هولاكو خان.. أسم نقرأه ضمن قائمة السفاحين في التاريخ البشري، أسم مرفق معه الكثير من الجرائم التي أرتكبها بحق الشعوب التي وقعت ضمن قبضته الحديدية..هذا ما كتبه لنا المؤرخين العرب وغير العرب عنه في جانب وحيد عنه دون ذكر الجوانب الأخرى التي قد تكون مشرقة ( !! ) نعم مشرقة بالنسبة لكتابة حرة ونزيه دون أي تعصب أو ميول قومية حمقاء، مؤرخينا الأفاضل زادوا في شدة سواد صفحته التاريخية ولكن حين يتناولون أي فاتح عربي كأمثال ( قتيبة بن مسلم الباهلي ) و ( عقبة بن نافع )و ( محمد الفاتح السلطان العثماني ) فأنهم يصفونه كقديس قبل أن يكون سفاح بدوي نشر الرعب أولا قبل أن ينشر الإسلام في البلاد التي دخلت ضمن ممتلكات خليفة رسول الله، المسألة هنا تتعلق بما يعرف بــ ( التفسير الديني للتاريخ ) فأي انقلاب تاريخي لا يبرره الدين فهو صفحة دموية فقط ولكن وجود عقيدة دينية تقف وراءه فأن للمسألة أوجه أخرى قابلة للنقاش ( !! ) يقول في هذا الفيلسوف الفرنسي ( بيرغسون ) : ( إنه وإن وجدت حضارات بغير بناء وعمار إلا أنه لم توجد حضارة من غير معابد..)، هذا الذي حدث مع السيد هولاكو لم تكن لديه عقيدة دينية بررت فتوحاته وهنا بيت القصيد.. هنا سأستعرض فيما يلي جوانب هذه الشخصية من باب الحياد الفكري لا من باب الجدل الفارغ الذي طالما كرهته..


في عام 1255 م ولد هولاكو، أسم أبيه هو ( تولوي خان ) أصغر أبناء الإمبراطور جنكيز خان، وأمه هي ( سرخقتناي بكي ) التي كانت من أحد قبائل الترك وكانت تعتنق المذهب النسطوري المنشق من الكنيسة الشرقية كأحد أعرق المذاهب المسيحية التي تؤمن بالطبيعة الناسوتية( البشرية ) للمسيح من بلاد منغوليا في وسط أسيا، تزوج هولاكو صغيرا من شابة حسناء أسمها ( دوقوز خاتون ) تمتع أهلها بنفوذ قوي في قبائل الكيرايت التركية التي استوطنت شمال إيران، زوجة هولاكو كانت على جانب كبير من التدين فأخذت تنشر الأديرة في بلاد المغول مستغلة نفوذ زوجها الكبير في البلاط المغولي، عُرف هولاكو بشغفه الكبير بالحضارة الفارسية وآدابها حتى أنه جعل كل مستشاريه من الفرس في حملته في غرب أسيا التي كلفه بها أخوه ( مونكو خان ) لإخضاع قبائل اللور في جنوب أيران والقضاء على فتن طائفة الحشاشين ومن ثم إخضاع مملكة خوارزم، أستطاع هولاكو بنجاح أكمال مهمته تلك، كُلف فيما بعد ذلك في إخضاع الخلافة العباسية في بغداد والقضاء على سلطة الأمراء الأيوبيين ( الكرد ) في الشام، نجح هولاكو في حربه هذه ولكن الاضطرابات التي حدثت في البلاط المغولي جعلته يتوقف عن زحفه عن مصر ليرجع هو وأسرته تاركا أمر جيشه بيد فرسانه الذين لم يوفقوا في معركة عين جالوت مع دولة المماليك البحرية في مصر، وهنا نود نشير إلى رسالته الشهيرة للخليفة المستعصم ( الشاذ أخلاقيا ) : ( عندما أقود جيشي الغاضب إلى بغداد، سأقبض عليك سواء اختبأت في الجنة أو في الأرض. سأحرق مدينتك وأرضك و شخصك. أذا كنت حقا تريد حماية نفسك و عائلتك الموقرة، أسمع نصيحتي، وأن أبيت ذلك فسترى مشيئة الله فيك )، رسالة لا يكتبها بربري متوحش أو جاهل، لكن يكتبها رجل على درجة من العلم والمعرفة، الجانب الذي نود أن نشير له في حياة هولاكو هو علاقته مع الطوسي الفلكي الفارسي المشهور وتقريبه له وجعله أقرب مقربيه..قبل مناقشة علاقة هولاكو مع الطوسي فلنعرف من هو الطوسي أولا؟؟ الطوسي هو ا لعلامة أبو جعفر محمد الطوسي، ولد في طوس في مطلع القرن السابع للهجرة، وتوفي ببغداد في أواخر القرن نفسه، وكان أحد حكماء الإسلام الذين طارت لهم شهرة كبيرة. كرَّمه الخلفاء وقرّبوه، كما جالس الأمراء والوزراء، مما أثار حسد الناس، فوشوا به كذباً وحكم عليه بالسجن. وقد وضع في إحدى القلاع حيث أنجز أكثر مؤلفاته في الرياضيات، فكان سجنه سبباً في ازدياد شهرته. وعندما استولى هولاكو على بغداد، أطلق سراح الطوسي وقرّبه وأكرمه، وجعله في عداد علماءه، ثم عيّن أميناً على أوقاف المماليك التي استولى عليها هولاكو. وقد استغل الطوسي الأموال التي دفعت له في إنشاء مكتبة كبيرة زادت مجلداتها على مئتي ألف كتاب. كما بنى الطوسي مرصداً فلكياً وجعل فيه عدداً من العلماء المشهورين، أمثال المؤيد العرضي الذي أقبل من دمشق، والفخر المراغي الموصلي، والنجم دبيران القزويني، ومحيي الدين المغربي الحلبي، الطوسي فقيه شيعي كبير يعتبر أحد أعيان الشيعة في التأليف وتعتبر كتبه اليوم أحد أهم مصادر المذهب الشيعي.


علاقة الصداقة بين هولاكو خان وبين الطوسي تثير تساؤلا حادا سنتناوله فيما بعد، المهم في عام 1265 م توفي هولاكو بعد حدوث انقسامات حادة بين القبائل المغولية هددت الإمبراطورية الموحدة..


نقاط للنقاش..
أولا / زوجة هولاكو كانت على الديانة النسطورية تلك الديانة التي لم تكن مرغوبة كثيرا في الكنيسة الشرقية والمعروف بأن التتار متعصبين جدا لدينهم الوثني؟؟؟


ثانيا / علاقته مع الطوسي كيف نشأت وكيف قوت لهذه الدرجة الكبيرة؟؟ والمعروف بأن التتار غير مثقفين نهائيا ولا يهتمون نهائيا بالمعرفة وهمهم الوحيد هو القتال؟؟


من النقطتين نتبن وجود جوانب مشرقة غامضة في حياة تلك الشخصية لم يركز عليها مؤرخي ودارسي التاريخ من أصحاب الشهادات المعلقة والأمجاد الأكاديمية الفارغة..

عماد البابلي