قنبلة خدام وشظاياها... الدوافع والرسائل! (2 ـ 2 )


فى العصر الحديث اخترع العلماء أجهزة للكشف عن الكذب، وأخرى لقياس ضربات القلب، والضغط، ونسبة السكر، والكحوليات والمخدرات فى الدم، لكن العلم الحديث رغم تقدمه لم يخترع بعد أجهزة دقيقة لقياس درجات الغباء والجهل، أوالنفاق والطمع، أو حب السلطة والتسلط عند الإنسان، وخاصة عند رجال الحكم والسياسة.!!

عندما أتابع تصريحات السيد عبد الحليم خدام سواء التليفزيونية أو الصحفية أتذكر مقولة الأديب الأيرلندى الكبير جورج برنارد شو ( 1856 ـ 1950 ) :

quot; (الفيلسوف ) هيجل كان على حق عندما قال أننا لا نتعلم من التاريخ حقيقة أن الإنسان لا يتعلم أبدا أى شىء من التاريخ quot;

ويبدو أن السيد عبد الحليم خدام يدرك تماما تلك المقولة، ولذا فهو يتجاهل تاريخه الطويل والدور الكبير الذى لعبه كأحد أعمدة نظام الحكم فى سورية طوال العقود الأربعة الماضية، والذى يهاجمه الآن بضراوة ويطالب بإسقاطه.!!!

من حق السيد عبد الحليم خدام نائب أن يظهر على التليفزيون ويقول ما يشاء، ومن حقه أن يكتب مذكراته أو التاريخ كيفما يريد ويحلو له، ولكن الذى ليس من حقه هو أن يستخف بعقولنا ويهين ذكائنا، أو يعرض للمشاهدين والرأى العام العربى أنصاف الحقائق، لأن عرض أنصاف الحقائق عن عمد هو نوع من التضليل المتعمد.!!

إن الشعوب العربية لا تمانع فى أن يجلس السيد خدام أو غيره على quot; كرسى الإعتراف quot; فى مقابلات تليفزيونية، بل هى ترحب بذلك، وتراها أفضل بكثير من مسلسلات الدراما التليفزيونية العربية المتخلفة التى تبعث على الكآبة والغم والنكد، وتمارس التغييب العقلى وغسيل المخ فى وضح النهار وأطراف الليل!!.. بشرط أن تكون الإعترافات كاملة وغير منقوصة، فمثلا لا يستطيع السيد خدام نائب رئيس الجمهورية السورى السابق أن يتهم ويدين أركان النظام السورى الحاكم بالفساد وسرقة أموال الشعب السورى كما فعل دون أن يدين نفسه وأولاده وأفراد عائلته، خاصة وأن قصص العمولات بعشرات الملايين من الدولارات التى حصل عليها أولاده، وأولاد اللواء حكمت الشهابى رئيس أركان الجيش السورى السابق من صفقات الهاتف المحمول فى لبنان، وفضيحة دفن النفايات الذرية فى صحراء تدمر، وغيرها من قصص الرشوة والفساد واستغلال النفوذ يتحدث بها الخاصة والعامة فى بيروت ودمشق وعواصم غربية منذ أواخر التسعينات من القرن الماضى!!!

كما أن حسرة السيد خدام وتباكيه على الملايين من أفراد الشعب السورى التى أصبحت تأكل طعامها من أكوام quot; القمامة quot;، وتعجبه من أن أحد الموظفين السوريين الغير معروفين والذى كان راتبه الشهرى فى عام 1970 لا يتعدى الـ 200 ليرة سورية، ثم مات مؤخرا وترك وراءه ثروة تقدر بحوالى أربعة مليارات من الدولارات، هى فى الواقع دجل سياسى، وضحك على الدقون والعقول، واستفزاز بأكثر مما يمكن أن تحتمله أعصاب الشعوب!!

وقد يكون كل ما قاله خدام وأكثر صحيحا، ولكن من حقنا، وحق الشعب السورى قبلنا أن يسأل خدام سؤالا بسيطا:
- كم كان دخل خدام فى بداية الستينات عندما كان يشتغل فى مهنة المحاماة، وكم كان مرتبه عندما التحق بعضوية حزب البعث السورى فى عام 1963؟ وكم هى ثروته وثروة أنجاله وعائلته عندما استقال من منصبه الرسمى كنائب لرئيس الجمهورية فى يونية الماضى؟!!!... لا أحد يستطيع أن يجزم بأنه يعرف الرقم الحقيقى غير أنه لابد أن يكون أى رقم من واحد لتسعة وعلى يمينه تسعة أصفار، من الورق الأخضر سيد العملات، فمن أين لك كل هذا يا quot; مسيو خدام quot;؟!!! وأمجاد يا عرب أمجاد.!!!

أرجو ألا يظن السيد خدام أو القارىء العزيز أننى ضد الثراء أو الأثرياء، أو أننى من الحاسدين الحاقدين لا سمح الله، لكننى وعلى الرغم من أننى أعيش منذ سنين طويلة فى بلد رأسمالى غنى مثل كندا إلا أننى لازلت أحمل فى داخلى صفة من صفات المواطن البسيط فى بلدى الأصلى مصر، والذى مهما كان فقيرا فهو لا يحسد الأغنياء أو يدعو عليهم بزوال النعم، بل تجد المصرى البسيط الفقير عندما يرى ثرى كبير يفرح ويقول بعفوية :

quot; ربنا فتح عليه من وسع quot; أو quot; ربنا يزيد ويبارك، عقبالنا إحنا كمانquot;، ولكن إذا اكتشف هذا المواطن البسيط سواء فى مصر أو فى سورية أن ثراء أحد الأغنياء قد امتزج بالفساد أو الرشوة أو السرقة أو استغلال النفوذ أو التهرب الضريبى، فإنه ينقم عليه أشد نقمة، ذلك لأن هذا المواطن الفقير لديه قرون استشعار فطرية ودينية تجعله يفرق بين الحلال والحرام، بين الكسب المشروع والكسب الغير مشروع.

إن أغنياء الكسب غير المشروع هم طبقة من اللصوص، وأما أغنياء الكسب المشروع فلا خوف عليهم ولا يحزنون.

إن القنبلة المدوية التى فجرها خدام بحديثه للعربية،، وبسبب التركيبة السياسية والطائفية المعقدة فى سورية ولبنان، فإن تصريحاته تجد لها أصداء مختلفة، فهناك من يعتقد أنه وطنى وبطل يستحق التكريم والإشادة، كما أن هناك من يعتقد أنه خائن وعميل لقوى أجنبية معادبة، وفى رأينا أنه لا هذا ولا ذاك، فلا هو موسى ولا هو فرعون، وإنما هو quot; كبير السحرة quot; فى قصر النظام السورى الحاكم وحزب البعث، وكان المندوب السامى السورى فى لبنان طوال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ndash; 1990) وحتى وحتى منتصف التسعينات من القرن الماضى.

كان خدام فى علاقته بحزب البعث، وبالرئيس السورى (الراحل) حافظ الأسد اسما على مسمى... quot; الخادم المطيع quot; للحزب وللرئيس، والذى شارك وساند وبرر لهما كل ما أقترف من جرائم وسياسات.!، كما أنه كان أبرز أعضاء فريق المفاوضات السورى فيما يسمى بإتفاق الطائف الذى وضع نهاية لويلات الحرب الأهلية اللبنانية.

ولد السيد عبد الحليم خدام فى عام 1932 فى مدينة بانياس فى شمال غرب سورية، وأثناء دراسته للحقوق فى أوائل الخمسينات تعرف على الشاب حافظ الأسد من خلال الإتحاد العام للطلبة، وانضم الإثنان لحزب البعث، وبعد حصوله على ليسانس الحقوق واشتغاله بالمحاماة فى دمشق لعدة سنوات، وبعد وصول حزب البعث للسلطة فى مارس 1963 بدأ خدام يصعد درجات السلم السياسى فى سورية بخطوات أسرع، ففى عام 1967 عين محافظا لمدينة القنيطرة ـ أكبر مدينة فى مرتفعات الجولان السورية، وفى الفترة ما بين عامى 1969، 1970 عين وزيرا للإقتصاد والتجارة الخارجية، وبعد تولى رفيقه حافظ الأسد مقاليد الحكم فى سورية إثر إنقلاب عسكرى فى عام 1970 أطلق البعثيون عليه اسم quot; حركة تصحيحية quot; عين الأسد عبد الحليم خدام وزيرا للخارجية، ونائبا لرئيس الوزراء، بالإضافة الى انضمامه للقيادة القطرية والقومية لحزب البعث السورى الحاكم،... وفى عام 1984 عين خدام كواحد من ثلاثة نواب لرئيس الجمهورية، واستمر فى هذا المنصب حتى استقالته فى 6 يونية 2005.

فى خلال الفترة من 1975 الى 1995 كان عبد الحليم خدام هو المسئول الرئيسى السورى عن الملف اللبنانى، وكان صاحب العديد من المبادرات السياسية التى عملت على ترسيخ النفوذ السورى فى لبنان، لعل أهمها دوره فى إبرام الإتفاق الثلاثى فى عام 1985 بين لوردات الحرب الأهلية الثلاثة : إيلى حبيقة قائد القوات اللبنانية فى ذلك الوقت، ونبيه برى رئيس حركة أمل، ووليد جنبلاط رئيس الحزب الإشتراكى التقدمى، وكذلك دوره فى اتفاق الطائف فى 1989، وبلغ نفوذ خدام فى لبنان مبلغا كبيرا جعل كثير من اللبنانيين يلقبونه بـ quot; المندوب السامى السورى quot;.

وبعد مشاركة خدام ضمن الفريق السورى فى مفاوضات الطائف 1989 توطدت علاقته برفيق الحريرى ـ رجل الأعمال الملياردير اللبنانى ـ السعودى، ورئيس الوزراء اللبنانى السابق الراحل ـ لأكثر من عشر سنوات، وكان من ثمار تلك العلاقة والصداقة أن تمتع خدام وعائلته بإستخدام طائرة الحريرى الخاصة ويخته الخاص، وقصوره المتعددة فى أوروبا فى رحلاتهم الخاصة، كما تمتع بنفس المزايا رئيس أركان الجيش السورى حينذاك اللواء حكمت الشهابى وأفراد عائلته.!

وتذكر مصادرأمريكية مطلعة أن عبد الحليم خدام فى منتصف التسعينات كان قد قال للمسئولين اللبنانيين : quot; إن رفيق الحريرى سيبقى فى منصبه ( كرئيس وزراء) حتى عام 2010 quot;، وأنه قال لهم أيضا :

quot; نحن فى سورية لم يحدث عندنا تغيير ( فى النظام ) منذ عام 1970، إن استمرار النظام يؤدى الى الإستقرار quot;.!!

إذا كان كلام خدام هذا هو ما كان يؤمن به فما الذى حدث وجعله اليوم يغير رأيه ويطالب بإسقاط النظام فى سورية؟ فالنظام الحاكم فى دمشق هو كما هو، وكل ما حدث هو رحيل الرئيس حافظ الأسد وتوريث الحكم لإبنه بشار ؟!
فى الواقع وقعت خمسة أحداث بالغة الأهمية والدلالات أهمها:

أولا : الحدث الأول وقع فى 24 يناير 1994 ـ سوف يتضح مغزاه فيما بعد ـ حين قتل الرائد باسل الأسد ndash; 31 سنة ـ الإبن الأكبر للرئيس السورى حافظ الأسد إثر حادث سيارة أليم كان مسرعا بها وهو فى طريقة الى مطار دمشق فى رحلة للخارج، وقد كان والده يعده لخلافته فى تولى مهام الحكم فى سورية.

ثانيا: فى عام 1998 بدأ الرئيس الأسد الذى كان مريضا بمرض عضال يعد إبنه الثانى بشار لخلافته، وجعله ينخرط تدريجيا فى شئون السياسة والحكم، وكان ذلك يتم على حساب تنامى دور وزير الخارجية فاروق الشرع، وتقليص نفوذ نائب الرئيس عبد الحليم خدام وقص أجنحته، وقد كانت علاقة خدام وصداقته الوطيدة مع رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى هى السبب الرئيسى والمباشر فى أفول نجم خدام، فقد كان quot; ولى العهد quot; الجديد بشار وأفراد الأسرة العلوية الحاكمة فى سورية يتوجسون الخطر من علاقته بالحريرى، فقد كانوا يخشون من أن يستغل خدام تلك العلاقة، ويستغل أموال الحريرى وصلاته القوية فى المملكة العربية السعودية لينافس بشار فى مشروع quot; الخلافة quot; لوالده، ولأنه كان من الصعب التخلص منه دفعة واحدة نظرا لإعتبارات إنسانية وصداقة استمرت عقودا طويلة بين خدام والرئيس حافظ الأسد أتبع بشار وأسرته سياسة تقليص النفوذ وتخريب العلاقة بين خدام والحريرى، خاصة بعد الإختيار السورى لأميل لحود رئيسا للبنان وضد رغبة رئيس الوزراء رفيق الحريرى الذى كان مستاءأ بشدة من هذا الإختيار إلى درجة أنه لم يعد يقدم لخدام طائرته الخاصة أو اليخت الفاخر أو قصوره فى أوروبا، ونجح مخطط بشار، وكمثال على نجاحه : عندما توفيت حفيدة عبد الحليم خدام، وهو حدث لو وقع فى الظروف العادية لامتلأت الصحف اللبنانية والمجلات بصفحات من برقيات العزاء والمواساة يبعث بها كبار المسئولين والساسة ورجال الأعمال، إلا أن ذلك لم يحدث، باستثناء خبر مقتضب نشر فى quot; المستقبل quot; المملوكة للحريرى، ولعل تلك اللفتة الإنسانية تفسر لنا السبب فى أن عبد الحليم خدام كان هو الشخصية السياسية الوحيدة الرفيعة المستوى التى حضرت من دمشق للمشاركة فى تشييع جنازة الشهيد رفيق الحريرى بعد إغتياله فى وضح النهار فى 14 فبراير 2005.

ثالثا: بعد إنسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلى من جنوب لبنان بحوالى أسبوعين وبالتحديد فى العاشر من يونية عام 2000 توفى فجأة الرئيس السورى حافظ الأسد بعد صراع طويل مع المرض وبعد فترة حكم لسورية إستمرت نحو زهاء ثلاثة عقود، وتولى نائبه عبد الحليم خدام منصب رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة ووفقا للدستور فى الفترة من 10 يونية وحتى السابع عشر من يولية، وخلال تلك السبعة وثلاثين يوما تم تعديل الدستور السورى لكى يستطيع الشاب بشار الأسد البالغ من العمر 35 عاما أن يخلف والده كرئيس للبلاد، وأصدر الرئيس المؤقت خدام قرارا جمهوريا بترقية العقيد الركن بشار الأسد إلى رتبة فريق، وهو الذى لم يخدم فى الجيش فى حياته فهو شخصية مدنية ـ طبيب عيون ـ quot; يفهم فى العين، ورموش العين quot;، لكن معلوماته عن العسكرية وأمور الجيش لا تزيد عن معلومات المطرب الراحل والموسيقار الكبير quot; اللواء quot; محمد عبد الوهاب!!

وبعد أن استخدم النظام خدام فى تمثيلية الخلافة ومهزلة النصب والتنصيب نجح الرئيس الجديد فى تهميش نائب الرئيس الذى أصبح دوره خلال السنوات الخمس الماضية لا يزيد عن المشاركة فى الإستقبالات الرسمية والمشاركة فى الجنازات وحمل رسائل من الرئيس الى رؤساء الدول الأجنبية.!!

رابعا: الغزو الأمريكى للعراق فى فبراير 2003 بكل تداعياته وما يمثله من تهديدات وأخطار لسورية لعل أول من يدرك أبعادها فى دمشق هو عبد الحليم خدام السياسى المخضرم الذى اشتغل بالسياسة سنين تقارب عمر الرئيس السورى بشار الأسد.

خامسا: جريمة إغتيال الشهيد رفيق الحريرى فى فبراير 2005 : لعل تلك الجريمة الشنعاء وما أعقبها من ضغوط سياسية دولية على سورية لازالت مستمرة حتى اليوم كانت هى القشة التى قصمت ظهر البعير الأمر الذى ربما جعل خدام يدرك أن سفينة quot; تيتانيك quot; النظام السورى على وشك الغرق، فأراد القفز منها والنجاة بنفسه والفرار إلى باريس وقبل فوات الآوان حاملا معه الكثير جدا من أدق أسرار الدولة، وقد نجح بالفعل فى تحقيق ذلك.

وهنا لا بد أن نعترف أن حديث خدام القنبلة لقناة العربية فى 30 ديسمبر الماضى كان quot; ضربة معلم quot;، وصفعة قوية وجهها خدام للنظام الحاكم فى سورية ـ على الأقل من المنظور السياسى، خاصة فى توقيت بالغ الحرج ولم يأت اعتباطا، والإتهامات الخطيرة التى وجهها خدام للرئيس بشار ونظامه تحمل عدة رسائل خطرة أهمها أن العام الحالى ربما يكون عام الحسم الذى سيتقرر فيه بقاء النظام أو زواله!
وسوف يتقرر فيه أيضا ما إذا كانت شهادة خدام عن تورط النظام السورى والرئيس بشار فى جريمة إغتيال الحريرى هى شهادة شاهد مقنع أم شاهد ملك أو شاهد زور.
الذى لا شك فيه أن نظام الرئيس الأسد يعانى بالفعل من عزلة كبيرة ومتزايدة، داخليا وعربيا ودوليا، وهو يحتاج إلى معجزة كبيرة للخروج منها، ولن تنقذه منها اتهام خدام أو غيره بتهمة العمالة الأجنبية أو الخيانة العظمى للوطن، وعليه أن يتخلى عن تلك الظاهرة المتخلفة التى تنتشر وتزدهر فى مجتمعاتنا العربية وهى أن كل من يختلف مع النظام الحاكم أو دولة الرئيس أو جلالة الملك هو خائن للوطن، عملا بمقولة أنا الدولة والدولة أنا، أو الكل فى واحد، لأن النظام الذى يأخذ بهذه المقولة يعترف إعتراف صريح ودون أن يدرى بأنه نظام استبدادى قمعى لا يؤمن بالديمقراطية أو التعددية السياسية، وأن كل ما يتشدق به من كلام عن الإصلاح السياسى لا يعدو أن يكون quot; كلام فارغquot; وهراء.

الوطن لا يمكن أن يختزل فى شخص فرد واحد أو نظام واحد وإلا حكم على نفسه بالموت والفناء، ومشكلة النظام فى سورية هى أنه لا يريد أن يعترف أبدا بأية أخطاء يكون قد ارتكبها، وكأنه نظام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.!!

مشكلة النظام فى سورية ليست مع عبد الحليم خدام المنشق، وليست مع باريس أو شيراك، ولا حتى مع لجنة تحقيق القاضى ديتليف ميليس الخاصة بإغتيال الحريرى، فمشكلته الحقيقية هى فى كيفية استرداد مرتفعات الجولان المحتلة منذ عام 1967، وفى لبنان وحلهما فى واشنطن وتل أبيب، فالولايات المتحدة لا يهمها الآن إغتيال الحريرى، لكنها تستغل الجريمة وتحقيق القاضى ميليس أبشع استغلال لإبتزاز نظام بشار الأسد من أجل الحصول على تنازلات سياسية واستراتيجية خاصة بمصالحها ومصالح اسرائيل.!!

ما يهم واشنطن هو موقفها ومصالحها فى العراق، ونزع سلاح حزب الله فى الجنوب اللبنانى لصالح إسرائيل، والحصول على تنازلات سورية بشروط إسرائيلية بشأن التوصل لتسوية نهائية فى قضية هضبة الجولان المحتلة.
أما مسألة إنشقاق خدام ومهاجمته للنظام البعثى فى سورية فهى تصفية حسابات قديمة بينه وبين نظام استبدادى، والحسنة الوحيدة من جراء الإنشقاق هو أن الخلاف والصراع بين اللصوص الكبار غالبا ما يظهر السرقات، وتصريحات خدام وقنابله المدوية تذكرنى بمثل نيجيرى يقول:

quot; quot; الفأر يضحك على القط، ويخرج له لسانه فى حالة واحدة فقط : إذا كان يقف بالقرب من جحر quot;.

وعبد الحليم خدام لم يكن فأرا فى يوم من الأيام بل هو أحد quot; القطط السمان quot;، وما أكثرها فى سورية، وهذا القط الآن فى صراع مع quot; أسد إبن أسد quot; وكل منهما لديه أسلحته ومفاجآته وأسراره ومخالبه، وكل السيناريوهات مطروحة.! كل ما نرجوه منهم مع اشتداد حرب التصريحات المتبادلة بينهم أن يخفضوا لنا ولعقولنا جناح الذل من الرحمة.!!!!

وأخيرا عزيزى القارىء فأن مشكلة المشاكل ـ التابوه ـ المسكوت عنها فى العالم العربى، وبلا لف أو دوران هى أن الشعب السورى تحكمه منذ عام 1970 أقلية من الأقليات لا تزيد نسبتها عن 10% الى 12% هى الطائفة quot; العلوية quot; أو quot; النصيرية quot;ـ إحدى روافد روافد الشيعة، التى تتحكم فى أغلبية سنية، وأن ما لا يقل عن ثلاثة أرباع كبار الرتب العسكرية فى الجيش السورى من أفراد هذه الطائفة العلوية، ومثلها فى الوظائف الحكومية العليا، والديمقراطية لا تعنى أبدا حكم الأقلية للأغلبية.!!

وفى مثل هذه الأوضاع الشاذة لا يوجد أدنى أمل لا فى إصلاح ولا ديمقراطية ولا يحزنون.!

إن الملايين فى سورية والبلدان العربية التى تنتظر بشوق قدوم quot; البطل quot; الذى سيحقق لها الإصلاح والتغيير سوف يطول انتظارها إلى مالا نهاية، فليس عندنا فى السياسة أبطال.!!
البطل الحقيقى القادر على إحداث التغيير والإصلاح السياسى فى عالمنا العربى هو القدر!!... هو quot; عزرائيل quot;.

وكان الله فى عون ملايين الشعب السورى التى تتناول طعامها من صناديق quot; القمامةquot;.!
وأمجاد يا عرب أمجاد.!!!

قنبلة خدام وشظاياها... الدوافع والرسائل!1 -2

مسعد حجازى
كاتب وصحفى مصرى ـ كندى
[email protected]