أليس من المستغرب أن يستطيع المرحوم حافظ الأسد التحالف مع الاتحاد السوفييتي وفي الوقت نفسه التحالف مع الولايات المتحدة ! أليس من المستغرب ان يتمكن من الحصول على دعم أمريكي للسيطرة على لبنان! وإيجاد إجماع لبناني على تأييده، من جنبلاط وحتى نصرالله صفير! وسحق الاخوان المسلمين دون كلمة ادانة من العالم! واقامة علاقة خاصة مع الخليج والعراق وايران في آن معا! وإرسال قوات الى حفر الباطن وفي الوقت نفسه الإبقاء على خطاب المقاومة والقومية !.

أين ذهب كل ذلك، اين ذهب الذكاء السياسي. الآن بشار الأسد لا يستطيع التحالف مع احد، الا مع ايران. ولم يستطع ان يمرر غزو العراق بسلام كما فعل والده، ولم يستطع التعامل بحكمة وذكاء مع لبنان، ولم يدرك التحولات التي حصلت في العالم، وفقد السيطرة على المعارضة الداخلية التي تلقفتها القوى الدولية، وشهدنا للمرة الاولى جبهة معارضة للنظام السوري!

لقد زاد الفقر في سوريا، والمعارضة، والضغوط الدولية، وطردت سوريا من لبنان، والعلاقة سلبية جدا مع العراق، ولا آفاق للسلام مع إسرائيل، وعلاقة سيئة مع الدول العربية، خليجها ومصرها وآخرون... فلماذا كل ذلك ؟ وماذا استفاد بشار الأسد.

هل يدرك الرئيس، الذي حصل على شرعيته من جلسة برلمان امتدت ربع ساعة، ان الخطب والمحاضرات التي يلقيها في القمم العربية ومؤتمرات دمشق، لا تصلح للنهوض بسوريا، بل للبرامج الحوارية في قناة الجزيرة. وهل يدرك انه متخبط، فثلاثون عاما من حكم والده لم ينشق عنه سياسي سوري واحد، وكان جميع اللبنانيون أبناءه، اما هو فقد أمضى شهورا في مقارعة جنبلاط ومروان حمادة، ولعله سعيد الان بأنه نفذ وعيده للحريري بتدمير لبنان فوق رأسه.

لقد كنا نعتقد أن تخبطه في السابق ناتج عن قلة خبرة، لكنه أطفأ مؤخرا الشمعة السادسة في الحكم، وهي فترة رئاسية ثانية في الدول الديمقراطية، فماذا حقق بشار الأسد؟ لقد ضاق صدره من مقالات في مجلة الدومري الساخرة، وصدق نفسه انه داعي للمقاومة في حين ان الجولان بارد وبارد، وهو الان يستجدي الوفود الغربية ان تزوره، وبلده تغرق في مزيد من المشاكل السياسية والاقتصادية، وهو غارق في الخطابة، وتمتين حكمه عبر الحديد والنار.

لقد ضيع بشار الاسد حكم والده، وضيع حزب البعث، وأضحى الحكم في يد طغمة علوية، وحول سوريا العلمانية الى دولة ذات نفس وهوى شيعي، وحول سوريا الاشتراكية الى دولة ذات اقتصاد مشوه تسيطر عليه فئة قليلة من الرأسماليين، فلا هو حافظ على الاشتراكية، ولا هو حقق اقتصاد حر مفتوح.

عليه ان يصحو، وان يدرك ان الزعيم المحبوب هو الزعيم الذي يعمل لشعبه، لا لبقاءه في الحكم، واذا كان ينتقد العرب لعدم وقوفهم مع المقاومة اللبنانية، فاليعمل على الوقوف مع شعبه، اذ ليس من المعقول ان تحكم عدة اشخاص عشرون مليونا في القرن الواحد والعشرين! ويا حبذا لو يطلع علينا بخطاب او محاضرة يشرح لنا لماذا لا توجد حريات سياسية في سوريا؟ أم أن الديمقراطية ستأتي في الوقت المناسب، مثل الرد على انتهاكات إسرائيل للاراضي السورية، في الوقت المناسب... والذي لن يأتي أبدا.

فايز الدرويش