باستذكار متوازن ودقيق أستعاد السيد أحمد الحبوبي الناشط السياسي العراقي والقومي العربي ذاكرته الحية، وفصل لمحات من تاريخ العراق الحديث.
في لقاء تلفزيوني مع السيد احمد الحبوبي، ركز فيها بشكل صادق وواضح وجريء، على الايجابيات والسلبيات التي رافقت الحكم الملكي، مرورا بالأخطاء التي لازمت العهد الجمهوري الأول، مع الإشارة الى الجوانب الإيجابية والوطنية، ثم تمكن الحبوبي من تقييم فترة حكم البعث الأول في شباط من العام 1963، وما صاحب تلك الفترة من أخطاء وارتكاب جرائم، مؤكدا على تلك الصراعات الدولية التي جاءت بالانقلابيين الى الحكم، وشهادة جريئة مثل شهادة احمد الحبوبي الذي عاش التاريخ العراقي في تقلباته وركوده، تشكل شهادة بارزة ومهمة في التاريخ الحديث.
لم يبرأ السيد الحبوبي الأيادي الأجنبية التي دفعت قطار السلطة في انقلاب 63، وبالرغم من الاختلافات الحادة بين القوى السياسية في تلك الفترة أو التي سبقتها، فقد كان كلام الحبوبي مليئا بالرصانة والموضوعية والدقة، وبين أيضا تلك الفترات التي عدها راكدة في السلطة بعد سقوط سلطة البعث الأولى.
واحمد الحبوبي يدلي بشهادته للتاريخ بأنصاف اتسمت به شخصيته، بعيدا عن اعتباره جزء من السلطة التي حكمت العراق باتجاه قومي، فقد عاد الحبوبي حقوقيا أمام التاريخ، مبينا في حديثه التاريخي أخطاء المراحل التاريخية، ونتائجها التي ساهمت في مجيء البعث مرة أخرى الى السلطة.
كما كان للسيد احمد الحبوبي مساهمة تاريخية أخرى في شهادته التي وثقها بكتابه الشهير (( ليلة الهرير ))، تلك الليالي الرهيبة التي عاشها بدقائقها، وهو يشاهد مذابح ومجازر إنسانية ترتكب إمام أنظاره وتحت مسامعه، بطلها الحاكم الجزراوي الذي كان يعتمد الإخبارية والوشاية أسانيد ودلائل وقرائن للحكم بالإعدام فورا، وكان لذلك الكتاب أثرا مهما في نقل صورة صادقة لما يعيشه العراق وما يعانيه الإنسان في العراق بتلك الظروف وتحت تلك السلطة، في باكورة أشهرها الأولى لتصفية المعارضين أو ممن تعتقد معارضتهم تصفية خسيسة.
والحبوبي المتعفف عن السلطة، والثابت على معتقداته وقيمه السياسية، تمكن بشكل دقيق وصف معالم السلطة البعثية، ومن ثم في سيطرة العشيرة على الحزب والبلاد بشكل كامل، بالإضافة الى تشخيصه لرؤوس السلطة متسلحا بفكره القومي وبثقافته القانونية وبوطنية العراقي.
ويخطي من يظن أن السيد احمد الحبوبي الحقوقي والسياسي والوزير السابق قد كتب سيرته الشخصية في ليلة الهرير، فقد تمكن أن يوظف تلك الأحداث في كتابة جزء مهم من التاريخ العراقي، ومن صفحة العنف الدموي الذي أجتاح العراق.
وكان السيد الحبوبي متابعا دقيقا لما يجري للعراق وما يمر به من محنة، وحاول مرات عديدة أ ن يدلي بدلوه من أجل استنقاذ العراق وتجنيب شعبه المحنة التي يمر بها، وكانت له كتابات ومقالات في الصحف ومواقع الأنترنيت ومقابلات تلفزيونية، كان فيها معتدلا ومنصفا، مبتعدا عن التشويه والأتهامات والنعوت التي لاتليق، معتمدا لغة سياسية تنم عن حرص بليغ لتربيته الأسرية والسياسية، وما تنامت عنده الثقافة القانونية، وخصوصا ثقافة حقوق الإنسان، ومن خلال مشاركاته في مؤتمرات المعارضة العراقية، فكانت صرخاته تضيع ضمن التزاحم بالمناكب والتدافع للحصول على المناصب والمكاسب، وهو يشاهد ما يجري بقلب محترق وضمير عراقي يدفعه لأن يقول شيئا.
وقدم السيد احمد الحبوبي مشروعا عراقيا وطنيا يعبر عن وجهة نظره في أنقاذ العراق مماهو فيه ومما يندفع اليه مستقبلا، هذا المشروع يمكن إن نختلف معه أو نتفق في نقاط عديدة منه الا انه ينم عن مشروع يصدر من مواطنته العراقية وحرصه الاكيد على المستقبل ويقبل النقاش والمداولة يذكر فيه:
(( تشكلت الحكومة الحاضرة التي يرأسها نوري المالكي بعد مخاض عسير دام اشهراً من اجل توزيع الكراسي لكل حسب حجمه من مجلس النواب تطبيقا لمبدأ المحاصصة التي درج عليها الدارجون منذ تشكيل مجلس الحكم واطلق عليها الاطراف المشتركة فيها اسم laquo;حكومة الوحدة الوطنيةraquo;، واحيانا laquo;حكومة الائتلاف الوطنيraquo; أو laquo;حكومة الانقاذ الوطنيraquo;. وهذه التسميات في رأيي تخالف الحقيقة والمنطق والواقع. فالذي اعرفه ويعرفه الناس أن حكومات الوحدة الوطنية وهي تتشكل في ظروف استثنائية عصيبة تواجه الوطن، يتنادى السياسيون احزاباً وجماعات إلى اللجوء إلى مثل هذه الحكومة من اجل انقاذ الوطن فيطرحون جانباً خلافاتهم واختلافاتهم (وميليشياتهم... إن كانت لهم ميليشيات) لتحقيق اهداف اساسية يتفقون عليها ويجمعون ويجتمعون ويعملون بتنسيق وتناغم وتضامن وبعيداً عن الحزبية والتحزب لتخليص الوطن من المحنة التي حلت به وايصاله إلى بر الامان، فهل تشكلت حكومة المالكي على هذه الصورة وسارت في عملها وفق منهج يؤدي إلى إيصال العراق إلى بر الامان وتحقيق السيادة له والحرية والكرامة والعيش الكريم لشعبة!، الجواب في رأيي، لا. لا من حيث التشكيل، ولا من حيث العمل والتطبيق.
فالتيارات والاحزاب والجماعات والكتل التي تشكلت منها هذه الحكومة رغم انها تحمل افكاراً واتجاهات ومفاهيم متناقضة مذهبياً وطائفياً وعرقياً ووطنياً، قد دخلت الحكومة من دون أن تسوي خلافاتها واختلافاتها وتفض نزاعاتها أو تحل مليشياتها، ودونما أي تنازل أو حتى اتفاق على اية حدود دنيا لرؤى وقناعات تجمع بينها وتهتدي بها فجاءت الوزارة حصيلة كل هذه التناقضات فانعكست على عملها وعلى الشارع أيضا.
والقول إن الحكومة ضمت كل اطياف الشعب العراقي من كرد وعرب وسنة وشيعة وأطيافاً اخرى لا يعنى بالقطع انها مثلت الشعب العراقي تمثيلاً حقيقياً. فالشيعة مثلاً ليسوا حزباً سياسياً ينتمي اليه بالضرورة كل شيعي، ولا السنة يشكلون حزباً سنياً ينتمي اليه بالضرورة أيضا كل سني، وهكذا بقية الاطياف. فتشكيل حكومة فيها اطياف الشعب العراقي ليس معناه انها بالضرورة laquo;حكومة وحدة وطنيةraquo;، يمكن أن تحمل اية تسمية اخرى، لكنها بالقطع لا ترقى إلى أن تسمى laquo;حكومة الوحدة الوطنيةraquo; بعد أن ابتعدت عن مقوماتها واشراطها وغاياتها، وتلك هي اعمالها تتحدث عنها، ثم كيف يستساغ لحكومة وحدة وطنية أن تملك اطرافها المؤتلفة ميليشيات مسلحة تمثلها في الشارع وتأتمر بأمر أحزابها وكثيراً ما تدخل في صراع وقتال مع بعضها البعض خارج سلطة الحكومة الوطنية، وأين هو الإنقاذ الوطني من هذه الميليشيات! ثم اين هي المبادئ التي اتفقت هذه الحكومة laquo;حكومة الوحدة الوطنيةraquo; أو laquo;حكومة الانقاذ الوطنيraquo; على تحقيقها والتزمت بها أمام الشعب وراحت تعمل بتجرد واخلاص وتنسيق وتضامن وانسجام على تنفيذها!.
ما المشروع الوطني الذي تبنته حكومة نوري المالكي وتسعى إلى تحقيقه، وخير دليل على عدم الانسجام ما اعلنه ويكرره رئيسها من انه بصدد تعديل وزاري كبير ليحصل على هذا الانسجام المفقود. هل حكومة الوحدة الوطنية متفقة في الرأي والعمل حيال: الاحتلال، وعن سقف زمنى لرحيله أو بقائه ومدة هذا البقاء!! وحيال المقاومة وهل هي مقاومة وطنية أو انها laquo;إرهابraquo; منظم وكيفية واسلوب التعامل معها! وحيال الفيدرالية وتقسيم العراق إلى ثلاثة اقاليم أو أكثر! حيال الدستور لتعديله، تجميده، الغائه! حيال المصالحة الوطنية ومع من يتم التصالح مع اطراف الحكومة نفسها وميليشياتها ام مع الآخر، ومن هو هذا الآخر، حيال التعيينات والتوظيفات في الوظائف الحساسة في الداخل والخارج! حيال أن يختص كل تيار أو حزب أو جماعة مشتركة بالحكومة بالوزارات مقفولة يشغلها محازيبه وبمعرفته من دون تدخل من الآخرين، كأنها اقطاعيات!. حيال محاربة الفساد الاداري والمالي والسرقات والعمولات ومؤسسة النزاهة! حيال اجتثاث البعث! حيال معالجة الانفلات الامني والقتل الجماعي على الهوية! ومعالجة مخاطر اندلاع حرب اهلية، طائفية، عرقية واقعة فعلا رغم الانكار والاستنكار! حيال بناء جيش وطني وشرطة وطنية بعيداً عن الطائفية والعرقية! حيال عمليات التهجير القسري! حيال عمليات قتل العلماء والاساتذة وهروبهم خارج العراق!.
ليس لحكومة الوحدة الوطنية رأي موحد في كل ذلك فكل فصيل فيها له رأيه الخاص والمختلف، لا تسمى حكومة وحدة وطنية لا تعمل بجد واخلاص ونزاهة على تقوية الرابطة الوطنية العراقية التي تجمع كل العراقيين بل تشجع وتنمي انتماءات ذات طابع فئوي أو طائفي أو مذهبي أو عرقي. فالمواطنة العراقية يجب أن تكون هي الجامع الاساس والموحد لكل العراقيين مهما كانت انتماءاتهم وألوانهم الطائفية والعرقية، حكومة الوحدة الوطنية والائتلاف الوطني أو الخلاص الوطني تضع نصب عينيها العراق وشعب العراق اولا وآخر كيف تستنقذه من المحنة وتستعيد حريته وسيادته الوطنية وكرامته وأمنه وأمانه وعيشة الكريم، لا تنظر إلى العراق وكأنه كعكة يتصارعون على من يقتطع اكبر قطعة منها ويفوز بالقدح المعلى (السلطة ).
إنها حكومة laquo;انقسام وطنيraquo; بحق وحقيق فالخلاف والاختلاف وعدم الانسجام بين فصائلها لم يعد خافياً بل امتد إلى الشارع من خلال ميليشيات مسلحة تمزق الوطن وترهب المواطن.
الخلاف والاختلاف وعدم الانسجام امتد إلى مجلس النواب الذي يضم التيارات التي تشكلت منها laquo;حكومة الوحدة الوطنيةraquo; فقد تقاسم المجلس هذه الأطياف بأغلبية شيعية ثم كردية ثم سنية لم تكن نتائج الانتخابات ترضي الجميع وتبودلت اتهامات وطعن وتزوير انعكس أثره على اعمال المجلس ولجانه كيف لا وقد جرت الانتخابات على أساس طائفي وعرقي بعيداً عن الوطنية. فالمتابع لجلسات المجلس يلحظ عمق الاختلاف كما تبثه الفضائيات، الأمر الذي حدا برئيس المجلس إلى منع بث جلسات المجلس حتى لا يصدم المشاهد العراقي وغير العراقي بالخلافات والصراعات التي تصل إلى حد المهاترات فتخدش الاسماع، فتصور! والذي يتابع المشهد العراقي يشاهد أن العنف اخذ يتصاعد بصورة متسارعه وازدياد عدد الضحايا الابرياء الذين يسقطون ويتساقطون يوميا، وأن الحكومة بصورتها الحالية وحتى بعد لقاء المالكي - بوش أخيرا في الاردن والتصريحات التي صدرت لتدعيمها لم تملك أن توقف هذا الانزلاق نحو الهاوية ما دامت العملية السياسية قامت ومن الأساس على اسس غير صحيحة وغير صحية.
فاستمرار الحال بهذا السوء سيؤدي إلى مزالق خطيرة تهدد العراق وطناً وشعباً وكياناً. والرأي عندي أن الطريق لانتشال العراق من هذه المحنة يتحقق بالآتي:
1- الاعلان عن تحديد سقف زمني لانسحاب القوات الاجنبية من العراق.
2- خروج القوات الأميركية من بغداد والبريطانية من البصرة إلى خارجهما وتتخذ لها مواقع محددة وموقتة استعداداً للرحيل.
3- تحل قوات اسلامية وعربية (ليست من دول الجوار) في كل من بغداد والبصرة وديالي والانبار لحفظ الامن والنظام وتحت قيادة الامم المتحدة وينتهي عملها وتغادر العراق بطلب من الحكومة العراقية.
4- تدعو الامم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى عقد مؤتمر وطني عراقي يضم ويمثل كل اطياف الشعب العراقي وقواه الوطنية من دون ابعاد أو تهميش (لا يدعى اليه من تثبت عليه ارتكاب جريمة بحق الشعب العراقي ).
مؤتمر للمصارحة والمصالحة الحقيقية ويرتفع إلى مستوى الحالة التي يعيشها العراق اليوم وما يعانيه الشعب العراقي وتكون مصلحة العراق حاضراً ومستقبلاً نصب اعين وضمائر المجتمعين.
5- يتفق المؤتمرون على تشكيل حكومة عراقية من عناصر مشهود لها بصدق الوطنية والتضحية والنزاهة والتجرد والابتعاد عن التعصب والتحزب والانحياز.
6- يتفق المؤتمرون وبشرف على دعم وتأييد هذه الحكومة وتسهيل مهمتها والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يكدر الأمن سواء بحمل السلاح أو استعماله في فض المنازعات أو الخلافات أو غيرها.
7- مدة هذه الحكومة عام واحد تنصرف فيه بجد واخلاص إلى اعادة بناء جيش وطنى وشرطة وطنية بمعايير وطنية بعيداً عن المحاصصة الطائفية والعرقية، وتنصرف أيضا إلى بناء اقتصاد وطني متين، وتعمل على إشاعة الثقة والطمأنينة في نفوس الناس، والحكومة هي وحدها الملاذ الاول والاخير لكل المواطنين من دون تمييز.
8- تعلن الحكومة حل الميليشيات المسلحة وتحرم حمل السلاح ويلتزم الاطراف بهذا القرار.
9- تضع الحكومة نظاماً موقتاً (قد يكون دستورا موقتا) لتسيير اعمالها.
10- يجمد العمل بالدستور أو يلغى ويجمد كذلك أو يحل مجلس النواب.
11- تمارس التيارات والمنظمات والاحزاب أعمالها بحرية وبشكل علني وتعمل على تكريس وتوكيد الوحدة الوطنية العراقية وتعميق وغرس الشعور الوطني بين العراقيين دونما أي تفريق مذهبي أو طائفي أو عرقي.
12- تعمل الحكومة بكل الوسائل على إخلاء العراق من اى وجود اجنبي دخل العراق متسللاً أو بصورة غير شرعية تحت أي حجة وأصبح وجوده خطراً يهدد الوحدة الوطنية.
13- حمل دول الجوار أن تمتنع عن التدخل بالشأن العراقي سواء بضبط وغلق حدودها أمام المتسللين أو قطع انواع المساعدات لهذا الطرف أو ذاك.
14- تجري الحكومة بعد انقضاء العام انتخابات وطنية لمجلس نيابي جديد وفق نظام تضعه لهذا الغرض.
15- يتولى المجلس النيابى وضع دستور جديد (افضل أن يكون نظام الحكم في العراق رئاسياً وليس برلمانياً وان ينتخب رئيس الجمهورية ونائبيه من قبل الشعب مباشرة. (
16- للمجلس النيابي الحرية في تمديد سنة اخرى للحكومة الموقته أو يشكل حكومة جديدة من بين أعضاء المجلس ومن خارجه حسبما تقتضي المصلحة الوطنية.
هذه أفكار تدور في أوساط كثيرة تضيق أو تتسع قد أكون مبالغاً عندما أسميتها مشروعاً، أمل من كل من يرى في بعض بنودها صواباً أو مصلحة وطنية أن يرتفع صوته مؤيداً وداعماً في الوسائل المتاحة لخلق رأى عام ضاغط فالكل مدعو الآن إلى التحرك والعمل والصراخ من اجل انقاذ العراق. فالعراق الوطن الحبيب يوشك على الغرق فاذا لم يهب الجميع إلى العمل على إنقاذه الان فمتى يفعلون!! بعد خراب البصرة !!، وها هو تقرير بيكر ـ هاملتون قد نشر أخيرا واعترف بالأخطاء التي رافقت العملية برمتها وشخصها قائلا laquo;إن الوضع خطير ويتدهورraquo;، وحث بوش على إجراء تغييرات جذرية وسلط الضوء على إخفاقات الحكومة العراقية.
فالعراق ليس ملكا لأحد، ولا يملك هذا الأحد ومهما كان أن يدعي انه الأجدر والأحق والأقدر على حكم العراق أو الاستئثار به، ليقتنع الجميع أن العراق عراق الجميع لكل العراقيين بكل أطيافهم وألوانهم ونحلهم ومللهم متآخين متحابين طوال التاريخ بعيداً عن التحزب الأعمى والعناد البغيض واللدد. ))
والسيد احمد هادي الحبوبي الوزير السابق، في عهد عبد الرحمن عارف، من السياسيين العراقيين المعروفين باتجاههم القومي المعتدل، وكان زعيما للحزب الاشتراكي القومي، عاش بعد العام 1970 في القاهرة بعد أن تم تأجيل عملية تصفيته من قبل صدام حسين، وتمكن من الإفلات بالاستقرار في مصر حتى اليوم غريبا عن أهله ووطنه.
كان يمكن الاستفادة من تجربته السياسية وقدراته القانونية لولا التزاحم على الكراسي والمناصب، في زمن غريب وعجيب، تنتصر فيه الطائفية على الوطنية، والمصلحة الشخصية على مصلحة الناس والوطن، زمن تستمر فيه السرقات في وضح النهار ويفتقد العراقي لنور الكهرباء ونعمة الماء الصافي، زمن العصابات والميلشيات التي تصفي بعضها ووقودها الناس الأبرياء والفقراء ممن لاحماية لهم ولا أسوار، زمن لايليق بأحمد الحبوبي وعبد الإله النصراوي وعبد الحميد عبود الشريف وقيس العزاوي ومحمد رشاد الشيخ راضي وجواد دوش وعاد تكليف الفرعون ومالك دوهان الحسن وغيرهم أن يكونوا فيه قادة للعراق.
ولم يزل العراق اليوم بحاجة ماسة لجبهة وطنية سياسية تضم كل الأحزاب العراقية التي ناضلت وأعطت التضحيات الجسام ضد الدكتاتورية والحكم الصدامي الدموي، لم نزل بحاجة لأن يكون العراق لكل العراقيين بعيدا عن المحاصصة الطائفية والشبكات الإجرامية والميلشيات الطائفية، وبحاجة ماسة لأن يكون النائب في مجلس النواب ممثلا لكل العراق وليس لطائفته الدينية أو عشيرته أو حزبه، وان يتسع صدر العراق لكل العراقيين بما فيهم الذين لم يحتموا بمظلة الأحزاب وباتوا مستقلين.
تلك شهادة عراقية أصيلة وحريصة على المستقبل العراقي، بعيدة عن التطرف والتحزب تصلح إن تكون مادة يستند عليها من يريد إن يكتب عن تاريخ العراق السياسي الحديث.

زهير كاظم عبود