منذ شروع عملية إسقاط نظام صدام حسين، راهن الإعلام، وبعض الأصوات على وقوع حرب أهلية طائفية بالعراق.
ولكن ألا يعبر تحسن الجانب الأمني في العراق كما صرح المسؤولون العراقيون والأمريكيون وقادة دول الخليج مؤخرا، بالإضافة إلى عودة المهجرين والنازحين، ومحاربة الشعب العراقي لفلول القاعدة، وتحسن الميزانية العراقية...ـ رغم الصعوبات والتجاوزات والملاحظات الكثيرة والفساد الإداري ـ دليل على بداية العافية وتجاوز العراق الحرب الطائفية، أم أن الرهان بوقوع حرب طائفية لازال قائما؟

بعد دخول قوات الاحتلال الأمريكية إلى بغداد، وفي اللحظة التي تم فيها إسقاط تمثال صدام أخذت بعض الوسائل الإعلامية بالتباكي على النظام الصدامي، وعلى الشعب العراقي، وبالترويج بان عملية إسقاط التمثال عملية ضد الدين والمبادئ الانسانية والوطنية، وانه عمل طائفي وخارجي، مؤكدة على فشل مخططات قوات الاحتلال والحكومات الجديدة، وان العراق والشعب العراقي سيعيش في دوامة العنف، وفي مستنقع الخوف والضعف والتخلف والتشرذم، وصورت كل ما يقع في الساحة العراقية من خلافات سياسية وفكرية.. علامات باندلاع حرب أهلية طائفية،.. مما أدى إلى تأجيج الصراع الطائفي.

وهذا العمل الإعلامي بلا شك ساهم في تفاعل عدد كبير من الاسلاميين التكفيريين مع هذه الدعاوي والاقاويل الإعلامية، وشكلت بالتالي لوبي وحملات من قبل المتشددين للسفر إلى العراق بأسم محاربة المحتلين أعداء الدين والأمة، ومحاربة الحكومة الجديدة، ومقاتلة أصحاب المذاهب الدينية الأخرى المختلفة. ومع دخول هولاء المتشددين إلى الساحة العراقية دخل العراق مرحلة جديدة من الدم والقتل والخطف. ولم يكن الإعلام بعيدا عن ذلك حيث قام برصد وتضخيم هذه الأعمال، فوجد الإرهابيون والمتشددون من خلال الاهتمام الإعلامي فرصة للخروج على الإعلام، والتباهي بالأعمال الإجرامية، كما وجد الإعلام فيها فرصة للحصول على صور خاصة للبث بأسم القناة لترفع رصيدها ولو كان على حساب العراق والشعب العراقي.

وازدادت اللهجة الإعلامية العربية ولاحقا الغربية الطائفية بعد الاعتداء وتدمير ضريحي الإمامين الهادي والعسكري في سامراء من قبل الإرهابيين التكفيريين..مما سبب ردت فعل قوية لدى الشيعة، وحدثت أعمال سلبية استغلها الإعلام في جر الشعب العراقي نحو حرب طائفية حارقة.

ولكن ها هو الشعب العراقي يثبت بأنه أكبر وأعقل مما يحاك ضده من قبل الأعداء، وانه قادر على النهوض والبناء، وان يسقط بالضربة القاضية الرهان وما يردده البعض بان الحرب الطائفية والأهلية قادمة.

من كان يتوقع بعد الأحداث الطائفية البغيضة، وحمام الدم اليومي، أن يتحسن الوضع الأمني، وان يشهد العراق عودة لفكرة التزاوج بين أبناء الطوائف المذهبية والدينية والعرقية بين أبناء الشعب العراقي، وعودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، وعودة النازحين من الدول المجاورة.
كل هذا يدل على أن العراقيين تجاوزوا الأزمة الأكبر (وهي الحرب الطائفية)، ومؤشر على بداية عودة حياة الاستقرار وحالة التعايش المشترك.

العراقيون من جميع الطوائف والقوميات والتيارات أمام تحدي أكبر بعد تجاوز الحرب الطائفية، وهو سيادة القانون، وبسط الأمن والأمان، ومحاربة الفساد، والقضاء على العصابات، والتغلب على الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وتحسين البنية التحتية، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الطائفية والحزبية، وبناء عراق ديمقراطي نموذجي في المنطقة.

علي ال غراش