في محددات الصورة التي يرسمها النظام السوري بلون واحد هو الأسود القاتم والتسطيح والفوضى وتعويم أزمته الداخلية المركبة على محيطه العربي وعلاقاته الدولية، يضيف عليها تعقيدات الوضع الداخلي من تشديد الحالة الأمنية وتدهور الوضع المعاشي والإحتقان السياسي والوطني المزيد من السواد، ويصبغها النظام والأحداث الكارثية الجارية على المستوى الإقليمي بالخوف من الفوضى التي أصبحت مطلبا ً أساسيا ً له يعزف عليه النظام بشدة وتكرار صباح مساء، وفي ظروف إقليمية ودولية تعصف بها رياح التغيير، تصبح عملية ترجمة مشروع المعارضة للتغير الوطني الديموقراطي وتحديد آليته وطرح برنامجه هو الحل الآمن لإنقاذ الشعب من عجز النظام وفساده وفوضاه وخواؤه، الحل الذي يحمله الداخل السوري نفسه بعمقه الوطني والإجتماعي والشعبي والأهلي، وذلك عبر رؤية عملية حقيقية لشكل العلاقة مع الشعب ومستواها ووسائل تطويرها والكشف عن القوى الكامنة فيها التي يحاول النظام بكل آلته القمعية أن يخفيها أو يلغيها أو يحيدها ليطيل في عمر خوفها وسباتها ما أمكنه وليطيل بعمره في الحكم ماا ستطاع.
وأولى الخطوات العملية باتجاه تحقيق مشروع التغيير الديموقراطي هو معرفة موازين القوى المادية والسياسية والشعبية بين النظام والمعارضة ولاحقا ً بين النظام المعزول والشعب الذي يغلي على أكثر من نار، موازين القوى المعتمدة على صدقية وواقعية مشروع كل منها محمولة على خطاب سياسي واضح تجاه الشعب ومستقبله، لكن يجب أن تأخذ المقارنة شكلها الواقعي إذ من العبث مقارنة عدد الفرق الجارحة لدى الطرفين، أو مقارنة أجهزة وأدوات قمع وأساليب عمل لاتقرها المعارضة سياسيا ً وأخلاقيا ً ولاتملك منها شيئ بل تعمل على إلغائها سياسيا ً من الحياة الوطنية وتأسيس البديل الديموقراطي والحقوقي لها، أو بمقارنة الإمكانات المادية بين نظام ديكتاتوري غريب البنية وبين حركة ديموقراطية وطنية ناشئة، لكن المقارنة تأخذ بعدها العملي الصحيح على أرضية طبيعة المشروع والهدف لدى الطرفين أولا ً وطبيعة العلاقة مع الشعب ثانيا ً وكيفية الوصول إلى الهدف ثالثا ً وماهي الخطوة التي تلي التغيير رابعا ً وفي مستوى الحفاظ على الثوابت الوطنية ( السيادة ndash; الإستقلال ndash; الكرامة الوطنية ) خامسا ً، وبمقارنة بسيطة نرى أن النتيجة تصب في صالح المعارضة نظريا ً ويجب تحويلها إلى شكلها العملي، وحتى لاننزلق بالدخول في باب الوهم والرغبات وأحلام المشاريع النظرية الفاشلة والمخدرة التي مل منها الشعب على مدى عقود، وأيضا ًمالحق بمفهوم الديموقراطية من تشويه بفعل النظام والظروف الإقليمية الحالية، بل يجب الدخول إلى الواقع السوري من خلال حركيته اليومية وعلاقاته السياسية وروابطه الداخلية وفهمها والتفاعل معها وتوليد صلات وعلاقات صحيحة مع الشعب وتطويرها عن طريق ربطها بأهدافه الآنية والمستقبلية، أي أن تتحرك المعارضة في مساحة الواقع الممكنة الآن وتوسيعها لتأخذ أبعاد المجتمع وجغرافية الوطن وربطها عضويا ً مع حاجات الشعب الأساسية وأهدافه الوطنية والقومية وبوسائل ملموسة ونتائج محسوسة تزيد الأمل بجدية وإمكانية تحقيق هدف التغيير الديموقراطي في سورية.
هل التغيير الديموقراطي ممكن في ظروف سورية الراهنة؟ وهل هناك خطورة ما في التغيير؟ وماهي القوى التي تملكها المعارضة وتراهن عليها في الداخل السوري القادرة على ضبط التغيير باتجاهه الديموقراطي؟ وأخيرا ً ماهي آلية التغيير التي تؤشر ملامحه العامة على مستقبل سورية؟.
بداية ً كل الخطورة على مستقبل سورية تكمن في استمرارالنظام نفسه وفي سياسته العشوائية وفي افتقاره إلى مشروع سياسي محدد يسير عليه أو استراتيجية واضحة يهتدي بها،وفي عدم قدرته على تجديد نفسه الذي أنتج عدم تجديد الحالة السياسية الهرمة في سورية، هو باختصار في حالة تآكل لماتبقى من هياكله السياسية القديمة ومتماسك إلى الآن بحكم سبب واحد هو تماسك الأجهزة الأمنية وقوتها التي تشكل النظام نفسه في حقيقة الأمر مغطى ببعض الشعارات والبرامج اللفظية التي أكل الدهر عليها وشرب وهي لم تعد خافية على أحد في سورية.
والخطورة أيضا ً في سورية هو استمرار تدهور الوضع المعاشي المرتبط بحياة الشعب اليومية وعدم قدرة النظام من إيجاد حل له واستمرار النظام في عملية الخداع السياسي التي لاتنتج سوى المزيد من المعاناة للشعب المحشور بين فشلين سياسي واقتصادي أنتجا فشلا ً وطنيا ً عاما ًيتحرك في حاضنة من الفساد الغريب في بنية النظام والدولة ويتحمل الشعب كل نتائجه، من هنا تشتق إمكانية التغيير في سورية، التغيير الذي يولده وضع داخلي على وشك الإنفجار والجديد فيه هو أن النظام أوصل الشعب إلى حالة التناقض الكامل والعجز التام عن إمكانية تحقيق الحد الأدنى من القدرة على الحياة، تفاعل مع الحد الأدنى من الحرية والكرامة الإنسانية أو انعدامهما نتيجة استمرار القمع ومصادرة الحريات ووقف كل حراك سياسي وطني يساهم في إخراج سورية من محنتها، من هذه الحالة البائسة يجب على المعارضة أن تتعامل مع الوضع في سورية وأن تتحرك باتجاه أن تأخذ بعدها الشعبي العام أي ربط التغيير بمشروع وطني اقتصادي اجتماعي مشتق من واقع الشعب وليس من خطاب إيديولوجي محلي أو محمول على خطاب سياسي أفرزته تناقضات الوضع الإقليمي المحيط بسورية.
لكن المقلق هو مط زمن الإنتظار من قبل المعارضة السورية في وقت داخلي وخارجي لانقول حاسم بل ضاغط باتجاه التغيير وخياراته قائمة بمستوياتها الداخلية والإقليمية والدولية ولكل منها أجندتها الخاصة والمرتبطة بشكل كبير بسلوك النظام السوري على المستوى الإقليمي وبمدى السيطرة على التناقضات الإقليمية التي تهز المنطقة ومنها سورية، وبقدرة القوى الفاعلة إقليميا ً على حسم أمورها بمساحة تحركها الحالية أو حاجتها إلى توسيع دائرة فعلها على طريق تصفية صراع الإستراتيجيات الخارجية على الساحة العربية وهذا شأن يجب على المعارضة السورية فهمه بشكل دقيق وعدم الإنزلاق إلى داخله بل من ضروريات نجاح مشروعها الوطني الديموقراطي هو تثبيت الإستقلالية عن الخارج بكل مايعنيه ومايفعله وماينوي فعله على الساحة العربية، والعمل على الإمساك بالخيوط الداخلية في سورية وإحكام الصلة مع الشعب وإعلان برنامج واضح لتعبئة الشعب باتجاه العصيان المدني السلمي وتوفير كل متطلبات ضبطه وسبل نجاحه وهو الخيار الوطني الوحيد القادرعلى التغيير في سورية.
والخلاصة: في تعدد احتمالات التغيير في سورية: أولا ً - داخلية سواء ً من بنية النظام نفسه، أو من حاضنة النظام السياسية التي هي حزب البعث، أو من حاضنته المادية التي هي الجيش والأجهزة الأمنية، أو الكل مشتركين لكنها كلها وبحكم فهم طبيعة النظام وطبيعة القوى الحاملة له إلى الآن تبدواحتملات ضعيفة، وثانيا ً - احتمالات خارجية مؤسسة على المحكمة الدولية، أو على تداعيات الوضع في العراق، أو على تفاهمات جديدة تفرضها صراعات المنطقة المتورمة ورسم صورة جديدة لشرق أوسط غير معروف، أو على تدهور في الوضع الإقليمي يفرض تدخل معين لإحداث تغيير في سورية، كل هذه الإحتمالات تبقى مراهنات على ظروف لاتملك منها المعارضة والشعب شيء، ولاتملك إلى الآن من أوراق ضغط تجعلها مؤثرة فيها بشكل من الأشكال.
يبقى خيار العصيان المدني هو السبيل الأكثر فاعلية ً والأسهل وصولا ً والأكثر استقلالية ً وأمنا ً على حسم موضوع التغيير في سورية، وقد نجح هذا الخيار في العديد من دول العالم وأكثرها مطابقة لظروف سورية اليوم،وهذا يحتاج إلى برنامج وطني عام أهم مافيه هو تعبئة الشعب باتجاه تجاوز الخوف وتنمية الوعي المعارض لديه ونقله من الهامشية إلى حالة المبادرة على أرضية المطالبة بحقوقه عبر ارتباطه بمرجعيات سياسية واجتماعية ومدنية وأهلية تعمل بتوافق وبخطة جماعية لتحقيق مطلب التغيير الديموقراطي وتعزل عملية التغيير عن تأثيرات المحيط الإقليمي السلبي وتضبطه على مصالح وأهداف الشعب السوري عن طريق تفعيل حركة الشعب بأكمله وخاصة الخائفين من التغيير وصهرها في حركة وطنية عامة محددة البداية وواضحة النهاية.
د.نصر حسن
التعليقات