و كذبة إٍسمها الديمقراطية
مامن شك أن صدام حسين هو أكبر دكتاتور شهده العصر الحديث على وجه الأرض، و هو بطبيعة الحال و بدون شك ليس الدكتاتور الأوحد في العالم و لا في المنطقة، لذا أشك أيضاً أنه لم يخلف دكتاتور آخر أو آخرين وراءه في العراق يستفيدون من دروسه و أفكاره من بعده، و يشغلون مناصب حكومية حساسة الآن في حكومة عراق مابعد سقوطه.
فهناك الكثيرين ممن يحملون نفس صفاتة من بين الساسة و حتى من بين من بيدهم القرار السياسي في العراق اليوم، حتى في الإدارة الكوردية بكلتا شطريها البارتي و اليكيتي، أقول هذا من وجهة النظر الواقعية، لكن المشكلة ليست في وجود حاملي فكر الدكتاتور صدام، بقدر ماهي في وجودهم بيننا بشكل غير معلن وعدم وضوح ملامحهم، فهم يحملون ملامح أخرى و يصعب التعرف عليهم في الحالات العادية، وهم اليوم يلبسون أقنعة شتى و مختلفة و يرددون شعارات رنانة و جميلة، و يرددون دروس الديمقراطية و ينادون بها بين أروقة البرلمان، في حين أنه عندما نصل إلى نقطة حرجة أو حاسمة في السياسة، يكشفون بتعاملهم مع بسائط الأمور عن ملامحهم الحقيقية..أضف إلى ذلك النقص الواضح في الفهم الحقيقي لكلمة الديمقراطية و الجهل بكل تعريفاتها و أبسط شروطها وطرق تطبيقها و كيفية تحقيقها..
و هذا الشيء يبدوا واضحاً عند وقوع مسألة مصيرية أو مسألة تختلف عليها جهتان سياسيتان، هنا تبرز مشكلة التعامل الحضاري مع مفردة الديمقراطية من خلال التعامل مع القضية، و كيفية معالجتها، الأمر الذي هو منعدم أساساً في القاموس السياسي العراقي بسبب ثقافة العنجهية السياسية و ثقافة رفض الآخر و رفض حتى التعامل مع مشاعره في أبسط القضايا..
و الدليل بيان هيئة العلماء المسليمن الذي يقضي بفرض رفع العلم العراقي في جميع المؤسسات الحكومية و الحزبية في إقليم كوردستان، بدون مراعاة مشاعر الكورد إذاء هذا العلم الذي أنفلوا تحته و رشوا بالأسلحة الكيمياوية و إرتكبت في ظلها أبشع الجرائم، ليس في حق الكورد و إنما في حق الشيعة في الجنوب أيضاً، هذه الحقيقة التي لا يجهلها أحد.. فهي و في بيان لها تقول: quot;أن إنزال العلم العراقي من على بنايات المؤسسات الحكومية و الحزبية في إقليم كوردستان لا يقبل أي تبريرquot;، و يأتي في نفس البيان ذكر كوردستان بـ(شمال العراق) الذي يعبر عن الضغينة السياسية التي يعاني منها أغلب الساسة العراقيين تجاه كل ماهو كوردي و كوردستاني..
و نفس الموقف جاء من قبل قائمة الحوار الوطني بقيادة صالح المطلك الذي أدان قرار رئيس حكومة الإقليم و قال أنها إهانة للعلم العراقي، و نسي أن العلم نفسه و وجوده كل هذه المدة هي إهانة لكل العراقيين الشرفاء المتضررين من قبل النظام المقبور الذي أهان و اباد العراقيين في ظله، و إذ يقول صالح المطلك بلهجة تهديد quot;أن ما يؤخذ بالقوة يتم إسترداده بالقوةquot;، هذه اللهجة التي بطلت و باتت مرفوضة في العالم الحضاري الغربي و وفق معايير إنسانية و أخلاقية حضارية تتغير مع روح العصر و تطوره، و حتى أنهم يرفضون من يستخدمها، و هي نفس اللهجة التي كان يستخدمها صدام حسين، في حين المفروض بنا أننا تجاوزنا هذه المرحلة و هذه اللهجة أثبتت التجارب فشلها، لكن فشل الساسة العراقيون في فهم كلمة الديمقراطية و محتواها هي التي توقعهم في مثل هذه المطبات العصيبة التي من الممكن تلافيهما بشيء من البصيرة و الحكمة التي نكتسبها بقراءة بعض الكتب التي تتناول الديمقراطية و تعريفاتها المختلفة..
إذاً الفهم الخاطيء لمفهوم الديمقراطية و غلبة ثقافة إلغاء بالآخر و رأي الآخر، هذه المفردات التي هي أساس التعامل بين فئات الشعب العراقي، خصوصاً في مسألة مثل مسألة العلم العراقي الذي من المفروض حسمها بلغة أكثر حضارية من لغة التهديد و الوعيد، حيث أن جهات سياسية عراقية تعتبر إنزال العلم العراقي في إقليم كوردستان إهانة لمشاعر العراقيين، ينسون أو يتناسون أن فرض رفع العلم في إقليم كوردستان هي إهانة كبرى لمشاعر الكورد و بقاءها في باقاءها مرفوعة في باقي أجزاء العراق إهانة أكبر لمشاعر أمهات الشهداء و الشيعة و كل من تضرر جراء حكمة الطاغية..
و تتخذ هذه الجهات المعارضة لوجهة النظر الكوردية ndash;التي أشك أنها وجهة النظر الكوردية فقط، فهي تمثل وجهة النظر العراقية بشكل عام- تأتي هذه المعارضة مناسبة للتلميح لقضية أخرى و هي قضية الإنفصال التي لم يعد الكورد أنفسهم يتكلمون عنها في الوقت الحاضر لقناعتهم التامة بأنها في عداد المستحيلات، و هذا أبسط دليل على أن الكورد مقتنعون بشكل التعايش الجديد، و إن كان بشكل مؤقت، لكن هذه الجهات التي تتخذ من مسألة العلم ذريعة لقلب صفحات أخرى من كتاب القضايا العراقية، فتفتح ملف الإنفصال لتربط أمرين ببعضهما لاداعي لربطهما في الوقت الحاضر، لكن هذه المحاولة ماهي إلا تعبير عن فشل العراقيين أنفسهم في مساعيهم للتعايش مرة أخرى مع الكورد ضمن إطار دولة عراقية واحدة تجمعهم تحت لواء علم واحد يحتوي على رموز لكل الإنتماءات الوطنية، بدلاً من أن تذكرهم بمصائب الماشي.
هذه الطريقة في تناول الأمور و حلها وربطها هي دليل واضح على أن لا أساس لنا في أهم مسالة هي من أهم العوامل التي تساعد على عملية التفكير الصحيح و تناول الأمور بعقلانية و علمية و حضارية، و هي الفهم الحقيقي للديمقراطية، فإن مجرد تربصنا ببعضنا البعض من أجل الوقوع بالآخر و إتهامه دون وجه حق و رفض وجهة نظره، و تعقيد الأمور أكثر مما هي معقدة، و إهمال قضايا أكثر مصيرية و أهم من مسألة العلم مثل قضية الأمن و الخدمات و تنظيم الحكومة و أداءها و وضع المرأة و الطيفل و غيرها من الأمور التي لا تعد و لا تحصى، و ربما يكون العلم هو من أكثر الأمور التي قد نستطيع الإتفاق عليها، لكننا نضخم و نهول دون داعي لا لشيء و إنما فقط لتجريم و إتهام الآخر و رفض رغباته الإنسانية المشروعة، و هذا دليل واضح على أن الكذبة الأولى و الأكبر في العراق اليوم هي وجود الديمقراطية..
فينوس فائق
[email protected]
التعليقات