سبق وأن عبرنا عن رأينا (ونلح على تكراره بحكم الحاجة إلى الوضوح والتحديد) حول وضع المعارضة السورية الآن بكافة أطرافها ووصلنا إلى الرأي الذي يقول : بأن المعارضة السورية في ظل انهيار الإتحاد السوفياتي وتلملم الأنظمة السياسية إلا باستثناءات بسيطة على المستوى العالمي في حضن النظام الدولي الجديد الوحيد القطب والجذب حول البرنامج العولمي، بهذه المرحلة وجدت نفسها وحيدة ً بدون غطاء أو بدون حاضن إقليمي أو دولي، مادي، فكري، أو سياسي،وفي ضعف الحاضنة الشعبية لها بشكل عام، والنظام السوري وجد نفسه في هذه الحالة كذلك، ولازال الإثنان المعارضة والنظام يعيشان هزات تلك الحالة كل على طريقته الخاصة به، واستطاعت قوى المعارضة نسبيا ً أن تستفيد من المعطيات الجديدة على الساحة الدولية في حين فشل النظام بشكل مطلق من التفاهم مع المستجدات الدولية واستمرالعمل وفق آليته القديمة وعقلية الحرب الباردة وافتراقه عن الشعب ومحيطه العربي والإقليمي والدولي.
المهم في هذه المرحلة الحرجة والخطيرة على حاضر سورية ومستقبلها هو معرفة دور المعارضة ومدى قدرتها على التأثير في مسار الأحداث التي تهز سورية، طبعا ً الموقف من النظام أصبح واضحا ً لمعظم أطراف المعارضة والمتمحور حول ضرورة التغيير الديموقراطي السلمي العام الذي سوف نناقشه في مقال آخر، وحتى نتمكن مع معرفة دور المعارضة السورية لابد من معرفة هذه الأطراف وماهو رصيدها التاريخي والشعبي وماهوبرنامجها السياسي التي تمشي عليه محليا ً وخارجيا ً لتكون الأمور واضحة بدون تعويم البرامج على هذه الشماعة أوتلك،بقدر ماهو مطلوب منها أن تلتقي على القاسم المشترك الوطني والسياسي وهو دورها في عملية التغيير وإنقاذ البلاد من أية مفاجأة قد تحدث،والكل يدرك أن الظروف التي تعيشها سورية حبلى بالمفاجآت.
بداية ً كل أطراف المعارضة تعاني من ضغط مزدوج ملح عليها ناتج عن عاملين اثنين : الأول جدالي يمثله ضغط الرغبة في التجديد الفكري والسياسي في خطابها العام وهذا يفرض عليها تجديد داخلي بالأساس لازالت تخوض صراعه بين جيل وجيل آخر، وموقف وموقف آخر،وآلية وآلية أخرى، وبعضها يسير بتطور امتدادي فكري لماكانت عليه مع تبديل اللافتات والشعارات،وبعضها قفز من هذا الموقع إلى نقيضه، وبعضها جرفه تيار العولمة معه وقطع جذوره مع ماضيه، وبعضها تراجع إلى الظل على خلفية احتلال العراق وماأحدثه من خلخلة فكرية و سياسية في المنطقة،وبعضها وبعضها وكل هذا البعض موجود في الواقع السوري ومقروء بشكل واضح من قبل الجميع، والثاني وهو الأكثرجدالية وهو الموقف من النظام ومن ضرورة التغييرواستحقاقه والذي يتراوح على مساحة من المناورة تقع بين الرؤية على دفع النظام نحو الإصلاح ليكون بدوره هو حامل التغييروهي تمثل في معظمها بعض الراغبين من مؤسسة النظام بالتغيير لكن غير القادرين عليه منفردين لرزمة من الأسباب الداخلية،وبين الرؤية التي تقطع مع النظام وترى أن الحل الأسلم لسورية هو ضرورة التغييرالجذري الشامل وهي تعمل سرا ً وعلنا ً على هذا الخيار.
ومابين تجاذب المعارضة بين إشكالية التجديد وضرورة التغيير يمر الوقت ويقترب النظام الذي يمسك سورية الدولة والشعب بكلتا يديه نحو مجهول يقر الجميع بأنه غير معروف لكنه مخيف،على أن الذي نراه وفق المنطق الفكري والسياسي هو أن العلاقة بين التجديد والتغيير علاقة جدلية ضمن الفهم الإيجابي للتغييربمعنى أن تطور المجتمع من حالة إلى الأفضل والأرقى منها يتم وفق تسلسل أساسه واقع معين ومنهج فكري واضح وآلية عملية لها شرعية اجتماعية وشعبية أي قانونية وليس لهذه الآلية من وصف إلى الآن سوى الديموقراطية التي تمثل الآلية الوحيدة التي بموجبها يتطور المجتمع بشكل سليم، ولسوء الحظ لم تتمكن قوى المعارضة من الوصول إليها سابقا ً، ولحسن الحظ بأنها الآن هي ضالة جميع قوى المعارضة على الساحة السورية.
وتبسيطا ً للأمور ورغبة ً بأن يأخذ الموضوع أبعاده العملية ً نبتعد عن السرد الأكاديمي لوضع المعارضة السورية ونتناوله بشكل مباشروحسب إلمامنا به ومعايشتنا لبعض أطرافه وقدرتنا على استقراء برامجه من خلال تفاعلها مع الواقع السوري الآن،لأننا نرى أن المعارضة معنية بتقديم حلول عملية لمشكلة الشعب السوري اليوم وعليه يبقى الماضي لانقول أرشيف لكنه مسيرة فيها الكثير من المحطات والمطبات الإختيارية والإجبارية السلبية والإيجابية لكل أطراف المعارضة السورية،ودورهذا الماضي هو مساعدة المعارضة اليوم على تجاوز أخطائها المركبة والوصول إلى شكل فاعل على مستوى الشعب،تكون قادرة فيه على التحكم بالأحداث التي تمر بها سورية والسيطرة عليها لمصلحة الشعب في التغييرالديموقراطي السلمي وحماية البلاد من الإنهيار.
وتأسيسا ًعلى هذه الأرضية نرى أن كل أطراف المعارضة لديها الرغبة الجدية بالتجديد والتطوير ومنها من قطع شوطا ً كبيرا ً في هذا المجال ومنها من لم يستطع بحكم التمزق الذي حصل في بنيتها، ومنها لازال في طور لملمة أوراقه التي بعثرتها الظروف الإقليمية والتفكير بها وإعادة ترتيبها من جديد لتتواكب مع الظروف الجديدة والدخول على خطها وإثبات وجودها والتأثير في العملية السياسية في سورية، لكن الواضح أن الأطراف التاريخية للمعارضة السورية ونعني هنا التيار القومي والتيار الديني والتيار الشيوعي والحركة الكردية الوطنية، قد خطى كلا ً منهم الخطوة التي يستطيع في الظروف الراهنة، وعلى وجه التحديد إن التيار الديني قد قطع الشوط الأكبر في عملية التجديد المتمثلة في الإقرار بالتغيير الديموقراطي والدولة المدنية وعمليا ً هذا معناه هو اللقاء مع بقية قوى المعارضة وتجاوز الخلاف الفكري الذي أنتج تباعد سياسي في السابق، والتيار الشيوعي المقصود به هو اليسارالشيوعي الذي افترق مع النظام ومع قيادته التقليدية المتعاونة مع الإستبداد منذ السبعينات من القرن الماضي وأنتج حركة يسارية واقعية وتلعب الآن دورها الواضح في تجديد الفكر اليساري في سورية ليأخذ شكلا ً وطنيا ً بعيدا ً عن تناقضات المرحلة السابقة التي أضعفتها وأضعفت دورها في المساهمة الفاعلة في عملية التجديد الفكري والسياسي في سورية.
والحركة الكردية الوطنية هي بدورها وعبر برامج معظم مكوناتها قطعت شوطا ً كبيرا ًباتجاه توضيح وتعميق هويتها الوطنية والتعامل مع الواقع السوري بناء ً على محدداته الداخلية وكجزء من المعارضة الوطنية الديموقراطية السورية وهذا يوضحه بأنها أصبحت طرفا ً في الكثير من فعاليات المعارضة وأشكالها ومنها جبهة الخلاص الوطني التي تمثل الحركة الكردية الوطنية أحد أطرافها، وهذا موقف لابد من البناء عليه باتجاه تطويره من كل الأطراف وضرورة الإتفاق على الهم الوطني والمشاركه فيه على أرضية الديموقراطية التعددية التي تضمن حقوق الجميع.
يبقى التيار القومي والذي له ماله وعليه ماعليه وبحكم ملابسات الظروف الراهنة لازال دوره غير مقروء بشكل واضح، وهنا يجب التوضيح بأن التيار القومي لايعني أنه هذا الحزب القومي أو ذاك مهما كبر أو صغر، وهو أكبر من أن يحتويه حزب معين وفيه اتجاهات كثيرة مثله مثل كل الأحزاب والحركات السياسية في سورية، والمقروء منه الآن هو التيار القومي الديموقراطي وهو بدوره قطع ولو بصمت المسافة الكبيرة باتجاه الإقرار بمطلب المرحلة وهو المنهج الديموقراطي ودفع ما دفع من ضريبة تمسكه بهذا الخيار وعانى معظم رموزه مع بقية التيارات الوطنية آنفة الذكر من بطش النظام المعروف للجميع ولسنا بصدد ذكر الأسماء وعد السنين والعصي، لكن المهم هو تأدية دوره كفصيل في إطار المعارضة يساعد على إيجاد الجو المواتي والمساعد للتجديد والتغيير ضمن العملية الديموقراطية التي تجمع كل قوى المعارضة السورية وهذا استحقاق مطلوب إدراكه من الجميع وعلى الأخص يجب التوضيح بأنه تم القطع مع سياسة الإقصاء والإلغاء التي هي الوجه الآخر للفردية والتي طبع خلاف وتصارع القوى الوطنية في سورية في السابق و أنتج الإستبداد الذي عبث بالجميع لعشرات السنين ولايزال.
وبالمحصلة إن أطراف المعارضة السورية أعلاه ومعها أطراف جديدة تشق طريقها الوطني بصعوبة نتيجة قمع النظام وتداخل العوامل الداخلية والخارجية والتي بمعظمها فرقها الإستبداد وفعل بها مافعل وأوصل الشعب وسورية إلى ماهما عليه،حري أن تجمعها الديموقراطية ومصلحة الشعب والوطن واستحقاق التغيير الوطني الديموقراطي، وأساس هذا هو الإعتراف الحقيقي بالآخر وأن الحكم الوحيد هو للشعب والقانون وصندوق الإنتخاب الحر النزيه، وعلى هذه الأرضية تبرز الحاجة الملحة والتي لابد منها وهي ضرورة توحيد صفوفها والإتفاق على برنامج وطني شامل وآلية سلمية للتغيير تقطع الطريق على استمرار الإستبداد وطرد شبح الفوضى الذي يحاول النظام وضع الشعب فيه.
د.نصر حسن
9. تشرين أول، 2006
التعليقات