المصالحة الوطنية جزء من الحل
لايمكن إغفال ما لمؤتمرات المصالحة الوطنية التي تعقد في العراق بين الحين والآخر من أهمية كبيرة في ترطيب الأجواء وتقليل الإحتقان فيما بين القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية الحالية وفي فتح قنوات للحوار بين هذه القوى مجتمعة وبعض الأطراف السياسية التي ترفض حتى الآن الدخول في هذه العملية السياسية.. إلا أن إعتبار هذه المؤتمرات كحل لما يمر به العراق اليوم من مآسي يومية هو إعتبار بعيد عن الواقع الذي تتداخل وتتشابك وتؤثر في مجرياته الكثير من العوامل.
إن أحد أهم الإنجازات التي يمكن أن تحققها هذه المؤتمرات حالياً هو تقريب وجهات النظر المتباعدة والمتنافرة تماماً بين القوى السياسية التي تشترك حالياً في إدارة السلطة في العراق هذا من جانب وبينها وبين القوى السياسية التي تعارض سلطة هذه القوى وعمليتها السياسية من جانب آخر.. إلا أن الإنجاز الأهم الذي يمكن تسجيله من خلال هذه المؤتمرات هو أنها شكّلت تراجعاً واضحاً من قبل بعض القوى السياسية الإقصائية التي دخلت الى العراق بعد سقوط النظام السابق بصدر مليان عن مواقفها السابقة بإجتثاث هذا الطرف وحل تلك الجهة والتي كانت تتحدث بملأ فمها قبل عام أو عامين عن تمثيلها لغالبية أبناء الشعب العراقي وعن بطولاتها وإمكانياتها الخارقة في السيطرة على الأمور والتي أثبتت الأيام إن لم نقل السنين زيفها وبهتانها.. إن هذين الإنجازين رغم أهميتهما إلا أنها وكما ذكرت آنفاً لايمكن أن يكونا الحل لما يجري في العراق إلا أنهما وفي نفس الوقت من الممكن أن يعبدا الطريق الى الحل الذي من الممكن أن ينقذ العراق من محنته ومأساته التي يعيشها.. فسماع وفهم بعض الأطراف لوجهات نظر الأطراف الأخرى ومراجعة بعض الأطراف لمواقفها وقراراتها السابقة وتراجعها عنها علانية من الممكن ان يوصل هذه الأطراف مجتمعة الى حقيقة واحدة ألا وهي أن العملية السياسية الحالية والتي تشارك فيها أغلب هذه الأطراف ( كالأطرش في الزفّة ) هي عملية فاشلة ومصيرها الفشل المحتوم إن لم يتم إلغائها أو على الأقل تجميدها وإجراء تغييرات جذرية فيها.
المشكلة في العملية السياسية
فمشكلة العملية السياسية اليوم هي أنها ( جنين مشوه ) ولد من رحم مشوه نتيجة عملية قيصرية فاشلة تمثلت حينها بمجلس الحكم المنحل الذي أسس لعملية سياسية مبنية على نظرية المحاصصة الطائفية والعرقية في حكم العراق والتي أدت وكما نرى اليوم الى تجزئة الشعب العراقي وتقطيع أوصاله من قبل ميليشيات وعصابات إجرامية مشوهة أفرزتها نظرية المحاصصة المقيتة وولدت من رحم هذه العملية السياسية التي بنيت على أساس هذه النظرية.
ومشكلة العملية السياسية اليوم هي أنها وتوابعها من إنتخابات ودستور وربما قصداً ( سُلقت سلق البيض ) ولم يهيأ لها بشكل علمي مدروس حتى لاتُنتج نظاماً سياسياً سليماً يقف عثرة أمام تمرير الكثير من الأجندة الغير مريحة التي يجري اليوم تمريرها بكل هدوء على العراق وشعبه.. فالإنتخابات التي جرت على أساس هذه العملية
السياسية لم يسبقها وضِع قانون أحزاب مدروس يحدد طبيعة ونوع الأحزاب والقوى التي من حقها المشاركة بل تُرِك الحبل على الغارب لكل من هب ودب ولكل من ليس له خبرة ومؤهلات سياسية ولكل من ليس له وعي ثقافي وإجتماعي ليؤسس له حزباً ويشارك في هذه الإنتخابات ويفوز فيها ولكن طبعاً عن طريق البلطجة والتزوير والدجل ومثل هذه الأحزاب اليوم قوى مؤثرة ويُحسب لها ألف حساب في السياسة العراقية إضافة الى أنها وعن طريق ميليشياتها تمثل اليوم المتحكم الرئيسي في مصائر العراقيين وأرواحهم أمام ضعف الدولة وهوانها.. أما الدستور الذي كان أيضاً من إفرازات هذه العملية السياسية فيعلم الجميع أنه دبر بليل وأنه قد وضِع متلائماً مع رؤى وأهواء بعض القوى السياسية التي لها أجندة حزبية فئوية ضيقة وليس أجندة وطنية خالصة ترغب الوصول إليها شرعياً وبالقانون عن طريق هذا الدستور الذي إستفتي عليه هو الآخر بطريقة غير سليمة.مشكلة العملية السياسي اليوم هي إن الأحزاب والقوى السياسية المشاركة فيها تدّعي بأنها تعمل على بناء دولة قانون وديموقراطية ومجتمع مدني في الوقت الذي تمتلك وتتبنى فيه أغلبها ميليشيات مسلحة تستغل اليوم أجهزة هذه الدولة ومؤسساتها وسياراتها وملابسها في تدمير هذه الدولة ومجتمعها
ومشكلة العملية السياسية اليوم هي أنها ( تلزيك ) ففي الوقت الذي يحتاج فيه العراق بوضعه الحالي الى حكومة قوية بصلاحيات كبيرة تمكنها من السيطرة على البلاد وتوفير الأمن والخدمات لأبناء شعبها رأينا ساستنا الأكارم ولكي ( لايزعل بعضهم على البعض الآخر ) يُشكِّلون quot; حكومة تراضي وتوافق سياسي quot; أسموها تزويقاً quot; حكومة وحدة وطنية quot; غير متجانسة ومتفاهمة بين بعضها البعض فالصلاحيات بين رئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس الوزارء ونائبيه متشابكة ومتداخلة وتتضارب أحياناً بتضارب المواقف والتصريحات بين الكتل السياسية التي يمثلونها ورئيس الوزراء ليس لديه صلاحيات واسعة على وزرائه الذين يتبع كل منهم حزبه أو كتلته البرلمانية التي أوصلته الى هذا المنصب كما أن رئيس الوزراء ليس لديه أية صلاحيات على مجالس محافظات ومحافظي أغلب المحافظات العراقية الذين يتبع ويمثل أغلبهم أحزابهم السياسية التي تسيطر على تلك المحافظات عن طريق ميليشياتها وليس الدولة العراقية الغائبة تماماً عن بعض هذه المحافظات وما خفي كان أعظم.
ومشكلة العملية السياسي اليوم هي إن الأحزاب والقوى السياسية المشاركة فيها تدّعي بأنها تعمل على بناء دولة قانون وديموقراطية ومجتمع مدني في الوقت الذي تمتلك وتتبنى فيه أغلبها ميليشيات مسلحة تستغل اليوم أجهزة هذه الدولة ومؤسساتها وسياراتها وملابسها في تدمير هذه الدولة ومجتمعها عن طريق ممارساتها الغير قانونية والمشينة في إشاعة أجواء الفوضى والرعب الموت في الشارع العراقي وسط صمت وربما مباركة من قبل بعض هذه القوى والأحزاب.
ومشكلة العملية السياسية في العراق هي أن أغلب من يشاركون فيها هم ليسوا بمستوى مسؤولية إدارة هذا البلد وليسوا بمستوى تحَمّل مسؤولية الحفاظ على أرواح أبنائه بدليل الكثير الكثير من التصرفات والتصريحات الغير مسؤولة التي تصدر منهم وعنهم.. فعلى سبيل المثال لا الحصر يردد الكثير من هؤلاء السياسيين بأن العراق بخير وأنه يشهد تطوراً ملحوظاً في جميع الميادين في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب العراقي ككل وأهل بغداد بشكل خاص الى مايشبه الإبادة الجماعية وفي الوقت الذي يشهد فيه العراق تراجعاً مريعاً في جميع الميادين بدون إستثناء.. أما المثال الآخر والأخير الذي نورده هنا عن أن الكثير من هؤلاء السياسيين ليسوا بمستوى المسؤولية فهو ماتردد قبل فترة عن أن 176 عضو من أعضاء مجلس النواب ( فقط لا غير ) ينوون ترك البلاد والعباد يسبحون في بحر من الدماء لمدة شهر على الأقل والتوجه الى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج مما دعى بأحد المراجع الى إصدار فتوى تُحرِّم على السياسيين أداء فريضة الحج هذا العام بالذات علماً بأن أغلبهم ( وهم من الإسلاميين طبعاً ) كانوا يؤدون هذه الفريضة سنوياً أيام المعارضة عندما كانوا في المنافي وبالتالي فإن أدائها الآن بالذات ليس ضرورة مقارنة ببقاء هؤلاء السياسيين في البلاد وقيامهم بواجباتهم الدستورية والأخلاقية والدينية تجاه واقع الملايين من العرقيين الذين يفتقدون اليوم الى أبسط الخدمات ومئات العراقيين الذين يقتلون يومياً بدم بارد دون أن يحرك هؤلاء السياسيين ساكناً لتغيير هذا الواقع.
المصالحة الوطنية جائت متأخرة
إن فكرة المصالحة الوطنية وآليات تفعيلها وتطبيقها التي طُرحت وتُطرح الآن جائت للأسف متأخرة جداً عن موعدها الصحيح وكان من المفترض أن تكون متبناة ( إختيارياً ) من مبدأ ( العفو عن المقدرة ) من قبل القوى السياسية التي عادت الى العراق بعد سقوط النظام السابق وعلى رأس أولوياتها وأن يجري تطبيقها والعمل بها قبل البدء ببناء العملية السياسية الحالية بدلاً من الخطاب الإقصائي والتحريضي والتخويني الذي إعتمدته هذه القوى فور دخولها الى العراق والذي أوصلها في النهاية الى تبنّي هذه الفكرة ( مجبرة ) من مبدأ ( مُرغَم أخاك لا بَطَل )..فلو فعلت حينها ذلك لكانت قد وفرت على نفسها وعلى العراق والعراقيين الكثير الكثير.
همــســـة في آذان 176 سياسي عراقي....
- عن رسول الله ( ص ) أنه قال:
quot; إن دم إمرىء مسلم أكرم عند الله من الكعبة quot;.
وقيل أنه قال:
quot; الإنسان أكرم عند الله من الكعبة quot;.
مصطفى القرة داغي
[email protected]
التعليقات