هذا الـ(بيروكوست) ليس ناطقاً رسمياً باسم جيش الاحتلال الأمريكي، ولا هو حتى ممرض صدام حسين

هكذا تعامل الإعلام العربي إن كان رسمياً أو ملفوف بغشاء فضائي يوحي أنه غير رسمي، مع بلوة الشعب العراقي المسماة (صدام حسين). فصلوا لنا كذلك فراشين أحدهما كبيراً وضعوا فيه كل حكايات صدام حسين التي أين منها حكايات هارون الرشيد
الأمريكي، الذي يعد العدة لوضع يومياته مع مريضه في كتاب سيكسر الدنيا. كذلك هو ليس من عشيرة (موفق الربيعي) المسئول الرفيع المستوى جداً والمسئول عن التصريحات الخطيرة جداً.. وهو لا ينتمي إلى جيش المهدي أو جيش عمر أو جيش الطائفة المنصورة.. هو لا ينتمي إلى أي جيش.. وهو إلا ذلك ليس عراقي ولا أمريكي، بل هو يوناني.


نعم، هو قاطع طريق يوناني ينتمي إلى زمن سحيق في البعد. لكن رغم البعد، ما زالت إحدى حكاياته متداولة إلى الآن. بل أزعم أنها منهاج ودليل عمل الصحافة العربية في زمن ما قبل وما بعد (صدام حسين) والمرشد الذي يهتدي بنوره الفطاحل والكتاكيت من المحللين العرب، سواء منهم الكائنين داخل الزنزانة العربية الممتدة من الماء إلى الماء أو خارجها. في قضية هؤلاء مع (بيروكوست)، لا يوجد بينهم علماني وإسلامي، يساري ويميني، رجعي وتقدمي، وطني وعميل، قومي وقطري.. بل الجميع متساوون ومتضامنون كأنهم أسنان المشط.


أما حكايته المتحولة إلى منهاج صحفي، فهي التالية: كان ذلك المجرم يعذب ضحاياه بطريقة فريدة من نوعها. كان له فراشان؛ فراش كبير وفراش صغير. كان يطرح المسافرين الطويلي القامة على الفراش الصغير والمسافرين القصيري القامة على الفراش الكبير. ثم يعمد إلى أرجل طويلي القامة فيقطعها، لأنها تتعدى الفراش. أما القصيري القامة فكان يجذب أرجلهم حتى يكونوا بمقاس فراشه الكبير تماماً.


هكذا تعامل الإعلام العربي إن كان رسمياً أو ملفوف بغشاء فضائي يوحي أنه غير رسمي، مع بلوة الشعب العراقي المسماة (صدام حسين). فصلوا لنا كذلك فراشين أحدهما كبيراً وضعوا فيه كل حكايات صدام حسين التي أين منها حكايات هارون الرشيد. وما أن تكبر الحكاية المتداولة وتتعدى حدود الفراش، حتى يعمدوا إلى مد الفراش نفسه لتأتي الحكاية على قد الفراش. أما الفراش الصغير فكان من نصيب الشعب العراقي. على طول الخط كان هذا الشعب في وعي الإعلام العربي نائم ورجليه في الشمس، لا يفقه شيئاً عن حكمة وبطولات وصولات قائده. ظل المواطن العربي المسكين نزيل الزنزانة العربية، يعتقد لآخر لحظة أن العراق هو صدام وصدام هو العراق. إذا قال صدام قال العراق وإذا زعل صدام زعل العراق. ليأتي لاحقاً بعض الصحفيين والسياسيين العرب من الذين تفطحلوا (فطاحل) بكوبونات النفط العراقي أيام الحصار، ليزيدوا الجرعة إلى حدود كادت أن تمزق فراشهم الكبير. إذ عمد هؤلاء على أن يدخلوا في ذهن المواطن نزيل الزنزانة العربية أن صدام هو العرب والعرب هم صدام.. إذا صال صدام صالت العرب عاربها ومستعربها وإذا انكسر صدام لا سامح الله انكسر العرب. وهكذا حين ترك القائد جيشه المشرذم بالقصف الأمريكي ولاذ بالفرار خارج أسوار بغداد، قالوا أنها مؤامرة من داخل الجيش قادها المدعو (ابن العلقمي سيف التكريتي) الذي سلم (بغداد) للمحتلين.. وحين قبضوا عليه في تلك الحفرة الشهيرة، قالوا أنها قصة مفبركة بدليل ماذا تفعل عذوق التمر في شهر ديسمبر ونسجوا عليها قصصاً ولا قصص ألف ليلة وليلة.. وحين حوكم في محكمة عراقية بثت جلساتها على الهواء مباشرة.. قالوا أنها محكمة احتلالية صورية.. يبدو المصطلح مأخوذ من (صورة) لأن المعتاد لديهم لا تنقل المحاكمات بالصورة والصوت بل تكون سرية لا يعلم بها حتى الجن الأصفر.. وأهملوا في سياق التأويل والتأويل المعاكس واقعة؛ أن القانون الذي سارت عليه المحكمة (الصورية) هو ذاته قانون (صدام حسين) المقر في سبعينات القرن الذي تصرم على رأس الشعب العراقي حروباً وبلاوي.. وحين حكم عليه بالإعدام قالوا هذا لا يجوز.. يعني هل من المعقول إعدام رئيس دولة لأنه قتل من شعبه 148 رأس..!!؟ ثم أتى الإعدام يوم العيد.. الله أكبر.. الله أكبر.. لقد ظهر الحق.. هل هناك من يعدم يوم العيد.. أيها الحكومة العميلة..؟ يعني مكروهة وجابت بنت.. شيخلصك يا أبو بشت..


أما على مستوى الفراش الصغير فاستمرت مثرمة الإعلام العربي تثرم بأجزاء الشعب العراقي والفراش يقصر كل يوم سنتيم جديد.. من تأويلاتهم التي لم يسبقهم إليها أحد، تأويل (الشعب الذي خان قائده) على طول التاريخ كنا نسمع بقادة يخونون شعوبهم، أما شعب يخون قائده، هذا لعمري فتح مبين في دنيا التأويل.. كذلك مصطلح (المقاومة الشريفة) على قاعدة التمييز عن مقاومة أخرى غير شريفة، علماً أنهم للآن لم يستطيعوا أن يسموا فصيلاً واحداً ليقولوا هذا مقاومة شريفة، لأن الجميع متورطون بأعمال المقاومة الأخرى (غير الشريفة).. وآخر التأويلات ولعله ليس آخرها مصطلح العراقيين الصفويين.. أعتقد أن هذا منسوج على منوال (الأفغان العرب).. أعتاد الإعلاميون على جمع مسميين في مركب جديد..!! هكذا تحولت أغلبية الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته التي كانت تئن من طغيان وظلم صدام حسين إلى صفويين.. علماً أن هذه الصفوية المزعومة لا ذكر لها حتى في موطنها الأصلي. لكن يبقى الشيء الذي عادة ما ينساه تلامذة (بيروكوست) أن هذا المجرم قاطع الطريق، قد تسلط عليه قاطع طريق آخر وأذاقه من نفس كأسه، كذلك مدده على فراش صغير وقام بتقطيع أرجله الطويلة..!! لا أقول غير الله يحفظ الشعب العراقي من أصدقائه وهو كفيل بأعدائه..!!

كريم كطافة