ايران إلى أين؟

في العشرينات من القرن الماضي وعند ما اشتد عود الثورة في الإتحاد السوفييتي بعد فشل كل محاولات الغرب الرأسمالي لتراجعها، قررت بريطانيا بناء كيان قوي على حدود الإتحاد السوفييتي الجنوبية لمنعه من التأثير على مناطق نفوذها في الجنوب وخصوصا في الخليج العربي الغني بالمواد الخام الإستراتيجية، حيث انتخبت للحكم الجديد الجندي المتعطش للسلطة في جيش القزاق، رضا خان، وأقامت quot;فارسquot; قوية، غير اسمها وعنوانها رضا خان بعد ذلك إلى quot; إيرانquot; ونصب نفسه شاه وأسس ايران الحديثة، مثل ما سماها هو بنفسه. وبدأ رضا شاه وحين ما استلم السلطة، بدأ بالقمع في كل الولايات بالإضافة الى الأحواز التي احتلها وأضافها لإيران بالتواطؤ مع بريطانيا، حيث كان انضمامها واحتلالها ضرورة اقتصادية قصوى لبناء ايران قوي يحمي المصالح الغربية أمام المد الشيوعي بعد اكتشاف النفط في الأحواز عام 1908.

وبدأ رضا خان، الذي اصبح شاه لـ quot;فارسquot;، بدأ القمع والرعب بتوحيد اللغة، اللباس، والمناهج الدراسية، حيث كانت الشرطة الإيرانية الى جانب قص quot; الدشداشة العربيةquot; في الشوارع وتغييرها إلى قميص، كانت تمنع التدريس باللغة العربية واللغات الأخرى التي كانت تدرس في البيوت والمدارس الخاصة والمراكز المذهبية والحسينيات، مضاف الى تغيير أسماء المدن العربية والكردية والأذربيجانية وغيرها الى فارسية بعدما غير اسم فارس الى quot;ايرانquot;، المشتقة من كلمةquot;آرياquot;، الاسم الذي يعود إليه العنصر الفارسي.

هذه كانت بداية دكتاتورية العصر الحديث لفارس بعد ما كانت تحكم بشكل عرف بـ quot; ملوك الطوائفquot; أي ولايات شبه مستقلة تربطها علاقة دفاع مشترك مقابل السلطة العثمانية، كانوا يجتمعون تحت لواء quot;فارسquot;. وملوك الطوائف هو حكم quot; خاناتquot; للقوميات المختلفة في مناطق تواجدهم دون أي سلطة للحكم المركزي عليهم في أمورهم الداخلية وحكمهم على قبائلهم الذين يسمونهاquot; إيلquot;. وتطورت دكتاتورية رضاخان وتعمقت وتوسعت حتى شملت منع تعلم أي لغة غير الفارسية و التهجير ألقسري والخلط العرقي والتغييرات البشرية والديمغرافية بالقوة والتزوير في تاريخ الشعوب حيث أصبح تاريخهم وتراثهم تاريخا إيرانيا ولم تعد أرومية مدينة تركية، ولا المحمرة والسوس وعبادان مدن عربية وأصبحوا العيلاميين والآشوريين هم جزء من تاريخ فارس! وبهذا تغير تاريخ الفرس أي العنصر quot;الآريquot; من 500 عام قبل الميلاد، إلى خمسة آلاف عام! هذا هو تاريخ تواجد الشعوب الأخرى في المنطقة ومنهم العرب الساميين والآشوريين!

إيران اليوم، وهي تضم أكثر من 62% من الشعوب غير الآرية بالإضافة الى أكثر من 15% من غير الفرس من الآريين مثل اللر والجيلانيين والمازندرانيين وغيرهم، تناضل الشعوب فيها من اجل إعادة حقوقها حيث فشلت كل سياسات القمع والتفريس من تذويب هذه الشعوب في الثقافة الفارسية التي كانت في كثير من الأحيان اضعف من حضارة الشعوب التي ضمتها! العرب الأحوازيين قمعوا كل هذه الأعوام واتخذت السلطات سياسة التجويع والتهجير والإستبدال البشري وسياسة التفريس الممنهجة سلاحا ضدهم لضياعهم في المجتمع الإيراني، لكن هذه السياسات كلها فشلت على صخرة مقاومة شعبنا حتى الآن. الكرد والأذربيجانيين والبلوش أيضا لم يسلموا خلال كل هذه الأعوام للثقافة الفارسية ولسياسة التفريس والتهميش. ومع تطور العالم التكنولوجي في السنوات الأخيرة تسارعت حركة هذه الشعوب السياسية والتحررية وخصوصا في عصر الجمهورية الإسلامية التي عملت أضعاف ما عمل النظام الشاهنشاهي للتسريع في تفريس المناطق. وبالإضافة إلى قمع الشعوب، منعت السلطات وفي فصليها الشاهنشاهي والجمهوري الحريات العامة والتحزب والإعلام الحر ومنعت المشاركة في السلطة و حرية تأسيس النقابات العمالية والطلابية والنسوية و تدريس اللغات الأخرى غير الانجليزية ولم تسمح ببث إذاعي وتلفزيوني بلغة المناطق والشعوب وحاولت خلط الشعوب بالتطميع والتجويع حيث نقلت خلال 10 أعوام الماضية أكثر من مليون غير عربي إلى الأحواز ليعملوا ويتمتعوا بخيراتها في الوقت الذي اضطرت فيه أكثر من 40 ألف احوازي للهجرة إلى الكويت واقل منهم إلى الدول الخليجية الأخرى وأكثر من هذه الأعداد بكثير للهجرة داخل ايران بحثا عن عيش لعائلاتهم بالإضافة إلى الآلاف المشردين في كل القارات وخاصة في أوروبا. في الآونة الأخيرة ومع ارتفاع وتيرة الاعتراض الشعبي وتنظيم الشعوب لنضالها، قمعت الأحزاب واعدم أبناء الشعوب في الشوارع وملئت السجون بالسجناء السياسيين ومن كل الشرائح والقوميات والأيديولوجيات، بما فيها الإسلاميين المعارضين لولاية الفقيه ووصلت الإعدامات وبأبشع صورها على الجرارات ووسط الميادين العامة إلى ذروتها حيث من بداية هذا العام وخلال اقل من تسعة أشهر اعدم النظام أكثر من 220 شخص حسب إحصائيات المنظمات الإنسانية الدولية! هذا بالإضافة إلى ما يقتلون في المواجهات اليومية حيث حصدت أرواح المئات في انتفاضة الأحوازيين في عام 2005 والاغتيالات والإعدامات مستمرة مع استمرار الانتفاضة والقمع شمل حتى منع صلاة الجماعة العربية للأحوازيين وللشعوب الأخرى خارج المصلى الحكومي!

نتيجة لهذا البطش المستمر والسياسة القمعية اتجاه الجميع من شعوب ومثقفين وعمال وطلاب ونساء وشباب ومذاهب وكل الشرائح، أصبحت ايران كلها مهيأة وجاهزة لمواجهة السلطة وإزاحتها، بل وأكثر من ذلك تتحرك الشعوب غير الفارسية اليوم باتجاه تفكيك ايران، بعد ما قمعت كل حركاتهم المسالمة واعدم أبنائهم في الشوارع وقتل وسجن وعذب كل غير فارسي تحرك للدفاع عن شعبه وثقافته ووطنه ولم يترك النظام للجميع، وللشعوب خصوصا غير خيار المواجهة و اتخاذ قرار الحسم.

على مستوى العلاقات الخارجية، تدخلات النظام في شؤون الدول المجاورة اصبح حديث الساعة في المنطقة وخارجها! تدخل في شؤون الدول العربية والإسلامية، سلح الطوائف في المنطقة وخصوصا في العراق الذي قام فيه بتأسيس فرق موت طائفية تقتل كل من يعارض السياسة الإيرانية ولا ترحم حتى الأطفال والشيوخ وتسببت لمقتل مئات الآلاف من العراقيين و تشريد أكثر من 4 ملايين من بيوتهم ومساكنهم في الوقت الذي سيطرت فيه المليشيات التابعة للنظام في ايران على معظم مرافق الحياة السياسية والاقتصادية وحتى الثقافية في الوسط والجنوب العراقي وهي تقتل وتنهب وتخرب كل ما هو عامر لإعادة العراق إلى القرون الوسطى. كما و هناك التدخل الإيراني في البحرين ولبنان وسورية واليمن والإمارات العربية المتحدة والكويت وحتى مصر والباكستان وأفغانستان وفي أقصى نقاط العالم من نيجريا حتى الأرجنتين.

إلى جانب هذا كله داخليا وخارجيا، طور النظام الإيراني الفعلي خلال هذه المدة ترسانته التسليحية وملئها بالصواريخ الباليستية والغواصات والطائرات الهجومية وطور صنائعه التسليحية وخصب اليورانيوم وقطر الماء الثقيل لصنع القنابل النووية وأصبح يهدد ليس جيرانه فقط، بل ويطالب الأمريكان، القوة الكبرى الوحيدة في العالم بالانسحاب من العراق الذي ساعد الأمريكان باحتلاله ليحل محلهم!

في أجواء ملتهبة داخليا على مستوى مناطق الشعوب أجبرت السلطة على الاعتراف ببعض خسائرها وببعض المواجهات في الأحواز وكردستان وأذربيجان وبلوشستان، وفي وسط عالم من الأعداء في المنطقة ومن الدول الكبرى والإتحاد الأوربي وعلى سطح العالم، يمكن ان نطرح هذا السؤال على أنفسنا! كيف لنظام منفرد في أيديولوجيته التدميرية وأهدافه العدوانية وقمعه الداخلي وتحديه للشعوب والأقليات المذهبية والشرائح الاجتماعية المختلفة في ايران وتدخلاته الإقليمية بهدف تخريب نسيج المجتمعات المجاورة مذهبيا وطائفيا وأهدافه التوسعية المكشوفة وتحديه للمجتمع الدولي والأمم المتحدة والدول الكبرى و إصراره على الاستمرار بتخصيب اليورانيوم، كيف يمكن له ان يتمكن من إدارة كل هذه الجبهات المفتوحة بوجهه في الداخل والخارج في آن واحد وضمان النصر فيها؟ وللرد على هذا السؤال، لا شك ان الكثير يشاطرني الرأي على عدم قدرت ايران على إدارة الأزمة بعد اليوم بعد ما وصل العالم مع الشعوب في ايران إلى نتيجة واحدة هي ان النظام الفعلي في ايران نظاما عدوانيا يقمع ويسجن ويعدم ويقوم بمجازر جماعية ويهجر ويجوع في الداخل، ويتوسع سياسيا وطائفيا في المنطقة، معاديا للمجتمع الدولي، غير صالحا للتعاون والتحاور، متشدد ومتطرف في قمعه وعدائه لجيرانه وللعالم بأسره، يتدخل في شؤون الدول ويتسبب لتخريب استقرارها، مشاركا في معظم الأعمال الإرهابية في المنطقة، يهدد قادته دول الجوار بتغيير الأنظمة فيها، تقتل مليشياته يوميا الأبرياء في دول عدة، ويلوح بصواريخه لدول كبرى تمتلك من الصواريخ ما يعادل النفوس في ايران!

إذا، ماذا ينتظر ايران في أجواء مشحونة بالعداء لنظامه ولسياسته في الداخل والخارج بعد ما فشلت كل المحاولات للتعامل معه ومن قبل الجميع؟ وللرد على هذا السؤال من الضروري الإشارة الى نقطتين مهمتين تمت الإشارة لهما بشكل ضمني، يحتاجا مقدار شرح لمعرفة المستجدات بشكل أفضل.

في ما يخص التحرك الإقليمي والدولي والتهديدات الخارجية التي تواجه ايران اليوم وفي المستقبل، وصلت الأوضاع الى نقطة اللا عودة حيث أما إمطار المراكز والقواعد العسكرية والنووية والدفاعات ومراكز القيادة والتحكم وصنائع التسليح والمخابئ المحصنة بالإضافة الى الحصار الاقتصادي والمالي وتفتيش كل الصادرات والواردات من والى إيران حسب ما تم الاتفاق عليه بين الدول الست للقرار القادم بعد 15 نوفمبر وفي إطار البند السابع الذي يجيز التدخل العسكري لتنفيذ القرارات الدولية، وأما تراجع ايران وإيقاف التخصيب وقبول قرارات الأمم المتحدة، وهذا ما لا يجدي بعد اليوم نفعا لإيران حيث لم يوقف هذا التراجع الحصار الاقتصادي بشكل كلي ولن يرفع الشكوك الغربية في النوايا الإيرانية ولن يسمح بحصول ايران على ضمانات للاستمرار بعلاقة جيدة مع الغرب والمنطقة في المجالات التي تحتاجها ايران، مما يعني استمرار الأزمة والحصار والمضايقات الإقتصادية والسياسية والضغط على دول المنطقة لتقليل تعاونها مع السلطات الإيرانية.

أما المخاطر الداخلية على النظام، فـ بدون شك هي الأكثر جدية خلال 28 عام من حكم النظام حيث وبعد اشتداد القمع لجميع الفئات والشرائح الإجتماعية وحرمان الجميع من الحريات الإجتماعية والفردية وبعد تفشي الفساد والفقر وارتفاع مستوى المعيشة وقمع الشعوب، اصبح الشارع الإيراني ملتهب من بحيرة قزوين الى شط العرب ومن جاه بهار الى سنندج حيث اصبح النظام لا يمتلك من الوسائل ما يكفي لعودة الهدوء في مناطق الشعوب إلا عصا الحرس الثوري وهي التي أصبحت مستهدفة في كل من بلوشستان وكردستان والأحواز حيث أعلن الخامنئي وبعده قائد الحرس الباسدار quot;جعفريquot;، ان الحرس الثوري وحسب أوامر الإمام الخامنئي مثل ما اسماه، اصبح منوط به الأمن الداخلي ومواجهة الأشرار وأعداء النظام في الداخل، والجيش عليه تقع حراسة الحدود الإيرانية! وهذا يعني اعترافا بخطورة الموقف في الداخل.

إذا على ضوء هذه المستجدات، اقل ما يواجه ايران في المستقبل هو الحصار الاقتصادي والمالي والعداء الإقليمي والدولي والتعامل الحذر من المجتمع الدولي والضغوط والمقاومة الداخلية وتحرك الشعوب غير الفارسية الذين سيحصلون في المستقبل على تعاون دولي أفضل بالتأكيد نظرا للمواقف الإيرانية تجاه المجتمع الدولي، خاصة وان التنظيمات السياسية للشعوب غير الفارسية في ايران بدأت ومنذ فترة تحركها المشترك ميدانيا وعلى الساحة الدولية وهي اليوم تقوم بالتزامن بتنظيم المقاومة المسلحة والسياسية للنظام في كردستان والأحواز وبلوشستان وأذربيجان حيث في الظروف الإقتصادية والعسكرية القادمة للسلطات حسب المستجدات التي تحدثنا عنها، ومع تعاطف العالم مع الشعوب والمجتمع الإيراني بشكل عام، سيصبح مستقبل ايران في مهب الريح مما يمكن ان يؤدي كل هذا الى تفكيكه واستقلال معظم الشعوب غير الفارسية فيه وهي التي تناضل منذ عقود من اجل حقوقها. أما إذا حصلت الضربة العسكرية، فـ الأمور في ايران ستكون أسوء بكثير مما يمكن للنظام السيطرة عليه.

إذا في ظروف كهذه، المستقبل لا يبشر بخير لإيران، حيث الحصار الاقتصادي والمالي والسياسي الخارجي وتعاظم المقاومة الداخلية في كافة مناطق الشعوب المحيطة بمركز الحكم، وان لم تكن هناك ضربة عسكرية من الخارج سيهدد ذلك ايران ومستقبله كـ كيان إمبراطوري، مما يعني ان ايران أصبحت على حافة الهاوية، أما إذا حصلت الضربة العسكرية فسترفع هذه الضربة- ومهما كانت محدودة- رصيد الشعوب في ايران وستسرع في حدوث الهزة الكبيرة التي تنتظرها الشعوب والتي ستؤدي الى ولادة دول عدة من بطن الإمبراطورية الإيرانية الفعلية.

محمود أحمد الأحوازي