الأربعاء: 2006.11.01

سلطان الحطاب

هنا كان الرئيس ابو مازن في العيد يحظى بتأييد ودعم الاردنيين ففلسطين وشعبها هي شق التوأم والثغر الذي لا نريد أن يؤتى من قبله حتى يظل أهله صامدين في بلدهم ويظل الاردن السند والسور والدعم فبقاء فلسطين ارضا وشعبا لتكون دولة مستقلة هو خدمة للاردن وحماية لامنه الوطني..وكذا الامر ان ظل الاردن منيعا ظل الامل في حرية الشعب الفلسطيني واقامة دولته واردا وقابلا للتحقيق..

وهنا ايضا جاء العراقيون من الذين ضاقت بهم الارض العربية بما رحبت وادارت القوى الغازية والمحتلة لوطنهم الظهر. وأنكرتهم بل وعملت على تهميش دورهم.. هنا جاءوا ليعلنوا عن ولادة جديدة وعن ظهور كان ثمنه الصمود والمقاومة والامساك بوحدة التراب العراقي وهويته العربية واسلامه السمح..جاء العراقيون ممن يمثلون المقاومة في وجه المحتل فالاردن كان دائما ملجأ احرار العرب منذ وصول الملك عبد الله الاول الى معان ومنذ عبور فيصل الاول الى دمشق رحمهما الله..

انها نفس اللحظة التاريخية..احرار العرب بمن في ذلك العراقيون جاءوا الى الانضمام لجيش الثورة العربية الكبرى قبل ان يبايعوا فيصل الاول في بغداد ويبنوا معه الجيش العراقي في 5/1/1921,.يأتون اليوم الى عمان التي ظلت من خلال الهاشميين مضارب لاهل الحل والعقد. وموقع مصالحة وحوار يجسد طموح الامة واحلامها..إنها عاصمة الحل العربي الذي دعا له الراحل الحسين حين انفضت الامة وتفرقت ايدي سبأ وتكالبت عليها الامم المتحالفة لضرب العراق عام 1990 تكالب الاكلة على قصعتها..

يأتي العراقيون لتكتمل الوان الطيف العراقي كلها..فيفتح الاردن laquo;الشقraquo; ويمكن هؤلاء الذين قدموا الدم من اجل حرية العراق ان يجلسوا يفاوضون من موقع امتلاك الاوراق..

الاردن يؤمن ان العراق لكل ابنائه لا يميز بين احد منهم وبين طائفة أو عرق واخرى وآخر ولا يتدخل في شأن هذا البلد الجريح وإنما ظل منذ البداية يؤمن بمساندة الشعب العراقي عبر كل الفترات المختلفة والانظمة المتقلبة وها هو يفعل اليوم..

نعم المقاومة العراقية في عمان ايضا..فعمان ليست مع الاحتلال ولا التجزئة وليست مع الحرب أو العنف او القتل على الهوية المذهبية..ليست مع التفجيرات والسيارات المفخخة وليست مع القتل وقطع الرؤوس ورمي الجثث في الانهار والاماكن الخالية..الاردن مع المصالحة ووحدة التراب العراقي وحرية الشعب الشقيق وامنه واستقراره ورخائه..

نحتفي بوصول هذا اللون العراقي الذي اصر الاردن ومنذ البداية على حضوره وسماع صوته وتمكينه من رفع هذا الصوت واعلائه حتى حين كانت الدبابات الاميركية تذرع شوارع بغداد وكان قادة العراق الجدد يعتقدون انهم يحكمون لوحدهم وأنه لا ضرورة للمشاركة وان بديل النظام السابق هو ماجاءوا به!!

الاردن يريد وضع كل الرؤوس على مخدة العراق الواحدة بمحبة وبتبصير بمصالح العراقيين وهو اذ يفتح البيت لهذه المصالحة كما فتحه لاجراء الانتخابات العراقية في مدنه فإن ذلك لإيمان راسخ بحق هذا الشعب الذي عذب طويلا لغياب أبناء امته..

هنا ايضا في عمان وبدعوة ملكية ذات بعد إنساني عميق ظل يؤهل الاردن لاطلالته المحترمة على العالم..وصل (90) ضيفا من اطفال روسيا الذين افزعهم الارهاب وروعهم وذويهم ممن بقوا على قيد الحياة حين قتل اقرانهم على مقاعد الدراسة في مدرستهم بمدينة بيسلان قبل حوالي عامين..

نعم جاءوا الى عمان لقضاء ايام يحاولون فيها ان يهدءوا الروع والخوف وأن يروا أن العالم وخاصة العرب والمسلمين يستقبلونهم من موقع الاخوة الانسانية لقد ظلت صورة مدرسة بيسلان في اذهان الاردنيين ووجدانهم حين كانت الجثث تخلى من الصفوف وهي ممزقة وحين كانت الامهات يركضن شبه عاريات لالتقاط الاطفال المحاصرين بالرصاص والجوع والخوف..

رأوا كيف ترمى جثث اقرانهم بعد موتها او يدفعون من النوافذ وهم احياء في فسحة الوقت الضيق من التفاوض قبل الهجوم..

نعم دعاهم الملك عبد الله الثاني باسمه وباسم كل اصحاب الضمائر الحية من الاردنيين والعرب والمسلمين ليحطوا في عاصمته وبين اهله لقد رآهم الملك ساعة وقوع محنتهم وهو في زيارته الى موسكو والتي صادفت يوم المجزرة التي تعرضوا لها وقد بلغ به الانفعال غايته وظل من يومها يتابع احوالهم ويستفسر عن ما حدث لهم وذويهم حتى جاءت اللحظة أمس الأول لدعوتهم..

يومها سقط حوالي(330) من الاطفال وأضعاف العدد من المصابين برصاص مسلحين هاجموا المدرسة ورهنوا الاطفال ليومين وفجروا اشتباكا اودى بحياتهم ليتحول ذلك اليوم الى يوم مأساوي سيظل التاريخ يحتفظ به..

هنا يختزن الاردنيون تجارب عاشوها من الاحتلال والعنف والارهاب وسيكون احساسهم بالضيوف ومأساتهم عميقا وسيوفرون لهم المعرفة الحقيقية عن هذا البلد وأهله والذي عانى ومازال يعاني ولا يريد لأي بلد أن يعاني من الارهاب أو العدوان أو الاحتلال..فأطفالنا يرون ما يجري في فلسطين وما جرى في لبنان.وسيرى اطفالنا ايضا ويسمعون ما اختزنته ذاكرة هؤلاء الصغار من اطفال مدرسة بيسلان الروسية الجنوبية من مآس فالاجيال الطالعة هي المسؤولة ايضا عن زراعة بذور السلام والتسامح والبعد عن العنف والقتل والارهاب..إنها رسالة الملك عبد الله الثاني التي يترجمها بالممارسة وليس بالكلام فقط..