من لا يقر بمظلومية شيعة العراق، ليس اليوم بل على مر التاريخ البالغ ما يقارب الالف واربعمائة سنة من عمر الاسلام ومن عمر الخلاف الذي نشب بين خلفاء نبي الاسلام وبالاخص في فترة حكم على وما تلاها، والتي وصلت ذروة مأساتها في مقتل الحسين وصحبه بالصورة المأساوية التي ينقلها لنا التاريخ في واقعة الطف في كربلاء، لا يمكن ان يقر باي مظلومية او باي حق، وقد تكون فترة البوهميين هي الفترة الوحيدة التي شعر بها الشيعة انهم حكام وليسوا محكومين وهذه الفترة ايضا كان الحكام اجانب ولكنهم شيعة المذهب ولذا كان للشيعة حضوة وفترة راحة، ولكن شتان بين الاقرار بهذه المظلومية وبين الاخطاء القاتلة لشيعة العراق واحدة تلو الاخرى.

الشيعة كمجموعة مذهبية او سكانية يشكلون الاكثرية في العراق، ولكن في الشيعة ايضا تنويعات سياسية حالهم حال كل مجموعة سكانية، فمنهم القوميين العرب ومنهم مذهبيون ويتبعونم رجال الدين في كل امور حياتهم ومنهواليساريون وكذالك العلمانيين.

ولكن الشيعة او القوى المتنفذة تصرفت وكأنها بنيان مرصوص الجدار، واحد احد، واخذ التيار الديني في الشيعة ياخذ الامور وكأنها مسيرة بيده وله وحده الحق في القول الفصل، وبهذا فانه اراد تجميل خطاء 1991 القاتل عندما تم رفع الشعارات الاسلامية الثورية والتي تتطابق مع شعارات المرفوعة في الجمهورية الاسلامية الايرانية، ولذا فقد ترك الشيعة لامرهم ولخيارهم الذي اختاروه، ولكن الشيعة لم يدفعوا الضريبة وحدهم بل دفعها عنهم كل الشعب العراقي، فبعد ان كان النظام محصورا في اربعة محافظات وبغداد ايلة للسقوط، نرى انه وبفعل ممارسات الشيعة ونعني به التيار السياسي الديني استطاع النظام فرض سيطرته وبقسوة لا مثيل لها على العراق واقسامه الوسطى والجنوبية ولمدة اثنى عشر سنة اخرى.

كان حريا بالتنظيمات الشيعية ان تتعلم من الدرس الذي تم تلقينمه لها، الاوهو ممنوع اقامة نظام مماثل للنظام الايراني، ممنوع تكرار تجربة ايران الفاشلة مع حقوق الانسان والاقليات وحقوق الشعب الديمقراطية واستقرار المنظقة، وان هذه الممنوعات لا تتلائم مع النظام الدولي الجديد، اي نعم قد تغض بعض الدول النظر عن تجربة ما اذا استنتجت ان هذه التجربة في مداها البعيد هي خدمة لمصالحها ولكن هذه الدول تدمر كل تجربة تعني لها ان تحققها من المؤكد انه يظر بمصالحها الانيةوالبعيدة الامد، والعراق يقوم على بحيرة نفط ويبعد عن البحيرات الاخرى بشمرة عصى لا غير.

اذا كان من المؤمل ان تعيد الاحزاب الشيعية حساباتها وتقوم بدرس الظروف المستجدة وتتحقق من ارادة الاطراف الدولية ومدى مسايرتها للتصورات الشيعية، وهذا ما لم يحدث، فالاستنتاج الذي نخرج به من تجربة الاحزاب الشيعية خلال هذه السنوات الثلاثة هو انها ارادت استعمال اميركا كحصان طروادة تركبه ليصل بها الى السلطة معتمدة على الديمغرافية الشيعية وعلى الحقد الذي زرعه النظام في قلوبهم لكل توجه سياسي اخر والذي عنى لهم ان انقاذهم لن يكون الا باحزاب تبرز هويتهم وترفع لواء ذلك عاليا، وهكذا نرى بدل من ان تقوم الاحزاب الشيعية بتبصير الناس بمخاطر تشييع الحياة والدولة ومحاولة فرض قيمهم عليها وجعل الدولة جزر امنية خاصة، وخصوصا مخاطرها من دول الجوار وكذالك من بقية افراد الشعب التي ستنظر حتما للعملية على انها اعتداء على خصوصياتها، لا بل سرقة الدولة لصالح الشيعة، في الوقت الذي عانت كل تلاوين الشعب من ممارسات النظام المباد، لا بل ان هذه التلاويين تحمل الشيعة وشعاراتهم سبب اطالة هذه المعانات.

وكان انصار النظام من الذكاء ان اغلبهم لبس الجبة السوداء والتحق بما سمى جيش المهدي، هذا الجيش الذي كانت اغلبب انجازاته الاعتداء على المسيحيين والصابئة المندائيين وغلق محلات الحلاقة وفرض الحجاب او الملابس الاسلامية على الناسن ولعل اكبر انجازات هذا الجيش وقائده هو العملية الخسيسة التي ادت الى مقتل السيد عبد المجيد الخوئي، ونتيجة للشعارات التي رفعها انصار السيد مقتدى الصدر والتي عممت ونشرت على نطاق واسع من قبل بعض الفضائيات العربية لا بل وبعض العراقية والتي اعتقدها التيار الاسلامي انها تعبر عن نبض الشارع، سارع هذا التيار الى تبني هذه الشعارات والتي زين اغلبها بانه يريد استقلال البلد وان ابنائه قادرون على ادارته كمزايدة رخيصة على صبيان جيش المهدي، دون ان يروا مدى التدهور الذي يؤدي اليه رفع هذه الشعارات و مدى التدمير الذي يقود اليه هذا الامر.

ولذا فالاحزاب الشيعية ارادت اعادة تجربة 1970 _1974 اي غض النظر عن الاكراد ومنطقته في كردستان العراق مع منحهم الحرية الكاملة للتصرف في بقية العراقن مؤملين ان يستجيب الاكراد لمثل هذه المعادلة الفاشلة والتي رفضها الاكراد منذ ثورة ايار برفعهم الشعار الديمقرايطة للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان العراق والذي تطور لاحقا الى النظام الفدرالي للعراق، اي ان الاكراد استفادوا من تجربة بداية السبعينات وادركوا ان لا حقوق لهم الا باقامة النظام الديمقراطي والذي يتناقض مع ايدولوجيات الاحزاب الشيعية والذي يتناقض مع محاولة فرض ايديولوجية معينة على الدولة، فنظام حكم البعث قدم بعض التنازلات المرحلية حينذاك الا انه اعادة فرض سيطرته مرة اخرى ودمر المنطقة بتقديم تنازلات اخرى الى شاه ايران في اتفاقية الجزائر السيئة الصيت، وعندما شعر بقوة اكثر تنكر لاتفاقية الجزائر مهاجما ايران معتبرا اياها لقمة سائغة، بمعنى ان الاكراد ادركوا ووعوا ان لا ثقة ولا امان الا مع نظام ديمقراطي تام لا يمتلك قوة الانقلاب على نفسه وفرض الامر الواقع كلما شاء.

اليوم يريد شيعة العراق تسويق مسألة سيطرتهم على مفاصل الحكم ومسألة فرض ايدولوجيتهم على الشعب باعتبارها احدى تجليات الممارسة الديمقراطية متنا سين ان الديمقراطية ليس ممارسة الية بل ضوابط قانونية ورؤية موحدة للدولة وسياستها وبناءها ومواثيق تكاد تقدس حرية الانسان وتجعله الاساس لكل شئ وان الدولة واجهزتها وقوانينها هي لخدمة هذا الانسان الحر، في حين ان ايديولحية الاحزاب الشيعية تعنيى استعباد الانسان وحصره ضمن اطار واحد وجعله الة صماء في خدمة ايدولوجية الاهية معصومة وهذا الامر لا يتفق عليه الشعب العراق لانه اساسا مكون من اديان ومذاهب واحزاب.

امام الوضع الصعب الذي وصل اليه العراق ليس من المستحيل اعادة عقرب الساعة الى الوراء بعض الشئ وتسليم السلطة لمن هو اقدر على ادارة الدولة، لمن يتمكن من الفصل بين الدولة والايدولوجية، لمن يتمكن من القضاء التام على المليشيات والخارجين على القانون باسم الدفاع عن الدين والمذهب والذين يستعملون المقرات وبيوت العبادة لاعتقال وحجز المواطنين وطلب الرشوة منهم.

ان الدلائل تكاد تشير الى ان شيعة العراق وقياداتهم السياسية لم يتعلموا من التجارب، وهذه الدلائل تكاد تشير الى انهم سيفقدون موقعهم المشارك الاصيل في رسم سياسة البلد، الى موقع المؤثر الثانوي ان لم يكن المنزوي ولمدة عقود اخرى، لان ساسة الشيعة لا يقرأون التاريخ ولا التطورات السياسية على الواقع.

تيري بطرس

[email protected]