نتائج على هامش الحرب

بغض النظر عن الموقف السياسي من العملية العسكرية التي قام بها حزب الله ضد الجنود الاسرائيليين، سواء اكانت اهداف العملية لبنانية او غير لبنانية او كان التوقيت مناسب ام غير مناسب... بغض النظر عما دار حول ذلك فان الحرب اللبنانية الاسرائيلية وتداعياتها افرزت مجموعة من المعطيات والنتائج المهمة جدا والتي تستحق استعراضها ولو على عجالة... من جملة تلك النتائج:

ـ لاول مرة نشهد مواقف عربية تحمّل علنا حزب الله مسؤولية التصعيد والدمار، وكذلك لاول مرة تعلو اصوات لبنانية تحمّل حزب الله واطراف اقليمية تتحالف معه تداعيات الاحداث، وتطالب بنزع سلاح حزب الله، وبالتاكيد لا نفاجأ حينئذ بالعديد من المواقف الدولية عندما تحمّل حزب الله مسؤولية ذلك، فتلك المواقف الدولية سبق وان اعلنت في مناسبات سابقة.

اذن لاول مرة وبشكل علني اتفقت كلمة القوى الدولية والاقليمية مع العديد من القوى اللبنانية على الوقوف بوجه حزب الله على الصعيد الدبلوماسي على الاقل كما هو معلن.

ـ وضعت هذه المعركة بعض البلدان العربية في موقف حرج جدا وفي نفس الوقت فضحت المعايير المزدوجة التي تتبناها حكومات تلك البلدان، فانها تدعم الجماعات المسلحة في العراق رغم ان الجميع يعرف بان تلك الجماعات عرّضت البلد الى مزيد من العنف والتخريب او ما يسمى بالمغامرات غير المحسوبة في مواجهتها مع الجانب الامريكي او استهدافها للمدنيين العراقيين، وفي نفس الوقت فان تلك الدول تندد بمواقف حزب الله وتعلن دعمها لقوى 14 اذار التي تتجه بوصلتها نحو فرنسا والولايات المتحدة الامريكية او بعض بلدان المنطقة، واذا كانت الحجة المعلنة في ذلك هي دعم هذه الحكومات لمبدا تطبيق القرارات الدولية في لبنان فانه في المقابل وجدت القوات الاجنبية في العراق بقوانين دولية من قبل الامم المتحدة التي يعترف بشرعيتها الجميع، فلماذا هكذا تتفاوت المواقف؟!!!

لقد اثبتت السياسة العربية وطبيعة حراكها الدبلوماسي انها رهينة للاصطفافات المذهبية، فالمحيط العربي حكومات ونخب ( وهو سني في الغالب ) ينظر الى الازمة اللبنانية مع اسرائيل من زاوية طائفية جدا.

ـ لقد اعطى حزب الله بادبياته النضالية وادواته وطريقة مناورته السياسية والعسكرية قيمة لمبدا المقاومة، كما انه عرّى التنظيمات التكفيرية الاصولية كتنظيم القاعدة الذي يعتمد الذبح والتفخيخ وقطع الرؤوس منهجية في تحركاته المسلحة، اضافة الى ان الحزب استطاع الاستحواذ على قلوب الكثيرين الذين يشعرون بالنقص ومرارة الهزيمة امام اسرائيل التي استطاعت ان تهزم العرب في جميع الحروب السابقة، وهذه القاعدة الجماهيرية التي تتسع اشعرت القاعدة بان حزب الله استطاع ان يسحب البساط من تحت اقدامها، فلم يكن الحزب في يوم من الايام مدافعا تطلق الى الخلف.. فلم يكفر احد ولم يهاجم سوى اسرائيل بعكس ما تمارسه منظمة القاعدة.

وبما ان الجميع تسائل عن غياب القاعدة الملفت عن لبنان على صعيد الدعم العسكري او الاعلامي... اصبحت القاعدة في موقف لا تحسد عليه قد يخسرها حتى اولئك المخدوعين بها، لذلك فهي وان كانت فيما سبق تتهم حزب الله بالعمالة والخيانة والتكفير الا انها اضطرت لاصدار شريط وبصوت الضواهري نفسه الذي حاول ان يذر الرماد في العيون حينما دعا ( لنصرة المسلمين في لبنان ) وهذه جملة غامضة، قد تعني بالنسبة لانصار القاعدة دعم شريحة معينة في لبنان لان الاخرين بالطبع ( ومن وجهة نظرها ) ليسوا سوى كفار، وهذه تورية واساليب اصبحت القاعدة تتلحفها وتمارس التقية فيها مع ان جزءا من منتجها الديني ـ الذي يمايزها عن المنتج والفكر الشيعي في مسائل كثيرة من جملتها ممارسة التقية في بعض الحالات ( التقية هي اظهار خلاف الواقع الذي عليه الشخص عند الضرورة) ـ من المفترض ان لا يسمح لها بذلك، وحتى لو تم تجاوز ذلك فان الضواهري حدد النصرة بشكل مثير للضحك بحيث يجعل النصرة غير مجدية ولا جادة في نفس الوقت وذلك حينما قال: ( ان نصرة لبنان تمر عبر اقامة امارة اسلامية في العراق ومن هناك ننطلق الى لبنان وفلسطين ) وهذه نصرة من يخلط البصل في العسل!!!

ـ اكد حزب الله في هذه المعركة بالتحديد ان اسرائيل قد خلقت لها اسطورة عسكرية قوية مصطنعة ومبالغ فيها بحيث اصبحت عاجزة حتى في غير حرب العصابات، فاسرائيل بكل ما تملك من خبرة عسكرية عجزت عن مواجهة صواريخ حزب الله، وفي نهاية المطاف فان اسرائيل لا استطاعت منع اطلاق الصواريخ ولا حتى منع سقوطها على العمق في اسرائيل، وهنا لا اتحدث عن صواريخ كاتيوشا بل عن صواريخ كبيرة ومتطورة مثل رعد وخيبر وغيرها، هذه من جهة ومن جهة اخرى فقد اكدت مقاومة حزب الله ان الجيوش العربية فيما سبق لم تكن تمتلك الارادة الحقيقية لمقاتلة اسرائيل اما لانها غير جاهزة على الصعيد العسكري او لان السياسيين لهم اهداف اخرى او ربما الاحتمالان معا، واذا كانت كل تلك المناورة العسكرية العنيدة هي ليست سوى امكانيات حزب، فعلى الجيوش العربية ان تقدم استقالة جماعية بعد اليوم.

ـ لقد اصبح سلاح حزب الله مثار جدل وخوف ليس فقط بالنسبة لااسرائيل وليس فقط من جهة الاطراف اللبنانية بل اصبح مثار جدل اقليمي ودولي وكذلك بالنسبة لجميع من لديه خشية من المارد الايراني... وهذا ما يجعل المطالبة بنزع سلاح حزب الله مسئلة غاية في التشابك والتعقيد اكثر مما كان في السابق، خصوصا بعد تصاعد ازمة المفاعل النووي الايراني والقوة العسكرية الايرانية بشكل عام وهذا ما جعل الولايات المتحدة الامريكية تجمد مسارات التغيير والدفع نحو الديمقراطية في الشرق الاوسط والعودة الى تحالفات سابقة مع الانظمة العربية في المنطقة في هذه الفترة على الاقل.

ـ حزب الله لم يثبت مصداقية عالية في شعاراته وتصريحاته وتحدياته فحسب، بل استطاع ان يثبت مصداقية عالية جدا في التغطية الاعلامية للحرب ولذلك فقد اصبح الحزب مصدرا عالي المصداقية بالنسبة للعدو والصديق، وهذه الظاهرة لم تكن مالوفة عند الاطراف المتحاربة في السابق كما انها قطعت الطريق على مزيد من الحرب النفسية في الاعلام التي تجيدها اسرائيل بما تمتلكه من نفوذ كبير في وسائل الاعلام... وهنالك نماذج كثيرة استطاع فيها الحزب ان يكشف زيف الاعلام الاسرائيلي فيها، لعل ابرزها ما اعلنه الحزب من استهداف البارجة الاسرائيلية الذي نفته اسرائيل ثم عادت واعترفت به بعد ان اظهر الحزب مادة تصويرية تثبت صحة الواقعة، هكذا هو الحال ايضا مع استهداف زورق اسرائيلي تابع للقوة البحرية او حتى تدمير خلايا تابعة للجيش الاسرائيلي.

ـ بعض مراكز الدراسات المختصة ذكرت ان الولايات المتحدة الامريكية تتابع وتدرس بدقة عالية طبيعة الاساليب القتالية التي يمتلكها حزب الله لانها تعرف ان بعض الشبكات المتمردة سوف تحاول الاستفادة من هذا النموذج.

في الختام

وتذييلا لما تقدم حول المعركة اللبنانية الاسرائيلية لا بد من التوقف ولو سريعا عند مسالة مهمة تتعلق بتغطية وسائل الاعلام العربية لجوانب الصراع، فالحدث جاء في زمن الفضائيات التي تبحث عن مادة اعلامية، وهذه الحرب تعتبر مادة اعلامية دسمة جدا لهذا الكم الهائل من الفضائيات وهذا ما جعل الحدث واقعا تحت انظار المجهر الاعلامي بامتياز، ومع ان حروب سابقة حضيت بتغطية اعلامية مناسبة الاان هذه الحرب شهدت رصدا اعلاميا لا يتحدث كثيرا عن التقسيمات الطائفية كما هو الحال مع تغطية الاعلام العربي للحالة العراقية، اذ ان وسائل الاعلام العربية كانت ولا زالت تغطي الاحداث والتداعيات السياسية في العراق بطريقة منحازة وافاق ضيقة جدا.

لكن ذلك الحياد النسبي الذي حضيت به الحرب اللبنانية لا يعني غياب بعض المعايير المزدوجة في الاعلام العربي فهناك بعض الفضائيات تصر على وصف ضحايات المدنيين اللبنانيين بالقتلى فيما تصف قتلى الفلسطينيين بانهم شهداء!

واذا كان الاعلام العربي لا يخلو في مجمله من الانحياز المتعمد حتى ان كان في درجات متفاوتة بين حدث واخر مع ذلك فان الاعلام في الضفة الاخرى والمقصود هنا الاعلام في الساحة الاسرائيلية تعرض لمضايقات فاضحة تذكرنا بحكومات الطواغيت والدكتاتوريات، بحيث بدت اسرائيل وكانها دولة لا تختلف كثيرا عن الانظمة المستبدة المتحكمة جدا في مقابض الاعلام،وان جميع الشعارات الديمقراطية ضربت عرض الجدار.

جمال الخرسان

كاتب عراقي

[email protected]