التي تطلب المادة الثانية من الدستور الالتزام به وبأحكامه وتنفي كل ما يخالفه– هل تسمح بكتابة قانون أحوال شخصية يساوي المرأة بالرجل بالإرث والشهادة ويمنع تعدد الزوجات ويساويها مع الرجل بقانون العقوبات؟
هنا لدينا تناقض وإشكالية لا اعرف كيف يتم الخروج منها مستقبلا.. إشكالية في سن القانون وفي تطبيقه، ثم نرى ذات المادة تتناقض مع المادة (31) التي تتناقض مع ذاتها في عبارتيها أصلا والتي تنص على التمتع بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان و تردف العبارة بعبارة " بما لا يتناقض مع الدستور"، أي الدستور الذي لا يجوز تنافيه مع أحكام الشريعة ألا سلامية والتي لا تتفق معها كثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وأولها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يطلب المساواة بين المرأة والرجل بكافة الحقوق بما فيها الأحوال الشخصية بل هي أهمها، كما أن هذا الإعلان يطالب الدول الأعضاء بالأمم المتحدة أن تكون دساتيرهم متفقة معه ولا تتنافى معه، فكيف يمكننا أن نوافق بين الشريعة الإسلامية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ؟ هنا إشكالية كبرى أيضا كان لزاما علينا تجنبها
ولنفترض أن جمعية وطنية منتخبة في يوم ما جاءت لتسن قانون عقوبات تفرض به على السارق عقوبة قطع اليد وهذه لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية التي يطلب الدستور الالتزام بها وبأحكامها، لكنها تتنافى مع حقوق الإنسان في المعاهدات الدولية، هنا كيف سيتصرف المشرع العراقي في ظل هذا الدستور ؟
أما في المادة (27) ينص الدستور على :

ب- ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية

هنا لا ادري لماذا يصرح المشرع ويؤكد على الشعائر الحسينية وكأنها مختلفة عن شعائر بقية الأديان المذكورة في الفقرة؟ وكأنهم بهذا يعترفون بأن هذه الشعائر ليست دينية والدين منها براء، فهل يريد إخواننا هنا أن يؤكدوا على شعيرة ضرب القامة والزنجيل وتعذيب النفس ونشر تقاليد العنف والتخلف الذي يجعلنا مهزلة أمام الشعوب الأخرى ؟ وليبقوا على هذه الشعيرة مصانة من كل حكومة متـنورة إن أرادت منعها بيوم ما لترتقي بتقاليد المجتمع العراقي وتمنع عنه الأذى وسفك دمه بنفسه بطريقة همجية لا نفع منها ولا تمت للحضارة بشيء ؟
أتمنى على المشرع العراقي توضيح هذا الالتباس والانتباه لهذه المواد ومعالجتها ليكون الدستور عقدا للتعايش بين أبناء العراق جميعا وان يكون عادلا وإنسانيا يدوم كي نبني العراق إنسانا، وأرضا، ومستقبلا، ولنفرح جميعنا وبكل ما نحمل من أحزان عميقة الجذور والعذابات...
أقول قولي هذا كحق أمارسه، يقره لي الدستور العراقي في كثير من مواده. وليرفرف حمام السلام على ارض السلام......
هذه قراءة أولية ربما يكون لي قراءة أخرى من وجهة نظر قانونية....
23-8-2005

--

جرجيس كوليزادة
تعديلات ضرورية على مسودة الدستور العراقي

استنادا الى المسودة الأخيرة للدستور العراقي الدائم المقدمة الى الجمعية الوطنية العراقية والمنشورة في ايلاف والصحافة العراقية، وبدء الجلسات البرلمانية للاتفاق على بعض نقاط الخلاف المتبقية خلال الأيام القليلة القادمة بعد أن حلت أغلبها خلال اجتماعات القمة الدستورية للكتل والكيانات السياسية العراقية، فإن قراءة المسودة قد أفرزت بعض الملاحظات المهمة حول نصوص مواد المسودة وهي تشكل جزءا من عملية قراءة أولية للمسودة المطروحة أمام البرلمان العراقي للتصويت عليها والإقرار بها لطرحها للاستفتاء في الخامس عشر من تشرين الاول المقبل. لذلك فإننا نورد جملة من الملاحظات الأولية على بعض المواد الواردة في الدستور، مع ذكر نصوص مقترحة ملائمة بديلة آملين أن تؤخذ بنظر الإعتبار لكي تأخذ مواد مسودة الدستور المقترح مسارها الصحيح في خدمة الواقع الجديد للعراق الاتحادي الديمقراطي، وفيما يلي تحديد لنصوص المواد التي بحاجة الى تعديل، ونصوص مقترحة مؤشرة ل بعض مواد مسودة الدستور المقدمة للجمعية الوطنية العراقية:

النص في ديباجة المسودة:

* واستجابةً لدعوةِ قياداتنا الدينية والوطنية و ا صرارِ مراجعنا العظام وزعمائنا ومصلحينا، ووسطَ مؤازرةٍ عالمية من محبينا،

النص المقترح:

* واستجابةً لدعوةِ قياداتنا الدينية والوطنية واصرارِ مراجعنا وزعمائنا ومصلحينا، ووسطَ مؤازرةٍ عالمية من محبينا،

النص في ديباجة المسودة:

* ومستنطقين عذابات القمع القومي في مجازرِ حلبجةَ وبرزانَ والانفال والكورد الفيليين،

النص المقترح:

* ومستنطقين عذابات القمع القومي الكوردي في مجازرِ حلبجةَ وبرزانَ والانفال والكورد الفيليين،

المادة (1):

النص في المسودة:

جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي.

النص المقترح:

جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي، يتكون النظام الاتحادي من العاصمة وإقليم كوردستان وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية.

المادة (3):

النص في المسودة:

العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، وهو جزء من العالم الاسلامي، والشعب العربي فيه جزء من الامة العربية.

النص المقترح:

العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب، يتكون من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والقومية الكوردية، وهو جزء من العالم الاسلامي، والشعب العربي فيه جزء من الامة العربية، والشعب الكوردي فيه له خصوصيته القومية.

المادة (10):

النص في المسودة:

العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة تأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها.

النص المقترح:

العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق كيانات دينية وحضارية، وتلتزم الدولة تأكيد وصيانة حرمتها، وضمان ممارسة الشعائر بحرية فيها، بما لا يتعارض مع الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور.

المادة (13):

النص في المسودة:

أ ولاً- يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى وال أ على في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء.

ثانياً- لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم او أ ي نص قانوني آخر يتعارض معه.

النص المقترح:

أ ولاً- يُعدُ هذا الدستور القانون الأسمى و الأعلى في العراق، ويكون ملزماً في أنحائه كافة وبدون استثناء.

ثانياً- لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم او أ ي نص قانوني آ خر يتعارض معه.

ثالثا- تعتبر ديباجة هذا الدستور جزءا لا يتجزأ منه.

المادة (16):

النص في المسودة:

تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك.

النص المقترح:

تكافؤ الفرص حق مكفول دون تمييز لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك.

المادة (20):

النص في المسودة:

للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح.

النص المقترح:

للمواطنين، رجالاً ونساءً حق المشاركة على أساس مبدأ المساواة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح.

المادة (22):

النص في المسودة:

اولاً- العمل حق لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة.

النص المقترح:

اولاً- العمل حق لكل العراقيين دون تمييز بما يضمن لهم حياة كريمة.

المادة (25):

النص في المسودة:

تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي على وفق اسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده و تنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته.

النص المقترح:

تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي على وفق اسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده و تنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته مع مراعاة تحقيق العدالة الاجتماعية.

المادة (39):

النص في المسودة:

العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون.

النص المقترح:

العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون مع مراعاة مبدأ المساواة بين الجنسين.

المادة (41):

النص في المسودة:

لكل فرد حرية الفكر والضمير.

النص المقترح:

لكل فرد حرية الفكر والضمير والمعتقد.

المادة (44):

النص في المسودة:

لجميع الأفراد الحق في التمتع بكل الحقوق الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان التي صادق عليها العراق، والتي لا تتنافى مع مبادئ و أحكام هذا الدستور.

النص المقترح:

لجميع الأفراد الحق في التمتع بكل الحقوق الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان التي صادق عليها العراق.

المادة (63):

النص في المسودة:

اولاً ـ يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى بـ” مجلس الاتحاد “ يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات يختص بالنظر في مشروعات القوانين ذات العلاقة بالاقاليم والمحافظات.

النص المقترح:

اولاً ـ يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى بـ” مجلس الاتحاد “ يضم ممثلين عن إقليم كوردستان و الاقاليم والمحافظات يختص بالنظر في مشروعات القوانين ذات العلاقة بالاقاليم والمحافظات.

المادة (106):

النص في المسودة:

يجوز استحداث هيئات مستقلة اخرى حسب الحاجة والضرورة بقانون.

النص المقترح:

أولا: تؤسس هيئة عامة مستقلة لمنظمات المجتمع المدني تتولى تنظيم شؤون الجمعيات العراقية غير الحكومية، ينظم تكوينها واختصاصاتها بقانون وترتبط بمجلس النواب.

ثانيا: يجوز استحداث هيئات مستقلة اخرى حسب الحاجة والضرورة بقانون.

المادة (107):

النص في المسودة:

تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي.

النص المقترح:

تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي المتكون من اقليم كوردستان والاقاليم والمحافظات اللامركزية.

المادة (111):

النص في المسودة:

كل ما لا ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية تكون من صلاحيات الاقاليم وصلاحية الاخرى المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم في حالة الخلاف تكون الاولية لقانون الاقليم.

النص المقترح:

الصياغة غير مفهومة

المادة (113):

النص في المسودة:

يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية و إدارات محلية.

النص المقترح:

أولا: يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة و وإقليم كوردستان وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية.

ثانيا: إقليم كوردستان يعتبر إقليم فيدرالي ضمن النظام الاتحادي لجمهورية العراق.

بعد هذا السرد الدقيق للتعديلات الضرورية المقترحة على نصوص بعض المواد الدستورية للمسودة المقدمة الى البرلمان العراقي، نود أن نوجز الخلاصة التالية حول الصياغة العامة لمسودة الدستور :

1- تبدو أن صياغة المسودة، تميل الى فرض صبغة إسلامية على الدستور وعلى الدولة العراقية، من خلال جعل الاسلام مصدر أساس للتشريع، بالرغم من وجود فقرة لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، ولكن مع هذا نأمل أن تصاغ العبارة من جديد على أساس ان الاسلام أحد مصادر التشريع.

2- تبدو أن مسودة الدستور قد زج فيها الإسلام بإحكام في مجال الأحوال الشخصية بخصوص حقوق المرأة، وهذا تراجع مؤلم ومؤسف بعد أن قطع قانون ادارة الدولة العراقية شوطا جيدا في مجال الحفاظ على حقوق المرأة في قانون الأحوال الشخصية. لذلك نرجو إعادة النظر في النصوص التي تفرض صيغة أخرى بصدد الأحوال الشخصية، وعدم تكريس أوضاع تمس بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للانسان العراقي على حد سواء ان كان امرأة او رجلا في الدستور الدائم.

3- هذه المسودة فيها سبيل لإحياء العشائرية والقبلية، وهذه المكونات الاجتماعية تشكل بمجموعها تقاليد خاصة قد تكون فوق القانون والدستور، وقد تتحول الى عقبة مستقبلية أمام المسيرة النهضوية للعراق الجديد التي تطلب تفاعلا حيا مع المسار التطوري لحركة المجتمع والدولة، لذا على اللجنة المكلفة بصياغة الدستور إعادة في هذا الاتجاه غير المناسب مع سياق تطور المجتمع العراقي.

4- ربط الشعب العربي في العراق بالأمة العربية وربط العراق بالعالم الإسلامي ليس في محلهما، لأن تجربة الشعب العراقي مع نظام الحكم المستبد السابق أثبتت أن العالم الاسلامي والعالم العربي لم يكونا في يوم من الأيام مساندين للعراقيين، بل على العكس كان من اشد المساندين لنظام الحكم، وعانى العراقيين من هذا الأمر آلام مريرة.

5- النصوص الواردة في المسودة، تشير البعض منها أنها ليست نهائية، وبحاجة الى صياغة لغوية دقيقة، لذا فإن إخراج تلك النصوص بالحكمة والمنطق السليم الذي يخدم العراق، يشكل مدخل أساسي لإعطاء الصورة النهائية للإطار العام للدستور العراقي الدائم.

6- إجمالا يمكن القول ان الصيغة التي طرحت بها مسودة الدستور تشكل علامة متطورة بارزة دستوريا، مقارنة مع دساتير الدول المجاورة ودساتير البلدان العربية وبلدان العالم الاسلامي، ولهذا بالرغم من الملاحظات المسجلة والاقتراحات المطروحة لتعديل النصوص، وبالرغم من كون العملية لا زالت غير نهائية، فإن المسودة المنجزة برمتها تعتبر إنجاز تاريخي على نطاق تبني دستور متطور نموذجي لخدمة العراقيين جميعا.

في الختام نأمل أن تكون التعديلات المقترحة المطروحة بصدد نصوص بعض المواد الواردة في مسودة الدستور العراقي الدائم، مدخل مقبول لتعديل تلك النصوص، بهدف صياغة أمثل وكتابة أفضل للدستور الدائم الذي سيكون القانون الأعلى للدولة العراقية الحديثة والمصدر ال