عدت قبل أيام من زيارة كردستان العراق، الزيارة التي جاءت متأخرة وبعد غياب دام ما يقرب من ثلاثين عام،، وشعرت بفرح غامر بعد هذه الزيارة عكس شعوري بعد عودتي من بغداد والتي سبقتها.
كنت وأنا في لندن أسمع الكثير وأطالع الكثير عن كردستان العراق وذهبت.. لا أعرف ماذا أتوقع..هل هو التأخي أو النفور.

فكرت طويلا في المقالات التي قرأتها، وتسألت أين هي الحقيقة ولماذا ضخمت قضية ضرورة وجود شخص ضامن، ألا يستحق أمن المدن الكوردستانية بعض الاجرءات والموصل ومايجري هناك من أعمال أرهابية ليست بالبعيدة عن مدن كوردستان.

نزلت الطائرة المتوجهة من عمان الى أربيل وكان من الركاب النازلين من الطائرة وزير الثقافة في حكومة أقليم كوردستان ليأخذ الحافلة معنا، التي تقل الركاب من الطائرة الى بناية المطار كان السيد الوزير مثقلابما يحمله، وما كان يحمل رشاشة أوزي ولا قنابل يدوية بل أصص صغيرة لنباتات جميلة وهكذا عبر السيد الوزير عن نفسه بما يحمله،مشاعر أنسانية ونظرة جمالية للحياة تعلن عن نفسها لابالكلام والخطب بل بعفوية صادقة لم يتوقع أن يلاحظها أحد داخل المطار لفحص جوازات السفرضابطات وضباط بلباس عسكري ومن الضابطات كان هناك من وضع غطاء الرأس وهناك من لا يضع.. أعجاب أخر..لقد تعاملت حكومة أقليم كوردستان في موضوع غطاء الرأس بشكل عقلاني،وأحترمت أرادة الانسان وحريته، لم تجبر أحد على رفع غطاء الرأس، أو على وضعه وبهذا تجنبت الكثير وأرضت العديد.


نظرت ألى جواز سفري وابتسمت عراقي أهلا وسهلا في كوردستان،لغة عربية صافية.
الفندق الذي سكناه حديث ومع العديد من القاعات والمقاهي والمطاعم، يسترعي الانتباه الاهتمام بالنظافةالادارة لبنلنية والعديد من العاملين من لبنان مع وجود شغيلة من أبناء كوردستان من
الشابات والشباب يتكلمون العربية الفصحى، أستغربت فهم العربية من الجيل الذي نشأ بمعزل عن القسم العربي من العراق لأكثر من عشر سنوات نتيجة سياسات النظام السابق الهمجية، قال صديق لي أنهم خريجوا معهد السياحة وتعلم العربية جزء من دراستهم، أجور المبيت في الفندق غالية لا تشجع السياح اذا ما قارناها مع أسعار الفنادق في عمان أو أسطنبول أو طهران، كردستان بحاجة للمزيد من الفنادق،لها طبيعة خلابة من جو مشمس، جبال وبحيرات ومنابيع مياه صافية، وأجمل من كل المناظر الطبيعية هو الانسان في كردستان تلتقيه في الشارع في المتاجر في الجامعات وفي القيادات السياسية لكوردستان، الشباب الذين لايتكلمون العربية بشكل جيد يحاولون وبالكلمات المحدودة التي يعرفونها مساعدتك والكبار في العمر ومن السياسين يرحبون بك كل ود ومودة تشعر وكأنك تعرفهم ولسنوات طوال، رئيس برلمان كوردستان يدعوك للغداء في بيته، أعلق على حديقة الدار كونها جميلة، يضحك ليقول أن البيت أيجار وليس ملك له،شرطي المرور يحرر مخالفة لسيارة تابعة للرئاسة وقفت في محل غير مسموح الوقوف به في الشارع مع معرفته لمن السيارة تتبع، حالها حال سيارات المواطنين الاخرين، جميل ما أشاهد،عمل جدي من أجل البناء، والبناء ليس الشوارع والبيوت فقط بل بناء الانسان بعد كل التخريب والتشويش الذي تعرض له.


مشاكل عديدة تواجه كردستان في عملية البناءهذه، الفساد المالي والاداري تسمع عنه أحيانا بهمسات وأحيانا بصوت عالي، قال صاحبي عندما التحقت بعملي في الجامعة وجدت أن القبول لم يعتمد على الدرجات بل على الواسطات كلمت رئيس الجامعة وأعدنا النظر بالقبول وعلى أساس الدرجات وأبلغنا الوزارة التي أيدتنا ووقفت ألى جانبنا، أتمنى أن سلك الاخرين في موقع المسؤولية موقف صاحبي هذا ويكشفوا الحقيقة للناس الذين هم مصدر وهدف عملية البناء.


قضية أخرى قرأت العديد من المقالات عنها وشغلت بال العديد من الناس الطيبين وهي كيفية معاملة العراقين العرب المنتقلين الى كوردستان، التقيت بأبن صديق لي بطلب من والده في لندن للأطمئنان عليه ومعرفة اموره وعائلته، قال أبن الصديق هذا لم أجد صعوبة وفتحت لي مكتب تجاري وبناتي وأبنائي يدرسون في المدارس ويتعلمون اللغة الكردية، لقد زال كابوس الخوف الذي كنا نعيشه في بغداد تركت بيتي الجميل في منطقة المنصور من بغداد لأسكن في بيت أصغر ولكن لم يعد هناك خوف من القتل أو الخطف، وسؤالي كان، ما هو موقف السلطات الكردستانية، قال تحتاج ألى شخص من كردستان والافضل من سكان المدينة التي ترغب العيش بها يضمن أنه يعرفك وأنت لست من الارهابين والتكفيريين، والشخص الذي ضمنني كانت لي علاقات تجارية سابقة معه، حكيت هذه القصة لصاحبي وسألته ما هو الموقف من الأخرين الذين ليس لديهم معرف...، تعتمد على الشخص وما لديه من وثائق غير مزورة، مثلا هناك العشرات من أساتذة الجامعات العراقية الذين هربوا من مناطق سكناهم خوفا على حياتهم، لقد قبلوا معظمهم في الجامعات الكردستانية والمفروض أن تكون عدد محاضرات الاستاذ الجامعي 25 محاضرة في الاسبوع ولكن في بعض الاقسام أنخفضت الى ستة محاضرات فقط لكثرة عدد الاساتذة في ذلك الموضوع وجميعهم موضع أعتزازنا واحترامنا، البعض منهم يرفض البقاء لقلة الراتب وارتفاع أيجارات البيوت وغلاء الاسعار، ومنهم من يجلب معه ما جمعه ليشتري بيتا ويتخلص من مشكلة الايجار.
فكرت طويلا في المقالات التي قرأتها، وتسألت أين هي الحقيقة ولماذا ضخمت قضية ضرورة وجود شخص ضامن، ألا يستحق أمن المدن الكوردستانية بعض الاجرءات والموصل ومايجري هناك من أعمال أرهابية ليست بالبعيدة عن مدن كوردستان.


في الليل شوارع كردستان مظلمة حالها حال شوارع المدن العراقية الأخرى، الساعة العاشرة مساءولم نتناول وجبة العشاء، أكل مطعم الفندق لا يشجع، قلت لصاحبي ألا يوجد هنا بائعي شواء على قارعة الطريق، حنين ذكريات بائع الشواء في ساحة النصر والذي ذهبت أبحث عنه في زيارتي الاخيرة الى بغداد، ضحك صاحبي، لنذهب كنا أربعة من العرب مع صديقنا الكردي، وعلى رصيف أحد الشوارع... كان بائع الشواء منقله واللحم المعلق ومولدة كهربائية صغيرة توضع في عربته، كراسي بلاستيكية رخيصة ورائحة اللحم المشوي تكلمنا معه بالعربية، شابا يعرف بعض الكلمات، صاحب العربة أكبر سنا ويتكلم العربية، طلبنا ما نريد وأكلنا بلذة كل منا يريد أن يدفع، وقال صاحب العربة لتكن على حسابي وأنتم ضيوف، دفع الحساب صديقنا، لم نكن وحدنا كان هناك أكثر من عشرة أشخاص وكان مع الجميع الامان وعدم الخوف من أرهابي أو مفخخ.


هل هناك مشاكل، بالتأكيد هناك مشاكل وعملية البناء ليست بالسهلة ووجود ثلاثة أحزاب متحالفة على رأس السلطة ليست بالسهلة، هناك فساد تسمع عنه وأحيانا ترى على الواقع ما ترك من أثار، ولكني أعتقد أن القضية الامنية،من تجربتنا في بغداد وبقية مناطق العراق، يجب أن تبقى في موقع الصدارة، بتوفر ألامن تستطيع أن تعالج قضية الفساد، تواجه عملية البناء، تعزز الثقافة الديمقراطية، وتزرع الورود.
لي عودة الى كوردستان و سوف لن تكون متأخرة.
د. فاروق رضاعة