والسلطة الابدية استبداد

ما أقصده بالحرية هنا هو ذلك النمط من الحرية الشخصية الذى افتقدته المجتمعات الاشتراكية في فترة الحكم الشمولي كحرية التملك والسفر وغيره، أما ما قصدته بالفقر ليس هو ذلك المفهوم التقليدي الذى يتبادر الى الذهن بمعنى الحرمان والافتقار لما هو ضروري للرفاه المادي ولكنه التعريف الجديد الذى أدخلته الأمم المتحدة في تقريرها حول التنمية البشرية تحت مسمى quot; الفقر البشري quot; ويعني الحرمان من الفرص والخيارات التي تعتبر أساسية للتنمية البشرية وتطوير المجتمعات واتجاهها نحو الديمقراطية وبعدها بالتالي عن أشكال الحكم القمعية والتسلطية ومن أهم مقايسة الاستبعاد الاجتماعي أي عدم القدرة على اقتحام مناطق معينة داخل المجتمع وتقليل الحراك الاجتماعي لفئاته وتحديد الفرص وتحديد كذلك سقف المستقبل لكل فئة من فئات المجتمع. فالأدوار بالتالي محدده سلفاً لهذه الفئات ولا يمكن تجاوزها. بهذا المعني تدخل جميع دول عالمنا العربي والإسلامي ضمن دائرة quot; الفقر البشري quot; فجميع شعوب الدول فقيرة بشرياً ولا يمكن بحال من الأحوال أحداث التطور السياسي الفعلي دونما تفكيك لآليات الفقر البشري المشار إليه بتوسيع الخيارات المتاحة لدى الناس وإلغاء الاستبعاد الاجتماعي وفتح سقف المستقبل لجميع الفئات بحيث يمكن لكائن من كان أن يصل الى أعلى مراتب السلطة وهكذا. وقد سبق لماركس أن أشار الى أن المجتمع الرأسمالي مجتمع فئوي والحرية فيه في تقابل مع الفقر وقد وصف الفلاح في المجتمع الرأسمالي بأنه حر لكنه فقير. لذلك فأن أنصاف الديمقراطيات لا تنفع مع هذا المفهوم الجديد للفقر الذى تحددت أبعاده في الحرية مع إمكانية للحراك الاجتماعي دون قيود ودون سقوف تحدد من يصل الى المواقع المتقدمة دون غيره ومن لا يحق له سياسياً أو ربما تاريخياً تحقيق ذلك. إن ما حدث في العقود الأخيرة من اقتناص غير برئ لمفهوم الديمقراطية مجاراة للعصر وهرباً من بشاعة الوصف بإهدار حقوق الإنسان ومصادرة الحريات لا يخرج من كونه جراحه تجميلية لتلك البشاعة يفضحها ويكشف عيوبها هذا المفهوم الجديد للفقر بالرغم أن هناك مزيداً من الحرية تتمتع بها تلك الشعوب إلا أنها فقيرة ومحدده الطموح والمستقبل سلفاً وجميعنا يلحظ الانتكاسات المتكررة على التجارب الديمقراطية المنقوصة وسبب ذلك في مضامينه يعني الاستبعاد الاجتماعي لفئات أخرى لم تتمكن بالطريقة السليمة من تغيير الوضع الراهن. ولابد هنا من الإشارة الى أن مفهوم الفقر البشري يتضمن العديد من المؤشرات التي لابد من اعتبارها للأخذ به في سبيل تطور المجتمع فهو عملية تنموية في حد ذاته، من هنا تبدو الإشكالية فيما يتعلق بالدول النامية فلا يمكن بحال من الأحوال العمل على تلافي مضامين الفقر البشري إذا كان في ذلك تهديداً للأنظمة القائمة لأن في ذلك زوالها واستبعادها من السلطة. فمن صالحها بالتالي الإبقاء على مؤشرات هذا النوع من الفقر لأنه يرتبط بقيامها واستمرارها. في حين تحتل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية المراكز المتقدمة في هذا المقياس الجديد كما يشير تقرير الأمم المتحدة عام 1998م فليس هناك استبعاداًً لفئة أو تنظيماً أو طبقة من إمكانية التحرك الى الأمام أو الى الخلف وكل ذلك مرتبط بقدرتها على تنظيم نفسها وما يمكن أن تقدمه من برامج في جميع المجالات، بينما تحتل الدول الأفريقية والأسيوية بما فيها دولنا العربية والإسلامية مراتب في ذيل القائمة لجمود مجتمعاتها واقتصارها على تكويناتها التاريخية السابقة فالملك ملك والخفير خفير. فكل الذى شهدته العقود الأخيرة ونشهده الآن في خضم هذا العالم النامي هو مزيداً من الحرية الفردية يقابلها تجسيداً واضحاً لمؤشرات الفقر البشري الذى أشرته إليه خاصة مفهوم الاستبعاد الاجتماعي فحقيقة تلك الشعوب الواضحة تتجلى في أنهم أحراراً لكنهم فقراء ومن الصعوبة بمكان كسر هذه المقابلة التي تقبض ثمن الحرية باهضاً حيث تقرنه بالفقر وفي ذلك ضياع لقيمة الحرية ما بعده ضياع.

عبدالعزيز بن محمد الخاطر
كاتب قطري

[email protected]