هل الاسلام يحرض على احتقار الأقليات الدينية؟
هل الاسلام يدعو الى ازدراء معتقدات الأقليات الدينية؟
هل الاسلام يدعو الى ممارسة الاستعلاء الدينى و الطائفى ضد الأقليات الدينية؟
هل الاسلام يدعو الى شن الحروب النفسية الاعلامية والتعليمية ضد الأقليات الدينية؟
هل الاسلام لا يعترف بالأقليات الدينية الا وهم فى درجة مواطنة أقل من المؤمنين بالاسلام؟
هل الاسلام يدعو الى التضييق على الأقليات الدينية ومضايقتها معنويا لمحوها و طردها من الأراضى التى يقيم بها مسلمون؟
هل الاسلام يحرض على اقامة مقصلة للأقليات الدينية بهدف بترها تماما و تدريجيا من المجتمع ذو الأغلبية المسلمة؟
و هل غير المسلم الذى كتب عليه أن يعيش فى دولة ذات أكثرية مسلمة عليه أن يتحمل سيل لا ينقطع من الاهانات يوجه الى عقيدته فى الاعلام و التعليم و مصادر أخرى؟

قبل أن تتسرع عزيزى القارىء و تتهمنى بمحاولة الاساءة الى الاسلام من خلال طرح هذه الأسئلة أحب أن أوضح أننى أرفض الصاق هذه التهم بالاسلام، لكننى فقط أريد أن أشير الى ممارسات تحدث جهارا نهارا عيانا بيانا باسم الاسلام ضد الأقليات فى المنطقة العربية وللأسف - و هذه هى الطامة الكبرى والازدواجية المحيرة - لا يدينها المسلمون! عينة بسيطة من هذه الممارسات كافية جدا لوضع عشرات الكلمات من نوعية نعم أمام أى من الأسئلة أعلاه، علما بأننى لم أطرح السؤال عنوان هذا المقال لأسمع تعاليم نظرية لا تطبق فى الواقع، و بالتالى لا أنتظر منك عزيزى القارى ادخالى الى موعظة لاسماعى أيات كريمة مثل quot;لا اكراه فى الدينquot; أو quot;لكم دينكم و لى دينى quot;، أو الحديث الشريف quot;من آذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامةquot; أشكرك على مجرد التفكير، لكن كل هذه التعاليم العظيمة للأسف بعيدة عن التطبيق، وبالتالى لن يفيدنا كثيرا ادخالها فى حوارنا هذا، كما أننى أرجو ألا يدخلنا هذا الحوار فى مناظرة تاريخية تعيد علينا حدوتة الأنبا بنيامين الذى أمنه عمرو بن العاص عند دخوله مصر..الخ أو عشرات من الحواديت المشابهة التى مللناها من كثرة سماعها، فنحن الآن نعيش فى القرن الحادى و العشرين.. ولسنا فى القرن السابع الميلادى..

وسنكتفى هنا بحالتين فقط، و كلتاهما من مصر، وواحدة منها فقط تكفى كنموذج صارخ يشهد على اضطهاد الاعلام باسم الاسلام لأكبر الأقليات الدينية فى المنطقة العربية، الأقباط، وما من شك فى أن ترجمة بعض عينات من منتجات النموذجين المذكورين أدناه الى لغات أخرى يشكل أكبر اساءة للاسلام

النموذج الأول لاضهاد الأقباط وتحقير معتقدهم ومحاولة محوهم من المجتمع :
ها هو نموذج يوضح كيف أن الحكومات تتواطأ مع بعض المتطرفين لمحو الأقليات و محاصرتها نفسيا و اضطهادها معنويا، بحيث تعزل على مستوى الواقع و تشعر أن وجودها غير مرغوب فيه! و هذا النموذج عبارة عن شخص يصنفه البعض بأنه داعية و يصنفه البعض الآخر بأنه عالم، تخصص فى الاعجاز العلمى للقرآن الكريم، و منذ ظهوره فى عالم النجومية الاعلامية فتحت له الصفحات فى أكثر الصحف العربية انتشارا على مستوى العالم، وسخرت له ساعات من الارسال التلفازى، و كل هذا لا اعتراض عليه، فحق الأقليات فى مساحات اعلامية وساعات ارسال متساوية يبدو أنه قضية خاسرة فى المنطقة العربية فلن نتعرض لها الآن، لكن المصيبة الكبرى أنه أصبح ينتهز كل فرصة و أى موضوع يتحدث فيه ليسب معتقدات أقباط مصر! كتبنا كثيرا واشتكينا كثيرا و ليس من يعيرنا أى اهتمام! التواطؤ الحكومى ظاهر، فالحكومة هى التى التقطته و فتحت له اعلامها الذى يمول من دافعى الضرائب و منهم الأقباط، و أصبح لزاما على الأقباط أن يتحملوا تطاوله وأسلوبه الهابط فى الاشارة الى مقدساتهم!
و السؤال الآن: كيف يوافق الاسلام على هذا؟ أرجو ألا تسارع عزيزى القارىء باسماعى آية أو حكمة اسلامية أو ما شبه، فالجريمة متكاملة الأركان، هذا الشخص يفعل ما يفعل باسم الاسلام، و الحكومة التى استأجرته وحرضته فعلت ذلك باسم الاسلام والاهانات - أرجو المعذرة فى هذه العبارة - التى يكيلها لأقباط مصر و مقدساتهم بلا انقطاع تصدر باسم الاسلام،و المتخاذلين فى رده عن ظلمه و سخفه - و هم فى منتهى الكثرة - يفعلون ذلك باسم الاسلام، اذا: كيف يوافق الاسلام والمسلمون على ذلك؟

النموذج الثانى لاضهاد الأقباط وتحقير معتقدهم و محاولة محوهم من المجتمع:
شخص آخر، تنقل برشاقة بهلوانية - يحسده عليها قرد - بين عدة مذاهب سياسية كانت طاغية فى النصف قرن الماضية، وانتهى به المطاف الى الأصولية الاخوانية، التقطته الحكومة للمزايدة على تغلغل الاخوان - وهو فى تيارهم - فى الشارع المصرى، و أصبح هو الآخر نجما اعلاميا يحتل ركنا أسبوعيا بارزا فى ثانى أكبر الصحف اليومية بالاضافة للعديد من البرامج التلفازية التى تستضيفه من حين لآخر، عدوانى اللغة و له قدرة خارقة على التدليس والخداع ونشر الكراهية واستحضار زبالة التاريخ بانتقائية مدهشة تثير الاعجاب، بارع فى اللعب على وتر النعرة الدينية..، تشعر وأنت تستمع له أنه رغم كبر سنه لم يعرف الكياسة أبدا! و ليت الأمر يقف عند حدود كونه مدلسا عدوانى الخطاب فاقدا للكياسة، بل أصبح ينتهز كل فرصة لسب المقدسات المسيحية ولاهانة أقباط مصر فى معتقدهم، وكل من يقرأ له يكاد يتفق على تعمده أن يرتكب هذا الجرم! علقنا كثيرا على كتاباته و أرسلنا لمن يصفوا أنفسهم بالمعتدلين الذين لا يفرقوا بين مسلم ومسيحى وقلنا ما معناه quot;عيب يا جماعة، لا يصحquot; لا تتركوا هذا الشخص يدمر مصر بهذه الطريقة.. و لم يلتفت لنا أحد..، و السؤال الآن: كيف يوافق الاسلام والمسلمون على ذلك؟ مرة تانية، الجريمة متكاملة الأركان، هذا الشخص يفعل ما يفعل باسم الاسلام، والحكومة التى التقطته واستأجرته وخلقت منه نجما اعلاميا وأطلقته على الأقباط فعلت ذلك باسم الاسلام، والاهانات - أرجو المعذرة مرة تانية فى هذه العبارة - التى يكيلها لأقباط مصر ومقدساتهم بلا انقطاع تصدر باسم الاسلام،والمتخاذلين فى رده عن ظلمه و سخفه -وهم فى منتهى الكثرة - يفعلون ذلك باسم الاسلام، اذا، مرة ثالثة، كيف يوافق الاسلام و المسلمون على ذلك؟

هذه عينة بسيطة توضح كيف أن هناك أفعال كثيرة ترتكب باسم الاسلام ضد الأقليات وللأسف لا يعترض عليها المسلمون، و الهدف هنا ليس عرض قائمة بالمشاكل التى يمر بها الأقباط أو التى تمر بها الأقليات الدينية فى المنطقة العربية، فليس هذا هو هدف هذا المقال، كذلك ليس الهدف هو حصر التجاوزات الاعلامية ضد الأقباط أوالأقليات الدينية فى المنطقة العربية، سواء المباشرة التى تطعن طعنا مباشرا فى العقائد الأخرى خاصة المسيحية و اليهودية أوالمذاهب الأخرى مثل الشيعة، أو الغير مباشرة مثل التى تصف الاسلام بأنه quot;الدين الحقquot;، أو أن من تحول الى الاسلام قد quot;اهتدىquot;، أو أن quot;فى الاسلام دية غير المسلم نصف دية المسلمquot; ( جريدة الأهرام القاهرية 9 أبريل 2006)، أو كلام من نوعية quot;لا قوامة لغير المسلم على المسلمquot; (الأهرام 14 أبريل 2006).. الخ، أو التى تتحدث عن عظمة الاسلام كما لو كان الاسلام هو الدين الوحيد الذى عرفته البشرية..الخ، اذا بدأنا فى حصر هذه التجاوزات فلن ننتهى..

و الملاحظ أن النموذجين أعلاه بعد كم التخريب الذى أصاب العقل المصرى و النسيج الوطنى بسببهما فى السنوات الماضية، خرجا على الملأ بعد أحداث الفتنة الطائفبة الأخيرة لينتقدا الأقباط و الكنيسة القبطية واتهامهما بأنهما السبب وراء هذه الأحداث، وكان أسلوبهما مستفزا وكلامهما أكثر استفزازا ملىء بالكذب الذى أتحدى ان كانا هما يصدقانه، حقا.. اذا لم تستح فافعل ما شئت..

والسؤال النهائى الذى لا مفر من تكراره حتى نجد حلا لهذه الظواهر المفزعة: كيف يوافق الاسلام و المسلمون على ذلك؟

عماد سمير عوض

نيو جيرسى