وصفت عملية تل أبيب الأخيرة بالحقيرة وإنقسم الفلسطينيون حول إدانتها فمنهم من شجب وإستنكر ومنهم من إعتبرها رد فعل طبيعي لمعاناة الشعب الفلسطيني، ولكن كيف أجمع العالم على إدانة هذه العملية ولن يجمع على رد الفعل الإسرائيلي القادم لامحالة، وحين يأتي الرد الإسرائيلي على تلك العملية لن تجد هناك من يدين فكأنما أحد العمليات شرعي والآخر غير شرعي، وإن كانت نتيجة العمليتين قتلى وجرحى من فلسطينيين وإسرائيليين ولكن جنسية القتيل أو الجريح هي التي تحدد إذا كان هذا العمل شرعي أو غير شرعي حتى ولو كان هذا القتيل شيخ كبير مقعد على كرسي متحرك.

والغريب في الأمر أن العلاقات العربية الفلسطينية تتوتر على خلفية حادث مثل حادث تل أبيب وقد يكون هناك إلغاء لزيارات أو إجتماعات أو إتفاقيات أو مساعدات مالية أو طبية أو ماشابه ذلك وهناك من الإتهامات مايبرر أي عمل، ويأتي ذلك الرضوخ لضغوط تسمى خارجية وليس بمستغرب أن تعاني الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس من عزلة دولية تمثلت في قطع المساعدات الأميركية والأوروبية عن السلطة الفلسطينية وستتبعها العربية لأن هناك ضغوطاً خارجية تمارس على الدول العربية لعدم التعامل مع الحكومة الفلسطينية الحالية.

وكثيراً مانسمع عن المساعدات المالية العربية ولكن في النهاية لن تصل تلك المساعدات إلا بموافقة إسرائيلية وبشروط على الحكومة الفلسطينية منها نبذ العنف والاعتراف بإسرائيل وإنتهاج السلام وقبول المبادرة العربية وغيرها من الشروط والضغوط التي تمارس على طرف ولاتمارس على الطرف الآخر، وأكد على ذلك رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية حين قال quot; إن الضغوط الدولية على الشعب الفلسطيني والحكومة الفلسطينية quot;تهدف لانتزاع المواقفquot;.

إن ماتقوم به إسرائيل يتم وفق المخططات التي رسمها حكماء صهيون منذ وقت بعيد واتجهوا الى اختراق الساحة الفكرية والعقائدية وفق مخطط مدروس ومتقن فكانت الصهيونية وليدة التراث الفكري الاستعماري الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين وهي أداته في المنطقة، لهذا نجد أنها تقوم بالأعمال الوحشية والمجازر وأعمال أخرى مثل بناء جدار الفصل العنصري العازل لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وماتقوم به يومياً من تدمير للبنية التحتية وإغتيال لرموز الحركات الفلسطينية وفصائل المقاومة ونشطائها، ولا أحد يقوم بالضغط عليها أو يستنكر عليها هذا العمل بل نجد أن رئيس السلطة الوطنية يصف ردود الفعل الفلسطينية بالأعمال الحقيرة.

وينجم عن ذلك تساؤلات كثيرة لاتنتهي فاين المصير المشترك؟ أين الآلام المشتركة؟ والآمال المشتركة؟ والمصالح المشتركة؟ كل هذا يحتم على المسلمين أن يتحدوا ويتلاحموا وأن يتكتلوا لأن عالم اليوم يتكلم بلغة التكتل، إذ لا مكان في عالمنا المعاصر للكيانات الصغيرة، إذ لايمكنها أن تعيش إلا إذا اعتمدت على غيرها، ونرى العالم كله يتقارب والمسلمين وحدهم يتباعدون.

أين الديموقراطية؟ وأين رأي الأغلبية؟ وأين حرية الرأي؟ وأين حرية الاختيار وحرية العقل والتفكير؟ بالتأكيد أن هناك من لايقبلون ذلك، بل يريدون أن يسير الناس كلهم قطيعاً واحداً وراء هذا الراعي الذي يمسك بعصا ولا يسمح لأحد أن يخرج عن هذا القطيع.

ونتابع المخططات التي رسمها حكماء صهيون بشأن التوطين فمسألة توطين الفلسطينيين في الأردن هي مسألة وقت ويسميها البعض quot;كارثة التوطينquot; وعندها فإن الاوضاع الداخلية للاردن سوف تتغير عندها سيعي الأردنيون تلك الحقيقة وهي إن الوجود الفلسطيني في الأردن وجود دائم وليس مؤقت وكبار المسؤولين يعلمون ذلك تماماً، ولهذا عجلوا بإتفاقية وادي عربة، ومن هنا لابد أن تنتهي مسألة الهوية لتكون هوية واحدة ويصبح جميع حامليها برقم وطني.

وتعمل إسرائيل على تحقيق فكرة الوطن البديل ولاسيما أن الفكر الغربي قد تحول من فكر سياسي الى مخطط استعماري ثابت تحركه الأدمغة اليهودية، وإستطاعت هذه الأدمغة عبر مخططاتها المحكمة والمتقنة إيجاد قناعات ثابتة لدى اليمين المتطرف في الغرب بأن دعمهم للدولة ldquo;اليهوديةrdquo; إنما هو التزام ديني لا غبار عليه، ولهذا فلم يكن السر الحقيقي للنجاح الصهيوني في الغرب يعود الى سيطرة اليهود على الإعلام فقط أو الى مقدرتهم العالية على الإقناع والتلاعب بالعقول ولكن الى أن الصهيونية الجديدة تشكل فرعاً من عقيدة ملايين المسيحيين الذين يؤمنون بأن دعمهم لإسرائيل هو واجب ديني.

وإستطاعت الأدمغة اليهودية تسخير بعض المسيحيين لخدمتها تماماً كما إستطاعت شراء ولاء بعض المسلمين العرب وغير العرب وهي وإن كانت قليلة جداً ونادرة إلا أن الصهيونية لا تدخر وسعاً في مواصلة مخططاتها ومحاولاتها المتكررة لتسخير الشعوب كافة لخدمتها وتحقيق أهدافها بالترغيب تارة والترهيب تارة أخرى.

وبالتالي لانستغرب أن يصف الرئيس الفلسطيني العملية الأخيرة في تل أبيب بأنها حقيرة، فهل تريد إسرائيل أكثر من هذا التوجه؟، وهل تريد أكثر من الضغوط العربية على القيادة الفلسطينية الجديدة نحو الإعتراف الكامل بإسرائيل من دون شروط؟ وهل تريد أكثر من توجيه بعض القادة العرب بوصلة تفكيرهم نحو الهلال الشيعي والدعوة الى عدم تدخل إيران في الشأن العراقي وإنطلقت هذه الدعوات من مخاوف قد تطال العروش أما الشعوب وماتعاني منه من قيود فلابأس، وأما اللاجئين وإن شكلوا أكثر من نصف السكان في بعض الدول فلا ضير، أي منطق يقبل بهذا التجني على الشعوب وسلبها حقوقها المدنية المشروعة.

كل هذا من أجل الضغط للسير في خارطة الطريق والتي اشترطت أهم بنودها لتصفية المقاومة وجمع السلاح، حتى لاتتجه الرصاصات إلى صدر العدو المحتل وكل ذلك من أجل وعود كاذبة لقيام دولتين تعيشان جنباً الى جنب أحدهما تملك رؤوس نووية والأخرى تبقى حلم وأمنية.

مصطفى الغريب

شيكاغو