حين كانت القنوات الفضائية تعلن نتائج انتخابات البرلمان الكويتي كانت ثمة ابتسامة واسعة على وجهي، مع خبطة كف بآخر، مع تساؤل بريء: أين (هم) النساء في نتائج الانتخابات؟؟؟
مع كرهي الشديد ومقتي البغيض لكل ما يمت للسياسة بصلة، أراني مدفوعاً للكتابة عن هذا الفشل الذريع لبعض من أخواتنا الكويتيات في الامتحان الحقيقي الأول الذي خضْنه باستبسال إعلامي، وشجاعة صوتية، يحسدهن عليها كثير من المرشحين المقربين من النظام والذين فشلوا أيضاً في هذه الانتخابات...
إن الإقبال الشديد للمرأة الكويتية على ممارسة الانتخاب ndash;والذي صورته القنوات الفضائية- ربما كان يوحي ويغري المرشحات بأنهن على باب قوسين أو أدنى من الفوز، فمن البدهي ndash; في نظر المرشحات- أن أخواتهن من المنتخبات سيكنّ في صف جنسهن، لكي يخلصهن من الاضطهادات التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأسرية والجنسية و... التي أسهبن في الحديث عنها في حملاتهن الإعلامية، وإذا أضفن إلى أصوات أخواتهن أصوات بعض الأخوة الذكور الذين ينادون بحقوق المرأة أكثر من مطالبتهم بحقوق الرجل، فإن النجاح والفوز سيكون الحليف الأكيد لهن في تلك المعركة المصيرية... لكن شيئاً من هذا لم يحدث، وما حدث مخالف تماماً لتلك التوقعات ومحطم لهذه الأحلام التي تدعو للرثاء والشفقة.
وعلى الرغم من أن بعض الرجال المتهالكين و(الاستشهاديين)في سبيل حقوق المرأة والنسويين أكثر من النساء (على وزن الملكيين أكثر من الملك)، ذرف الكثير من الدموع حين فشلت جميع المرشحات ـ وبجدارة ـ في الوصول إلى البرلمان، على الرغم من ذلك فإننا لن نتساءل عن سبب عدم انتخاب الرجل للمرأة... فربما لدى الرجل ما يدافع به عن حقه في انتخاب رجل مثله، ولكن السؤال الخطير الذي يقدم نفسه وبقوة في الساحة السياسية والاجتماعية الكويتية، لماذا لم تنتخب المرأة الكويتية أختها المرشحة للبرلمان؟؟؟
بغض النظر عن الملابسات التي رافقت منح المرأة الكويتية حقي الترشيح والانتخاب، فإن الواقع الانتخابي يؤكد أن حق المرأة في الانتخاب صوّب حقها في الترشيح ووجهه الوجهة الصحيحة التي ينبغي أن يسير فيها.
المرأة الكويتية التي انتخبت الرجال وامتنعت عن انتخاب بنات جنسها، كان لديها جملة من الأسباب دفعتها إلى ذلك، ومن أهمها:
أن الإعلام العربي (السياسي والفني والصحفي والأدبي...) من المحيط إلى الخليج والذي كان يؤكد دائماً أن المرأة ـ حين تبقى في البيت ـ ستكون جارية في غرفة نوم الزوج وطباخة في مطبخه، وخادمة له ولأولاده.... كل هذا الإعلام دجل كبير وافتراء عظيم لا ينطلي بسهولة على أخواتنا المنتخبات الكويتيات.
أن على المرأة أن تكون أماً تبني الأجيال، ترضع أطفالها مع اللبن معاني الرجولة والنبل والفروسية والفضيلة والإيمان... وأنه حين تمتنع الأم عن إرضاع أولادها خشية ذبول أنوثتها أو لانشغالها بعملها (المقدس) خارج البيت، وتعتمد على زجاجات الحليب، فهذه الأم ـ في الحقيقة ـ ليس لديها ما ترضعه وتبني به هذا الولد... فحليب الأم ليس فقط إفرازات كيميائية يفرزها الصدر، وليس فقط مناعة تكسبها لجسد الطفل، إنما هو القيم والمبادئ والعقيدة التي ترضعها النساء لأولادهن وبناتهن... (أي رجال الغد ونسائه).
أن بيت الأسرة أكثر قداسة وأكثر حرمة من قبة البرلمان.
على الرغم من أن عمل المرأة خارج البيت ـ وبشروط معينة ـ ليس حراماً، ولكنه في المقابل ليس واجباً أكثر قداسة من تربية الأبناء، لاسيما في ظل وجود رخاء اقتصادي جيد كما هي الحال في دولة الكويت، وحينها يتحول عمل المرأة في الغالب إلى رفاهية وترفاً وتصبح أولوية رعاية الأبناء وبناء جو أسري سعيد أهم بكثير من وهم تحقيق المرأة لذاتها (وكينونتها وصيرورتها) من خلال العمل خارج البيت.
أن الأبناء في هذه الأيام العصيبة التي تتحطم فيها الأخلاق والمبادئ يحتاجون ـ وأكثر من أي وقت مضى ـ إلى أم ترعاهم ليل نهار، أكثر من حاجتهم لأم تزيد دخل البيت بضعة دريهمات (أو بالأحرى دنانير).
أخيراً لا بد من رفع القبعة للمرأة المنتخبة الكويتية التي عرفت واجبها جيداً وعرفت من تختار، ووجهت رسالة بليغة جداً لأختها المرشحة لتعيدها إلى ذاتها قليلاً كي تعرف أين هي الآن وأين يجب أن تكون؟
ولله الأمر من قبل ومن بعد...
علاء الدين الحلبي
مسلم من بلاد الله الواسعة
[email protected]
التعليقات