الرهط الذين صمتوا ولازالوا على الاعتقالات الأخيرة في صفوف إعلان دمشق، برهنوا أن مرحلة نضالهم السابقة كانت ملتبسة في شكلها ومضمونها و يريدون (تصحيحها) بالهرب منها، هرب مبهم غامض متناقض مع وقائع بعض معطيات الماضي الرفاقي النضالي مرتين، مرة تاريخاً سياسياً معارضاً للنظام سابقاً، دفعوا فاتورته كل حسب فكرته وقياسها و حركته وقوتها واتجاهها، والثانية صمتاً مطبقاً على الاعتقالات الأخيرة بما يوحي بعدم التأييد أو الثقة في إعلان دمشق كإطار تنظيمي للمعارضة الداخلية، وأظهروا اختلافاتهم ونصبوها على أرضية تشبيه وشبه بين النظام والمعارضة على أنهما دمية إلكترونية في يد الخارج، هنا لا يصح الجمع ولا التشبيه، بقدر ما يوحي الأمر بأنه موقف أقرب إلى تكفير نضال سابق ظنوه ذنباً مغفوراً...و تسويق الاستبداد على شماعة الخارج...يبتغون فيه رضى النظام في موقف، حسبوه مقروءاً ومشكورا!.


إذ لمن الدهشة هذا التناقض بين الماضي والحاضر، بين الهدف والموقف! كيف فاتهم أن ربيبة الاستبداد هو منه سواء كان فكراً أو تموضعاً سياسياً أو أهلياً في حضنه من جديد؟!، أو سلطةً متهالكةً على مفترق طرق النظام الدولي الجديد في شرقنا، القديم في كل شيء، وهو موقف يشي أن حصاد النضال السابق يُِِراد توظيفه في معركة النظام المزعومة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وتحرير الجولان!،المباع والمقبوض ثمنه عداً ونقداً!، وفاتهم في قلق اللحظة الراهنة ماضيهم ومستقبل شعبهم، ووطنهم الذي أصبح على كف عفريت،بل عفريتين،بل عفاريت...!.
عجباً لا تذكير ينفع، ولا تحذير يردع، ولا قمع يمنع، ولا استبداد نظام في طيشه يرتع، ولا واجب وطني يجمع، ولا عذاب شعب ووطن يهز ويدفع!.
ماذا يحرك العقول والضمائر إذاً؟!


عجباً، ورثة السياسة والسلطة والتنظير والتحوير! تختلسون الصمت مواربةً وتقيةً في مظهر النظام التمويهي الفاضح بين الممانعة الحقيقية وطريقها معروف، وبين المساومة والزحف وبطنه وظهره كلاهما عاري ومكشوف!
فالموقف الصامت مما يجري من اعتقالات بالجملة شملت حتى كبرياء الوطن ورمزية شرفه وكرامته، المرأة هذه المرة ( فداء حوراني )، ثم اتهام المعارضة الداخلية من أبواق النظام الفاسدة والمرتبطة معه استراتيجياً في ردف ومساعدة وتبرير قمعه وسلوكه المشين على الساحة الوطنية والقومية والدولية، ليس لها وصف حقيقةً سوى أن الاستبداد وصل مرحلة التفريخ السرطاني في نسيج المجتمع السوري وعقله، ومواقف الصمت والتشويه والاتهامات الرخيصة،لا تشكل سبباً لصدور هذا الموقف الهجين،فالمعارضة معروفة وموصوفة، لكن الواجب الوطني يفرض في المرحلة الحالية تحمل كل طرف وكل فرد مسؤوليته الوطنية بوضوح في إنقاذ السفينة الوطنية من الغرق بنا جميعاً.


إنقاذها من تسلط قيادة طائشة لا تعرف أن تقود، مخادعة تكذب ولا تفي بالوعود، ولا تعرف الحقيقة وتضلل الشعب بين واعد وموعود.
عجباً، عندما يتوقف العقل على بوابات الظلم والتمويه ويتلاشى الانتماء والفعل،ويتمكن الاستبداد من تحييده أو تبديده أو تغييبه، الاستبداد المتوارث شكلاً ومضموناً ووسيلةً، والمحدد في نظام سياسي رث quot; لقيط quot; من كل سلالات الاستبداد وإرثهم وتصرفاتهم، نظام سياسي يعمل بالعصي،أو بشكل أدق يعمل بنصفه السفلي أي برجليه فقط، وتعطل عقله عن التفكير وقلبه عن الخفقان على شعب ووطن!.
نظام بهذا الوصف، أيستهوي الصامتين والمترددين والخائفين؟!


لماذا وعلى ماذا ولحساب من؟! فهل اختلطت الصورة بين الجلاد والضحية؟!
وهل اهتزَت الرؤية؟! وتخلخلت القناعة،وضعف الفرز بين الحريصين على مستقبل وحرية الوطن، الفرز بين الفاسد والمساوم والسجان؟!.
ورجوعاً إلى واقع المعارضة السورية الحزين بكل تجلياتها في الداخل والخارج، وعلى اختلاف توجهاتها الفكرية وبرامجها السياسية المتواضعة، وخلفياتها الأهلية والاجتماعية وتمايزاتها ومصالحها واصطفافاتها المختلفة الصارخة، مقروء أنها كلها أعلنت وأقرت الديمقراطية كإطار مشترك في موقفها من الاستبداد والقمع،أي من النظام الفردي في سورية الذي يقمعها بالسجون والتشريد وقطع الأرزاق والأعناق، والتسريح من العمل وشد الأحزمة على البطون، وكم الأفواه وحرمانها من حقوقها المدنية والسياسية ومن أدنى شروط المواطنة، أي بمعنى أنها توافقت على التغيير الوطني الديمقراطي كمطلب، ولازالت متناقضة في آليته!.
فما الذي يجعلها تتناقض فيما بينها وتتباعد في أطرها؟!،وتتشتت في موقفها من نظام فاسد بالطبع والطبيعة،وسيبقى كذلك، ينقل الشعب والمعارضة من سجن إلى آخر ومن مصيبة إلى فجيعة...!.
أهي القطيعة مع هموم الوطن والشعب؟!.أم الوهن الذي أضاع الذاكرة وما فيها!.
والحال كذلك وبنظام فقد عقله، ولم يعد يجيد غير إهانة الشعب، على المعارضة أن تدرك أنها طائر وسط إعصار، لا يمكن أن تطير سوى بجناحيها ( الداخل والخارج) لتتمكن من التحليق وتحقيق بعض الهدف الوطني المشترك، فالطائر يحلق بجناحيه، والطرفان ( الداخل والخارج) معاً شريكان يتكاملان،وبوحدتهما قوة وتنامي الفعل نحو التغيير الوطني الديمقراطي.
وليس هذا مطلباً تعجيزياً، يحتاج إلى نوابغ وخوارق لكي يتحقق!...بل يحتاج أولاً وأخيراً إلى التعارف والاعتراف والقبول ببعضها على قاعدة السواء الوطني وبدء الحوار...تحتاج إلى تواضع ومعرفة القدرة على الفعل والرغبة بذلك والبدء ولو مشياً على الأقدام، أملاً أن توحد صفوفها وتتطور قوتها وتتصلب إرادتها وتسرع حركتها باتجاه هدف التغيير...
حانت لحظة النفير...أتلتقطها في سياقها الوطني؟! بخلاف ذلك، ليس لها من خيار آخر غير القمع، تشارك بصمتها وضعفها وتفككها بهذا الشكل أو ذاك، مجبرة أو مختارة على القبول باستمرار حياة الشعب تحت إهانة الاستبداد بين قمع وآخر ومنكر ونكير...المتبدلة الأحوال والأشكال...بين صمت وضياع هنا...وهناك تفكك وتنظير!.


د.نصر حسن