التصريحات الأخيرة للملك عبدالله الثاني كان فيها تأكيدات على نقاط أساسية، قال فيها ان مصلحة الاردن quot;فوق كل الاعتبارات والمصالحquot; وأضاف أيضاً الى أن الأردن لن يكون وطنلاً بديلاً لأحد، وأفاد بأن شعار الأردن اولاً ليس شعاراً فقط وإنما هو مبدأ راسخ في ضميرنا ولا بد من التعبير عنه بالعمل والسلوك والانتماء الحقيقي لهذا الوطن.
ولكن قضية الإنتماء بحاجة الى تفسير وإيضاح وهنا نسأل عن مصير نصف الشعب الأردني الذين يعتبرون غير مواطنين فما هو مصيرهم ؟ ونود أن نسأل أيضاً أن النصف الباقي من الشعب الذي يعتبر أكثر من نصفهم من أصول فلسطينية ماهو موقفهم من الوطن البديل ؟. وهل سيتمكن الأردن من تجاوز عقبات كثيرة وعمل إستفتاء لهم ؟.
وهنا تتشابك وتتعارض المصالح لكل فئة من الفئات الثلاث وهم أبناء البادية من الأردنيين والمواطنين الأردنيين من أصول فلسطينية واللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الأردن، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو كيف سيكون هناك عدل بين هذه الفئات الثلاث ؟، إذاً هناك فئة مظلومة على حساب فئات أخرى ولكنها تلعب دوراً أساسياً في الإقتصاد القومي الأردني وهم يفكرون بعقلية المواطن ولكن الدولة تعاملهم على أنهم لاجئين وأنهم سيعودون يوماً الى وطنهم ؟.
دولة فلسطين كانت من الماضي وهي الآن حلم يرواد مواطنيها بقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، هذا الوطن فلسطين جرى إحتلاله وتم جلب المستوطنين اليهود من مختلف بقاع العالم ليحلوا بديلاً عن أبناء الوطن الأصليين ومن هنا نشأ مايسمى الصراع العربي الإسرائيلي والمدعوم من الغرب عموماً وتم الإعتراف بدولة إسرائيل من قبل الأمم المتحدة وبعض الدول العربية التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل والبعض الآخر في طريقه لتوقيع أمثال تلك المعاهدات.
إذاً هناك إتفاق بين جميع الأطراف الموقعة على إتفاقيات سلام مع إسرائيل على بقاء الشعب الفلسطيني لاجئاً وإلا فما فائدة الإعتراف بإسرائيل دون وجود دولة فلسطينية، إلا إذا كان هناك مخططات تعمل على توطين اللاجئين في أماكن وجودهم ولم يحن الوقت المناسب لتطبيقه بين مختلف الأطراف، وهنا يجيب العاهل الأردني بالقول quot;اذا كان هناك من يعتقد ان من الممكن تسوية القضية الفلسطينية على حساب الاردن فيجب ان يعرف ان الأردن لن يكون وطنا بديلا لاحد وان وطن الفلسطينيين ودولتهم يجب ان تكون على الارض الفلسطينية، وليس في اي مكان اخرquot;..
وهذا يؤكد التناقض بين أقوال بعض الأطراف العربية وبين أفعالها، يقول العاهل الأردني quot;نحن نعرف ان هناك من يحاول الاستقواء ببعض الدول، للاساءة لهذا البلد او تخريب العلاقةquot; بين الاردنيين والفلسطينيين وquot;لابد من ان يعرف هؤلاء ومن يقف وراءهم ان الاردن سيظل يساند بكل امكانياته الشعب الفلسطينيquot; حتى قيام الدولة الفلسطينيةquot;، ولكن كيف ستقوم الدولة الفلسطينية ؟ والأردن أول من قام بتجنيس أبناء الضفة الغربية منذ عهد الملك عبدالله الأول الذي كانت له أطماع بضم أرضي عربية إبتداء بالضفة الغربية.
من الطبيعي أن يسير الأبناء على خطى الآباء والأجداد لتحقيق طموحات الأجداد ولهذا بين الحين والآخر يتم التأكيد على أن الأردن لن يكون الوطن البديل ولكن إذا طلب من الأردن توسيع نطاق مملكته بدعم من إسرائيل ومن الدول الكبرى فلن يمانع الأردن في ذلك ولاسيما أن الأردن قائم على المساعدات الغربية وهل هناك مساعدات في عرف السياسة دون إملاءات.
يؤكد العاهل الأردني مجدداً بالقول ان quot;المنطقة من حولنا تمر باصعب الظروف واسوأ المستجدات ومن الواضح ان هناك جهات ودول تسعى للاستفادة من هذه الاوضاعquot;.، وهنا نود أن نتساءل من هي تلك الأطراف والجهات التي لم يحددها العاهل الأردني ؟، والتي quot; تسعى لتسوية مشاكلها على حساب دول الجوار، ومنها من تسعى الى تفجير الوضع ونشر الفوضى والدمار في اكثر من مكان، لتعزيز نفوذها وسيطرتها على هذه المنطقة بكاملهاquot;. ؟، هذا كلام غريب إلا إذا كان المقصود به إسرائيل وهو أبعد مايكون عن الواقع، لماذا لأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت في لقاءه المرتقب مع العاهل الأردني سيؤكد على مايلي:
أن الأردن هي حليف استراتيجي لإسرائيل.
أن خطة quot;التجميعquot; لن تمس بالإردن.
أن المخاوف التي أعربت عنها الأردن جراء الإنسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب ليس لها مايبررها وسيؤكد على تبديدها.
ولكن رغم التحالف الإستراتيجي بين الأردن وإسرائيل إلا أن العاهل الأردني تساوره المخاوف الشديدة من الخطوة الإسرائيلية التي من شأنها أن تزعزع استقرار الأردن، حيث أشار إلى ذلك لدى اجتماعه بالرئيس الأمريكي جورج بوش وعرض تحفظاته من الخطة الإسرائيلية. صحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot; قد نقلت عن الملك الأردني quot;تساؤلاته والإحساس بفقدان الأمن، ليس فقط لدى الفلسطينيين، وإنما في وسط كل الشركاء في السلام في المنطقة. كما أن الخطة من شأنها أن تمس بإمكانية تطوير علاقات الأردن مع إسرائيلquot;.
نقلت مصادر إسرائيلية أن الأردن طلبت عدم عقد مؤتمر صحفي مشترك لأولمرت وعبد الثاني، إلا أن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية أصر على أن يكون هناك بعد إعلامي للزيارة، وتم التوصل إلى حل وسط، يقوم فيه الإثنان بالإدلاء بتصريحات صحفية بدون الإجابة على أسئلة الصحفيين، وذلك من أجل تجنب الكشف عن النقاط الخلافية.
كان هناك حديث عن الكونفدرالية مع الأردن ولايزال بحكم أنه لايوجد هناك علاقة بين قطرين عربيين، إختلطت فيها الرؤى والمواقف كما هو في حالة العلاقة بين الأردن وفلسطين، حتى وصلت هذه العلاقة الى نسيج واحد من المجتمعين ولم يتداخل وينصهر شعبان كما هو في حالة الشعبين الأردني والفلسطيني وهناك من يعتبرهم شعباً واحداً، وإبتدأ هذا الإنصهار كما ذكرنا سالفاً بعد حرب عام 1948م مع إسرائيل بعد تجنيس الملك عبدالله لكل سكان الضفة الغربية بالجنسية الأردنية التي تعدل إسمها من إمارة شرق الأردن الى المملكة الأردنية الهاشمية.

وكان هناك إرتباط بين الضفتين منذ عام 1948م وحتى قرار الملك الراحل حسين بفك الإرتباط بين الضفتين الذي إتخذه الأردن عام 1988م، الذي كان محل ترحيب منظمة التحرير وكافة المنظمات الفلسطينية، لأنه كان قرارا حكيما وشجاعا على طريق السعي للوصول للدولة الفلسطينية المستقلة، لأنه كان يعني للأصدقاء والأعداء أن الضفة الغربية أرض فلسطينية محتلة، وهي هدف من أهداف النضال الوطني الفلسطيني لتكون جزءا من الدولة الفلسطينية التي نادى بها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1987 من جانب واحد.
قرار فك الإرتباط كان له مايبرره لكل طرف فالأردن أراد بفك الإرتباط تهيئة المناخ لعقد معاهدة سلام مع إسرائيل وقد حدث هذا بالفعل وخوفاً من إنقلاب بعض الأطراف عليه وتكوين دولة فلسطينية كوطن بديل يشمل الضفتين بإعتبار أنهما شعب عربي واحد، ولاسيما أن هناك دروساً مستفادة من أحداث أيلول الأسود عام 1970م، أما من وجهة نظر منظمة التحرير التي رحبت بالقرار هو رغبتها بالسيطرة على الضفة الغربية بموجب إتفاقيات كانت تحدث سراً بين أطراف فلسطينية وإسرائيلية حتى أصبحت علنية وهو مايعرف بإتفاقيات أوسلوا.
وصلت حماس الى رئاسة الحكومة الفلسطينية المنتخبة وخوفاً من تصريحات سابقة لمحمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الذي أعلن في وقت سابق quot; أن حركة حماس لا تعترف بفك الإرتباط بين الضفة الشرقية والضفة الغربية، ولهذا فإن الحركة ترفض أن يتخلى قادتها عن الجنسية الأردنية quot; ولهذا سارعت الأردن بإشاعة ما أسمته القبض على عناصر تابعة لحماس بتخزين الأسلحة في الأراضي الأردنية لتهريبها الى حركة حماس وإتخذ ذلك ذريعة لعدم رغبة الأردن في إستقبال وزير خارجية فلسطين محمود الزهار والعضو الفاعل في حركة حماس.
نأتي هنا الى قضية تاريخية أزلية بين العرب أنفسهم منذ حرب عام 1948م وهي أن الزعماء العرب يخونون بعضهم البعض ولهذا تحسبهم جميعاً في إجتماعات القمة العربية وقلوبهم شتى، وطالما إتفق العرب على ألا يتفقوا، فقد إتفق العرب على عدم قيام دولة فلسطين الأمر الذي يجعلنا ننصح الفلسطينيين بالعمل وحدهم ومن خلال إمكانياتهم الذاتية على تحرير دولتهم ونزع الشوك بأياديهم دون الإستعانة بأحد ولاخير في دول مازالت تبقي اللاجيء على أراضيها أكثر من نصف قرن دون أن يتمتع هذا اللاجيء بحقوق المواطنة العربية الإسلامية التي يجب أن تلغي مقولة الوطن الحقيقي..الوطن البديل.

مصطفى الغريب

شيكاغو