لا قدرة لي على لملمة الجزيئات و الشذرات المبعثرة هنا و هناك، و خاصة عندما يكون ال هنا و ال هناك أبعادا فلكية و ليس بضع مئات أو آلاف من الأميال في اتجاهات الكون، و الأفضل أن أقول اتجاهات الرياح، لأن في هذا التعبير إمكانية أن تقبض على أصغر بُعْدٍ هندسيٍّ، و أن تشفط أصغر جزيئة- حتى لو كانت مجهرية- و ترميها في مختبرك أو مرسمك كي تُقْبِلَ عليها فيما بعد كيفما كنتَ، و في أيَة حالة كنت، و تبدأ بتركيب قطع الفسيفساء في أماكن تختارها أنتَ و في حالتك اللحظية تلك، و أيضا تأخذ فراشيك ذات القياسات المختلفة و الطبيعة المختلفة، لِ تحمل تلك الشذرات و تمزجها كيفما شئت و في أيَّة حالة كنت، و تطرطشها على الخامات التي تختارها أنت دون مداراة أو مراعاة أو كيدية، فَ الحالة التي تجرّكَ إلى صومعتك لا تأبه لغضب الطبيعة أو رقتها، و لا لمقاييس الزمان و المكان في توصيف الأشياء و تعريف الحدود، و تحديد أل يجوز و اللايجوز، الممكن و غير الممكن، الحلال و الحرام، العفة و اللاعفة، الحشمة و اللاحشمة، تلك الحالة الكونية هي المواجهة الحقيقية بين طبيعة الأشياء و جوهرها الليلكي و بين نواميس موضوعة باصطناع أخرق، و مخالفة لقوانين الطبيعة و العلاقات الموضوعية بين مكوناتها الفيزيائية و الفلكية؛ فَ هل يمكننا إخفاء الشراكة العضوية بين قطبي الكرة الأرضية، هل يمكننا إلغاء حقيقة التحالف الخالد بين النور و الظلام، بين الأسود و الأبيض، بين الخير و الشر؟؟
إنها الحقيقة التي يجب ألاّ تكون كَ الجهل، فطالما أنها مختفية، فهي كامنة في نفسها، و لكن عندما يتم التعرف عليها فَ إنها تغدو أقوى من الجهل و تعطي الحرية، و أيضا تكون المقارنة صحيحة بينها و بين الشر، فَ طالما بقيت جذور الشر مختفية فَ إنها قوية، أما عندما يتم كشفها و التعرّف عليها، فَ إنها تتفسّخ، لذلك يتوجب على كل منا أن ينقِّب عن جذور الشر في نفسه و يقتلعها من قلبه حتى أساساتها و ذلك عن طريق تعريتها و معرفتها، فإذا لم نعرفها، فإنها تضرب أكثر في الأعماق و تعطي ثمارها في قلوبنا، و مَنْ لم يعرف نفسه لم يعرف شيئا، و لكن مَن عرف نفسه حَقَّقَ معرفة بِ أعماق الكل.
*** *** ***
كم ميلاً تبعدين عن القلب يا نور العين، يا قدس المحبة و السلام، أنتِ ملكوت الله عند الجميع، و كل الإخوة الأعداء يعترفون بكِ مقاما لِ الربِّ و الناموس، و الكل يختلف فيكِ. أنتِ المدينة التي أنزلها الله بللوراً شفَّافا من السماء قُرْبَ بئر السبع أو أرض جلعاد و دلمون، كنتِ مزارا و مقاما للملائكة و القديسين و النساك دون الأنبياء جميعا، لأنه لا نبوَّة في الكون، و لأن هذه الحكاية كلها من البداية للنهاية كلام في كلام.
لنذهب إلى قدس البداية، القدس التي غسلها نهر الأردن، قدس الحمامة لا قدس أعمدة النار و الدخان، قدس المحبة لا قدس الجبروت و الغضب و الانتقام، قدس الخصب و الحياة لا قدس الأوبئة و الموت و الدمار، قدس العطاء لا قدس الطوفان و زنى سدوم و عمورة، هيَّا أيها السوري إلى قاديشا سورايا، إلى قدس سوريا، إلى الإحداثيات التي ترسم بيت إيل، إيليا، القدس، و ليس سواها، لندخل إلى الكنيست و نقول لهم، أو دعني أقول لهم، للشعب اليهودي، لمواطني دولة إسرائيل: ها نحن، أو بِ الأصحّ، ها أنذا أمامكم و بينكم، أتحدَّث معكم، و أكلّمكم باسمي و باسم الذين يريدون توجيه رسالة السلام إليكم، أقول لكم بأننا لم نخطِّط لِ إبادتكم، لا بل لم تخطر لنا على بال مثل هذه الأفكار الهمجية، نحن بيننا مشاكل حياتية قابلة لِ الحلِّ و التسوية العادلة، لدينا حقوقا بِ ذمتكم، و لديكم شكوكاً تجاهنا، إننا نقف في هذه اللحظة التاريخية أمام أحد الرموز الكونية التي تمثِّل الحياة بِ أشكال مختلفة، و نحن- كما ترون- لم نخش من المجيء إليكم و الوقوف تحت قبة برلمانكم و نجمتكم السداسية، لأننا نحن أيضا لدينا رمزا كونيا كَ نجمتكم تماما، فَ لدينا الزوبعة التي تمثِّل حركة الكون و تجدد الحياة عبر تعاقب الفصول الأربعة المتمثّلة في الأجنحة الأربعة للزوبعة الكونية تماما مثل الرمز الكوني لِ الجرمان، و الذي اختطفه هتلر و جعله رمزا لحزبه و نظامه و سلطته ( الصليب المعقوف)، إنه أيضا يمثّل تعاقب الفصول الأربعة في حركة الحياة، و نجمتكم هي الأخرى تمثّل، بشكلٍ من الأشكال، حركة الحياة، و ذلك من خلال الرمز العشتاري للخصوبة و الولادة، فهي تمثّل التداخل الواضح بين الذكر و الأنثى، التزاوج بينهما، و بالتالي التوازن الكوني عبر الركائز الست للنجمة، فكل رأسين متقابلين هما عنصر توازن للشكل، و بالتالي يكون التداخل التزاوجي عنصرا من عناصر التوازن الكوني، تماما كما الأجنحة الأربعة في الزوبعة السورية و الصليب الألماني المعقوف.
إننا أحفاد السوريين أصحاب الثقافة الرفيعة، و الفلسفة العميقة، إننا نشترك بِ جذرٍ ثقافيٍّ ملؤه الفلسفة و التأمل الروحي ذي الهدف الإنساني النبيل القائم على التجدد و العطاء و التوازن، أي الحياة و السلام، بعكس الشعوب و الجماعات التي لا تعترف بِ الفلسفة و الحُبّ و السلام، هؤلاء الذين أعلامهم و بيارقهم تحمل شعار القتل و الموت، هؤلاء لا ثقافة لديهم، أي أنهم لا يؤمنون بِ حَقِّ الآخر في الحياة، إنهم لا يؤمنون بِ التوازن الروحي والسلام الداخلي و العالمي، لذلك نراهم مدمنين على لعْقِ الدماء و قَتْلِ الأرواح و دَفْنِ الأجساد؛ إنهم يزغردون و يوزِّعون الحلوى كلما قُتِلَ منهم، أو قَتَلوا منهم. إن هؤلاء يكرهون خصوبة نجمة داود، لا يريدون العيش بسلام مع اليهود، لا بل، لا يعترفون بهم كَ بشر، فهم( = اليهود) في منظور عقيدتهم و دينهم قردة و خنازير و أولاد الأفاعي و المغضوب عليهم، و أن أعلامهم و راياتهم تحمل شعارات و رموز القتل بِ أمْرِ الله الواحد الجبَّار القهَّار، فَ إمَّا أن تحمل شعار الأمة و تحته سيف الله المسلول، أو أن يكون الكلاشنيكوف الروسي( الكافر) فوق اسم الله في راية حزب الله الفارسي، و الأمر المحيِّر هو أن مرجعيات تلك القوى و المنظمات الحربجية الثوروية تتعامل و تتحاور و تتاجر مع هؤلاء القردة و الخنازير، فَ زعيم الثورة الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، كان قد بارك هؤلاء القردة و الخنازير، و افتتح الجسر الجويّ بين طهران و تل أبيب إبَّان حربه ضد العراق، و الذي حصل الفرس من خلاله على الأسلحة و العتاد الحربي المتطور من دولة إسرائيل التي هي ( اليوم ) في مرمى القنبلة النووية الفارسية التي يهدِّد بها السيد أحمدي نجاد رئيس الدولة الإسلامية في بلاد فارس و الذي لا يخفي هدف نظامه في إزالة إسرائيل من الوجود، أمَّا أحدث قبول و اعتراف بِ هؤلاء القردة و دولتهم، كان في المبادرة العربية التي قدَّمها ملك السعودية في القمة العربية في لبنان. فإذا كانت المرجعيات الأساسية، أو بِ الأحرى المرجعيتين الحصريتين( السنة و الشيعة ) تتعاملان مع دولة إسرائيل، فما معنى أن يخرج علينا عباقرة الجهاد و القتال من السنة و الشيعة( السيد أحمدي نجاد، و السيد حسن نصر الله الذي فتح حربا مدمِّرة على لبنان الرهينة، و السيد هنية و السيد خالد مشعل و السيد أسامة حمدان و غيرهم و غيرهم...) و يعلنون صراحة بِ أنهم لا يعترفون بِ إسرائيل، وأنهم سوف يزيلونها من الوجود, و هذا الهياج الغريزي و العقيدي الذي يتم تفعيله من غزة إلى إندونيسيا مرورا بالجزائر و الصومال و جزر القمر.
إنهم جنود الله الذي دمَّر ركائز التوازن الكوني، و استبدل السلام الروحي بِ الهَيَجان الغريزي، و الجيرة الحميمة بِ الغزوات الظالمة و الاعتداءات الغادرة على الحياة، و اعتبار كلّ متحرِّك هدفا و فريسة و صيداً مستباحا، آمرا جنوده بالقتال حتى تدمير كل الرموز الكونية التي تسمو فوق الغدر و الحقد و القتل؛ فَ ها هم مقاتلو حزب الله و مصارعو قِلاع يثرب و مغاوير سرايا القدس يعبثون في تاريخ و تراث و معتقدات شعوب تلك البلدان التي كانت من منارات الثقافة و الفلسفة و الآداب، فَ أسياد الأصولي الثوروي أحمدي نجاد هم الذين دمَّروا و حرقوا ثقافة الشعب الفارسي، هم الذين استبدلوا آلهة الحُبِّ و الجمال و الخصب بِ إناث لِ اللذة و الجنس المباح، و أسياد العلاّمة العبقري زغلول النجار هم الذين قتلوا إيزيس و أوزيريس و ثمرة زواجهما هوريس، هم الذين قضوا و بوحشية لا مثيل لها على روح شعب بِ الكامل، على انتمائه و ثقافته؛ إن السلام لن يسود العالم ما لم نعترف بِ إنسانية كلِّ البشر، فلا يمكن أن نستمر بِ تحقير الشعوب التي لا تؤمن بِ عقيدتنا و شريعتنا، فَ علينا أن نعتذر منهم على الأوصاف اللا إنسانية التي نطلقها عليهم و أن نوقف هذا التحريض الخطير على قتل الآخر، و أن نرتقي إلى مخاطبة العقول لا الغرائز، و أن نعترف بِ كلِ البشر و بِ حَقِّ كل الشعوب في الوجود و العيش تحت سقف أيِّ قانون هم يختارونه، و بالطبع حقّنا نحن أيضا بِ العيش الكريم الحُرّ في ظلِّ أيِّ قانون و شريعة نختارها نحن، و بشرط ألاّ نجْبِر الآخرين ب الخضوع لِ تلك القوانين و الشرائع، السلام سَ يعمّ العالم عندما نحترم خيارات بعضنا و ثقافات بعضنا، عندما لا يحتكر أيّ منّا الحقيقة المطلقة، و عندما نطلق سراح الله من معتقلاتنا، عندما نراه فراشة بيضاء، لا ماردا جبَّارا يتوعَّدنا بِ القتل و التعذيب، عندما نحسّه نسيما لطيفا، لا إعصارا مدمِّرا، عندما نرى الورود في يده، لا سيوفا و سواطير مدمّاة، عندما نراه حبّا و سلاما، لا حقدا و كراهية، و عندما و عندما و عندما..


فهان كيراكوس

سوريا

[email protected]