في اللحظات التاريخية من الزمن تختار الشعوب طرقا وحلولا غير اعتيادية لتجاوز المحن التي تمر بها وكذلك تختار رجالا ليقودوها نحو الأمل والنجاة من مخاطر التشتت والاضمحلال، فالتأريخ يذكر يوشيدا رئيس وزراء اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، الذي قاد بلاده من اليأس إلى القوة الاقتصادية العظمى في العالم وجعل شعار اليابانيين في تلك الأيام العصيبة ( قلد ثم قلد وبعد ذلك ستقلد ) وهذا ما صار فصارت الصناعات اليابانية في السبعينات من القرن الماضي ولحد الآن تقلد في هونغ كونك وفي تايوان وفي كثير من بلدان المسماة بنمور أسيا، لقد أعتمدت خطة يوشيدا لاستنهاض همم اليابانيين في ذلك الوقت العصيب على مبادىء بسيطة ولكنها غاية في الأهمية للملمة الصف وتوجيه القدرات في الطريق الصواب، فهو طالب أولا أن يكون الخطاب الديني في اليابان باعثا للهمم وليس لتغييب العقل، وطلب من رجال الدين في اليابان لكي لا تضيع اليابان إلى الأبد في الفوضى والتهميش والتخلف أن يسعوا إلى توحيد كلمتهم الموجهة إلى أبناء الشعب الياباني ويكونمرادفها السامي، علينا أن نعمل لبناء ما خربته الحرب لأجل غد أفضل لأولادنا، الله تعالى في سمائه يأمرنا بهذا وعلينا أن لا نتقاعس في تنفيذ أرادة الله تعالى الذي يحب لنا الخير، فهب أولئك الذين أأتمنوا على الخطاب الديني كلسان واحد لتوصيل هذه الرسالة للشعب الياباني الذي تعرض لأسوأ هزيمة في التأريخ فهو الشعب الوحيد الذي قهرت أرادته أثناء الحرب العالمية الثانية بالقنابل الذرية وخلفت الضربات هزيمة نفسية ومادية رهيبة على المواطن الياباني لم يعرف أحد قبل ( يوشيدا ) كيفية الخلاص من قيودها النفسية المدمرة، ثم ركز( يوشيدا) في طلبه الثاني من شعبه، على أن المرأة اليابانية هي نصف المجتمع وكذلك فأنها ستلد أيضا النصف الأخر فلا ينبغي أن تكون معطلة، وجعل في خطط البناء والصناعة والاقتصاد دورا مهما لها ولتأهيلها لتتبؤا دورها في بناء الحياة، ثم ركز في طلبه الثالث على المشاركة السياسية من قبل جميع اليابانيين رجالا ونساء لترصين الديمقراطية وجعلها أكثر حيوية مما هي عليه في الغرب وأمريكا أما ما ركز عليه في الطلب الرابع هو التركيز على التعليم بكل مفاصله لكي لا تكون هناك فجوة رقمية في أعداد المتعلمين وغير المتعلمين مما لا يمكن معها الردم أو التصويب وإنجاح خطة البناء الشامل، وعلى هذه النقاط الأربع مضت اليابان إلى الأمام من نجاح إلى آخر، ولنا في العراق رجال لا نقول أنهم أفضل من يوشيدا ولكننا نقول أنهم متعلمون وقد أطلع البعض منهم على خبرات الآخرين ولديهم الحس الوطني ولكن ينقص بعضهم سمو الفكرة في نقل العراقيين من حال إلى حال أفضل وزراعة الأمل في نفوسهم، أين رجال الدين ( المؤمنون) الذين يزرعون في نفوس الناس خطابا دينيا باعثا للهمم الساعي لعمارة الأرض وبناء البلد وليس لتغييب العقل والتناحر الطائفي؟ أين المرأة التي همشت طويلا؟ فنحن لا نراها إلا لاطمة باكية متشحة بالسواد، أين التعليم بكل فروعه النظرية والعملية؟أين المشاركة السياسية الحقيقية وليس العشائرية أو الطائفية؟ أخيرا أين الأمل في عراق اليوم؟

فيصل عبد الحسن