رحم الله منظر العشق والحب الشاعر الراحل نزارقباني حيث قال يوما quot; ان النساء الجميلات لايغْفِرْن لرجل لاذاكرة له ولاينظر في اوراق الروزنامة ويقدم لهنَ فروض العشق اليومي quot;. لقد إختار العالم يوم الانقلاب الربيعي في الحادي والعشرين من شهر اذار ( مارس ) يوما للام يحتفل فيه فيكرَم هذه القيمة السامية. لايوجد في الكون من لايرى في امه أجمل والطف وابهى نساء العالم واكثرهم حنانا، هكذا يرى الاسود والابيض والاصفر والاسمر، يؤمن بهذا المسلم والمسيحي واليهودي والبوذي والملحد ايضا. ولذلك فان الاحتفال بتكريم الام ليس موضة غربية كعيد الحب او الفالنتاين مثلا بل ربما تكون الام هي العامل المشترك الوحيد الذي تتفق عليه كل الحضارات والمعتقدات والاديان والمذاهب وبالتالي الشعوب والاقوام كتحصيل حاصل.

ان الغربي الغارق في واقعيته لايمكن له ان يتصور ويطوف ويسبح بقيمة الام الى فضاء اوسع من الحيز الضيق الذي يحدد فهمه لهذه القيمة في البيت الذي يعيش فيه ولذلك تراه يهز راسه مستغربا عندما تحاول ان تذهب به لترمز بهذه القيمة السامية الى الارض والخصوبة والوطن والاصل، عيد الام بالنسبة للانسان الغربي هو ان يحتفي بامه التي ولدته بقبلة وباقة من الزهور وهدية فتجازيه بحضن دافئ. لانقول هذا اجحافا بحق الانسان الغربي وانتقاصا في مستوى العلاقة التي تربطه بامه لان الحق يجب ان يقال في ان هذا الغربي مؤمنا كان او ملحدا تراه متميزا في اظهار اسمى ايات الاحترام والتقدير بل التقديس احيانا لمن سجَلها القدر أماَ له. ولكن يبقى الشرقي والعراقي كما نعرفه جيدا متميزا في التعبير عن قيمة الام والتحليق بها الى الفضاءات السامية الرحبة حيث انصهرت وتمازجت لديه قيمة الام ( المحلية الشخصية ) مع قيمة الام ( الوطنية ) الاوسع والاشمل لتشكل مزيجا راقيا لاإنفصام فيه يلهب مشاعره ولايتوانى عن فدائهما تحت كل الظروف وفي كل الاوقات. ولذلك اصبح معتادا ان ينطلق الاديب والشاعر والفنان ليِسقط خوالجه ومشاعره تجاه والدته الطيبة الحنونة التي تعيش معه في البيت وتحاول بكل السبل اخفاء معاناتها ودموعها من ويلات الزمن لينطلق مباشرة الى استعارة تلك المعاناة والدموع فيوظفها في البكاء والالم على امه الكبرى ( الوطن ) وهو يرى ما حلَ بها او به من بؤس وشقاء ودمار بفعل عبث العابثين وغدر الغادرين وطمع المجرمين.

ان الادب والفن يبدأ بارسال الوجه الاول من الصورة ممثلا بالام العراقية وهي تُخفي في عباءتها الطاهرة كل معاناتها والامها وهمومها ليتبعها الوجه الثاني فيشير الى الام ( الوطن ) جسدا يئن من ثقل الاحتلال والنهب والتدمير فتندفع الصورة كاملة في فعل واحد لتقصف قلب وروح وعين المتلقي فتسبب اعراضا واضحة تتمثل في احمرار شديد في الوجه ونزيف في القلب وحرقة في الروح وفيضانا في العيون.

من الطبيعي ان لاتكون تلك الاعراض حكرا على احد او مجموعة معينة بل هي حق وواجب لكل مواطن يشعر بانتمائه لامه ووطنه، ولكن يبقى السياسي الوطني الصادق - وبحكم المهنة التي اختارها لنفسه ndash; هو من ينبغي ان تكون هذه الاعراض سببا لشقائه وعليه العمل بكل الوسائل للمعالجة منها لانه بعلاجه لنفسه انما يفتح الطريق للتخفيف من الام الكثيرين. وها هي الانباء تتحدث عن اجتماعات يعقدها قادة الكتل السياسية العراقية كل يوم على مائدة احدهم لمناقشة ما وصل اليه وضع البلد وسبل الخروج من هذا النفق المظلم.

ترى هل يقرر السياسيون العراقيون قادة الكتل السياسية الاجتماع للاحتفال بعيد الام ليس للتسامر ونحر وأكل الذبائح فقط وانما لكي يجلسوا فتُقرأ على مسامعهم احدى قصائد التغزل بالام والوطن او يُعرض عليهم احد التقارير الصحفية الدسمة الذي يتحدث عن اي منزلق ينحدر اليه الوضع واية مظاهر باتت سائدة في الشارع فتشتعل فيهم نار الغيرة ويشهد التاريخ السياسي العراقي المعاصر اهتزازا اصيلا للنخوة ولو مرة واحدة في هزة عراقية خالصة فيتنازلوا عن الانانية السياسية ويؤمنوا ان اربع اخماس مشاكل العراق كانت بسبب ايمان الحاكم والسياسي فيه ان الحياة السياسية هي ( فلم مصري ) ودور البطولة هو حصته من البداية وحتى يشاء الله امرا كان مكتوبا. عسى ولعلَ حضور كل هذا اوبعضه يساعدهم في ان يتمخض اجتماعهم عن هدية ما يقدمونها للمراة الام والارض في عيدها فتعرف عضلات وجهها نوعا من الابتسامة بعد ان انهكها همَُ وحزن وثقل الايام والسنين والعقود.

انظروا في اوراق الرزنامة واحزموا امركم واذهبوا الى اطهر النساء وانبل وطن فلهم وليس لسواهم ينبغي ان تُقدم فروض العشق العذري الطاهر النقي.

اللهم اجعل اطباقهم وكؤوسهم هنيئا مريئا عليهم وامنحنا فقط ما تملك نفوسهم من الغيرة الوطنية.

الدكتور وديع بتي حنا

[email protected]