لقد مارس الحزب الشيوعي العراقي طيلة السبعين سنة الماضية كل انواع النضال ضد قوى الاستبداد والقهر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وقد تعرض لتصفيات جسدية مرعبة وامتلأت السجون باعضائه ومناصريه. حتى اصبح التغني بالموت جزءا من امجاده وبات التعذيب مرادفا لمسيرته. ولكنه لم يحقق على ارض الواقع شيئا ملموسا.
ولانني لست مؤرخا ولا محللا سياسيا وانما مجرد مصور يكتب خواطر ويعرض لمحات من مشاهداته فلن ادخل في اسباب هذا الفشل وحتما ان هناك اسبابا موضوعية قد يتحمل الحزب جزءا منها.
ولكن ما اثار انتباهي وقد كنت احد المتطفلين على الفكر الماركسي ان معظم افراد قيادة الحزب وكثير من كوادره ومنتسبيه هم من البورجوازين الصغار وقد كانت الماركسية عندهم ترفا فكريا والنضال مغامرات رامبوية (نسبة الى افلام رامبو) يرضي نزعاتهم الفطرية في التمرد على الواقع وليس خيارا طبقيا. (مع الاعتذار لكل المناضلين الذين نذروا انفسهم للمباديء السامية).


زلزالان يقلبان كل الموازين:

1- الابادة الصدامية

في بداية السبعينات من القرن الماضي نجح صدام حسين بجر قيادة الحزب الشيوعي الى جبهة صورية، ولاول مرة يفتح الحزب مقراته امام الملأ ويمارس عمله بشكل علني. وحين طفت هذه التكتلات السرية على السطح سهل على امن ومخابرات صدام ابادة الكثيرين منهم بينما هربت الى الخارج اعداد كبيرة وفي مقدمتهم القيادات بالطبع.


2- انهيار الاتحاد السوفياتي

لم يكن يخطر حتى في بال المنجمين ان تنهار الامبراطورية السوفياتية بين ليلة وضحاها وان تصبح كلمة شيوعي شبحا تحاول الاحزاب الشيوعية في اوربا الهرب منه لتختار اسماءا اخرى كحزب اليسار او اي اسم آخر خال من لفظة الشيوعية.

هزت هاتان الحادثتان كل ثوابت افكار الحزب الشيوعي العراقي.
فبدأ كل فرد يتلمس طريقه بنفسه ويكون ايديولجيته حسب ما تملي عليه ظروفه.
فانصهر شيوعيو الداخل في وسط المجتمع. ونتيجة للقمع الفكري والسياسي الذي كان يمارسه نظام صدام حسين ونظرا لغياب القيادات الواعية (معظمهم في الخارج) لجأ كثير من المؤمنين بالشيوعية الى تزاوجها مع الفكر الديني، (ربما ايمانا منهم بأن من يخسر الدنيا يجب ان لا يخسر الآخرة). وقد ذهل كثير من الماركسين العائدين الى العراق حين وجدوا رفاقهم في النضال بمسبحة ولقب حجي ورغم كل هذا او قل مع كل هذا فهم ما زالوا مواظبين على حضور اجتماعات الحزب. هذا التطور لم يدر في خلد منظريهم الكلاسيكين.
فالشيوعي يخرج من مقر الحزب ليذهب الى الجامع بكل ورع وتقوى، ويترك اجتماع الخلية ليؤدي صلاة العشاء ويستقطع الخمس والزكاة من مبلغ اشتراك الحزب، واما الجنة فهي التطبيق الحقيقي للمجتمع الشيوعي الذي كان يحلم به كارل ماركس.
وابدل الشعار المشهور: يا عمال العالم اتحدوا!
بــ....
يا عمال العالم صلوا على النبي !

سفيان الخزرجي
+46 73 686 52 72
[email protected]
www.afrodite.se