(الحلقة الخامسة عشرة)

في quot;الحلقة الرابعة عشرة quot; من الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية؟ ذكرنا بعض المعلومات ويمكن

جاءت العملية في وقت كانت فيه القوات الصهيونية تعيث فساداً في قطاع غزة وتمارس عمليات إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وكذلك السياح اليهود الذين يعيثون فساداً أخلاقياً في سيناء، بينما هناك صمت عالمي مطبق مقرون بالرضى لسكوته عن إستمرار العنف الصهيوني.
تلخيصها في مايلي: بيان مفاده أن منفذوا تفجيرات سيناء تدربوا في قطاع غزة بمساعدة أصوليين فلسطينيين وتضم بدواً من سيناء، جماعة التوحيد والجهاد استخدموا في عملياتهم متفجرات مستخرجة من الألغام التي زرعتها إسرائيل في سيناء.

وكل يوم نتابع فيه مايحصل في سيناء يجعلنا في حيرة من الأمر فالتأويلات كثيرة منها من يتهم إسرائيل، ومنها من يتهم تنظيم القاعدة، ومنها من يتهم بدو سيناء، ومنها من يتهم أصوليين فلسطينيين، ومنها من يتهم جماعة التوحيد والجهاد.

وبعد البحث والقراءة المستفيضة نود أن نلقي الضوء على جانب آخر وهو أن الغليان في المنطقة نتيجة طبيعية لما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان وسوريا وماتتعرض له إيران من تهديدات إذ لايمكن الفصل بين مايحدث في مختلف دول العالم من عمليات إرهابية الأمر الذي قد يحول شبه جزيرة سيناء الى أرض خصبة لإستمرار موجة العنف أو المواجهات.

وبدلاً من التفكير الجاد بين الدول لإيجاد حلول ناجعة لكوارث الإرهاب من خلال مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب ومؤتمر دولي للسلام لإنهاء الصراعات بين الدول، تقوم بعض الدول بإصدار تعليماتها لرعاياها بتوخي الحذر أو الطلب من المتواجدين في شبه جزيرة سيناء بمغادرتها في أسرع وقت، وهناك تحذيرات جديدة بشأن quot;التحرشات الجنسيةquot; وتحذيرات للراغبين في السفر إلى مصر لقضاء الاحتفالات برأس السنة من الأماكن السياحية المزدحمة في البحر الأحمر وquot;أماكن المظاهراتquot;، وإستخدام الحافلات الصغيرة quot;الميكروباصاتquot; علاوة على الحذر من quot;خطر الأنشطة الإرهابية المستمرة في سيناءquot;، ومن quot;خطر الألغام الأرضية التي سببت الكثير من الإصابات والقتلىquot;، وجاء في سياق التحذير بعض المناطق التي يتركز فيها وجود الألغام وأهمها سيناء.

ولإلقاء الضوء على quot;الأنشطة الإرهابية المستمرةquot; نود دراسة بعض التحليلات التي تفيد بأن الشبكة التي قامت بتنفيذ عملية طابا وفجرت فندق هيلتون ومنتجعين آخرين، وهي عملية على قدر من الإحكام والقوة وأدت إلى مقتل 35 شخصاً وجرح ما يقرب من 105 آخرين معظمهم من اليهود.

وجاءت العملية في وقت كانت فيه القوات الصهيونية تعيث فساداً في قطاع غزة وتمارس عمليات إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وكذلك السياح اليهود الذين يعيثون فساداً أخلاقياً في سيناء، بينما هناك صمت عالمي مطبق مقرون بالرضى لسكوته عن إستمرار العنف الصهيوني.

بما إن هذه العمليات وأمثالها تمس علاقة الحكومة المصرية بالكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين فليس من المستغرب أن يذهب بعض المحللين إلى أن الموساد أو بعض الجماعات اليهودية المتطرفة هم من قاموا بالعملية، وفي جميع الأحوال فإن هذه الأحداث المأساوية تعتبر بداية الإرهاب في سيناء التي لم تشهدها من قبل وبهذا الحجم وبهذه الدقة.

لذا كان على الطرفين بذل الجهود للكشف عن العمليات الإرهابية نظراً لحساسية العلاقات بينهما وأهمية المنطقة التي وقعت فيها العمليات من الناحية الإستراتيجية حيث تتجاور الحدود المصرية مع حدود الأردن والسعودية وفلسطين، ولهذا لابد أن نضع بعين الإعتبار طبيعة المنطقة وجغرافيتها وحساسيتها الجيوستراتيجية.

وبعد الإعلان عن تفكيك الشيفرات الغامضة حول الحوادث وإعتقال معاوني المنفذين، لم يكن الأمر كما ذهب بعض المحللين، وإنما كان تعبيرا عن حركة تمثل شبكة من الأصدقاء والجيران والإخوة من جيل الصحوة في المنطقة ولهذا نجد أن التحليل يشير الى مفهوم الشبكة كعلاقة إجتماعية وسياسية وعقائدية مركبة وهي جزء من التعبير عن الشعور بالظلم والاضطهاد والقمع.

إن محاولة فهم طبيعة هذه الشبكات هو من صميم التحليل الثقافي والإجتماعي والنفسي والعقائدي وغيرها وليس التحليل الاقتصادي، فليست المطالب الاقتصادية هي الدافع وراء هذه الحركات خاصة الأصولية منها.

فالحركات الأصولية والشبكات التي تعبر عنها هي بالأساس تعبير متطابق مع quot;الحركات الاجتماعية الجديدةquot; حتى لو كانت غير أصولية فإنها تمثل مسألة الهوية والدفاع عن مطالب الأمة وحقها في إختيار نمط الحكم والحياة، لأنها تتسع للعديد من الأجيال، والخبرات التراكمية ومسألة الهوية والجوانب المتصلة بالمظالم الحقيقية التي تمثل ملمحاً أساسياً لها لأن هذه المظالم إن تراكمت ولدت إنتفاضة، أو أشياء أخرى قد تكون إرهاب، إنتقام، مقاومة.. الخ.

ومن يطالع التفاصيل التي كشفتها أجهزة الأمن المصرية يجد نفسه أمام شبكة تتكون وفق منظور quot;الحركات الاجتماعية الجديدةquot;، فقائد العملية هو إياد سعيد صالح فلسطيني الجنسية الذي لقي حتفه في أحد الانفجارات، حسب بيان وزارة الداخلية في 25-10-2004م، وشاركه في التنفيذ صديقه محمد أحمد صالح فليفل مصري الجنسية الذي قتلته الشرطة المصرية في 02-08-2005م بالقرب من السويس، وإثنان من الإخوة هما سليمان وحماد جمعة طرابين جميعهم مصريون، وتعرفوا على محمد جايز صباح صاحب ورشة ولديه خبرة في عمل المؤقت الذي يضبط وقت التفجير، ثم تعرفوا على محمد عبد الله صاحب ورشة خراطة وهو الذي قام بتثبيت المؤقتات في صناديق السيارات الثلاث التي نفذت الحادث، ثم تعرفوا على إيهاب مصباح وله خبرة أيضا في العمليات المتصلة بتقنيات التفجيرات.

إذن نحن أمام شبكة جمعتهم quot;رؤية واحدةquot; ومن الطبيعي أن تحتاج إلي quot;الإطار المرجعي الرئيسيquot; وقد يكون هذا الإطار هو quot;الهوية العربية الإسلاميةquot; التي تتحرك الشبكة وفقاً لها.

تشير المعلومات إلى أن إياد سعيد صالح الفلسطيني تحول إلي التدين في عاميه الأخيرين وإن الذين شاركوا في هذه الشبكة كانوا من المتدينين فشكلوا نواة شبكة لها رؤية وطابع خاص يتناسب مع جغرافية المنطقة التي يعيشون فيها.

وضمن quot;الإطار المرجعي الرئيسيquot; للشبكة مثلت القضية الفلسطينية الموضوع المركزي خاصة أن إبادة جماعية يتعرض لها الفلسطينيون وقياداتهم، ويشعر المسلمون في العالم كله بالاضطهاد والظلم الذي يواجهونه في فلسطين والعراق وأفغانستان بحجة الحرب على الإرهاب، ويزداد الإدراك لدى قطاع الشباب المسلم -وهو القطاع الحركي الحي- في جسد الأمة بأن حملة صليبية تشن على المسلمين ولابد من عمل أي شيء لمقاومتها، وقد ساعدت على نشوء quot;صحوة إسلاميةquot;، من دون أن تكون لها رؤية واضحة لطبيعة الصراع العربي الإسرائيلي.

من هنا فإن quot;الأصل الفلسطيني لإيادquot; وتحوله إلى التدين والفهم الإسلامي الذي يشوبه الكثير من الأخطاء هو الذي جعله ينشيء شبكة لشعوره بالظلم والاضطهاد الذي يواجهه شعبه، ولأنه من سكان العريش فهو يعلم جيداً جغرافية المنطقة وطرقها ومسالكها وشعابها والوجود اليهودي فيها ومتى تكون كثافته وفي أي الأماكن خصوصاً في أعيادهم الدينية.

وفي سياق التحليل لهذا النوع من quot;الحركات الإجتماعية الجديدةquot;، يتضح أن لها وجه خفي غير معروف، وهو ما يؤمن وجودها في مجتمعها دون الملاحقات الأمنية، وإن كانت الدولة تعيش في ظل قانون الطواريء منذ إغتيال السادات، ولكن هذا الوجه الخفي أو الكامن يتم كشفه والتعبير عنه بعد التنفيذ.

من هنا كانت العملية مفاجئة وغير متوقعة رغم التحذيرات الإسرائيلية المستمرة من إحتمال حدوث عمليات من جانب تنظيمات لها quot;طابع أصوليquot;، وإسرائيل تعلم أنها سبب كل هذه الحوادث الإرهابية وحتى لو لم تقم بها والتي بدأت في سيناء ولن تنتهي إلا بزوال مسبباتها ومنها الظلم والإضطهاد والإحتلال وغيرها.

ومنذ اللحظة الأولى عقب العملية كان الإستنتاج الأمني المصري هو أن العملية قام بها تنظيم محلي ذو طبيعة خاصة وليس له صلة بتنظيم القاعدة، خاصة بعد ضبط العربات والأجهزة التي استخدمت.

ويمكن القول إن ظاهرة quot;الصحوة الإسلاميةquot; ذات quot;الطابع الجهاديquot; تعيد تشكيل نفسها وفق منطق جديد يقوم على التعبير عن المظالم من خلال الشبكات الصغيرة التي تتخذ قراراتها بشكل مفاجئ لا يمكن توقعه أو التنبؤ به، خاصة أن شبكة تفجيرات طابا أكدت أنها quot;شبكة وظيفيةquot; كما يقال في الهندسة القيمية بمعنى أن كل واحد من أعضائها كان له وظيفة محددة وواضحة في العملية، وبالتالي تدخل المنطقة في مرحلة جديدة للتعبير عن عدم الرضا من خلال العنف.

ويلاحظ أن المشاركين هم من جيل الشباب الذين لم ينالوا قسطاً وافراً من التعليم، ويمكن القول إن هذه الشبكات لا تحتاج إلى التنظير الفكري، لأنها تريد الانخراط في تنفيذ ما تظنه تعبيراً عن الاحتجاج على الظلم الذي يتعرض له المسلمون عموماً أو أخوان لهم على الطرف الآخر من الحدود، وإيقاع بعض الخسائر من خلال عمليات نوعية في المنطقة لمنح الثقة لبقية الأمة.

إن هذه التنظيمات تؤكد أن الظلم أي كان مصدره صهيوني و/ أو غربي للعالم الإسلامي سوف يكون بداية لأشكال من العنف والإرهاب في مناطق أخرى وعلى خطوط تماس جديدة ربما تكون كارثية، حيث يمكن quot;لشبكةquot; أن تنفذ عمليات في منتهي الخطر، وهي تؤكد أن عالم الفعل وليس الكلام هو الذي سيكون عنوان quot;الحركات الإجتماعية الجديدةquot; في المرحلة القادمة.

انهم يمثلون مكوناً أساسياً للهوية وعلى هذا يجب على دول الجوار لفلسطين ان تأخذ في حسبانها مكونات الهوية لسكان المنطقة والفلسطينيين المقيمين فيها عند وضع مشروعاتها التنموية، وان تقوم بتسهيل إندماج الطاقات الكامنه لدى هؤلاء الفلسطينيين الذين تنعتهم باللاجئين وهم أساس في التركيبة السكانية لهذه الدول، وهل سيبقى الفلسطينيين يعملوا تحت رعاية قاصرين ولايأخذوا زمام مصيرهم أم سيعتبرون من الآن فصاعداً فاعلين ولهم حقوقهم؟.

ودليلاً على التحليل السابق لابد من إلقاء نظرة فاحصة على ما قضت به محكمة أمن الدولة العليا بمدينة الإسماعيلية يوم 30/11/2006م بالإعدام شنقا بحق ثلاثة متهمين في قضية تفجيرات طابا ونويبع التي وقعت عامي 2004م و2005م، وهم كل من يونس محمد محمود وأسامة النخلاوي ومحمد جايز حسين صباح، الذين ينتمون الى تنظيم quot;التوحيد والجهادquot;.

وقد أدين الثلاثة بالقتل العمد والشروع في القتل العمد وحيازة بنادق آلية بقصد استعمالها في نشاط يخل بالأمن العام وإتلاف مبان مملوكة للغير وحيازة أسلحة quot;والانضمام لجماعة إرهابيةquot;.

وقضت المحكمة أيضا بحبس متهمين آخرين مدى الحياة (25 عاما)، فيما أمرت بحبس ثمانية آخرين مددا تتراوح بين 15 وخمس سنوات بعد إدانتهم بمساعدة المخططين والمنفذين الأصليين لثلاث هجمات إنتحارية ضربت منتجعات طابا ونويبع ورأس شيطان في 07-10-2004م، وأودت بحياة 34 شخصا بينهم 11 إسرائيليا.

وكان المدانون يقيمون في مدينتا العريش والشيخ زويد في شمال سيناء، وهي منطقة قريبة من الأراضي المحتلة وتعاني من الفقر والظلم ويرتبط عدد كبير من سكانها بالفلسطينيين، وعلى ضوء تلك المحاكمات فقد طلبت إسرائيل من رعاياها مغادرة سيناء فوراً.

الأمر الذي يجعلنا بحاجة الى المزيد من القراءة والتحليل لندرك الإجابة على سؤال: هو مازال ماثل أمامنا: الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية؟

مصطفى الغريب