تفاعل الكتاب الليبراليين العرب خاصة من العراقيين مع إخوانهم الكورد ليس وليد اليوم، خاصة ممن عايشوا بتماس مع الحركة الكوردية في الجبال الكوردستانية، والتاريخ القريب شهد العشرات بل المئات من المواقف الصادقة المعبرة بموضوعية وحيادية الصادرة كمواقف فردية أو جماعية أو عن طريق المقالات أو الكتابات أو القصائد تجاه الشعب الكوردي وتجاه الاقليم بعد أن ظهر إلى الوجود بعد الإنتفاضة الشهيرة في عام واحد وتسعين، من ضمن هذه المجموعات كتاب مصرين ولبنانيين وأردنيين وفلسطينين وكتاب من بلدان أخرى في المغرب العربي.
ولا شك أن أغلب هذه المواقف أتت نتيجة التعاطف الإنساني مع القضايا الكوردية التي إمتلئت بتراجيديات إنسانية كبيرة نتيجة التعامل القاسي والعنيف المتسم بالقمع والاستبداد والطغيان مع الكوردستانيين والعراقيين من قبل الأنظمة العراقية التي توالت على الحكم العراقي خاصة في العهد الجمهوري، وتجاه هذه المواقف النبيلة فإن الكورد لم ينسون أبدا أصحاب تلك المواقف المتسمة بالرجولة والشجاعة والحكمة وينحني كل كوردي بالاحترام والتقدير لكل من وقف معهم في يوم المحنة حتى ولو كان بأضعف الإيمان.
هذا في الماضي القريب، أما في واقع الحاضر، فإن العلاقات بين الكورد وبين المجموعة العربية المتميزة من النخب المثقفة، خاصة الليبرالية منها المتسمة بالوطنية والحكمة تسجل صعودا وحرارة في التفاهم والتوافق والتقدير والتفهم للتجربة الكوردية التي وجدت أرضيتها السياسة في كيان فيدرالي ضمن العراق الاتحادي لإدارة شؤون الدولة العراقية وإقليم كوردستان وفق نظام سياسي وإداري واقعي يلبي مطالب الحقوق القومية والوطنية والديمقراطية للشعب الكوردي والشعب العربي في العراق وفي الإقليم على السواء، لإرساء نموذج نظام سياسي يتسم بالحداثة والتطور لاستيعاب مستلزمات ومتطلبات المرحلة المعاصرة التي تتسم بالسرعة الشديدة في جميع الجوانب الحياتية خاصة منها النواحي العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسكانية.
ويقف على رأس هذه المجموعة المتسمة بالحكمة والتعقل في الرؤية والفكر السياسي الكاتب الليبرالي القدير شاكر النابلسي الذي خص الثقافة السياسية العربية برؤية عملية حكيمة وتحليل متسم بالمعاصرة والمدنية والفكر الإنساني الراقي من خلال هذا المنبر الحاضن للأقلام العربية الحرة quot;إيلافquot;، والاسهامات الفكرية السياسية لهذا الكاتب الجليل يشكل فخر واعتزاز ومنبع أساسي للفكر العربي الجديد الذي يتسم بالعقلانية والواقعية في الطروحات السياسية والفكرية تجاه القضايا الأساسية التي يعيشه الواقع العربي، ويشكل الكاتب النابلسي أحد الأركان الرئيسية لهذا الفكر الجديد.
واليوم ما طرحه الكاتب شاكر النابلسي في مقاله quot;هؤلاء هم عقلاء العراقquot;، يمثل تحليلا حكيما صائبا للواقع السياسي العراقي المتسم بأزمات أمنية مدمرة للمقومات الأساسية للحياة الطبيعية، ويمثل تقيما متسما بالحكمة والتعقل والبصيرة النافذة لرؤية مكامن القوة والضعف والخلل ومواضع الربح والخسارة في الواقع العراقي، وهذا ما أشار إليه الكاتب بكل أمانة ومسؤولية وحيادية وموضوعية لمعرفة أسباب نجاح التجربة الكوردستانية مقارنة بالواقع العراقي في الوسط والجنوب، وسط المستنقع السياسي المتأزم على الصعيد العراقي وعلى الصعيد الإقليمي للمنطقة.
ولهذا فإن ما نجده من رؤية واقعية مطروحة بموضوعية لتحليل واقع العراق السياسي من الكاتب شاكر النابلسي في مقاله المذكور يشكل إضافة جديدة الى اضافاته القيمة في مجال طرح رؤية عربية تتسم بالواقعية والتحليل العملي البعيد عن الشعارات والتوجهات الايديولوجية التي اختص بها العرب لعقود طويلة، والاتجاه الجديد المتبني من قبل أمثال النابلسي تشكل نقلة نوعية في الاتجاه الصحيح لنقد الواقع السياسي العربي بتأني وحكمة للخروج منه بسلامة وطرح نهج جديد يساعد العراقيين والعرب على التخلص من الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي يتعرض لها الانسان الشرقي في هذه المنطقة وتأيمن بيئة مناسبة وملائمة للعيش بحرية وكرامة لضمان حاضر مستقر ومستقبل مشرق للعراق ولمنطقة الشرق الاوسط.

د.جرجيس كوليزادة
كاتب ومحلل سياسي/كوردستان-العراق
[email protected]