في البداية تحية من القلب إلى المثقفين السوريين الشجعان موقعي إعلان بيروت دمشق التاريخي المصحح إلى أبعد مدى للعلاقات اللبنانية السورية.
تحلو الحياة كالقهوة المرةِ رغم علقمها، ويتحلى الربيع الدمشقي بأجمل حلله، ويصبح الاعتقال والملاحقة والإهانة والاغتيال شرفا عظيما ووساما مضيئا على صدر صاحبه مدى الحياة عندما يكون الهدف التضحية بالجهد والنفس والروح من أجل نصرة قيم الحرية والديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان والعدالة وذم آفات الاستبداد والدكتاتورية والفساد والقمع وشريعة الغاب وأقبية المخابرات وحالات الطوارئ ومؤامرات وطاويط الليل وفبركات خفافيش الظلام.
ضاعت أهدافهم السامية من أمام أعينهم، وانقلبت موازينهم رأسا على عقب. وتساقطت شعاراتهم وهوبراتهم الواحد تلو الآخر، وعرَّتْهم الأحداث المتلاحقة من ورقة التوت الأخيرة، كاشفة عن حقيقتهم أمام المثقفين والرأي العام. إنهم قوى التسلط القابضة برقاب المجتمع بقوة السلاح ولا تريد له الخير والتقدم والازدهار والنجاح. قوى مدمرة للعالم العربي، شتت قواه. ظالمة تآمرية فاشلة ومن خلال فشلها لا تريد النجاح للآخرين وتظلمهم إن استطاعت، وتتهمهم بالتآمر شططا وتتآمر عليهم في العلن والسر. ما تم كشفه في الأردن مؤخرا بخصوص أسلحة حماس القادمة من سوريا وإيران دليل آخر على زعزعة استقرار الأردن وضرب دولته الديمقراطية. في العراق يتكرر المشهد بعد أن تحولوا إلى وحوش مفترسة لقتل مفكريه. ومع لبنان لا يريدون ترسيم الحدود لتسيطر الفوضى عليها ولكي يتسللون منها لتخريب أي تقدم لا يرضون عنه، وليمدون القيادة العامة وفتح الانتفاضة بالاسلحة عبر معابر برية غير شرعية، مثل:دير العشاير وحلوة وينطا وعيحا وكفر قوق وقوسايا ودير الغزال.
يغامرون حتى الانتحار، ليل نهار، لكي تفشل تجربته الديمقراطية ويضعون العراقيل تلو العراقيل في وجه حكومته اليافعة. يقومون بهجمة دموية شرسة لإعادته إلى حظيرة الاستبداد وجمهورية المخابرات. وهو صابر صامد واقف بشموخ يتلقى طعنة الغدر من الشقيق ويئن من جروحه النازفة بصمت.
ولهذا فلا عجب أن تغدر فتح الانتفاضة ndash; المنتفضة فقط على لبنان الديمقراطي ndash; عن سابق تصور وتصميم وبإيعاز منهم بالجيش اللبناني. وهكذا سقط دون سبب برصاص الغدر المجند العريف في الجيش اللبناني، الشهيد مصطفى مثلج متأثراً بجروحه يوم الجمعة 2006.05.19:
شهيد تثبيت الديمقراطية وانبلاج شمس الحرية وفرض السيادة الكاملة وتحقيق الاستقلال الناجز وإعادة القرار اللبناني الحر إلى ممثليه الشرعيين.
شهيد نزع السلاح الغير شرعي: لبناني وغير لبناني، وتبادل السفارات وترسيم الحدود بين لبنان وسوريا من مزارع شبعا في الجنوب حتى العريضة في الشمال، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية من 1559 وحتى 1680 تنفيذا كاملا.
شهيد الوطن الذي لم يشبعوا خلال أكثر من 30 سنة باسم القضية من المتاجرة به ومص دماءه، واستباحة أرضه، وتدمير اقتصاده، وسرقة أمواله، وضرب استقراره، واغتيال خيرة رجاله، وتشريد شبابه، وتهديد مستقبل أطفاله، وإحباط آماله في المصالحة والبناء وإنهاء الحروب، التي لم تجلب لسكانه من لبنانيين وفلسطينيين إلا النكبات والآلام ودون جدوى بتحرير شبر واحد من فلسطين المغتصبة.
شهيد الوطن الذي يريدون أن يغتالوه يوميا في وضح النهار، وبكل خسة ودناءة وحقارة وغدرٍ ولؤم. تماما كما اغتالوا الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه بكل خسة ودناءة وحقارة وغدرٍ ولؤم. ولكن سحرهم انقلب عليهم فاسودت وجوههم وصاروا عبيد أفكارهم الشريرة. وصار هو: صرحا للحرية، ورمزا للسيادة، وعنوانا للكرامة، ومجدا للبنان، وفخرا للعرب، حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكي يعبر عن عمق مشاعره نحو لبنان وإجلاله للشهيد الكبير علق على سترته الزر الذي يحمل صورة الرئيس رفيق الحريري والذي كان موضوعا على سترة النائب سعد الحريري عندما زاره الأخير في مقره الصيفي في مدينة سوتشي.
القرار الأممي 1680 أصبح قانونا دوليا. وهو يطالب سوريا بتبادل السفراء وترسيم الحدود واحترام سيادة واستقلال لبنان. ردا على هذا القرار أوعزت سوريا لرجال فتح الانتفاضة المتواجدين كقوات دون أدنى شرعية على الأرض اللبنانية باستفزاز الجيش اللبناني واستحداث خيمة جديدة للتمدد فوق أرضه. عندما توجه بعض أفراد الجيش للطلب منهم نزع الخيمة جابهوهم بالرصاص دون سابق إنذار. هم يفعلون ما يطلبه منهم أسيادهم في دمشق حتى ولو كان ضد مصالح الشعب الفلسطيني. وهنا لا بد من مصارحتهم بالقول: ما هذه الأخوة التي تتغنون بها مع الجيش اللبناني يا رجال فتح الانتفاضة، وانتفاضة على من انتم؟ وقبضايات على من أنتم؟ على العدو أم على الشقيق؟
هل هدف انتفاضتكم تحرير لبنان من اللبنانيين؟ أم غدر الجيش اللبناني بين الحين والحين؟ البارحة غدرتم بالمساح الشهيد محمد إسماعيل، وأرديتموه قتيلا دون سبب. واليوم غدرتم بالمجند الشهيد مصطفى مثلج. تقتلون القتيل وتريدون المشاركة في التحقيق أيضا! ما هذه المهزلة؟ أهل أنتم دولة دستورية فوق أرض لبنان ؟ ومن شرع لكم قتل جنود الجيش اللبناني؟ ويا ليت السرعة التي تطلقون بها الرصاص على الجيش اللبناني تستعملونها ضد من اغتصب أرضكم !
اذهبوا إلى فلسطين السليبة عبر الجولان المحتل وحرروا ترابكم المقدس!
ولماذا تحملون أصلا السلاح بين القرى اللبنانية البعيدة جدا عن حدود العدو الإسرائيلي؟
هل للتفنيص في هضاب ينطا اللبنانية؟ وما هو الهدف من استحداث خيمة وادي الأسود؟ هل لأن انتفاضتكم تحولت إلى خيمة يرثى لها من التبعية والركود ؟
هل نسيتم فلسطينكم المحتلة؟ هل نسيتم تحرير اللد وعسقلان والرملة البروة وحيفا وسعسع ويافا والقدس؟ الظاهر أنكم نسيتم كل شيء وأصبحتم دمى بأيدي النظام السوري الفاشل في تحرير أرضه. يحرككم كيفما يشاء وفقط لغدر لبنان المنكوب. أما تحرير الجولان المغتصب ففي خبر كان. فجبهة الجولان بهمة الإخوان تنعم بالهدوء والسلام. ضمان واطمئنان لأمن إسرائيل ومصافحات كمان، واستيراد التفاح الجولاني دعما للاقتصاد الإسرائيلي، والإعلان تكرارا عن مفاوضات دون شروط المهم أن تقبل إسرائيل التفاوض. لقد تحول شعار quot;حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمدquot; إلى: حرب التخريب ضد الجيران العرب إلى الأبد.
أمر سوري لمنظمة فتح الانتفاضة وللقيادة العامة: ممنوع منعا باتا إطلاق رصاصة واحدة ضد إسرائيل. ممنوع منعا باتا الاقتراب من حدود الجولان! المطلوب فقط التسلل إلى لبنان وإطلاق الرصاص بغزارة لقتل الجنود اللبنانيين.
إذا كنتم حقا قبضايات وتحبون سوريا كل هذا الحب بعد أن نسيتم فلسطين فلماذا لا تنتفضون على القرار السوري وتطالبون حكامها بالسماح لكم لتحرير الجولان المحتل من قبل عدوكم إسرائيل التي اغتصبت ارضكم وشردتكم من دياركم، وتمارس أبشع الممارسات بحق شعبكم في الداخل. أريد تذكيركم: بأن اللبنانيين لم يغتصبوا أرض أحد. واحتضنوا إخوتهم الفلسطينيين ومنذ نكبة 48 وما زالوا. اللبنانيين دفعوا ثمن الصراع العربي الإسرائيلي غالي جدا جدا. نذكركم بأن المعادلة تغيرت عن عام 1975 بحربه المشئومة. اليوم الجيش اللبناني والشعب اللبناني واحد. ولا توجد قوة في العالم تستطيع وضع إسفين بينهما.
حذار ثم حذار من اللعب بالنار! أنتم الخاسرون بممارساتكم العدائية المستهجنة ضد الجيش اللبناني في بيته وفوق أرضه.
ليكن في علمكم وعلم أسيادكم بأن لبنان ليس وحيدا. لبنان معه كل أحرار العرب. هو في قلبهم وضميرهم وتفكيرهم لأنه مظلوم. أنتم وأسيادكم معزولون حتى من شعبكم. ومصيركم حفرة صدام التي ستتحول إلى حفر وحفريات. لبنان أصدقاءه كثر ومعه الشرعية الدولية وكل قوى الخير والديمقراطية والحرية في العالم.
سؤال أخير إلى أخي الكبير السيد حسن نصر الله: هل مقتل لبناني بيد إسرائيل دمه غالي ومقتله بيد الهجانة السورية أو فتح الانتفاضة أو القيادة العامة دمه رخيص ؟
خريف عام 1976 وقفت الحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد كمال جنبلاط والمقاومة الفلسطينية بقيادة الشهيد ياسر عرفات ضد القرار السوري بالدخول إلى لبنان. ولقد جرت عدة معارك لوقف تقدم الجيش السوري وبالأخص في الشمال والبقاع. عاقب حافظ الاسد الحركة الوطنية عام 77 باغتيال قائدها كمال جنبلاط الذي لم يكن محصنا. وعاقب ياسر عرفات الذي لم يكن من السهل اغتياله بشق حركة فتح، بفتح الانتفاضة، من اجل التخريب على عرفات وتوقه لتحرير القرار الفلسطيني من الوصاية السورية.
سعيد علم الدين
كاتب لبناني. برلين
التعليقات