اصدر مجلس شورى الدولة الرأي الاستشاري بالعدد 86 / 2005 في 5 / 12 / 2005 والذي ينص على انه ( ليس لقاضي التحقيق في المفوضية العامة للنزاهة استقدام الوزير او التحقيق معه مباشرة الا بعد اخذ موافقة الجمعية الوطنية، وان الوزير غير مشمول بقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم ( 14 ) لسنة 1991 ) ) ونظرا لأهمية وخطورة هذا الرأي كونه صادرا من أعلى جهة إبداء رأي في الأمور القانونية للدولة لذلك نعرض حيثيات ونص الرأي.
quot; يطلب السيد وزير العدل الرأي من مجلس شورى الدولة استناداً الى أحكام المادة ( 9 ) من قانون المجلس رقم ( 65 ) لسنة 1979 في شأن طبيعة وصحة استقدام أحد السادة الوزراء من قاضي تحقيق هيئة النزاهة للتحقيق معه حول ما نسب اليه من قضايا تتعلق بعمله دون استحصال موافقة رئيس الوزراء او مجلس الوزراء وبيّن ان قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي حدد آلية لمسألة الموظف.
حيث ان البند ( 4 ) من الفقرة ( ج ) من القسم الثاني من آمر سلطة الائتلاف ( المنحلة ) رقم ( 55 ) لسنة 2004 نصت على ( ان المفوضية هي الجهاز الوحيد المخول للاستعانة بالإجراءات الجنائية من اجل البت والفصل في القضايا بإساءة التصرف ).
وحيث ان الفقرة ( 11 ) من القسم ( 4 ) من الامر المذكور قد نصت على ان ( تراعي المفوضية عند تنفيذ جميع عملياتها، الالتزام الصارم بالإجراءات القانونية المتعارف عليها وتضمن المحافظة عليها والانصياع لها ).
وحيث ان قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام يسري على الموظف الذي عهدت اليه وظيفة داخل ملاك الوزارة او الجهة غير المرتبطة بوزارة وهو بذلك لا يسري على الوزير.
وحيث ان الجمعية الوطنية لها حق الرقابة واستجواب المسؤولين التنفيذيين بمن فيهم أعضاء مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء وفقاً لما قررته الفقرة ( ز ) من المادة ( 33 ) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.
وحيث ان الفقرة ( أ ) من المادة الأربعين من قانون إدارة الدولة العراقية نصت على ان ( يكون رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين أمام الجمعية الوطنية وللجمعية الحق بسحب الثقة سواء من رئيس الوزراء او الوزراء مجتمعين او منفردين ).
وحيث ان الجمعية الوطنية هي المسؤولة عن مساءلة أعضاء السلطة التنفيذية. وحيث ان الدستور الدائم لجمهورية العراق قد كرس هذا المبدأ وفقاً لما قررته الفقرة ( 2 ) من المادة ( 58 ) منه اذ يمارس مجلس النواب الرقابة على اداء السلطة التنفيذية. وحيث ان المادة ( 80 ) من الدستور الدائم لجمهورية العراق قد نصت على ان ( تكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء امام مجلس النواب، تضامنية وشخصية ).
وتأسيسا لما تقدم من اسباب يرى المجلس : ( ليس لقاضي التحقيق في المفوضية العامة للنزاهة استقدام الوزير او التحقيق معه مباشرة الا بعد اخذ موافقة الجمعية الوطنية، وان الوزير غير مشمول بقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم ( 14 ) لسنة 1991 ) quot; ndash; انتهى ndash;

من هذا يتبين ان مجلس شورى الدولة قد وهب الوزير حصانة لم يقرها القانون وان هناك من الأدلة ما هو أقوى وانهض بكثير من الأدلة التي ذهب اليها المجلس تذهب الى نفي هذه الحصانة ومنها على سبيل المثال :

1- حيث ان الفقرة ( ج ) من المادة ( 24 ) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية نصت على ( لا يتمتع أي مسؤول او موظف في الحكومة العراقية الانتقالية بالحصانة عن أفعال جنائية يرتكبها خلال قيامه بوظيفته ). ونرى ان هذا النص يشكل من الوضوح ما يدحض به كل الحيثيات والنصوص والاستنباطات التي أدت الى نتيجة رأي المجلس. وان منع القضاء من استقدام الوزير مباشرة والتحقيق معه الا بعد اخذ موافقة الجمعية الوطنية ما هو الا حصانة للوزير لم يمتعه بها قانون إدارة الدولة او الدستور وانما جاء التمتع بها من المجلس بلا سند من القانون.

2- وحيث ان قانون إدارة الدولة ودستور جمهورية العراق لم ينص على تمتع الوزراء بحصانة من اي نوع باستثناء عضو مجلس النواب الذي نص عليها قانون إدارة الدولة في المادة ( 34 ) والدستور في الفقرة ( أ ) من المادة ( 63 ) على ( يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلى به من آراء في أثناء دورة الانعقاد ولا يتعرض للمقاضاة امام المحاكم بشأن ذلك) وقد بينت الفقرات اللاحقة ( ب، ج ) كيفية رفع الحصانة وطريقة إلقاء القبض عليه وفرقت بين ارتكاب العضو جريمة مشهودة وغيرها، وان قياس الوزير على عضو مجلس النواب لهو قياس مع الفارق.

3- وحيث ان الفقرة ( أ ) من المادة ( 43 ) من قانون إدارة الدولة العراقية نصت على كون ( القضاء مستقل، ولا يدار بأي شكل من الأشكال من السلطة التنفيذية وبضمنها وزارة العدل، ويتمتع القضاء بالصلاحية التامة حصرا لتقرير براءة المتهم او أدانته وفقا للقانون من دون تدخل السلطتين التشريعية او التنفيذية ). وان تعليق مباشرة القضاء التحقيق مع الوزير على موافقة الجمعية الوطنية لهو من اصدق واوضح مصاديق التدخل والنص يدحض رأي مجلس الشورى بشكل لا يدع مجال للمناقشة، كما ان ذلك يخالف اليمين الدستورية التي يؤديها أعضاء مجلس النواب ورئيس وأعضاء مجلس الوزراء الوارد صيغته بالمادة ( 50 ) من الدستور بخصوص العمل على استقلال القضاء.

4- نصت الفقرة ( 1 ) من القسم ( 3 ) من الامر ( 57 ) المتعلق بالمفتشين العموميين على انه (... وفي حال ورود شكاوى او بلاغات يدعى فيها ان الوزير المعني أساء التصرف، يرفع المفتش العمومي تقريره الى المدير الإداري لسلطة الائتلاف المؤقتة ( المنحلة ) ndash; وهو رئيس مجلس الوزراء حاليا بموجب البند ( 1 ) من القسم ( 2 ) من الأمر ( 100 ) - او الى رئيس المفوضية المعنية بالنزاهة العامة بعد تولي الإدارة الانتقالية كامل سلطات الحكم في العراق.
لا بل ان المادة (41 ) من قانون ادارة الدولة جاءت بما هو اخطر من ذلك (.... ويمكن لمجلس الرئاسة بتوصية من هيئة النزاهة العامة بعد مراعاة الإجراءات القانونية ان تقيل عضوا من مجلس الوزراء بمن فيه رئيس الوزراء ).
أي ان المفتش العام في حالة تلقيه شكوى او أخبار عن الوزير يتعلق بإساءة التصرف او تورطه بالفساد المالي او الإداري فعليه ان يحيل الشكوى او الأخبار الى مفوضية النزاهة العامة وقطعا ان محققي المفوضية يباشرون التحقيق تحت أشراف قاضي التحقيق ولم يشير النص الى اخذ موافقة الجمعية الوطنية لا تصريحا ولا تلميحا ولا يمكن تأويل ذلك بأي صورة من الصور. وان لمفوضية النزاهة ان ثبت لديها تورط احد الوزراء او رئيس مجلس الوزراء بالفساد فلها ان توصي الى مجلس الرئاسة بإقالة الوزير او رئيس الوزراء.

5 - وحيث ان قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم ( 23 لسنة 1971 ) نص في الفقرة ( ب ) من المادة ( 136 ) على (.... لا تجوز إحالة المتهم على المحاكمة في جريمة ارتكبت أثناء وظيفته الرسمية او بسببها الا بأذن من الوزير التابع له مع مراعاة ما تنص عليه القوانين الأخرى ). وهنالك تفسيرين فيما يتعلق بالوزير بخصوص هذه الفقرة الأول ان النص قصد اخذ موافقة مرجع الموظف على إحالة المتهم للمحكمة المختصة فأن كان المتهم وزيراً فمرجعه رئيس مجلس الوزراء والتفسير الثاني يقول quot; بما ان الأصل في الإجراء هو المنع اذا لم يرد نص فيه quot; وبما انه لم يرد نص بأخذ موافقة مرجع الوزير على أحالته الى المحكمة المختصة عليه فالوزير يحال على المحكمة المختصة دون اخذ موافقة مرجعه لعدم وجود النص على ذلك واستنباط ذلك من نص الفقرة ( ب ) تحميل للنص بما لا يحتمل وتوسع في التفسير، وفي كل الأحوال الأصل هو المباشرة في التحقيق مع الوزير دون اخذ موافقة أية جهة كانت ويتوقف الأذن على الإحالة للمحكمة المختصة.

6- ان قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم ( 14 ) لسنة 1991- وليس كما جاء في قرار المجلس باسم القطاع العام فهذه التسمية لم ترد في القانون ولا اعرف كيف جاء بها المجلس وهو من عليه التقيد بالتسميات الواردة بالقانون - وان كان لا يسري على الوزراء فهذا لا يعني إعطائهم الحصانة ومنع القضاء من مسائلتهم الا بعد اخذ موافقة الجمعية الوطنية فهذا مما لا نص عليه ولا يمكن التماسه من المواد التي أشار أليها رأي المجلس اذ ان المنع لابد ان يرد فيه نص صريح في قانون إدارة الدولة او الدستور في الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية.

7- ان الجمعية الوطنية وان كانت هي المسؤولة عن مساءلة أعضاء السلطة التنفيذية وقانون إدارة الدولة رسم وحدد طريقة هذه المسألة ( تضامنية او شخصية ) وكذلك دستور جمهورية العراق الا ان هذه المسألة لا يقصد بها المسائلة الجزائية وألا لكان هذا تعدياً على السلطة القضائية بل هي رقابة على أعمال السلطة التنفيذية ومدى قيامها بواجباتها كما نصت على ذلك الفقرة ( 1 ) من المادة ( 61 ) من الدستور ( الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ) والمسائلة السياسية تدخل في صميم عمل السلطة التشريعية اما الرقابة الجزائية فهي داخلة في عمل السلطة القضائية والخلط بين الاثنين وهم، فالوزير عندما يرتكب جناية او جريمة تتعلق بوظيفته مثل اختلاسه للمال العام او اخذ الرشوة او تجاوز حدود وظيفته فمساءلة الجمعية الوطنية له لا يمنع القضاء من المساءلة ولا يعلقها على موافقة الجمعية لان القضاء يلاحق الجريمة أينما ارتكبت ما دامت داخله في اختصاصه مكانيا، وفي كل الأحوال لا تتدخل السلطة التشريعية بعمل السلطة القضائية، فأن لكل سلطة وظيفة تؤديها.

8 - نصت المادة ( 4 ) من قانون مجلس شورى الدولة المرقم ( 65 ) لسنة 1979 على أن ( يختص المجلس بالتقنين والقضاء الإداري وابدأ الرأي في الأمور القانونية للدولة والقطاع الاشتراكي في ضوء السياسية التشريعية للدولة.... ) وبلا أدنى شك ان السياسية التشريعية للدولة يمكن التماسها من قانون إدارة الدولة ومن الدستور وهي تؤكد على مبادئ عامة مثل المسائلة والمحاسبة والشفافية وان لا يتمتع أي مسؤول او موظف في الحكومة العراقية الانتقالية بالحصانة عن أفعال جنائية يرتكبها خلال قيامه بوظيفته فيكف يمكن إعطاء حصانة للوزير وقانون إدارة الدولة يرفض ذلك وهو القانون الأعلى للبلاد كما نصت على ذلك ( المادة 3 / أ من قانون إدارة الدولة )، كما ان الدستور استثنى مرتكبي جرائم الفساد المالي والإداري من العفو الخاص ( المادة 73 من الدستور ).

ان القانون التنظيمي لمفوضية النزاهة العامة نص على ( يعترف مجلس الحكم ان الغرض المنشود من هذا النظام هو تسهيل إدارة شؤون الحكم بشفافية ومكافحة الفساد على جميع المستويات ) وعلى ( تتمتع المفوضية بصلاحية التحقيق في أي قضية فساد... ) وان منع قاضي التحقيق في المفوضية العامة للنزاهة ndash; كما جاء في الرأي - من استقدام الوزير او التحقيق معه مباشرة الا بعد اخذ موافقة الجمعية الوطنية ما هو ألا تعطيل لدور المفوضية او قصر عملها على الموظفين الصغار وهم أيضا لا يتم إحالتهم على المحكمة الا بعد اخذ موافقة مرجعهم استنادا على نص الفقرة ( ب ) من المادة ( 36 ) التي لم يصادق بعد مجلس الرئاسة على قانون الجمعية الوطنية بإلغائها ان هذا بالحقيقية ما هو الا تشجيع على الفساد المالي والإداري المستشري في البلد بشكل لم يسبق له مثيل بشهادة منظمة الشفافية الدولية والتي أكدت على ان quot; عراق ما بعد الحرب قد يتحول الى موطن لأكبر فضيحة فساد مالي في التاريخ ما لم تتخذ خطوات جادة لتحسين الإدارة العامة quot;. كما ان فضيحة وزارة الدفاع وعدم استطاعة الجمعية الوطنية من رفع الحصانة عن أحد أعضائها المتورطين في قضايا فساد من النوع الثقيل يكشف لنا بشكل لا يدع مجال للشك عن تورط قيادات حكومية ونيابية في قضايا اختلاس او سكوتهم عن ملاحقة المتهمين، ان مثل هذه الآراء التي تحصن من يقف على هرم المسؤولية ما هي الا كارت اخضر لمن يريد ان يختلس او يرتشي او يهدر المال العام وتقول له تصرف فلا احد يستطيع ملاحقتك، لكن ولله الحمد ان هذا الرأي استشاري غير ملزم لقاضي التحقيق نهائيا وعلى السادة القضاة ان يدركوا مسئوليتهم وان لا تأخذهم لائمة في الحكم بالحق والعدل فالآمال معقودة عليهم وحسبنا بهم انهم مدركون لهذه المسؤولية، وعلينا ان نتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (... فإنما اهلك الناس قبلكم: انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ).

المحامي اسماعيل ابراهيم
[email protected]